هآرتس: الكلام عن توجيه ضربة استباقية ضد حزب الله هو كلام غبي وخطر

هآرتس:  الكلام عن توجيه ضربة استباقية ضد حزب الله هو كلام غبي وخطر
Spread the love

شؤون آسيوية – بقلم أوري بار يوسف – محلل إسرائيلي/

ميكي زوهار، وزير الثقافة والرياضة، الذي لا يُعتبر من الوزراء الأكثر غباءً في الحكومة، يعتقد أن حزب الله مثل “حماس”، يريد القضاء علينا؛ لذا، الانتظار ممنوع، ويجب توجيه ضربة إليه، بحسب القاعدة التي تقول “من يأتي ليقتلك، اقتله قبل ذلك”. بكلام آخر، من الأفضل عدم انتظار إطلاق حزب الله آلاف الصواريخ ضدنا، وعلينا القيام بضربة استباقية من أجل تحييد قدرات حزب الله الباليستية بأكبر قدر ممكن.
في أيام مختلفة عن هذه الأيام، ومع وزراء يتمتعون بفهم استراتيجي أفضل، فإن مثل هذا الاقتراح كان سيتحول إلى نكتة. نحن في حالة حرب، وخطر وقوع مواجهة شاملة مع حزب الله هو خطر حقيقي جداً؛ وقائمة الأغبياء في هذه الحكومة طويلة. وبحسب بعض المصادر يجب أن نضم إليها أيضاً وزير الدفاع يوآف غالانت.
ميكي زوهار: إذا أردت أن تفهم لماذا من غير المجدي المبادرة إلى ضربة وقائية في مواجهة حزب الله، ولماذا يجب أن تتوقف عن الكلام عن هذا الموضوع، إليك التفسير.
الضربة الاستباقية هي حلّ استراتيجي جيد لوضعٍ يمكن فيه تدمير التهديد المركزي الذي نواجهه، بواسطة ضربة أولى؛ لقد حدث هذا مرتين في التاريخ الحديث: المرة الأولى، في سنة 1941، عندما اعتقد اليابانيون أن الحرب مع الولايات المتحدة لا مفرّ منها، وهاجموا الأسطول الأميركي في بيل هاربر، ودمروا القسم الأكبر منه. لكن من سوء حظهم أن حاملات الطائرات الأميركية نجت لأنها لم تكن في المرفأ، وبعد مرور نصف سنة، أنزلت بهم ضربة لم ينهضوا بعدها. المرة الثانية، كانت في 5 حزيران/يونيو 1967، عندما هاجم سلاح الجو الإسرائيلي سلاح الجو المصري، ودمّر الجزء الأكبر منه وهو على الأرض، وخلق الشروط الملائمة لهزيمة الجيوش المصرية والأردنية والسورية خلال 6 أيام. في الحالتين، الشرط الأول للنجاح هو المفاجأة، والشرط الثاني قدرة تدميرية للجزء الأساسي من التهديد، بواسطة ضربة استهلالية.
هذان الشرطان ليسا متوفرَين اليوم. من هنا، فإن ضربة إسرائيلية استهلالية لتدمير مخازن السلاح الباليستي لحزب الله، لن تجلب الخلاص، بل ستؤدي إلى تدمير أجزاء كبيرة من إسرائيل. اليوم، لا يمكن تحقيق المفاجأة لأن حزب الله يعلم جيداً باحتمالات ضربة إسرائيلية، وبالتأكيد، قام بكل ما هو مطلوب من أجل إفشالها. لذا، فإن ضربة استباقية لن يكون لها تأثير مختلف كثيراً عن أيّ محاولة توجيه ضربة كبيرة إلى مخازن الصواريخ خلال الحرب بحدّ ذاتها.
لكن المشكلة الأكثر أهمية، هي أنه حتى لو كان في الإمكان مفاجأة حزب الله، فإننا لن نحقق فائدة كبيرة، لأن كميات الصواريخ البعيدة المدى لديه تشكل تهديداً خطِراً كبيراً، إلى حد أن ضربة مكثفة واحدة لا تستطيع تقليص هذا التهديد بصورة كبيرة. لدى حزب الله عشرات الآلاف من الصواريخ، وعلى الأقل، يوجد لديه 30 ألف صاروخ بعيد المدى، يصل إلى غوش دان وجنوبها [على مسافة 170 كلم عن الحدود اللبنانية]، وهي مزودة برؤوس حربية تبلغ زنتها نصف طن، أو أكثر (مقارنة بـ 20 كيلوغراماً زِنة رأس صاروخ “حماس”). ومجموعها يوازي قوة القنبلة الذرية التي أُلقيت على هيروشيما في سنة 1945. وإسرائيل لم يسبق لها أن واجهت مثل هذا التهديد، وليس لديها قدرة حقيقية على مواجهته، بل فقط التسبب بمزيد من الدمار للبنان.
إن أهمية عدد الصواريخ الثقيلة لدى حزب الله، تكمن في أنها موزعة في لبنان على مواقع مختلفة، وهي في معظمها، تحت الأرض. من المحتمل أن يكون لدى إسرائيل معلومات استخباراتية جيدة عن مكان وجود هذه الصواريخ، لكن من الأفضل التشكيك فيها، في ضوء تجربة الماضي، ليس بسبب الفشل المشين في التحذير من هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، بل الجهد الرصين الذي أعطى في النهاية ثماره، واستمر سنوات، من أجل الكشف عن أماكن الأنفاق التي بناها حزب الله لمهاجمة إسرائيل على الحدود الشمالية. لقد وظّف الجيش الإسرائيلي، بمساعدة أطراف أُخرى، جهوداً كثيرة، ونجح في مهمته، فقط في سنة 2019.
إذا كان الجيش الإسرائيلي بحاجة إلى سنوات للعثور على الأنفاق الهائلة على الخط الأزرق، والتي تسللت إلى الأراضي الإسرائيلية، فهل لديه هذه القدرة من أجل العثور على المخازن الكثيرة الموجودة تحت الأرض، والتي يخبىء فيها حزب الله صواريخه القصيرة والبعيدة المدى على كل الأراضي اللبنانية؟ هذا المخزون الصاروخي هو التهديد الأساسي لإسرائيل، وليس الصواريخ القصيرة المدى التي تحوزها قوة الرضوان. ومن المحتمل أن الحزب بذل كل ما في استطاعته لمنع تكرار العملية الإسرائيلية التي جرت في اليوم الأول من حرب تموز/يوليو 2006، والتي جرى خلالها تدمير عدة عشرات من الصواريخ الثقيلة لحزب الله، في ضربة استباقية.
إن المشكلة الكبيرة في كلام الوزير زوهار، وفي كلام مشابه نسمعه من أوساط رئيس الحكومة، ليس الغباء الاستراتيجي بحد ذاته، بل المخاوف التي تبرز لدى الطرف الآخر من ضربة استباقية إسرائيلية. هذه المخاوف تخفّض سقف الرد على إطلاق الصواريخ كل مرة قد يبدو فيها أن هناك ضربة استباقية على الطريق، يمكن أن تؤدي إلى إطلاق صواريخ عن طريق الخطأ، وإلى حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله، من دون رغبة الطرفين فيها. هذا هو التهديد، وكل كلام عن ضربة استباقية يزيد في مفاقمته، كما يمكن أن نتعلم من الحرب الباردة التي في ذروتها، اقترب الطرفان من تبادُل ضربات نووية عن طريق الخطأ، وليس قصداً.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية