القواعد الثماني والأربعون لامتلاك السطوة

القواعد الثماني والأربعون لامتلاك السطوة
Spread the love

خاص شؤون آسيوية- مراجعة: حسن صعب/

الكتاب: قواعد السطوة
-تأليف: روبرت غرين
-ترجمة وتقديم: د. هشام الحناوي
-نشر: أقلام عربية للنشر والتوزيع.

هذا الكتاب يحوي جانبين: اﻷوّل هو الجانب اﻷخلاقي، والذي يدفع بصاحبه إلى النجاح، ولكن مع التخلّي عن بعض القواعد أو التحوير في أسلوب التطبيق؛ والجانب اﻵخر هو جانب لا أخلاقي يتعامل فيه الكاتب مع خصمه بلا هوادة أو رحمة. وقد يطغى على بعض الناس ويتخلّى عن البعض، ويهدم آخرين من أجل الوصول إلى حُلم السطوة. وقد ذَكَر الكاتب في بداية كتابه أنه ذَكَر كلّ شيء بدون أدنى مراعاة للجانب اﻷخلاقي!
يقول مُترجم هذا الكتاب إنه تُرجم إلى أكثر من 20 لغة، وقرأه الملايين حول العالم، وأصبح كالظاهرة في الغرب؛ ليس فقط لأن الكاتب قد استطاع باقتدار، بمراجعته لسِير ونصائح العظماء الذين غيّروا التاريخ، أن يجد طُرُقاً محدّدة وواضحة لتحقيق العزّة والمكانة يُقدّمها للمتعطّشين ممّن أحبطتهم التجارب، ولقادة الفكر والأعمال والسياسة الذين يخشون على سطوتهم من بأس التغييرات؛ والأهم أنه استخلص من التاريخ قواعد التعاملات الإنسانية التي ترفع البعض وتهبط بآخرين لليأس والحسرة والحسد، بينما فريق ثالث يرتفعون إلى أعلى غايات المجد ثم يتساقطون فجأة كأوراق الأشجار في الخريف.
ويضيف: هذا الكتاب يُعلّمك براعة قراءة الناس والأحداث كأنك تشاهد مسرحيّة، وأن تتّخذ الدور الذي يحقّق لك أكبر نفوذ وتأثير، وأن تتجنّب الأخطاء التي قد تُدمّر مسارك. ورغم أن البراعة سمةٌ تميّز القادة والقوّادين والمحتالين على السواء، إلاّ أنه لا يصمد طويلاً أمام التغيّرات إلّا المُتّقون الذين وصفهم السيّد المسيح بأنهم بارعون كالأفاعي، أبرياء كالحمام.
أما المؤلّف، فيقول في تصدير كتابه (الصادر في العام 2017): إننا نواجه جميعاً في العالم المعاصر تحدياً مزدوجاً. من ناحية نرغب في السطوة والنفوذ ولا أحد يكتفي منهما؛ ومن الناحية الأخرى، يفرض علينا المجتمع أن نكون مُهذّبين ومُنصفين، وأن لا نُظهر أبداً تعطّشنا ومساعينا للحصول على الهيمنة، لأن ذلك يُظهرنا في أعين الناس انتهازيين ويُعرّض حياتنا بينهم للخطر. وهذا الواقع يفرض علينا أن نكون ماكرين في تصرّفاتنا، بأن نُظهِر الودّ ونُبطِن الخداع؛ نُعلِن تأييدنا للعدالة والمساواة بين الناس، وفي الخفاء نتحايل للهيمنة عليهم.
وفي السياق، يقول المؤلّف إنه لا يمكن إتقان استراتيجيات السطوة تلقائياً، ولا أحد يولَد وهو يملكها. فهي تتطلب طريقة معيّنة للنظر للعالم، والتدريب لسنوات لاكتساب المهارات التي تُمكّن الشخص من تطبيق قواعد السطوة بسهولة.
وأوّل هذه المهارات وأهمها أن نتحكم بانفعالاتنا؛ فالتعامل مع المواقف بانفعال هو أكبر ما يُعيقنا عن اكتساب السطوة؛ والغضب هو أخطر الانفعالات لأنه يتصاعد كالموج ويُخرج الموقف عن السيطرة ويزيد من عزم واستعداد الأعداء. فإن أردت أن تُدمّر عدواً، خيرٌ لك أن تُظهر له الودّ حتى لا يرى ما تعدّه له، بدلاً من الغضب الذي يجعله متأهّباً لمواجهتك.
كذلك، يتابع المؤلّف، إبدأ بفحص الأخطاء التي أعاقتك من قبْل وحلّلها في ضوء القواعد الثماني والأربعين (التي حدّدها الكاتب)، واستخلص منها دروساً، وأقسِم لنفسك “لن أقع أبداً في مثل هذه الأخطاء والشراك مرّة أخرى”؛ لو استطعت أن تقيّم نفسك بهذه الطريقة ستتمكن من التخلص من الخصال التي دفعتك لارتكاب الأخطاء، وتلك مهارة هامة للغاية.
أيضاً، لن تستطيع أن تتعلّم التنكّر ما لم تعلّم نفسك أن تتحرّر من شخصيتك الحقيقية، وأن تكون الشخص الذي تريده في أي لحظة، وأن ترتدي القناع الذي يناسب الموقف.
ويضيف: عليك أن تتخلّص تماماً من إطلاق الأحكام الأخلاقية وأن تقيّم كل الأمور حسب ملاءمتها للظروف المتاحة. السطوة مباراة؛ وفي المباريات لا تقيس أفعال الآخرين حسب نواياهم، بل حسب تأثيراتها عليهم. فما الجدوى أن يريد أحدهم لك الخير إن كانت كلّ أفعاله تؤدّي بك إلى الدمار؟
إن السطوة هي مباراة اجتماعية تتطلّب منك القدرة على قراءة الناس وفهمهم. لكي تكون مُنافساً جيّداً عليك أن تكون مُحلّلاً نفسياً جيّداً، تُتقن قراءة الدوافع الحقيقية للناس خلف الضباب الكثيف الذي يغلّفون به أفعالهم. فَهْمُ هذه الدوافع هو أهم المهارات التي تساعدك على اكتساب السطوة لأنه يفتح لك آفاقاً كبيرة للمكر والاستدراج والتلاعب.
ويتابع المؤلّف: كتاب (قواعد السطوة) كتاب عملي في فنون المراوغة والاستدراج، وهو مستمدٌ من خبرات أساتذة مارسوا اللعبة واكتشفوا أسرارها في حقب تمتد لثلاثة آلاف عام، وفي حضارات متنوّعة مثل الصين القديمة وإيطاليا في عصر النهضة وغيرهما.
هذا الكتاب هو الخلاصة المركّزة لهذه الحكمة التي وردت في الكتابات العبقرية لمخطّطين استراتيجيين “صن تسو وكلو شفيتز”، ورجال دولة ماكرين “بسمارك وتاليران” ومُحترفين في الإغواء “نينودي لينكلو وكازانوفو”. وأخيراً أبرعُ المحتالين في العصر الحديث “الفتى الأصفر وايل”. وقد تمّ ترتيب هذه الحكمة في قواعد يسهل فهمها واستيعابها (مع تحديد مسار دقيق لها عبر تقديم نماذج واقعية حول مآلات انتهاكها أو مراعاتها أو العمل بعكسها).
ومن أهم القواعد التي استنبطها المؤلّف من أحداث تاريخية حصلت، وعرضها بأسلوبٍ شيّق وتفصيلٍ غير ممل:
القاعدة 1
لا تُظهر أبداً تفوّقك على وليّك
الحكمة: أشعِر رؤساءك بالاطمئنان لمكانتهم وتفوّقهم، ولا تدع رغبتك للتأثير فيهم تدفعك لاستعراض مواهبك أمامهم، لأن ذلك عكس ما تريد، سيشعرهم بالتهديد والقلق منك. أظهِر أولياءك أعلى من قدرهم الحقيقي، وسوف يرفعك ذلك إلى أعلى مقامات السطوة.
وهذه القاعدة تتعلق ب نيقولاس فوكويه، وزير خزانة لويس الرابع عشر، الذي كان رجلاً سخياً ويحب الحفلات والنساء والشعر، والذي طمع في منصب رئيس الوزراء؛ لكن الملك قرّر إلغاء المنصب ونفي فوكويه وسجنه في حبس انفرادي.

القاعدة 2
لا تثق كثيراً في أصدقائك وتعلّم أن تستفيد من أعدائك
الحكمة: احذر الأصدقاء لأنهم أوّل من يخونك بدافع الحسد؛ كما أن الصداقة تفسد ولاءهم وتجعلهم يتسلّطون عليك. لكن إن وظّفت من كان يوماً عدوّك فإنه سيسعى لأن يثبت لك جدارته وولاءه، وسيكون أوفى من الأصدقاء. الحق أن أذى الصديق دائماً أشد وأخطر بكثير من أذى العدو؛ وعليك إن لم تجد لك عدواً أن تصطنع عدواً.
وهذه القاعدة تتعلق بخيانة الإمبراطور البيزنطي مايكل الثالث من قِبل صديقه الحميم الذي تآمر عليه وقتله كي يُنصّب نفسه مكانه.
القاعدة 5
السمعة عماد السطوة.. دافع عنها باستماتة
الحكمة: السمعة وحدها يمكنها أن تُرهب وتنتصر، وسقوطها يُعرّضك للهجوم والضربات من كل جانب. حافظ على سمعتك وتنبّه لأي هجمات تُحاك ضدّها وأحبطها قبل أن تمسّك. وتعلّم أن تدمّر خصومك بإحداث خروق في سمعتهم ثم اتركهم للجماهير ينصبون لهم المشانق.
وهذه القاعدة تتعلق بقائد جيوش مملكة شو(في الصين)، شيوكو ليانج، الذي أسهمت سمعته كأمهر رجل في الصين، وأن في جعبته دائماً حيلة يُخفيها، في إنقاذه من ورطة كبرى بأسره من قِبل جيوش الأعداء.
القاعدة 8
استدرج الآخرين لفعل ما تريد
الحكمة: حين تجعل الآخرين يفعلون ما تريد تكون لك السيطرة عليهم. والأفضل أن تُغري خصومك ليأتوا إليك مُتخلّين عن خططهم الخاصة. استدرجهم إليك بالمكاسب لتكون أوراق اللعبة في يدك ثم هاجمهم وافرض عليهم شروطك.
والمقصود من هذه القاعدة هو شخص وزير الخارجية السابق لنابليون، تاليران، الذي استدرج خصوم نابليون لإعادته من المنفى إلى فرنسا، ليقع في الفخ ويتلقّى نهايته المعروفة.
القاعدة 14
تودّد كصديق لتراقب كجاسوس
الحكمة: من الأمور المصيرية أن تكتشف أسرار منافسيك، وعليك أن تخصّص لهم جواسيس يأتونك بأخبارهم حتى تكون لك الأسبقية عليهم. والأفضل أن تتجسس أنت لنفسك. في المناسبات الاجتماعية تصرّف كمحقّق سرّي واطرح الأسئلة بطرق لبقة وخفيّة حتى بكشف لك الناس عن نواياهم ونقاط ضعفهم. انتهز كل فرصة لتكتشف أسرارا من حولك.
والمقصود من هذه القاعدة هو(الفرنسي) جوزيف دوفين، أفضل تجّار الفنون في عصره، و”صيده الأكبر”، رجل الصناعة أندرو ميلون، حيث تمكّن دوفين من جعل ميلون زبوناً له قبل أن يموت.. عبر “التودّد التجسسي” عليه.
القاعدة 26
لا تُلوّث يديك بالأعمال الدنيئة
الحكمة: عليك أن تظهر دائماً مثالاً للتحضّر والكفاءة: احرص على أن تخلو سيرتك بين الناس من الأخطاء والأفعال المشينة، وتعلّم أن تخفي تورّطك باتخاذ الآخرين كباش فداء ومخالب قط.
والمقصود من هذه القاعدة هو القائد الصيني العسكري الكبير تساو تساو، الذي كان يعدم أشخاصاً أبرياء لإخفاء أخطائه والحفاظ على سطوته.
القاعدة 31
تحكّم بأوراق اللعب: اجعل الآخرين يختارون من البدائل التي تُحدّدها لهم
الحكمة: إن أفضل الطرق لاستدراج الناس والتحكّم بإرادتهم هي التي تمنحهم ظاهرياً الحق في الاختيار بينما تجعلهم في الحقيقة لعبة في يدك، وذلك بأن تحدّد خياراتهم في البدائل التي تصب جميعاً في صالحك أو أن تضعهم بين قرني معضلة بحيث يختارون بين شرّين أحلاهما مر. وسوف تعجب من أن إحساسهم بأن لهم حرية الاختيار يجعلهم يتقبّلون أموراً كانوا ليرفضونها بشدّة لو فرضتها عليهم.
والمقصود من هذه القاعدة هو إيفان الرابع المعروف بإيفان الرهيب الذي خيّر شعبه بين منحه السلطة المطلقة لمواجهة البكوات أو البحث عن حاكم جديد، وكان له ما أراد.
القاعدة 33
اكتشف نقاط الضعف لدى كلّ من تتعامل معهم
الحكمة: لكل إنسان نقطة ضعف وخرق في الدرع التي يحمي بها نفسه. غالباً ما يكون هذا الضعف على شكل خور أو هوى أو رغبة جامحة أو متعة دفينة. بمجرّد أن تكتشف نقطة الضعف لدى الشخص يمكنك أن تستغلّها لصالحك.
والمقصود من هذه القاعدة هو أسقف لوسون (فرنسا)، الذي عُرف لاحقاً باسم الكاردينال روشيليو، الذي استغلّ ضعف الملك لويس الثامن عشر وحكم فرنسا وشكّلها على الصورة التي يريدها، فوحّدها وجَعَل منها واحدة من أقوى الأمم في أوروبا للقرون التالية.

القاعدة 34
لا تتدنّى أبداً في تصرّفاتك: تصرّف كملك تُعامل كملك
الحكمة: المكانة التي تضعها لنفسك هي غالباً التي يضعها لك الناس. فالتعامل بسوقيّة وتدنّ يجلب عليك في النهاية ازدراء من حولك. تصرّف كالملوك الذين يُلزمون أنفسهم بالعزّة والوقار فيُجبِرون الناس على النظر إليهم برهبة وإكبار. ارتق في تصرّفاتك وسيرى الناس كأنك ولِدتَ لتكون مَلكاً.
والمقصود من هذه القاعدة هو الملك الفرنسي لويس فيليب الذي لم يكن يتصرّف كالملوك بعد تعيينه، والذي ظنّ أن استهانته بمظاهر العظمة ستمهّد لعصر جديد يتصرف فيه القادة كالأشخاص العاديين. وقد كان مُخطئاً تماماً حين ظنّ أن آليات السطوة سوف تتغيّر.
القاعدة 39
حرّك الماء الركد لتُدخِل الأسماك في شباكك
الحكمة: الغضب والانفعال من الأخطاء الاستراتيجية الخطيرة التي تفقدك مكانتك. عليك أن تلتزم دائماً بالرزانة والموضوعية. لكن عليك إن استطعت أن تُغضب عدوّك وتفقده أعصابك بينما تحتفظ أنت بهدوئك ووقارك، لأن ذلك سيمنحك تفوّقاً كبيراً عليه. واجه عدوّك بكلّ ما ترى أنه يهدّد كبرياءه حتى يفقد أعصابه؛ وحينها يمكنك أن تُحرّكه كالدمية.
والمقصود من هذه القاعدة هو وزير خارجية نابليون، تاليران، الذي واجه غضب نابليون عليه بتمسكه بوقاره وهدوئه؛ وتلك كانت بداية النهاية لنابليون وعلامة على سقوطه.
القاعدة 41
تجنّب أن تحلّ محلّ رجل عظيم
الحكمة: يحترم الناس الأصل ويحتقرون التقليد. إن كنتَ خلفاً أو ابناً لشخص عظيم سيكون عليك أن تبذل أضعاف جهده حتى لا تضيع صورتك في ظلاله. لا تلتزم أبداً بماضٍ ليس من صنعك. أسّس لهويتك الخاصة بتغيير مسار من سبقك. احتقِرْ تراثه وادفنه معه حتى يمكنك أن تصنع ألُقك المميّز.
والمقصود من هذه القاعدة هو لويس الخامس عشر الذي بدّد مُلك والده بانهماكه بالملذّات، ولأنه لم يرث الحاجة التي جعلت والده ينجز ما أنجزه لبلاده فرنسا. ففي عهد لويس الخامس عشر تحوّل الفرساي من رمز لسطوة الملك إلى مكان للعربدة والابتذال.
القاعدة 48
ساير الأحداث دائماً ولا تتجمّد في قالب محدّد
الحكمة: جمودك على أسلوب محدّد يُمكّن عدوّك من رؤية تحرّكاتك وقراءة ما تُخطّط له ويُسهّل هجومه عليك. خطّط لكلّ شيء مسبقاً حتى ترى الأمور بوضوح؛ لكن لا تسمح لأعدائك بفهم ما تفعله بالحفاظ على حركيتك ومسايرتك للأحداث. ولتعلم أن الواقع لا يكون دائماً يقينياً وأن القوانين تتّخذ دائماً أشكالاً جديدة. أفضل الطرق لحماية نفسك هي أن تبقى دائماً كالماء متدفّقاً ولا تتّخذ شكلاً محدّداً. لا تُراهن أبداً على الاستقرار أو دوام الأحوال لأن كلّ شيء يتغيّر.
والمقصود من هذه القاعدة هي مدينة إسبرطة التي نشأت على فكرة الحرب والغزو حصراً، وتمكّنت من توسيع إمبراطوريتها، لكنها لم تصمد أمام تأثير المال والسياسة والاقتصاد حتى خسرت حرباً مهمة مع المدينة الدولة طيبة؛ وسقطت فجأة تلك الدولة الجبّارة التي لم يتوقع أحد أن تزول.
وأخيراً، يمكن الاستنتاج بأن هذا الكتاب يُناقض النظرة التقليدية للأخلاق، ولكن أفكاره يمكن أن تُستخدم للخير أو للشر حسب رغبة كل قارئ؛ والطريقة التي سوف يختارها الشخص لاستخدام القواعد الواردة في الكتاب هي التي تُحدّد أخلاقه.