هآرتس: إسرائيل تتأهب لضرب إيران، والخطر الأكبر أنها ستجرّ حزب الله إلى عمق المواجهة

هآرتس: إسرائيل تتأهب لضرب إيران، والخطر الأكبر أنها ستجرّ حزب الله إلى عمق المواجهة
Spread the love

بقلم: عاموس هرئيل – محلل سياسي إسرائيلي/

بعد النجاح في صدّ هجوم الصواريخ والمسيّرات الإيرانية، يبدو أن إسرائيل تعتزم القيام بالرد. لقد دعا نتنياهو يوم أمس (الإثنين) إلى سلسلة من المناقشات العاجلة والمكثفة بشأن الرد الإسرائيلي على الخطوة الإيرانية الاستثنائية مساء السبت. وعلى الرغم من أن إطلاق أكثر من 350 صاروخاً ومسيّرة في اتجاه إسرائيل انتهى بإخفاق مدوٍّ: 4 إصابات سطحية بالصواريخ، وإصابة طفلة بجروح خطِرة في النقب- فإن القيادة الإسرائيلية تركز على السابقة الخطِرة التي حدثت، وتشعر بأن عليها أن توضح لنظام طهران عواقب ما حدث.
سيعود نتنياهو إلى الاجتماع بمجلس “الكابينيت الحربي” اليوم، للمرة الثانية خلال يوم واحد، من أجل مناقشة الرد المطلوب. كما أعلن ديوان نتنياهو أن رئيس الحكومة استدعى بعض قادة كتل المعارضة لتقديم إحاطة أمنية استثنائية. وفي خلفية الأمور، لا يجب علينا تجاهُل الاعتبارات السياسية الداخلية المرتبطة باتخاذ هذه القرارات. إذ إن نتنياهو يتعرض للمزايدة من اليمين، من طرف رئيسَي الكتلتين المتطرفتين الشريكتين في حكومته، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذين دعيا علناً إلى تنفيذ انتقام مدوٍّ ضد إيران.
إن الولايات المتحدة، التي أدت مساعداتها العملياتية لإسرائيل دوراً رئيسياً في صدّ الهجوم، تطلب منها الآن الامتناع من الردّ، حسبما قال الرئيس جو بايدن في محادثة هاتفية مع نتنياهو صباح أمس، وتكررت تلك الرسائل منذ ذلك الحين، عبر عدة قنوات مفتوحة مع مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية. وكذلك الدول الأوروبية التي ساعدت في صدّ الهجوم، وضمنها بريطانيا وفرنسا، فإنها قامت بإرسال رسائل مماثلة. لقد أوضحت الولايات المتحدة لإسرائيل أنها لن تشارك، في ظل هذه الظروف، في أي نشاط هجومي مضاد لإيران.
لكن، وبحسب وسائل الإعلام الأميركية، فإن بايدن لا يحاول عرقلة التحرك الإسرائيلي فعلاً. إن جزءاً من التحفظ الأميركي، الذي تم التعبير عنه في مكالمة بايدن مع نتنياهو، نابع من خشية الولايات المتحدة من أن تبدو متماهية مع الهجوم الإسرائيلي، بعد ساعات قليلة من قيام طيارين حربيين من الدولتين بإسقاط مسيّرات وصواريخ كروز إيرانية، جنباً إلى جنب.
وعلى الرغم من تسرُّب أخبار إلى وسائل الإعلام بشأن خلافات في الرأي في مجلسَي “الكابينيت” [الكابينيت العام والكابينيت الحربي]، وهي خلافات تتعلق أيضاً بانعدام الثقة الحاد السائد بين نتنياهو وبين شريكيه في حكومة الطوارئ، الوزيرين بني غانتس وغادي أيزنكوت، فإن الإجماع الأساسي في القيادة يبدو أنه يتجاوز الخلافات السياسية الداخلية. بل إن هذا الإجماع يشمل رؤساء المؤسسة الأمنية، ورئيس هيئة الأركان الذي صرّح في أثناء زيارته لقاعدة نفاطيم الجوية أمس [المطار الرئيسي في صحراء النقب، الذي يحتوي على أسراب طائرات F35، والذي يُشاع أن الضربة الجوية التي استهدفت السفارة الإيرانية في دمشق انطلقت منه]، بأن إسرائيل ستردّ على الهجوم على أراضيها. الفكرة السائدة هنا هي أن الردّ مطلوب، على الرغم من أنه من المقبول الاعتقاد أن رداً محسوباً سيؤخذ بعين الاعتبار، بحيث يمرّر رسالة إلى إيران من دون أن يؤدي إلى انزلاق الشرق الأوسط بأسره نحو حرب إقليمية.
فضلاً عمّا تقدم، علينا أن نتذكر أن المؤسسة الاستخباراتية الإسرائيلية أخطأت عندما قللت من حجم المخاطرة لدى مناقشة موضوع اغتيال الجنرال حسن مهدوي في 1 نيسان/أبريل، وهي الحادثة التي أطلقت جولة التوتر السائدة. الخطر الأكبر في هذا الشأن يتمثل في حزب الله. لقد قامت إيران ببناء حزب الله كتنظيم وترسانة أسلحة، وبصفته ردعاً، وردّاً على احتمالات قيام إسرائيل بمهاجمة المواقع النووية في إيران. والآن، من شأن إيران استخدام الحزب أيضاً في سياق الرد على هجوم إسرائيلي محتمل ومحدود على أراضيها، وهو ما يرفع احتمالات نشوب الحرب.
حتى الآن، لا يبدو أن حزب الله متحمس للانضمام إلى الجهد الإيراني. فمباشرة بعد عملية الاغتيال، أوضح حسن نصر الله أن الثأر هو شأن إيراني، لأن كرامة طهران هي التي تضررت. لقد شارك حزب الله في القصف يوم السبت الماضي بصورة رمزية، لا غير. وعلى الرغم من ذلك، فإنه من المعقول الاعتقاد أن إيران، في حال حدوث تدهور إضافي، ستضغط على نصر الله للمشاركة في حربها.
خلف الكواليس

