أزمة تايوان وسيناريوهات الحرب

Spread the love

خاص “شؤون آسيوية” – بقلم: براءة يوسف –

يقول الكاتب الأميركي كلايد بريستو ويتز في كتابه “أمة مارقة”: “إن اتجاهات الولايات المتحدة فيما يتعلق بتايوان، اتجاهات متضاربة بصورة خاصة، ورغم أننا قطعنا علاقاتنا الدبلوماسية الرسمية مع تايوان، وأكدنا على سياسة “الصين الواحدة”، فإننا واصلنا الحفاظ على روابط اقتصاية وثيقة مع الجزيرة، يُضاف إلى ذلك أنه مع خروجها الحديث من الديكتاتورية إلى الديمقراطية وحديثها عن إعلان استقلالها عن الصين، غدا دعم الولايات المتحدة لتايوان أقوى مع “إعلان بوش” عن مبيعات أسلحة جديدة كبرى، وتأكيد أن الولايات المتحدة سوف تفعل ذلك مهما اقتضى الأمر لحماية تايوان”.

كثيراً ما تتضارب تصريحات القادة السياسيين الأميركيين في تحديد موقف الولايات المتحدة الأميركية تجاه تايوان، من هذه التصريحات مثلاً ما صرحه الرئيس الأميركي جو بايدن بأن الولايات المتحدة ستتدخل عسكرياً في حال اجتاحت الصين تايوان، ليُصرّح البيت الأبيض مُوضحاً أن بايدن لا يقصد التدخل العسكري بالمعنى الحرفي، إنما التزام أميركا بمساعدة تايوان في قضيتها، وسعيها للانفصال عن الصين بشكل تام.

فما هي قضية تايوان؟ وكيف انفصلت عن جمهورية الصين؟

تقع تايوان في شرق آسيا، حيث كانت تُعتبر مستعمرة هولندية في الفترة ما بين (1624-1661)، أول مستوطنيها كانوا من قبائل “أوسترونيزيان” الذين اُعتقد بأنهم أتوا من جنوب الصين الحالية. وخلال الفترة الممتدة من عام 1683 إلى 1895، كانت تايوان تُدار من قبل أسرة تشينغ الصينية.
شكّلت قضية تايوان إحدى أبرز القضايا التي شغلت اهتمام المجتمع الدولي، إذ تعود نشأة هذه القضية إلى أواخر القرن التاسع عشر، في الفترة التي قامت اليابان باحتلالها بعد انتصارها في الحرب الصينية-اليابانية الأولى، ما أجبر حكومة تشينغ على التنازل عن تايوان لليابان بموجب معاهدة سيمونسكي عام 1895.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، والتي كانت سبباً في هزيمة دول المحور (ألمانيا وإيطاليا واليابان) وتراجع قوتها الدولية، سيطرت الحكومة القومية لجمهورية الصين بقيادة الكومينتانغ على تايوان، وذلك بعد انتهاء الحرب الأهلية في الصين عام 1949، والتي استطاع من خلالها الشيوعيون بقيادة ماو تس تونغ أن يفرضوا سيطرتهم على الصين بعد نجاح ما أطلقوا عليه “مسيرة الزحف الطويل”، الأمر الذي استدعى لجوء الحاكم الصيني تشانغ كاي إلى الانسحاب إلى تايوان وإعلان نشوء جمهورية الصين الوطنية.

أعلن ماو تسي تونغ عام 1949 قيام جمهورية الصين الشعبية، في الوقت الذي اتخذ فيه تشانغ ومجموعة من بقايا حكومة الكومينتانغ من تايوان مقراً لحكومة الصين الوطنية، حيث سيطرت هذه المجموعة التي بلغ عددها مليون ونصف مليون شخص على السياسة التايوانية لسنوات عديدة. كانت الديكتاتورية في الحكم هي السائدة حتى قاد لي تنغ هوي المعروف بلقب “أبو الديمقراطية” في تايوان، تغييرات دستورية لحياة سياسية أكثر ديمقراطية، ما أسفر عن انتخاب أول رئيس لتايوان من خارج حزب الكومينتانغ عام 2000 وهو تشن شوي بيان.

بدأت العلاقات بين الصين وتايوان تتحسن مع بداية ثمانينيات القرن العشرين، بعدما طرحت جمهورية الصين الشعبية صيغة جديدة أطلقت عليها” دولة واحدة ونظامان”، يتم بموجبها منح تايوان استقلالية كبيرة في حال قبلت بإعادة توحيد الصين، إلا أن تايوان رفضت هذا العرض. لكن قامت بتخفيف القواعد الخاصة بالزيارات والاستثمارات، وأعلنت عام 1991 إنهاء الحرب مع بكين.

أصدرت الصين عام 2004 قانوناً أطلقت عليه “قانون مناهضة الانفصال”، ينص على إمكانية استخدام الوسائل غير السلمية ضد تايوان في حال حاولت أنت تنفصل عن الصين. وبعد أربعة أعوام حاولت تايوان بقيادة الرئيس ما يينغ جيو أن تحسّن علاقاتها مع الصين من خلال الاتفاقيات الاقتصادية.

تميل تايوان منذ عام 2016، بالتزامن مع انتخاب رئيستها تساي إنغ ون إلى الاستقلال الرسمي النهائي عن الصين، في الوقت الذي تعتبر فيه الصين تايوان مقاطعة انفصالية منها لا بد من استعادتها بأي شكل من الأشكال.

سنعرض في هذا المقال أبرز المحطات التي مرتّ بها تايوان:

أزمات مضيق تايوان الثلاث

منذ نهاية الحرب الأهلية الصينية عام 1949، أصبح المضيق، الذي يفصل بين الصين وتايوان ويشكّل قناة دولية رئيسية لشحن البضائع، بمثابة نقطة توتر جيوسياسية، ما شكّل أزمة حقيقة في المنطقة شهدت العديد من محطات التوتر نستعرضها معاً:

أزمة مضيق تايوان الأولى

مع نهاية الحرب الأهلية الصينية عام 1949، تمكن الشيوعيون بقيادة ماو تسي تونغ من إعلان قيام جمهورية الصين الشعبية، وطرد القوميين بقيادة تشيانغ كاي إلى تايوان التي كانت مدعومة آنذاك من قبل الولايات المتحدة الأميركية، فاستقر الطرفان المتنافسان على جانبي المضيق. اندلعت أزمة المضيق الأولى عام 1954 عندما أرسل القوميون آلاف الجنود إلى جزيرتي كيمنين وماتسو الخاضعتين لحكم تايوان، فكان رد الصين بقصف الجزيرتين، والسيطرة على جزر يي جيانغ شان، وقيام أسطولين للولايات المتحدة الأميركية وتايوان بإخلاء عسكري ومدني من جزر داتشين.

أزمة مضيق تايوان الثانية

تجدد الصراع بين الاشتراكين والقوميين عام 1958، عندما قصفت قوات ماو تسي تونغ مجدداً جزيرتي كينمين وماتسو بهدف طرد القوميين المتمركزين هناك، ونتيجة لذلك أمر الرئيس الأميرك دوايت ايزنهاور قواته بدعم القوميين المتواجدين في تايوان، وإمدادهم بكل ما يحتاجونه من إمدادات. وعند عجز بكين عن السيطرة على الجزر أعلنت إيقاف إطلاق النار، لكنها ظلت تقصف جزيرة كينمين بشكل متقطع حتى عام 1979.

أزمة مضيق تايوان الثالثة

بقيت جمهورية الصين الشعبية تحت حكم الحزب الشيوعي الصيني بعد وفاة ماو تسي تونغ، وبدأت عمليات الإصلاح والانفتاح على العالم. في الوقت ذاته بدأت تايوان تتخلص من الحكم الاستبدادي الذي كان سائداً في فترة حكم تشيانغ، لتتحول إلى التمتع بديموقراطية وهوية تايوانية وليس صينية. اتخذت الصين من زيارة الرئيس التايواني لي تين هوي للولايات المتحدة الأميركية عام 1995 ذريعة لإطلاق صواريخها التجريبية في المياه المحيطة بتايوان، ليتجدد التوتر بين الطرفين مجدداً وتشتعل أزمة جديدة.

استمرت الصين بتجاربها الصاروخية بعد عام في الوقت الذي نظمت فيه تايوان انتخابات رئاسية مباشرة، ما دفع الولايات المتحدة الداعمة لتايوان إلى أن ترسل مجموعتين من حاملات الطائرات لتتراجع الصين عن تجاربها.


أزمة تايوان والصراع الصيني الأميركي

حظيت تايوان بدعم كبير من قبل الولايات المتحدة الأميركية على جميع الأصعدة، فمن الناحية العسكرية تدفقت المبيعات الحربية الأميركية على تايوان. ووقعت واشنطن وتايبيه معاهدة للدفاع المشترك عام 1954 تُلزم بالتدخل العسكري الأميركي بشكل تلقائي، في حال تعرض تايوان لأي عدوان عسكري. ومن الناحية العلمية أيضاً، احتلت نسبة الطلبة القادمين من تايوان إلى الولايات المتحدة الأميركية للدراسة فيها المرتبة الثانية بعد الطلبة الإيرانيين.

تزايدت الخلافات بين جمهورية الصين الشعبية وتايوان، وخاصة عام 1995 عندما ألقى الرئيس التايواني لي تين خطاباً في جامعة كورنيل الأميركية عن التجربة الديمقراطية في تايوان، ما أدى إلى تصاعد الأزمة مع الصين التي تعتبر تايوان جزءاً لا يتجزأ منها، لذا لا يمكن أن تتقبل أي محاولة استقلال أو انفصال عنها.

تسعى الولايات المتحدة على الدوام إلى دعم تايوان وتشجيعها على الانفصال عن الصين بشكل تام، حيث تُشكل الجزيرة منطقة استراتيجية مهمة بالنسبة لأميركا كما للصين. فهي تربط بين دول حليفة للولايات المتحدة متواجدة في بحري الصين الشرقي والجنوبي، مُمثلةً البعد الجنوبي لليابان، والبعد الشمالي للفلبين.

أما بالنسبة للصين، ففضلاً عن كونها جزءاً منها ترفض أي محاولة انفصال أو استقلال تسعى إليها تايوان، إلا أنها تُعتبر منطقة مهمة وحساسة لموقع الصين الجيوسياسي في بحر الصين الجنوبي، وتؤثر تأثيراً مباشراً على السيادة الصينية.

في كل مرة تدعم الولايات المتحدة الأميركية تايوان، تزداد التوترات بين الأخيرة والصين، ففي عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب زادت هذه التوترات عندما أجرى اتصالاً هاتفياً برئيسة تايوان تساي انغ وين، التي كثيراً ما تسعى إلى تحقيق مشروع الانفصال عن الصين وإعلان دولة مستقلة ذات سيادة، وهذا ما تعتبره الصين تدخلاً كبيراً في الشأن التايواني.

كما كان لزيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي إلى تايوان، بعد 25 عاماً من زيارة آخر مسؤول أميركي إليها، دور كبير في تصعيد هذه التوترات بين البلدين.

صفقة عسكرية بين أميركا وتايوان

صرحت رئيسة تايوان تساي في الآونة الأخيرة أنها تسعى لتعزيز الروابط العسكرية مع واشنطن وشركاء ديمقراطيين آخرين، بهدف مواجهة التوسع الاستبدادي والتغيّر المناخي، وذلك بعد اجتماعها مع وفد من الكونغرس الأميركي في تايبه، الأمر الذي أثار استياء كبيراً من الصين التي ترفض التدخل الأميركي في شؤون تايوان.

وما زاد الأمر سوءاً تحذير الولايات المتحدة الأميركية للصين من أي رد فعل مبالغ فيه من زيارة رئيسة تايوان إلى غواتيمالا وبيليز، وتوقفها في الأراضي الأميركية، حيث أفاد مسؤول أميركي “أنه لا يوجد أي سبب على الإطلاق يجعل الصين تستخدم ذلك ذريعة لرد فعل مبالغ فيه أو لممارسة مزيد من الضغط على تايوان”.

احتمالية الحرب على تايوان والسيناريوهات المتوقعة

أشار خبراء عسكريون خلال اجتماع نظمه” مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” الأميركي، إلى أن الأطراف التي ستتورط في الصراع على تايوان سوف تتكبد خسائر فادحة، في حال قررت الولايات المتحدة أن تدافع عن تايوان، حيث صرح خبير الأمن في معهد” ماساشوستس للتكنولوجيا “إريك هيغنبوثام” أنه توصل إلى استنتاجين حول سيناريوهات الحرب المتوقعة على تايوان هما: الأول أنه في معظم الحالات، لا تملك الصين أي احتمال للانتصار وتحقيق أهدافها في السيطرة على تايبه. والثاني أنه في حال وقوع الحرب، فإنها ستكون مكلفة لجميع الأطراف وخاصة للولايات المتحدة الأميركية.

وكخطة استباقية، بدأ الجيش الصيني بتدريبات عسكرية كبيرة حول تايوان، تشمل محاكاة لهجوم عسكري على الجزيرة، كما أنها أرسلت 71 مقاتلة صينية عبرت خط المنتصف في مضيق تايوان، وذلك حسب ما صرحّت به وزارة الدفاع التايوانية في بيان رسمي لها.
من جانبها، وجّهت الولايات المتحدة الأميركية تحذيراً إلى الصين بسبب تدريباتها العسكرية. وذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أن واشنطن تمتلك ما يكفي من الوسائل والإمكانيات لضمان السلام والاستقرار في مضيق تايوان.

استعدادات الصين المحتملة تجاه تايوان

وفقاً للعديد من التقارير التي نُشرت حول استعداد الصين لشن حرب على تايوان، فإن التكتيك الصيني الذي من الممكن جداً أن تتبعه يبدأ بضربات صاروخية على تايوان، بحيث يتم تدمير العديد من الدفاعات الجوية والبحرية في تايوان، بالإضافة إلى استهداف مواقع عسكرية وسياسية في الجزيرة، ومن ثم البنية التحتية ومحطات الطاقة ومستودعات الوقود.

كما أشار تقرير إلى أن الصين ستُعمي الأقمار الصناعية في تايوان، وتقطع كابلات الانترنت تحت سطح البحر، وتستخدم الحرب السيبرانية لتزاحم أنظمة القيادة والسلطة، الأمر الذي يُعيق التنسيق مع القوات الأميركية والقوات المتحالفة.