المجلس الأطلنطي: حزب الله وحلفاؤه أكثر جرأة مما كانوا عليه قبل عقدين

المجلس الأطلنطي: حزب الله وحلفاؤه أكثر جرأة مما كانوا عليه قبل عقدين
Spread the love

شؤون آسيوية- نشر موقع “أتلانتك كاونسل” مقالا للزميل غير المقيم في مركز رفيق الحريري وبرامج الشرق الأوسط، نيكولاس بلانفورد، قال فيه إن الهدوء المشحون عاد إلى الحدود اللبنانية الإسرائيلية بعد أيام من إطلاق مجموعة مجهولة وابلا من الصواريخ على إسرائيل من لبنان. كانت هذه أخطر موجة عنف تشهدها المنطقة منذ أكثر من ستة عشر عاما.

اعتُبر هجوم 6 نيسان/ أبريل – الذي تم خلاله إطلاق 34 صاروخا من نوع غراد عيار 122 ملم من قطاع ساحلي جنوبي صور في جنوب لبنان وضرب مناطق في غرب الجليل – ردا على اعتداء قوات الأمن الإسرائيلية على المصلين في المسجد الأقصى. من بين أربعة وثلاثين صاروخا، تم اعتراض 25 صاروخا بواسطة نظام القبة الحديدية المضادة للصواريخ. وأصيب مدني إسرائيلي واحد على الأقل، وألحقت أضرار بمركبات ومنازل.

ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن القصف الصاروخي الذي أعقبه مساء يوم 6 نيسان/ أبريل إطلاق مجموعة من قذائف الهاون أو الصواريخ قصيرة المدى من منطقة مرجعيون باتجاه منطقة المطلة شمال الجليل. وقال مصدر ينتمي لحزب الله لشبكة العربية إن المنظمة ليست مسؤولة، رغم عدم وجود تعليق رسمي من الحزب. بعد بعض المداولات، ألقت إسرائيل باللوم علنا على الجماعات الفلسطينية.

وقال اللفتنانت كولونيل ريتشارد هيشت، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، “إنه حدث فلسطيني التوجه”، مضيفا أنه يمكن أن يكون إما حماس أو الجهاد الإسلامي في لبنان.

وردا على ذلك، قصفت إسرائيل أهدافا في غزة بخمسين طنا من القنابل. كما أنها شنت غارات جوية على ثلاثة أهداف جنوب صور، أحدها قريب من مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين.

هناك عدد من النقاط المستفادة من هذا الانفجار الأخير على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية.

أولا، من المرجح أن منفذي إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون على غرب وشمال الجليل كانوا من عناصر حزب الله، وليسوا أعضاء في حماس أو أي فصيل فلسطيني آخر. وهذا ما قلته في آب/ أغسطس 2021، عن موجة من إطلاق الصواريخ من لبنان على إسرائيل، على الرغم من لوم إسرائيل لفصيل فلسطيني.

وبحسب مصادر اليونيفيل، فإن هناك ستة مواقع نصبت فيها قاذفات صواريخ، لكن ثلاثة منها فقط استخدمت. اكتشف الجيش اللبناني قاذفات مزودة بصواريخ غير مطلقة في المواقع الثلاثة الأخرى. كانت أربعة مواقع في بساتين البرتقال شمال قرية القليلة في الشريط الساحلي جنوبي صور. وكان الموقعان الآخران في أرض مفتوحة في منتصف الطريق بين قريتي زبقين وجبال بوتوم، التي هي معاقل لدعم حزب الله وتقع على خط المواجهة في منطقة الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان في التسعينيات.

حتى في التسعينيات، أثناء الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، فقد عُرفت بساتين البرتقال حول القليلة كمصدر منتظم لإطلاق الصواريخ على إسرائيل. وعندما توجهت دورية من قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان، المعروفة باسم قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، للتحقيق في إطلاق صاروخ من منطقة القليلة في أيار/ مايو 2021، فإنها صادفت شاحنة بيك أب مليئة برجال مسلحين قالوا لقوات حفظ السلام إن عليها المغادرة على الفور. ويعتقد جنود اليونيفيل أنهم ليسوا فلسطينيين بل هم لبنانيون محليون.

يتم إلقاء اللوم بشكل روتيني على الفصائل الفلسطينية من قبل مسؤولي الأمن الإسرائيليين واللبنانيين في المرات المتلاحقة لإطلاق الصواريخ بعد عام 2006 من جنوب لبنان على إسرائيل. والسبب في ذلك هو أنها تتزامن عادة مع الحملات العسكرية الإسرائيلية ضد حماس في قطاع غزة، وبالتالي توفر الدافع. بالإضافة إلى ذلك، فإن الهجمات دائما ما تكون عمل هواة، وتتألف من صواريخ سهل الحصول عليها يتم إطلاقها من قاذفات أحادية بدائية، بدلا من الراجمات متعددة الفوهات التي صُممت من أجلها، وغالبا ما تكون المقذوفات بعيدة عن الحدود أو تصطدم بالبحر. ومع ذلك، فإنه في السنوات الست عشرة من عمليات الإطلاق المتقطعة للصواريخ هذه، لم يتم القبض على أي فلسطيني من قبل حزب الله أو الجيش اللبناني.

لنأخذ آخر وابل من الصواريخ في 6 نيسان/ أبريل. إذا كان الافتراض الإسرائيلي أن حماس مسؤولة عن الهجوم بحق، فإن العملية كانت ستشمل ما لا يقل عن ست فرق تحمل أكثر من أربعة وثلاثين صاروخا (تم العثور على بعضها بدون إطلاق) من مكان ما في الشمال ( مخيم للاجئين الفلسطينيين ربما)، نصب منصات إطلاق الصواريخ في وضح النهار، وإطلاق الصواريخ، والتسلل بطريقة ما إلى المنطقة دون أن يراهم أحد، بما في ذلك حزب الله الذي يراقب التحركات في مناطقه مثل الصقور. علاوة على ذلك، فإنه كان يتعين على فريق آخر من حماس التسلل إلى منطقة مرجعيون في وقت لاحق من اليوم لإطلاق بضع قذائف هاون أو صواريخ كاتيوشا عيار 107 ملم باتجاه المطلة، والنجاة مرة أخرى من القبض عليهم. اكتشف الجيش اللبناني بعد ذلك قاذفة كاتيوشا مزودة بصواريخ بالقرب من مرجعيون.

الاستنتاج الواضح إذن هو أنه إذا كانت حماس مسؤولة – أو فصائل فلسطينية أخرى في الهجمات السابقة – فقد تم تنفيذها جميعا بالتواطؤ مع حزب الله. بالنظر إلى حجم الهجوم الصاروخي في 6 نيسان/ أبريل، فإنه لا يمكن تصوّر أن تقوم حماس من جانب واحد بمثل هذا القصف الثقيل دون التنسيق مع حليفها اللبناني، خاصة أن حزب الله يحمي سيطرته التكتيكية على الحدود مع إسرائيل.

وبينما ألقى هيشت، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، باللوم على حماس، إلا أنه أضاف أن الجيش يعتقد أن حزب الله والحكومة اللبنانية على علم بما حدث ويتحملان المسؤولية. بالإضافة إلى ذلك، قال تامير هايمان، الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية، على “تويتر”: “ليس إطلاق نار من قبل حزب الله، لكن من الصعب تصديق أن حزب الله لم يكن على علم به”.
تشير تعليقات المسؤولين الإسرائيليين إلى أن القصف الصاروخي هو عملية منسقة بشكل مشترك بين حزب الله وحماس، وهو أمر شبه مؤكد. ومع ذلك، فإنه إذا كان كل من حزب الله وحماس مسؤولين، فإن هوية منفذي إطلاق الصواريخ تصبح غير مهمة. في الواقع، فإنه من الناحية اللوجستية، كان من الأسهل بكثير على رجال حزب الله المحليين الخروج من قراهم، وإقامة منصات الإطلاق، وإطلاق الصواريخ، والعودة إلى منازلهم المجاورة، بدلا من تحمل عبء نقل فرق متعددة من الفلسطينيين – الذين لا يألفون التضاريس المحلية – من أقصى الشمال، ثم إعادتهم مرة أخرى بعد ذلك.

الخلاصة الثانية هي الرد الإسرائيلي على وابل الصواريخ. وكان إلقاء اللوم على حماس بمثابة إشارة مهمة لخفض التصعيد. فلو كانت إسرائيل قد اتهمت حزب الله مباشرة بالهجوم الصاروخي، فسيضطر الجيش الإسرائيلي للرد على أهداف حزب الله، ما يخاطر بالتصعيد الذي كان يمكن أن يؤدي إلى حرب شاملة. بدلا من ذلك، كان إلقاء اللوم على حماس، مع التلميح إلى مشاركة حزب الله المحتملة، هو الخيار الأسهل والأكثر أمانا، لا سيما بالنظر إلى الحد الأدنى من الإصابات والأضرار داخل إسرائيل من الضربة الصاروخية.

تحملت غزة وطأة الانتقام الإسرائيلي. وشنت إسرائيل ثلاث غارات جوية جنوب صور على ما وصفه الجيش الإسرائيلي بـ”أهداف البنية التحتية” لحركة حماس. إلا أن الأهداف كانت ثلاثة بساتين برتقال على بعد 500 ياردة شرقي مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين. خلفت الضربات الجوية حفرا عميقة في البساتين، وقتلت حفنة من الماعز وألحقت أضرارا ببعض الحظائر الزراعية.

المحصلة النهائية لهذا التصعيد الأخير للعنف على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية هو أن حزب الله، بالتنسيق مع حماس، أطلق أكبر وابل من الصواريخ على إسرائيل منذ ما يقرب من سبعة عشر عاما دون مواجهة أي تداعيات.

الخلاصة الثالثة هي السياق الأوسع الذي حدث فيه الهجوم الصاروخي. أعادت حماس العلاقات رسميا مع سوريا في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، بعد عقد من قطع العلاقات ومغادرة مكاتبها في دمشق ردا على حملة النظام ضد المتظاهرين. ووضعت هذه الخطوة حماس مرة أخرى ضمن محور المقاومة الذي تقوده إيران، والذي يضم سوريا وحزب الله والجهاد الإسلامي الفلسطيني ومليشيات وفصائل إقليمية أخرى معارضة لإسرائيل والطموحات الغربية في الشرق الأوسط. جاء التقارب خلال أشهر من الاضطرابات المتزايدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة في الضفة الغربية، وسط تكهنات باحتمال اندلاع انتفاضة ثالثة قريبا. وقد كان حزب الله يراقب عن كثب التطورات في الأراضي المحتلة وكذلك الاضطرابات الأخيرة في إسرائيل بشأن الإصلاحات القضائية.

يبدو أن التطورات في إسرائيل والضفة الغربية شجعت حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي على الاستفادة من الاضطرابات والتنسيق بشكل أوثق. كان إسماعيل هنية، زعيم حماس، في بيروت في 6 نيسان/ أبريل وأجرى بعد ذلك محادثات مع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. وبحث نصرالله وهنية في بيان “أهم التطورات في فلسطين المحتلة ومسار الأحداث في المسجد الأقصى وتصاعد المقاومة في الضفة وغزة إضافة إلى استعداد محور المقاومة والتعاون بين أطرافه”.

في آذار/ مارس، اتهمت إسرائيل حزب الله بشن هجوم بقنبلة مزروعة على جانب الطريق في مجدو بوسط إسرائيل أصيب فيه عربي إسرائيلي. ويعتقد أن الجاني تسلل عبر الحدود من لبنان إلى إسرائيل. وتم اعتراض الانتحاري الذي لا يزال مجهول الهوية، والذي كان يحمل حزاما ناسفا وبندقية، في شمال إسرائيل – على ما يبدو أثناء عودته إلى الحدود – وقتل بالرصاص
وابل الصواريخ على إسرائيل، بينما حفزته أعمال العنف في اليوم السابق في الأقصى، يشير إلى أن تصعيدا منخفضا يمكن إنكاره للعمليات ضد إسرائيل قد يكون جاريا على طول الجبهة الشمالية لإسرائيل. في 1 نيسان/ أبريل، حلقت مُسيرة من سوريا باتجاه الأراضي الإسرائيلية قبل إسقاطها. في 8 نيسان/ أبريل، أطلقت ثلاثة صواريخ من سوريا باتجاه إسرائيل. إن قصف مجدو بوابل الصواريخ في 6 نيسان/ أبريل يشير إلى أن حزب الله قد ازداد جرأة بسبب الاضطرابات في إسرائيل وأنه يتبنى موقفا أكثر تصادمية ضد إسرائيل مقارنة بموقف الحزب الحذر السابق منذ عام 2006.

يعكس هذا الموقف الأكثر حزما سلوك حزب الله المتحدي بشكل متزايد في منطقة عمليات اليونيفيل حيث أقام مواقع عسكرية مرئية للعامة، عدة ميادين رماية (اثنان منها يقعان على بعد ميل واحد وميلين على التوالي من أحد مواقع إطلاق الصواريخ في 6 نيسان/ أبريل). وأبراج المراقبة التي يبلغ ارتفاعها حوالي ستين قدما على طول الحدود (يديرها تقنيا منظمة غير حكومية بيئية تابعة لحزب الله تسمى أخضر بلا حدود.

بالنظر إلى الزيادة الأخيرة في النشاط على طول الحدود الشمالية لإسرائيل، والتنسيق المعزز بين حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني، والاضطرابات في إسرائيل والضفة الغربية، ورد الفعل المتحفظ نسبيا على أكبر هجوم صاروخي من لبنان منذ عام 2006، فإن ذلك غالبا شجع حزب الله وحلفاءه على إجراء مزيد من الاختبارات لإسرائيل في الأسابيع المقبلة، متقبلين جميع المخاطر الكامنة في ذلك.
المصدر: عربي21