قدّر بعض المراقبين الغربيين المتمرسين خلال الأيام الماضية أن دولة أُخرى كانت متورطة في الهجوم الإيراني، بصورة غير مباشرة، وهي روسيا. ويقول هؤلاء إن الغارة هي تعبير عن محاولة نظام طهران وقف هجمات “مبام” [المعركة بين الحروب] الإسرائيلية ضد العناصر التابعين له في سورية. لقد سعى الإيرانيون لوضع حد لهذا الارتفاع في نسبة الاغتيالات والقصف من جانب إسرائيل، وهو اتجاه كان، بحد ذاته، ردّاً على المعونات الإيرانية الواسعة المقدمة إلى كلٍّ من حزب الله والمنظمات الفلسطينية.
لكن هذا التحليل يدل على أن للروس مصلحة خفية، في إطار التحالف الإستراتيجي الآخذ في التوثق بينهم وبين الإيرانيين. في نظر موسكو، كان الهجوم الإيراني الواسع النطاق يهدف أيضاً إلى جذب أنظار العالم نحو الشرق الأوسط، وإبقاء الانتباه الغربي هناك لكي يتاح للروس مواصلة حربهم في أوكرانيا، حيث حققوا خلال الفترة الماضية نجاحاً معيناً في المعارك التي دارت في شرق الدولة. إن الارتفاع في التوتر في الشرق الأوسط سيتطلب أيضاً تحويل الموارد والمعدات الحربية إلى الشرق الأوسط، على حساب إنتاج السلاح والمساعدات الأمنية التي يوجهها الغرب إلى أوكرانيا، والتي تساهم في صمود أوكرانيا في وجه الغزو الروسي منذ عامين. إن حدوث أزمة مستمرة في الشرق الأوسط سيرفع أسعار النفط، ويصب في مصلحة تصدير النفط الروسي.
يمكن أن تتمثل النتيجة الأهم لهذه الأزمة، في حال امتدت، في هزيمة بايدن في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، وهو أحد الأهداف الاستراتيجية الحاسمة لنظام بوتين. إذ يتمنى النظام الروسي عودة ترامب، الذي لم يخفِ تقديره لبوتين، والذي تساهل معه كثيراً. لكن في هذه الأثناء، يمكن للإخفاق الإيراني أن يتحول أيضاً إلى إخفاق روسي. هناك إشارات أولية تفيد بأن الجمهوريين في الولايات المتحدة يوقفون معارضتهم للتشريع المتعلق بالمساعدات الخارجية، الذي سيضمن قيام إدارة بايدن بتحويل عشرات مليارات الدولارات كمساعدات أمنية لثلاث دول معرضة للتهديد، هي أوكرانيا وإسرائيل وتايوان.
منذ “مذبحة” السابع من تشرين الأول/أكتوبر، شنّ الجمهوريون، بتشجيع من ترامب، معركة تهدف إلى تعطيل التشريع. والآن، من المحتمل أن تساعد خطورة التهديد المحيق بإسرائيل بايدن على إظهار الحاجة العاجلة إلى إرسال شحنات السلاح. منذ وقت بعيد، كان في إمكان إسرائيل ترسيخ نفسها في المعسكر الديمقراطي إلى جانب بقية الدول المعرضة للخطر، وربما ستحظى بفرصة أُخرى للحصول على بطاقة عضوية في ذلك النادي. لهذا الغرض، لن يضرنا لو توقفت إسرائيل عن التهرب، وأظهرت دعمها العلني لأوكرانيا المعرضة للهجوم، في الوقت الذي تعقد روسيا حلفاً مع إيران.
نافذة شديدة الضيق

