معاريف: الآن، يهود أميركا لهم أهمية أكثر من أي وقت مضى

Spread the love

بقلم: نداف تامير – محلل إسرائيلي-

عندما ارتُكبت “مذبحة” 7 تشرين الأول/أكتوبر، كنت أقوم بجولة في الولايات المتحدة. وفي اليوم التالي، سافرت على متن أول طائرة إلى البلد. وصلت إلى “إسرائيل مختلفة”، تخيم عليها الصدمة والخوف. عدت إلى الولايات المتحدة، فوجدت جالية يهودية حزينة، غاضبة ومترددة. الخلافات ليست فقط بين يمين ويسار، وبين مَن يسمح بانتقادات، أو يتصالح مع كل قرار تتخذه حكومة إسرائيل.
سياسة حكومة نتنياهو وإنكار جميل الرئيس الأميركي، الأكثر صهيونيةً في التاريخ، دفعا إلى انتقادات كثيرة، حتى في أوساط الذين اعتقدوا سابقاً أن انتقاد حكومة إسرائيل يضع البلد في دائرة الخطر. هناك أيضاً خلافات بشأن دعم إسرائيل والصهيونية، وهو ما جعل تعريف أغلبية اليهود الليبراليين في الولايات المتحدة لأنفسهم قضية خلافية.
في مقابل الحكومة المتطرفة في إسرائيل، والانقلاب الدستوري ومشاهد الدمار والجوع والقتل في غزة الآن، يفقد كثيرون من الشبان في الولايات المتحدة الأمل، وينجرّون خلف رؤى خطِرة ترفض التعامل مع إسرائيل على أنها دولة للشعب اليهودي الذي عاد إلى “أرضه”، بل كحالة قمع كولونيالية. بيتر بينارت مثلاً، أحد الأصوات اليهودية البارزة في العلوم الاجتماعية، يقول إن الصهيونية والليبرالية لا يمكن أن تتماشيا معاً، وأنه يتوجب على يهود الولايات المتحدة أن يختاروا؛ إمّا دعم شعبهم بوطن قومي، وإمّا القيم الليبرالية التي تشكل أساس هويتهم. هذا نموذج من الأزمة التي تمرّ بها الجالية اليهودية الأكبر في العالم خارج إسرائيل، لكن بينارت مخطئ ويضلل الآخرين.
في ظل الرؤى السطحية التي تتعامل مع المسائل بطريقة إمّا أبيض، وإمّا أسود، تصبح مهمة المنظمات الليبرالية اليهودية، مثل “جي ستريت”، أهم – وتواجه تحديات – أكثر من أي وقت مضى. وفي مقابل الانتقادات من اليسار، التي تدين تأييد “جي ستريت” للدعم الأميركي لإسرائيل، من المهم دائماً طرح موقف يفرّق بين معارضة سياسة حكومة إسرائيل، وبين الدعم غير المحدود لدولة إسرائيل.
أعضاء منظمة “جي ستريت” يواجهون، يومياً، صعوبات في الاستمرار في إيجاد حيّز صهيوني تقدمي، في ظل واقع تتحول فيه الصهيونية إلى كلمة منبوذة في مواقع عديدة داخل الولايات المتحدة. دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها أمام “حماس” وإزاحتها عن الحكم ومواقع القوة في غزة، وفي الوقت نفسه، مطالبة حكومة إسرائيل بالتوقف عن القتل الواسع النطاق للمدنيين، وإدخال مساعدات إنسانية تستجيب لحالة الجوع المتفاقم، وطرح أفق ورؤية سياسية.
لقد التقيت يهوداً يتألمون جرّاء الصدمة التي يعانيها الإسرائيليون، ويتماهون مع الشعور بفقدان الأمان، وفي الوقت نفسه، يشعرون بألم الغزّيين. يصلّون من أجل عودة الرهائن ونهاية الألم في غزة. ويؤمنون بأن مهمة هزيمة “حماس” مبررة بهدف تحقيق الأمان والتقدم إلى ترتيبات، لكنهم لا يعتقدون أن هذا ممكناً بأدوات عسكرية فقط.
اليهود الأميركيون يعيشون حالة خوف لأن أغلبية الإسرائيليين لا تعلم بالمعاناة في غزة والضرر الأخلاقي والاستراتيجي الناتج من ذلك. إنهم يعتقدون أن نتنياهو، ليس فقط ناكراً للجميل، بعد الدعم غير المسبوق من بايدن، بل أيضاً يحاول إفشال حملته الانتخابية. وفي نظرهم، لا يوجد ما هو أسوأ من عودة ترامب، بالنسبة إلى العالم الحر والديمقراطية في الولايات المتحدة، وحقيقة أن إسرائيل يمكن أن تساهم في ذلك، هي بمثابة كابوس بالنسبة إليهم.
الانقسام بشأن إسرائيل موجود وواسع في كافة الأوساط الليبرالية في الولايات المتحدة – الجالية اليهودية، والحزب الديمقراطي، والجامعات، والمجتمع عموماً. هناك أهمية كبيرة، أكثر من أي وقت مضى، لفئات من الجمهور اليهودي في الولايات المتحدة، والتي تعارض سياسات الحكومة، لكن هؤلاء كانوا وما زالوا صهيونيين فخورين بصهيونيتهم. يؤمنون بحق الشعب اليهودي بوطن قومي، ويفهمون أنه من أجل ضمان هذا، يتوجب على الولايات المتحدة استعمال كافة أوراق القوة الممكنة لإنقاذ إسرائيل الليبرالية التي يتم دهسها تحت أقدام حكومة نتنياهو، ومساعدة الفلسطينيين والإسرائيليين على الخروج من دائرة العنف.

المصدر: صحيفة معاريف الإسرائيلية – نقلاً عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole