القدس في “خطة القرن”

القدس في “خطة القرن”
Spread the love

بقلم: نداف سرغاي – محلل سياسي إسرائيلي —

بعد وقت قصير من إجراء الانتخابات تنوي الولايات المتحدة أن تطرح على الطاولة “خطة القرن”، وفي مركزها بند القدس. التوقيت مدروس بدقة، وهو يهدف إلى إجبار جميع اللاعبين على الساحة الإسرائيلية على التعامل مع المخطط في أثناء المفاوضات الائتلافية لتشكيل الحكومة الجديدة. لقد سبق أن جرى عرض أجزاء وأفكار مركزية من الخطة أمام إسرائيل والفلسطينيين، وأمام السعودية والأردن ومصر، وننشر هنا لأول مرة خطوط المخطط (ليس بالضروري النهائي) فيما يتعلق بالقدس، كما عُرض أمام الأطراف.
تقسّم خطة ترامب عملياً القدس وتغيّر حدودها. فهي تخرج من حدود بلدية المدينة التي طُبق عليها القانون الإسرائيلي في سنة 1967، المناطق المكتظة مثل كفر عقب ومخيم اللاجئين شعفاط الواقعيْن خارج جدار الفصل، وتنقلهما داخل منطقة الدولة الفلسطينية التي ستمتد، بحسب الخطة، على نحو 85% من مناطق الضفة الغربية. أيضاً الأحياء العربية في جنوب المدينة، مثل جبل المكبر، وعرب السواحرة، وأم ليسون وأم طوبا، ومن المحتمل صور باهر (المتاخمة للأحياء اليهودية تلبيوت شرقاً وجبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف]) ستنتقل إلى السيادة الفلسطينية. وتمنح الخطة، على الأقل في مرحلتها الأولى، إسرائيل صلاحيات أمنية واسعة في المناطق التي ستخرج من القدس.
يميز الأميركيون من حيث المبدأ بين منطقة القدس الأردنية سابقاً في حدودها التي كانت قبل سنة 1967، والتي تبلغ نحو 6 كيلومترات فقط، وتشمل المدينة القديمة والأحياء المتاخمة لها، وبين 64 كيلومتراً إضافياً ضمتها إسرائيل إلى القدس بعد حرب الأيام الستة، بينها 28 قرية لم تكن في الأساس تشكل جزءاً من القدس.
بحسب مخطط ترامب، أجزاء واسعة من هذه المنطقة المقلصة التي تقع فيها المدينة القديمة و”الحوض المقدس”، وأيضاً جزء من سلوان – مدينة ديفيد، ومنطقة جبل الزيتون، ومنطقة شمعون الصديق، ووادي الجوز – حي الشيخ جراح، وعلى ما يبدو، أبو طور أيضاً – ستبقى السيادة عليها في يد إسرائيل. مع ذلك، جزء من الأحياء العربية الموجودة في حلقات أوسع من القدس، من المفترض أن تنتقل إلى السيادة الفلسطينية. وسيبقى 12 حياً يهودياً جرى إقامتها بعد سنة 1967 في منطقة القدس “المقلصة” (الأردنية) و”الموسعة” (28 قرية) ويعيش فيها حالياً 220 ألف يهودي، بيد إسرائيل وستكون تابعة لسيادتها.
مخطط ترامب هو أكثر سخاء مع إسرائيل من مخطط الرئيس السابق بيل كلينتون وأيضاً من الاقتراحات المتعددة التي نوقشت في مؤتمر أنابوليس. سعى كلينتون لفرض السيادة الفلسطينية على الأحياء العربية في القدس الشرقية، بما في ذلك على أغلبية المدينة القديمة ومحيطها (باستثناء الحي اليهودي ومناطق قليلة أُخرى). وفي عملية أنابوليس (التي شاركت فيها حكومة أولمرت في سنتيْ 2007-2008) جرى الحديث عن نظام وصاية على المدينة القديمة والحوض المقدس تشارك فيه خمس دول.
في مقابل ذلك، يترك مخطط ترامب لإسرائيل السيادة على المدينة القديمة ومنطقة الحوض المقدس، ويتحدث في الوقت عينه عن تعاون مع الفلسطينيين في إدارة هذه المنطقة. المصطلح المستخدم في هذا السياق هو “سيادة وظيفية”، أي: إعطاء صلاحيات في مجالات متعددة، من دون “سيادة عليا” ستبقى بيد إسرائيل. السيادة الوظيفية هي مصطلح له مجموعة واسعة من الاحتمالات، بدءاً بمشاركة إدارية رمزية للفلسطينيين بواسطة إدارات عامة أو أحياء بلدية، وصولاً إلى حكم ذاتي حقيقي، تحت السيادة الإسرائيلية ورقابتها في مجالات النظافة، والحدائق، والطرقات، والدين، والتخطيط المادي، والمواصلات، والاقتصاد، وحتى البلديات والشرطة.
خلال فترة ولاية رئيس بلدية القدس السابق تيدي كوليك، جرت أعمال كثيرة في هذا المجال، وليس تحديداً في إطار حل سياسي للمدينة. وقام معهد القدس للأبحاث والسياسات بوضع احتمالات أُخرى في هذا الاتجاه. وكما هو معروف، هذه المواد استخدمها الطاقم الأميركي الذي عمل على صوغ الخطة، كمادة ساعدته على بلورة خطته.
من المتوقع أن يثير إشراك الفلسطينيين في إدارة المدينة القديمة، حتى من دون سيادة على الأرض، خلافاً شديداً. في رأي كبار المسؤولين الإسرائيليين،ما هو وارد في المخطط هو “فوضى وطمس خطوط وصلاحيات يمكن أن تزيد التوترات في المكان بدلاً من تهدئتها”. يوجد في هذه المنطقة مجمع ديني فيه مئات المساجد، والكنائس والكنس، وفي مركزها جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف] والحائط الغربي، وكنيسة القبر المقدس. ويعيش في المدينة بصورة مكتظة نحو 38 ألف شخص. 90% منهم تقريباً من غير اليهود، وهم في الأساس مسلمون وقليل من المسيحيين والأرمن، ونحو 10% من اليهود (تقريباً 3000 شخص في الحي اليهودي، وقرابة 1500 في الحي الإسلامي).
قضية مهمة أُخرى جرى بحثها بين الأميركيين وبين إسرائيل والأطراف العربية والفلسطينيين الذين عُرضت عليهم أجزاء من مخطط ترامب، هي نوع الحدود التي تفصل بين القدس الإسرائيلية والقدس الفلسطينية بعد ترسيم الحدود الجديدة. كل الأطراف كان لها تطلُّع مسبق في المحادثات، هو إبقاء القدس مدينة مفتوحة؛ وحدة مادية واحدة من دون حدود، بحيث يبقى الانتقال بين أقسام المدينة حراً ومفتوحاً سواء أمام الإسرائيليين أو الفلسطينيين، حتى بعد أن تجري بلورة حدود المدينة من جديد وتقسيم السيادة عليها. مع ذلك، يسود إدراك لدى الأميركيين أن هناك فرقاً بين المأمول وبين ما هو متاح، وذلك بسبب مشكلات أمنية صعبة تنطوي عليها الحدود المفتوحة.
لقد عبّر المستويان العسكري والأمني في إسرائيل عن رأيهما في جولات مفاوضات سابقة أنهما مع، حدود صارمة تمنع العبور الحر، وتشمل عشرات المعابر ونقاط الرقابة. ومن المفترض أن تسمح هذه النقاط والمعابر بتدقيق ناجع ومنع إرهاب الهجمات من جانب أطراف متطرفة فلسطينية تعارض اليوم، ومن المنتظر أن تعارض أيضاً في المستقبل، أي اتفاق أو تسوية. في الجولات السابقة للمحادثات وافق المستوى السياسي على موقف المستوى المهني، لكن ليس واضحاً كيف سيكون موقفه من المخطط الحالي.
في إطار المحادثات مع الأميركيين قدّم الجانب الإسرائيلي تحفظاته، وأعرب عن صعوبة تمرير خطة تقسيم من هذا النوع أمام الرأي العام، وطُرحت أفكار من أجل التخفيف من “الضربة” مثل توسيع مساحة القدس الإسرائيلية في اتجاه معاليه أدوميم شرقاً ، وضمن هذا الإطار شرعنة خطة بناء حي E-1 (يربط بين القدس وبين معاليه أدوميم)، وتوسيع منطقة القدس جنوباً أيضاً نحو منطقة غوش عتسيون وبيتار (وشرعنة البناء في غفعات همتوس)، وشمالاً في اتجاه غفعات زئيف وأدام.