وجدت إدارة بايدن في أحداث الأيام الماضية نافذة زمنية ضيقة لمحاولة العودة إلى تطبيق مخططات واسعة. إن إحباط الهجوم الإيراني لا يُعد إنجازاً تاريخياً من نواحٍ عسكرية وتكنولوجية فحسب، بل يعبّر عن التنسيق الوثيق، الأول في نوعه، بين إسرائيل وبعض الدول السّنية في الإقليم، بحسب التقارير، وتحت المظلة الأميركية. ظاهرياً، لدينا نقطة انطلاق أكثر تفاؤلاً تتمثل في عقد حلف حقيقي بين هذه الدول، كمقابل وازن للعدوان الإيراني.
إن قيادة هيئة الأركان الإسرائيلية ترى أيضاً فيما حدث فرصة. لكن من الصعب أن نرى كيف ستتحقق هذه الفرصة، إذ إن السعوديين بحاجة ماسة إلى مكون فلسطيني في الواقع الإقليمي الجديد، في صورة موطئ قدم لحركة “فتح” والسلطة في السلطة المستقبلية التي ستحكم القطاع. هذا، في حال رحلت “حماس” ذات يوم من هناك، ونتنياهو غير مستعد لتوفير هذا الأمر بأي صورة. التبرير هنا أيديولوجي، لكنه أيضاً نابع من مصالح سياسية ضيقة، ويستند إلى مخاوفه من بن غفير وسموتريتش.
للمرة الأولى منذ نحو نصف سنة، ابتعد ما يحدث في القطاع عن عناوين وسائل الإعلام العالمية، في ضوء تبادُل الضربات بين إسرائيل وإيران. هذا هو وقت إيران، على الأقل إلى أن تتضح الإجابة عن السؤال المتعلق بكيفية الرد الإسرائيلي ومتى. إن الانشغال بالرد الإسرائيلي أبعد النقاشات اللامتناهية بشأن عملية برية عسكرية في رفح.
… يحتمل أننا قد وصلنا الآن إلى مرحلة مناقشة صفقة شاملة، تتم دفعة واحدة. سيكون الأمر مشروطاً بتقديم تنازل، موقت على الأقل، عن الأحلام العبثية بشأن تحقيق النصر المطلق. لكن لو صارت إيران وحزب الله مركز الحرب، يُنصح بمحاولة بذل جهد أخير لإنقاذ المختطفين، قبل أن يختفوا في أنفاق قطاع غزة إلى الأبد.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية – نقلاً عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية