هآرتس: الحلف السنّي – الأميركي ضد إيران ضعف وترامب هو المسؤول جزئياً

هآرتس: الحلف السنّي – الأميركي ضد إيران ضعف وترامب هو المسؤول جزئياً
Spread the love

عاموس هرئيل – معلق عسكري اسرائيلي/

المفاوضات الائتلافية التي تجري بعد انتخابات الكنيست حالياً تستولي، بطبيعة الأمور، على معظم اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية. الرئيس الأميركي دونالد ترامب أيضاً غارق اليوم، أساساً، في انعكاسات مشكلة جديدة، من صنعه، بعد الشكوى التي بحسبها ضغط على أوكرانيا للتحقيق في معلومات جنائية تتعلق بأحد خصومه الديمقراطيين، جو بايدن. لكن في هذه الأثناء تجري في الشرق الأوسط تطورات استراتيجية، أبرزها الوهن والضعف الملاحظان في الحلف الموالي لأميركا والمعادي لإيران في المنطقة، والذي لترامب أيضاً، وفي الحقيقة بما لا يدعو للتعجب، دور لا يستهان به فيهما.
منذ توليه منصبه في كانون الثاني/يناير 2017، وثّق ترامب علاقة الولايات المتحدة بزعماء معسكر الدول السنّية – المحافظة، الذين تركت ولاية الرئيس السابق باراك أوباما لدى كثيرين منهم رواسب قاسية. لكن الأشهر الأخيرة لم تكن جيدة لأي من هؤلاء الزعماء، وأثرت أيضاً في علاقتهم بالإدارة الأميركية الحالية. في الخلفية، هناك العداء بينهم وبين إيران، بالإضافة إلى خيبة أمل متزايدة إزاء ما تعتبره الدول السنّية ضعفاً أميركياً خطراً في مواجهة طهران.
في بداية آب/أغسطس، انسحبت دولة الإمارات العربية المتحدة من التزامها بالحرب السعودية في اليمن ضد المتمردين الحوثيين (المدعومين من إيران). وفي منتصف آب/أغسطس تعرضت السعودية لأقسى هجوم شهدته في تاريخها من جانب إيران التي ألحقت ضرراً فادحاً بمنشآت النفط وتصديره. على صعيد آخر، يواجه نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مؤخراً موجة تظاهرات جديدة احتجاجاً على قمع المعارضة والوضع الاقتصادي. صحيح أن حجم التظاهرات صغير نسبياً، لكنها تعبر عن كسر معين لحاجز الخوف بعد سنوات من القمع العنيف من جانب النظام. وفي الوقت عينه في إسرائيل يواجه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو – الذي وصفه ترامب على الأقل حتى بالصديق القريب – صعوبات خاصة به في ضوء نتائج الانتخابات.
في الخلاصة، جميع الزعماء الإقليميين الذين دعموا ترامب في السياسة الصارمة المعادية لإيران التي انتهجها، مشغولون اليوم بأزماتهم، وأيضاً يشكّون في مدى تمسك ترامب باستراتيجيته السابقة.
لقد أعلن ترامب الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران في أيار/مايو 2018، بتأثير من الحملة التي قام بها طوال أكثر من سنة كل من نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان لإقناعه بهذا الأمر. فيما بعد مارست الإدارة سياسة “الحد الأقصى من الضغوط” على طهران، من خلال تجديد العقوبات الاقتصادية، التي ألحقت ضرراً جسيماً بالاقتصاد الإيراني. وفي أيار/مايو الماضي، في مواجهة الضرر الذي لحق باقتصادها وبصناعة النفط لديها، غيرت إيران سياستها وبادرت إلى شن موجة من الهجمات ضد منشآت وناقلات نفط في السعودية والإمارات. في حزيران/يونيو أسقطت إيران طائرة من دون طيار أميركية باهظة الثمن تسللت إلى أجوائها، بحسب زعمها، وهذا الشهر هاجمت بواسطة صواريخ بحرية منشأتين نفطيتين في السعودية (هجوم تنكر إيران أي علاقة لها به). في الوقت عينه أعلنت طهران خطوات تشكل خرقاً للتعهدات التي قدمتها في إطار الاتفاق النووي الموقَّع سنة 2015.
الافتراض السائد في الغرب هو أن الزعامة الإيرانية تريد العودة إلى مفاوضات نووية، لكنها تسعى إلى فعل ذلك بشروطها – الخروج من الضائقة التي وقعت فيها من خلال نقل الضغط إلى الملعبين الأميركي والأوروبي. في هذه الأثناء لم يتحقق ولو جزء من تقديرات الأجهزة الاستخباراتية (بينها الإسرائيلية أيضاً) التي اعتقدت أن الخطوات الاستفزازية الإيرانية ستسرِّع عقد قمة بين ترامب وبين نظيره الإيراني الرئيس حسن روحاني، على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك هذا الأسبوع. الاجتماع لن يتم بسبب الإيرانيين الذين يطالبون برفع العقوبات، لا بسبب ترامب الذي أعلن عدة مرات رغبته في إجراء مفاوضات من دون شروط مسبقة (ويحاول الآن إنكار ذلك).
كشف الهجوم على منشآت النفط الضرر الهائل الذي يستطيع الإيرانيون التسبب به، على الرغم من المبالغ الطائلة التي أنفقتها دول الخليج على منظومات دفاع بدعم أميركي. لقد تضرر إنتاج النفط في السعودية لعدة أشهر على الأقل، وأسعار النفط ارتفعت. لكن الرد الأميركي يقتصر حالياً على إعلان عقوبات إضافية ضد إيران، وأخبار عن هجمات سيبرانية. حالياً هناك تقديرات تتحدث عن زيادة إيران رهانها، وأنها ستبادر إلى شن هجمات إضافية في ضوء الردود الأميركية والسعودية الضعيفة.
اليوم (الأحد) نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تحقيقاً مفصلاً عن المهزلة المشهورة لترامب الذي تراجع في اللحظة الأخيرة عن إعطاء الأوامر بمهاجمة منشآت عسكرية في إيران رداً على إسقاط الطائرة الأميركية من دون طيار. يبدو أن الرئيس الأميركي أوقف الهجوم بينما كانت الطائرات الأميركية في الجو، وقبل عشر دقائق من القصف. وفعل ذلك من دون إخطار نائبه مايك بنس ووزرائه الكبار وضباطه العسكريين.
لقد برر ترامب قراره لاحقاً بتقدير حصل عليه من البنتاغون بأن 150 إيرانياً قد يُقتلون في الهجوم. لكن يبدو أن وراء ذلك مجموعة اعتبارات أوسع بكثير تتعلق بخوف الرئيس المبرر من حرب إقليمية ستكلف مزيداً من القتلى الأميركيين ومن الدولارات الضائعة. وكذلك تخوُّف ترامب من أن نشوب حرب جديدة من شأنه أن يلحق ضرراً بسوق النفط، وأن يقلص فرص انتخابه من جديد، بعد أقل من عام تقريباً.
هذه الاعتبارات تقيد أيضاً نوعية الرد الأميركي على الهجوم الأخير، ويضاف إليها أيضاً تردد سعودي. يبدو أنهم في الرياض أيضاً ليسوا متأكدين من رغبتهم في المخاطرة والدخول في مواجهة مع الإيرانيين، وخصوصاً عندما تكون تحفظات ترامب بشأن المواجهة العسكرية واضحة للعيان إلى هذا الحد.
يبدو أن سياسة واشنطن حيال إيران وصلت إلى حائط مسدود. حلفاؤها في الشرق الأوسط يشعرون بالريبة، وهم غارقون في مشكلات داخلية. إيران في هذه الأثناء تواصل السير حتى النهاية على الرغم من أن ثمة خطراً من أن يسأم الأميركيون في مرحلة معينة ويردوا بقوة. هل هذا كله يقود إلى تفكير جديد في الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن الحكمة الكامنة في الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، على الرغم من تحفظات العديد من كبار المسؤولين في الدولتين؟ في هذه الأثناء لم نسمع أي تعبير عن الندم، على الأقل ليس علناً، في واشنطن أو في القدس

المصدر: صحيفة هآرتس الاسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية