هل ستصبح الهند قوة عالمية كبرى؟

هل ستصبح الهند قوة عالمية كبرى؟
Spread the love

شؤون آسيوية – بقلم: محمد غروي كاتب وباحث في الشؤون الآسيوية
أعلنت الأمم المتحدة تخطي الهند للصين في عدد السكان لتصبح أكبر دولة من حيث العدد عالمياً، كما شهدت خلال السنوات الأخيرة تحولاً اقتصادياً كبيراً بوّأها وضعها في المركز الخامس لأكبر اقتصادات العالم في العام الماضي متجاوزة فرنسا وبريطانيا، مما دفع عديداً من الشركات العالمية عزمها توجيه بوصلتها نحو الهند، خصوصاً في المجال التقني والتكنولوجي، لا سيما أن التطور الاقتصادي وصعود نيودلهي كقوة جيوسياسية في منطقة المحيطين الهادئ والهندي يدفعان بطرح تساؤل عن إمكانية أن تخلف الهند الصين اقتصادياً على الصعيد الدولي.

اقتصاد كبير

شهدت الهند خلال العقود الأخيرة قفزة اقتصادية كبرى جعلتها تصبح في مصاف الدول ذات الاقتصاد القوي عالمياً، بدأت خلال تسعينيات القرن الماضي مع اتباع سياسات اقتصادية منفتحة، وإجراء عدد من الإصلاحات الاقتصادية، وخلال هذه الفترة قفز النمو الاقتصادي منذ عام 1991 من 5.5 في المئة إلى سبعة في المئة بحلول بداية الألفية وفق بيانات صندوق النقد الدولي.

استمرت الهند في تحقيق معدلات اقتصادية مرتفعة، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تصبح نيودلهي صاحبة رابع أعلى ناتج محلي إجمالي بحلول عام 2027، كما تشير التوقعات إلى أنها ستحقق أعلى معدل للنمو خلال هذا العام بين دول آسيا والمحيط الهادئ، إذ تعمل على جذب استثمارات النقد الأجنبي في الداخل.

ونجحت الهند أخيراً في الوصول إلى رقم قياسي للبلاد، عندما سجّلت أكبر قيمة من الاستثمارات الأجنبية خلال السنة المالية 2021 – 2022 التي بلغت قيمتها 85 مليار دولار، بزيادة قدرها 60 في المئة عن عام 2019 الذي وصل فيه إجمالي الاستثمار الأجنبي إلى 51 مليار دولار.

وتشير التوقعات الاقتصادية للنمو العالمي إلى أن الهند في عام 2050 ستكون قطباً حقيقياً في الساحة الاقتصادية الدولية، لكنها تقدر أن نيودلهي خلف الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اقتصادياً مع تفوقها على اليابان والبرازيل وروسيا، ومن المتوقع أن تتخطى ألمانيا في الناتج الإجمالي المحلي عام 2025 واليابان عام 2027 لتصبح ثالث أكبر اقتصاد بعد الولايات المتحدة والصين.

وتعمل الحكومة الهندية خلال السنوات الأخيرة على إطلاق مبادرات لتطوير قطاع التصنيع في البلاد، الذي يسهم حالياً بنسبة 14 في المئة فقط في الناتج المحلي الإجمالي الهندي، كما تتميز بتطورها في المجال التقني، مع تولي عدد من ذوي الأصول الهندية لمناصب رفيعة في كبرى الشركات التكنولوجية مثل “غوغل” و”مايكروسوفت” و”أدوبي” و”آي بي إم”.

دور موجه

منذ وصول ناريندا مودي إلى الحكم عام 2014 تعهد بجعل الهند في موقع الدور القيادي بدلاً من كونها قوة توازن عالمية، عاكساً الثقة التي تنظر بها بلاده لنفسها بشأن قوتها العالمية، وما يمكن أن تحققه، ومغيراً من منظور السياسة الخارجية لنيودلهي ودورها على الساحة الدولية.

وخلال فترة الحرب الباردة التزمت الهند سياسة عدم الانحياز، التي كانت تهدف إلى حمايتها من أن يؤثر العداء بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي على أمنها أو استقلالها، بخاصة أن في هذا الوقت لم تكن نيودلهي على نفس قوتها اقتصادياً وسياسياً، حتى تفكك الاتحاد السوفياتي، فبدأت الهند دخول المرحلة الثانية من سياستها الخارجية عام 1991 من خلال الانخراط في شراكات مع دول عدة في العالم لتصبح أكثر فاعلية في علاقاتها مع دول الجوار وكبرى الدول الغربية.

وتعمل الهند منذ تسلم مودي رئاسة الوزراء على مد نفوذها وتعميق علاقاتها مع مختلف دول العالم ليس فقط الولايات المتحدة، لكن أيضاً مع دول آسيا مثل دول رابطة جنوب شرقي آسيا وعدد من البلدان الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة.

كما أن كونها طرفاً في التحالف الرباعي “كواد” بمنطقة المحيطين الهادئ والهندي يجعلها أحد أطراف المعادلة الساعية إلى وقف النفوذ الصيني في المنطقة، ويضعها كإحدى القوى الجيوسياسية الصاعدة في المنطقة التي تشهد استقطاباً خلال السنوات الأخيرة.

رغم الجهود الحثيثة التي تبذلها الهند لتحقيق رؤية مودي بأن تصبح إحدى القوى الرائدة عالمياً، فلا يزال طريق نيودلهي طويلاً بعض الشيء لتحقيق هذا الهدف، ويشير وزير الهند للشؤون الخارجية سوبرامانيام جايشانكار إلى أن بلاده ما زال أمامها كثيراً من التحديات التي تسعى إلى تخطيها لتحقيق الهدف متوسط المدى بأن تصبح إحدى القوى الرائدة في العالم.

قوة ناعمة

وتوسع الهند من قدراتها العسكرية إذ أعلنت في فبراير (شباط) الماضي زيادة موازنة الإنفاق العسكري إلى 72.6 مليار دولار خلال السنة المالية 2023 – 2024 بارتفاع قدره 13 في المئة عن العام الماضي، وسيشمل الإنفاق شراء أسلحة جديدة وطائرات وسفن حربية ومعدات عسكرية أخرى.
إلى جانب القوة الصلبة التي تشمل الاقتصاد والقوة العسكرية تعتمد الهند على القوة الناعمة كذلك في نشر ثقافتها وتعزيز صورتها ونفوذها مثل السينما الهندية “بوليوود” التي تنافس نظيرتها الأميركية، إلى جانب رياضة اليوغا التي أصبحت تمارس في أرجاء العالم كافة، كما تروج الهند كذلك لمطبخها المتنوع الذي أصبح رائجاً بشدة خلال الفترة الحالية.

بدأت الهند منذ مطلع القرن الجديد توعية المغتربين الأكثر ثراءً الذين كانوا في وضع جيد للعب دور حيوي في تعزيز العلاقات بين الهند وبلدان أخرى، حيث أسست الحكومة عام 2000 لجنة رفيعة المستوى حول الشتات الهندي لمراجعة وضع الأشخاص من أصل هندي والهنود غير المقيمين في سياق دستور الأحكام والقوانين والقواعد المطبقة عليهم سواء في وطنهم أو دول إقامتهم، ودراسة تأثيرهم في تطور الهند اقتصادياً واجتماعياً وتقنياً.

خلافة الصين

في منتصف الشهر الماضي أعلنت الأمم المتحدة أن الهند تخطت رسمياً عدد سكان الصين وذلك للمرة الأولى منذ إجراء أول إحصاء أممي في خمسينيات القرن الماضي، وذلك بوصول عدد سكانها إلى نحو 1.428 مليار نسمة، لتطرح خلافتها السكانية للصين افتراضاً بأن تخلفها كذلك على المستويين الاقتصادي والصناعي، إذ يشير محللون إلى أن عدد السكان ربما يعمل كدفعة وحافز للهند بأن تسير على خطى الصين، ويساعدها في أن تتحول من دولة منخفضة الدخل إلى واحدة من الدول متوسطة الدخل.

من الناحية الصناعية والاقتصادية بدأ عدد من الشركات العالمية في التوجه نحو الهند كبديل عن الصين، بخاصة عقب جائحة كورونا وإجراءات الإغلاق الصارمة التي اتبعتها الحكومة الصينية، وبدأت شركة “أبل” الأميركية تصنيع هاتفها الجديد آيفون 14 في الهند.

كما تعاونت شركة “فوكسكون” التايوانية مع شركة هندية لصنع أشباه الموصلات بشكل مشترك، فيما يشير استبيان مالي لعام 2022 لبنك اليابان للتعاون الدولي إلى وضع الشركات اليابانية للهند على رأس قائمة المحطات المحتملة للتوسع الخارجي، بما يعكس اهتماماً من الشركات العالمية بالتوجه نحو نيودلهي.

وتعهد رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي بجعل الهند دولة متطورة بحلول عام 2047 تزامناً مع مرور 100 عام على الاستقلال، ومن ناحية أخرى سيمنحها رئاسة مجموعة الـ20 هذا العام مزيداً من الدعم لخططها، بخاصة أنها تقدم نفسها كصوت للدول النامية في رئاسة المجموعة، التي تعاني في الوقت الحالي تبعات ارتفاع معدلات التضخم وأسعار السلع إلى جانب تأثير الاحتباس الحراري والتوترات الجيوسياسية.

وبدأت الهند العام الحالي تنظيم قمة “صوت الجنوب العالمي” الافتتاحية، التي استقطبت 125 دولة عبر الإنترنت. وبحسب الحكومة الهندية، فإن القمة سلطت الضوء على الحاجة إلى إصلاح الهيئات الدولية من أجل تمثيل أكثر توازناً لتبرز نفسها كممثل للدول النامية وأكثر فاعلية على الساحة الدولية.

استمرار وصف الهند بأكبر ديمقراطية في العالم، واقتصادها القوي وحجم سكانها يمنحانها قوة ونفوذاً سياسياً عالمياً، لكن ستحتاج نيودلهي إلى عدد من التغييرات لكي تصبح قوة عالمية جديدة على الساحة الدولية، ومن بين تلك الأمور زيادة كبيرة في الثروة الوطنية وذلك من خلال إجراء إصلاحات داخلية قوية، كما توقع محللون أن تساعد زيادة الصادرات الصناعية في التحول الاقتصادي مدفوعة بتقلص عدد السكان في الصين.

حلم وعقبة

وتوقع رجل الأعمال والملياردير الهندي راكيش جونجونولا مسبقاً أن تستبدل الهند الصين خلال ربع قرن بما تملكه بلاده من عمالة ماهرة وسياسات اقتصادية تتبعها الحكومة الهندية في الفترة الأخيرة بما يحقق النمو الاقتصادي والوصول بالرفاهية إلى المواطنين، إضافة إلى أن تدعم إزاحة الهند للصين كأكبر دولة في تعداد السكان عالمياً رؤيتها بأن تصير قوة عالمية، وتعزز من ثقتها بنفسها في إيجاد موطئ قدم لها في مصاف الدول الكبرى.

التوقعات بأن تخلف الهند الصين كقوة كبرى عالمية يقابلها تحليلات ترى صعوبة تحقيق هذه التوقعات لأسباب عدة منها أن عدد السكان الهائل على قدر ما يمثل من نقطة قوة للهند فإنه يجعل نيودلهي ملزمة بتحقيق أحوال معيشية أفضل لمواطنيها من خلال ارتفاع معدلات الإنتاجية، إلى جانب أن الصين تعتمد على الاستثمار والبنية التحتية والتصنيع في اقتصادها بدرجة كبيرة يصعب على الهند في الوقت الحالي الوصول إليها، وستحتاج إلى وقت طويل للوصول إلى ما حققته بكين.

نيودلهي والخليج

لطالما تأثرت علاقة الهند مع الدول العربية والخليجية بسبب العلاقات مع باكستان، التي كانت تتسم بتوتر المستمر بين البلدين، وعلى رغم ذلك حققت نيودلهي علاقات جيدة مع عواصم دول الشرق الأوسط وبخاصة الخليج، وبدأت تطوير علاقاتها بالدول العربية مع الألفية الجديدة، ففي عام 2002 بدأ الاتصال الأول مع جامعة الدول العربية، وكانت هذه الخطوة الأولى في اتخاذ العلاقات بين الجانبين مساراً مختلفاً عن ذي قبل، كما يقطن في الخليج والمنطقة العربية نحو 9 ملايين هندي يمثلون 30% من الهنود بالخارج.

مع حكومة مودي بدأت الهند تتخذ خطوات أوسع نحو غرب آسيا ودول الخليج العربية بشكل خاص، إذ أجرى رئيس الوزراء زيارات رسمية إلى السعودية والإمارات والبحرين وعمان منذ تولي زمام القيادة وحتى العام الماضي، كما تعد السعودية والإمارات من أكبر خمسة مستوردين من الهند، إضافة إلى تطوير العلاقات مع أبوظبي بتوقيع الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين في 2017.

من الناحية الاقتصادية يبلغ حجم التجارة بين الهند والإمارات والسعودية وقطر حوالى 100 مليار دولار، ومع البحرين 1.2 مليار دولار، والكويت 6.2 مليار دولار، وعمان 4.1 مليار دولار بإجمالي 111.5 مليار دولار، مما يجعل دول الخليج أكبر شريك تجاري لنيودلهي، وربما يساعد صعود الهند كقوة رائدة عالمياً في تطوير العلاقات أكثر مع دول الخليج، التي تستضيف على أراضيها نسبة كبرى من المواطنين الهنود العاملين في الخارج.
المصدر: اندبندنت عربية