“الحزب الإسلامي التركستاني” من الصين إلى سوريا

“الحزب الإسلامي التركستاني” من الصين إلى سوريا
Spread the love

TIP

بقلم: جلال سلمي* — منذ بداية الأزمة السورية أعلنت الصين دعمها السياسي والاقتصادي للنظام السوري، وكرد على هذا الإعلان وسعيا ً في الانتقام من الصين وحلفائها أفصح “الحزب الإسلامي التركستاني” عن وجوده الكياني الحربي في سوريا عبر عدة تسجيلات مصورة صدر أولها في أيلول – سبتمبر من عام 2015.
ويؤكّد مراقبون أن مقاتلي “الحزب الإسلامي التركستاني” أظهروا وجودهم في سوريا قبيل التسجيلات المصورة بفترة من الزمن، ولكن قيادة الحزب فضلت إرجاء الإعلان عن حضورها في الداخل السوري حتى يكتمل تنظيم عناصرها والعلاقات الميدانية التي جمعتهم مع الجماعات الجهادية الأخرى.
تأسس “الحزب الإسلامي التركستاني” عام 1993 تحت اسم “حركة شرق تركستان الإسلامية”، وكان الهدف الرئيسي من تأسيسه هو إنشاء دولة إسلامية مستقلة في إقليم “تركستان الشرقية” الواقعة شمال غرب الصين، والتي تنحدر الأصول العرقية لسكانها إلى العرق الأيغوري التركي.
وعلى الرغم من تصنيف الأمم المتحدة للحركة المذكورة على أنها حركة إرهابية عام 2002 ومباركة واشنطن تلك الخطوة وإدراجها في قائمة الحركات الإرهابية عام 2003 واتجاه بعض الدول الأخرى لإعلانها حركة إرهابية والنحو لمحاربتها في أماكن تواجدها، إلا أنها ما زالت حركة قوية تُثبت وجودها هنا وهناك، وكانت المحطة الشامية آخر المحطات التي أظهرت قوة وجود الحركة على الساحة الدولية.
وتعتبر القرى والمناطق المحيطة بإدلب، خاصة منطقة جسر الشغور وأريحا وجبل الزاوية، وبعض أقاليم اللاذقية، خاصة جبل التركمان، هي النقاط الأساسية التي يُظهر فيها مقاتلو “الحزب الإسلامي التركستاني” نشاطهم العسكري.
منذ قدوم مجاهدي “الحزب الإسلامي التركستاني” إلى سوريا وهم على اتفاقٍ متين مع جبهة النصرة التي تمثل لهم الحاضنة الرحيبة والداعم اللوجستي والعسكري الأكبر، ويُعزى ذلك الاتفاق الضليع إلى التوافق المنهجي ما بين الطرفين، فكلاهما يدين بالمنهج السلفي الجهادي “القاعدي” الداعي إلى الجهاد ومقارعة أعداء المسلمين أينما ثٌقفوا، على حد ما يُشير إليه الباحث السياسي “جان أجون”، الباحث في مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية “ستا” التركي، عبر لقاء هاتفي.
وأكّد أجون أن مصادر التمويل المادي واللوجستي الخاص “بالحزب الإسلامي التركستاني” ليس منوطة فقط بالدعم الذي يتلقاه من جبهة النصرة، بل تمتد تلك المصادر لتشمل أيضا ً الدعم المقدم من جماعات الجيش الحر وغيرها من الجماعات الفاعلة في سوريا، والتي تحظى بدعم عددٍ من الدول الإقليمية وعلى رأسها تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية، وكما أنه يعتمد بشكل كبير على الغنائم التي يحصل عليها من معاركه مع جيش النظام السوري.

وتُقدر أعداد مقاتلي “الحزب الإسلامي التركستاني” ما بين ألفين إلى 3 آلاف مقاتل. تقيم بعض عائلات هؤلاء المقاتلين في تركيا، حيث تسمح لهم الحكومة التركية بالإقامة المؤقتة المتجددة بناء ًعلى قوانين المواطنة التركية التي تمنح أبناء العرق التركي امتيازات واسعة تصل إلى منحهم إقامات متجددة لمدة عامين ومنحهم الجنسية، بعد فترة من الزمن، بناء ً على المادة 12 والمادة الاستثنائية رقم 1 من قانون المواطنة التركية رقم 5901 والصادر بتاريخ 29 مايو 2009.
وحول قضية بقائهم في سوريا أو رحيلهم عقب انتهاء الحرب الدائرة، تؤكّد العديد من المصادر الميدانية أن العديد من المقاتلين الأيغور يبيعون بيوتهم في الصين أو باكستان ويأتون ويقيمون مع عائلاتهم في سوريا حيث أجواء الحرب والاقتتال، وقد أفادت الكثير من المصادر السورية المحلية بأن الكثير من عائلات مقاتلي “الحزب الإسلامي التركستاني” تقيم الآن في عددٍ من قرى العلويين الموجودة في منطقة جسر الشغور الخاضعة لسيطرة الجيش الحر.
وبناء على ذلك؛ لا يُتوقع بأن يرحل المقاتلون وعائلاتهم بعد أن تضع الحرب أوزارها. ولكن على صعيد آخر؛ تنص مبادئ الوثيقة التأسيسية للحزب على أن الهدف الأساسي له هو إقامة دول إسلامية تركستانية مستقلة، وفي ظل تضارب التوقعات الميدانية مع الهدف الاستراتيجي للحزب تطفو على السطح علامة استفهام تنتظر التحركات العملية للحزب مع مرور الوقت، لكي تتضح الإجابة النهائية لتلك المسألة.
يسود رحلة قدوم مقاتلو “الحزب الإسلامي التركستاني” إلى سوريا الكثير من المشقة، حيث يهرب بعضهم من الصين أو باكستان إلى أفغانستان ومن هناك يأتون إما بطريقة شرعية أو غير شرعية إلى تركيا التي تغض الطرف عن عملية انتقالهم إلى سوريا عبر حدودها، على حد زعم صحيفة “عقد” التركية عبر تقريرها الصحفي “حرب الوكالة في سوريا: الصين والحزب الإسلامي التركستاني نموذجاً”.
ووفقا ًلما تبيّنه الصحيفة أيضاً، فإن الصين تدعم جيش النظام السوري لوجستيا ًوبشرياً، فالدعم البشري يشمل الخبراء فقط وليس الجنود المحاربين، وزادت وتيرة دعمها له عقب استقطاب الحرب لعدد من مقاتلي “الحزب الإسلامي التركستاني”، إذ وجدت الصين في ذلك فرصة ذهبية للقضاء عليهم خارج حدودها، ويُعتقد بأن هناك نشاطاً عسكرياً صينياً سورياً كثيفاً في مناطق تواجد مقاتلي “الحزب الإسلامي التركستاني”.
أما عن العلاقات التي يقيمها مقاتلو “الحزب الإسلامي التركستاني” مع غيرهم، فتجمعهم علاقات وطيدة مع القوى السورية المعارضة كافة، ولكن العلاقة مع جبهة النصرة هي الأقوى على الإطلاق، وقد ازدادت هذه العلاقة متانة عشية حدوث بعض النقص في صفوف “الحزب الإسلامي التركستاني” جراء انضمام بعض العناصر “لتنظيم داعش”.
وقد أكّد العلاقة الجيدة التي تجمع “الحزب الإسلامي التركستاني” بغيره من الجماعات المعارضة والجهادية الأخرى في سوريا، القائد العام لمقاتلي الحزب في سوريا “إبراهيم منصور” الذي خصّ وكالة الأناضول بلقاء خاص في الأول من نوفمبر عام 2014، مُشيرا ً إلى “أن مقاتلي حزبه قدِموا إلى سوريا بغية مساندة أخوتهم السوريين المظلومين وليس لديهم أي أهداف جيوسياسية توسعية، متمما ً أن الحزب على استعداد لإقامة العلاقات الوطيدة مع أي مجموعة جهادية تحارب من أجل دفع الظالم ومؤازرة المظلوم”.
ويستثني منصور “تنظيم داعش” من قائمة المجموعات الجهادية، موضحا ً أن تنظيم “داعش” “سرطان” الدين الإسلامي في المرحلة الحالية، ولا بد من تعريفه على أنه شبيه للنظام السوري ولا فرق فيما بينهما.
خبرة “الحزب الإسلامي التركستاني” العسكرية القديمة النابعة من باعه الطويل في حرب المدن الذي خاضها ضد الجيشين الباكستاني والصيني، لعبت دوراً كبيرا ً في تمكين الثوار من صد جيش النظام السوري ودحره عن مدينة إدلب، وإلى جانب ذلك، يحظى “الحزب الإسلامي التركستاني” بقبول شعبي ملموس في سوريا، وقد نبع هذا القبول من نجاحاته العسكرية وعدم فرضه للضرائب والإجراءات الصارمة الأخرى على الشعب.
ولعب “الحزب الإسلامي التركستاني” بمقاتليه وخبرتهم دورا ًمفصليا ًفي حسم بعض المعارك لصالح المجموعات المعارضة، وبذلك الدور ومعاملته الحسنة لأهالي المناطق المحررة حظي بتقبل شعبي ملحوظ منحه الفرصة للإقامة في بيوت المواطنين السوريين أبناء المذهب العلوي من دون مواجهة أي اعتراض من قبل المجموعات المعارضة أو الأهالي، وهذا يحمل في طياته دلالة على أن الأيام القادمة ستشهد المزيد من تدفق مقاتلي “الحزب الإسلامي التركستاني” وعائلاتهم إلى سوريا.

*كاتب فلسطيني مقيم في تركيا، خريج علاقات دولية وعلوم سياسية جامعة توب في أنقرة، يعمل حاليًا في مركز أبحاث أتاتورك الإستراتيجية.