المكون الثالث المركزي في بنود القدس في مخطط ترامب يتعلق بالأماكن المقدسة في المدينة. الحائط الغربي سيبقى حصرياً في يد إسرائيل بما في ذلك ممراته تحت الأرض، على طول نفق الحائط، وصولاً إلى طرفه الشمالي، وكذلك الجزء الجنوبي من الحائط الغربي (الحوض الأركيولوجي) – إجمالاً قرابة 488 متراً فوق الأرض وتحتها. ويتعارض هذا المكون مع الموقف الفلسطيني المستعد لقبول بقاء نحو 60 متراً فقط في يد إسرائيل من الحائط الذي يرتفع فوق ساحة الصلاة.
بالنسبة إلى الحرم القدسي الشريف فحص الأميركيون مع الأطراف إحداث تغيير، في إطاره تنضم إلى الأردن إدارة عربية – دينية مشتركة، ودول أُخرى تدير الموقع عملياً مع إسرائيل، مع استمرار السيادة الإسرائيلية. حالياً الأردن وحده يدير الموقع، بحسب اتفاق السلام مع إسرائيل، وتفاهمات رسمية وغير رسمية بينه وبين إسرائيل. أيضاً، تعمل اليوم لجنة إسرائيلية – أردنية مشتركة. وهي تتعامل مع كثير من المشاكل التي تنشأ بين حين وآخر، مثل أزمة البوابات الممغنطة في 2017، ومثل الأزمة الحالية في منطقة باب الرحمة، التي حولها الوقف الإسلامي في الأسبوعين الأخيرين إلى مسجد خامس في الحرم القدسي الشريف.
مرشحون أساسيون للمشاركة في هيئة إدارية – دينية – سياسية من هذا النوع جرى ذكرهم في المحادثات التي أجراها الأميركيون، هم السعودية والمغرب والفلسطينيون. يعارض الأردن بشدة هذا الاحتمال الذي يمكن أن يُلحق الضرر مستقبلاً بالمكانة المرموقة الحالية للأردن في الحرم بين أطراف إسلامية، وهو يعارض بصورة خاصة انضمام السعودية إلى إدارة الحرم، المنافس الأكبر على الوصاية على الأماكن المقدسة الإسلامية، والتي تسيطر حالياً على مكة والمدينة المنورة.
مكون آخر في مخطط ترامب عُرض على الأطراف للمناقشة هو “معبر آمن”- لم يتضح بعد وضعه القانوني- بين القدس الفلسطينية وبين الحرم القدسي الشريف.
موقف الفلسطينيين من مخطط ترامب وبصورة خاصة من كل بنود القدس هو سلبي للغاية. وموقف أجزاء كبيرة من حزب أبيض أزرق برئاسة غانتس ولبيد من بنود القدس في مخطط ترامب- بحسب المواقف التي عبّروا عنها سابقاً- من المتوقع أن يكون مؤيداً جداً. موقف نتنياهو من بنود القدس في خطة ترامب ليس واضحاً.
من جهة، تُعتبر خطة ترامب الخطة الأكثر سخاء التي اقترحها رئيس أميركي على إسرائيل بشأن القدس، وهي تشكل اعترافاً بالسيادة الإسرائيلية على المدينة القديمة والأحياء المتاخمة لها. ومن جهة ثانية، تتحدث الخطة عن تقسيم القدس – حتى لو استخدموا مصطلحاً آخر – مع ما ينطوي عليه هذا من مخاطر أمنية لا بأس بها. يجب أن نتذكر أن ترامب لم يُخفِ السنة الماضية أنه ينتظر “مقابلاً” إسرائيلياً للاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إلى العاصمة.
الاشتباك الذي بادر إليه نفتالي بينت مع نتنياهو بشأن مخطط ترامب، هو على ما يبدو مقدمة للجدل الساخن – الفكري والأيديولوجي والأمني- الذي سينشأ هنا بشأن “خطة القرن” بصورة عامة، وبشأن بنود القدس فيها بصورة خاصة.

المصدر: صحيفة “يسرائيل هَيوم” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية