مجلة إسرائيلية: تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات – على حساب الفلسطينيين؟

مجلة إسرائيلية: تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات – على حساب الفلسطينيين؟
Spread the love

بقلم: كوبي ميخائيل وأودي ديكل – باحثان في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي |

خلال سنوات طويلة كان الموضوع الفلسطيني مكوناً مهماً وحتى مركزياً في جدول أعمال العالم العربي. لكن الاضطرابات التي حدثت في الشرق الأوسط في العقد الأخير، وجهود إيران وتركيا لتوسيع نفوذهما الإقليمي، بالإضافة إلى التحدي السلفي الجهادي، وفوق هذا كله الوقوف العلني لإدارة الرئيس دونالد ترامب إلى جانب إسرائيل، كل هذا أدى إلى تراجع أهمية القضية الفلسطينية في جدول الأعمال اليومي الإقليمي والعربي. القيادة الفلسطينية أدركت التأثير السلبي للتغيير في مكانتها بالنسبة إلى إسرائيل، لكنها تشبثت بالأمل بأنه على الأقل سيبقى هناك التزام عربي أساسي إزاء الفلسطينيين، وأن الدول العربية، وخصوصاً دول الخليج، ستمتنع من إقامة علاقات رسمية وتطبيع مع إسرائيل، وفق مبادىء “المبادرة العربية”.
في كانون الثاني/يناير قدّم الرئيس الأميركي دونالد ترامب “صفقة القرن” لحل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. مخطط الصفقة قُدم كنموذج جديد لحل النزاع وتصميم هندسة شرق أوسطية جديدة، على قاعدة ائتلاف عربي – أميركي- إسرائيلي. الخطة تغير المبادىء التي وجّهت العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين في العقود الثلاثة الأخيرة وتقوض الافتراض أن الزمن يعمل لمصلحة المشروع الوطني الفلسطيني ومع مرور الزمن سيفرض المجتمع الدولي على إسرائيل الشروط الفلسطينية للتسوية. كما ترفض الخطة المطالبة الفلسطينية “الكل أو لا شيء”، وترفض قوة فيتو الفلسطينيين ضد أي تسوية لا تستجيب بصورة كاملة لرغباتهم. السلطة الفلسطينية وسائر التيارات الفلسطينية التي رأت في مخطط ترامب استجابة لمطالب اليمين في إسرائيل بقيادة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، رفضته بشدة، ودانت الرئيس الأميركي وشتمته علناً.
شكّل هذا مسماراً إضافياً في نعش علاقات القيادة الفلسطينية مع إدارة ترامب. الإعلان الفلسطيني قطع العلاقات مع الإدارة الأميركية ألحق بالسلطة الفلسطينية ضرراً سياسياً واقتصادياً كبيراً. وفي محاولة منها لتقليص الأضرار التي لحقت بمكانتها، والضائقة الاقتصادية، علقت السلطة كل آمالها على المجتمع الدولي الذي عارض مخطط ترامب، وأيضاً على دعم العالم العربي. وبدا لوهلة أن خطة القرن ستنضم إلى سائر الخطط التي يتراكم عليها الغبار على رف التاريخ. لكن سرعان ما تلقى المعسكر الوطني الفلسطيني ضربة إضافية – إعلان رئيس الحكومة نتنياهو نيته فرض السيادة – ضم من طرف واحد إسرائيلي – على مناطق في الضفة، بالاستناد إلى المناطق المخصصة لإسرائيل في خريطة مخطط ترامب. وأوضح نتنياهو أن أمام إسرائيل فرصة لن تتكرر، بدعم إدارة ترامب، لتغيير الواقع في ساحة الصراع.
بعد إقامة حكومة الوحدة في إسرائيل، والتي كان الضم ضمن خطوطها الأساسية، أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل وتعليق الحصول على أموال الضرائب على المعابر التي تجبيها إسرائيل. في موازاة ذلك، وظفت السلطة جهداً كبيراً لتجنيد المجتمع الدولي ضد تطبيق نوايا الضم. وفعلاً وقف الاتحاد الأوروبي والحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة ودول أُخرى ضد الضم، وهددوا بفرض عقوبات على إسرائيل إذا تحقق. أيضاً في العالم العربي، سُمعت انتقادات ضد الضم، مع أنها كانت ضعيفة. في الوقت عينه، نظمت المنظومة الفلسطينية نفسها لخوض نضال شعبي واسع غير مسلح، من أجل لجم عملية الضم، وهبّت رياح مصالحة بين “فتح” و”حماس”. لكن الجمهور الفلسطيني بقي غير واثق ونقدياً إزاء القيادتين اللتين وجدتا صعوبة في تعبئة الجمهور في حركة احتجاج فاعلة وواسعة.
هنا جاءت الضربة الثالثة. بالاستناد إلى الفكرة الاستراتيجية لمخطط ترامب القاضية بإقامة حلف عربي – إسرائيلي إقليمي، في الأساس ضد التهديد الإيراني، وبوساطة طاقم الرئيس ترامب، أعلن اتحاد الإمارات وإسرائيل إقامة علاقات رسمية وتطبيع. الشرط الذي وضعه ولي عهد الإمارات محمد بن زايد – إلغاء عملية الضم، وذلك بدعم من مستشار الرئيس ترامب جاريد كوشنير، يمكن اعتباره إنجازاً بالنسبة إلى الفلسطينيين، وهذا ما حرص الإماراتيون على إظهاره. رئيس الحكومة الإسرائيلية حاول التخفيف من إلغاء الضم بالقول إن المقصود تأجيل موقت وكاستجابة لطلب الرئيس ترامب.
بالنسبة إلى القيادة الفلسطينية كانت هذه ضربة قاسية جداً، لأنها أفقدتها قوة فرض الفيتو على تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية طالما لم يتم التوصل إلى تسوية شاملة متفق عليها لإقامة دولة فلسطينية على أساس حدود 1967، عاصمتها القدس الشرقية، مع حق العودة للّاجئين. في الوقت عينه، تبخرت أيضاً مبادىء المبادرة العربية. وفي دفعة واحدة انهارت استراتيجيا العمل الفلسطينية، وحصلت إسرائيل على تطبيع لعلاقاتها مع دولة عربية مهمة ليس نتيجة حل النزاع مع الفلسطينيين.
بعد مرحلة صدمة قصيرة، خرجت القيادة الفلسطينية بتصريحات صارخة. الناطق بلسان الرئاسة نبيل أبو ردينة قال إن القيادة الفلسطينية تدين الاتفاق بين اتحاد الإمارات وإسرائيل، وأن هذه الخطوة تقضي على مبادرة السلام العربية، وقرارات القمم العربية والإسلامية والشرعية الدولية، وتعبّر عن عدائية إزاء الشعب الفلسطيني وتستخف بحقوقه. ودعا الفلسطينيون إلى عقد جلسة طارئة لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لرفض الاتفاق.

دلالات

للاتفاق بين اتحاد الإمارات وإسرائيل مجموعة تداعيات محتملة على مستقبل السلطة الفلسطينية. أولاً، هذه ضربة قاسية لهيبة الرئيس عباس وتجسيد لإخفاق استراتيجيته ضد إسرائيل في الساحتين الفلسطينية والإقليمية. بناء على ذلك، من المتوقع تفاقم الصراعات في صفوف “فتح” على الزعامة لدى انتهاء ولايته. وحتى من المحتمل أن يكون هناك مرشحون للقيادة سيسعون لإقالة صامتة للزعيم القديم الذي فشل في الدفع قدماً بالاستقلال الفلسطيني بواسطة خطوات سياسية ونضال شعبي. في الصراع على الوراثة، من المحتمل عودة محمد دحلان، المدعوم من اتحاد الإمارات. تحسُّن مكانة الإمارات في نظر إسرائيل والإدارة الأميركية، وأيضاً قرب الإمارات من السعودية ومصر اللتين لديهما علاقة خاصة بدحلان، يمكن أن يحسّن موقعه ويشجع تطلعاته إلى العودة إلى السباق على الوراثة. في كل الأحوال عدم وجود اتفاق بين المعسكرات المتخاصمة، وانعدام الثقة الشعبية بالقيادتين – السلطة و”حماس” – يكبحان الوقوف وراء زعيم آخر، لذا، من المتوقع أن يستمر عدم الاستقرار في المنظومة الفلسطينية.
ثانياً، على الرغم من وقوف “حماس” وراء عباس في صراعه ضد الاتفاق بين إسرائيل واتحاد الإمارات، فإنها ترى في هذا التطور فرصة لقيادة جدول الأعمال الفلسطيني. بالنسبة إليها فشل السلطة الفلسطينية هو فشل لاستراتيجيا النضال السياسي والشعبي، وإقرار بصدقية “المقاومة”، أي النضال المسلح. من المحتمل أن ترى “حماس” أن الفرصة مؤاتية لتحسين مكانتها في الضفة الغربية، وأيضاً للتعاون مع أطراف نضالية في “فتح” تدعو إلى استئناف النضال العنفي.
ثالثاً، في هذا الإطار، دعا جبريل الرجوب نشطاء حركة “فتح” إلى وضع المصالح الشخصية جانباً، والعمل معاً لتصعيد “المقاومة” ضد الاحتلال، وأن هذا هو السبيل الذي يجب انتهاجه من أجل إفشال خطط إسرائيل، حتى لو تطّلب الأمر تقديم “شهداء”- أي القيام بهجمات. وأعلن الرجوب أن المناطق الفلسطينية كلها ستدخل في حالة من التعبئة الشعبية لتنقل رسالة إلى إسرائيل، مفادها أن إسرائيل لا تستطيع العيش بهدوء إلّا إذا عاش الفلسطينيون بسلام، والاستعداد لإسالة دماء فلسطينية لإحراج الدول العربية التي تقيم علاقات مع إسرائيل.
رابعاً، قطر وتركيا ستحاولان استغلال الضائقة الفلسطينية لزيادة تدخّلهما في الساحة الفلسطينية، بالإضافة إلى مساعيهما لتعزيز مكانتهما كلاعبين إقليميين مؤثرين، رغماً عن إرادة اتحاد الإمارات والسعودية. ترسخ قطر مكانتها في مواجهة إسرائيل بواسطة مساهمتها في تهدئة الوضع في القطاع من خلال تقديم مساعدة بحجم 30 مليون دولار شهرياً إلى سكان القطاع، وفي الموازاة، تحاول الدفع قدماً بخالد مشعل كزعيم لـ”حماس”. تركيا تشجع الإرهاب وتعمل على تعزيز وضع “حماس” العسكري. الدولتان تدفعان قدماً بتوجه الإسلام السياسي لحركة “الإخوان المسلمين”، وبذلك، من بين أمور أُخرى، دفعا الإمارات إلى إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل.

خلاصة وتوصيات

الاتفاق مع اتحاد الإمارات هو إنجاز استراتيجي مهم لإسرائيل، سواء بسبب المزايا الاقتصادية والأمنية التي ينطوي عليها تعاون إقليمي، أو بسبب الانفصال عن مجموعة الفيتوات السياسية التي منعت الدفع قدماً بتطبيع العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي. مع ذلك، يتعين على إسرائيل أن تعير انتباهها إلى أن الاتفاق يضعف السلطة الفلسطينية التي وضعها الحكومي والسياسي والاقتصادي متهاو في الأساس. ومن المحتمل أن تؤدي الضربة الإضافية التي تلقتها لدى علمها بالاتفاق إلى تسريع انهيارها – الأمر الذي لا يتوافق مع المصلحة الإسرائيلية. تفكك السلطة الفلسطينية سيضع إسرائيل في مواجهة تحديات معقدة، على الصعيد الأمني والاقتصادي والمدني، نتيجة تحمّل مسؤولية قرابة 2.7 مليون فلسطيني في الضفة الغربية. علاوة على ذلك، انهيار السلطة يمكن أن يسرّع التوجهات نحو واقع دولة واحدة بين البحر والنهر. وهذا تحدٍّ آخر متوقع أن تواجهه إسرائيل إذا تخلت قيادة “فتح” عن النهج السياسي وتبنت أسلوب “حماس” العنفي. يتعين على المؤسسة الأمنية الاستعداد لمثل هذا الاحتمال.
لهذه الأسباب، من المهم تهدئة القيادة الفلسطينية بأن الضم تأجل إلى موعد غير معروف هذا إن كان سيحصل، وبناء على ذلك، إعادة تأطير شبكة العلاقات بينها وبين إسرائيل في أقرب وقت، وتقويض النظرية التي تعتبر كل إنجاز إسرائيلي هو حتماً خسارة فلسطينية.
في الظروف التي نشأت، من الأنسب لإسرائيل أن تنتهج إزاء السلطة توجهاً داعماً، مع التشديد على خطوات وتغييرات من شأنها أن تحسّن حكمها وسيطرتها الفعلية على أراضيها. وفي الوقت عينه، يجب العمل على إعادة تشغيل آليات التنسيق الأمني والمدني، بدلاً من الآليات التي تلتف على السلطة في التعامل مع الجمهور الفلسطيني، والتي تطورت منذ وقف التنسيق. بالإضافة إلى ذلك، من المهم محاولة ضم السلطة الفلسطينية إلى مشاريع اقتصادية وتكنولوجية، سيجري تطويرها بين إسرائيل واتحاد الإمارات، بينها تطوير لقاح لوباء الكورونا، بحيث تصبح السلطة جزءاً من التعاون الإقليمي وتستفيد من ميزاته.
يتعين على إسرائيل أن توظف كل جهد ممكن، بدعم أميركي وبمشاركة اتحاد الإمارات ومصر، وأيضاً الأردن، لتوسيع التعاون الإقليمي والتطبيع مع دول الخليج، في مرحلة أولى البحرين وعمان، ولاحقاً أيضاً مع السعودية. مع ذلك، يجب عليها عدم تهميش السلطة الفلسطينية. بل على العكس من ذلك، يجب عليها العمل على ضمها إلى المنظومة الإقليمية التي ترى أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل ليس مشروطاً بتسوية إسرائيلية – فلسطينية ثنائية. في هذا الإطار، يجب تركيز الجهد الإقليمي والدولي لإعادة السلطة الفلسطينية إلى طاولة مفاوضات، تكون فيها خطة القرن للرئيس ترامب إحدى النقاط المطروحة للتسوية.

المصدر: مجلة “مباط عال” الإسرائيلية، العدد 1368، 18/8/2020، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية.