مناورة رخيصة: نتنياهو كان قادراً على ضم غور الأردن لكنه اكتفى بإعلان غير مهم

مناورة رخيصة: نتنياهو كان قادراً على ضم غور الأردن لكنه اكتفى بإعلان غير مهم
Spread the love

بن كسبيت – محلل سياسي اسرائيلي/

لقد كان في إمكان نتنياهو فرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن صباح اليوم، فهو ليس بحاجة إلى أغلبية في الكنيست، هو ليس بحاجة إلى اقتراح قانون. هو ليس بحاجة إلى شيء، يستطيع أن يعقد جلسة للحكومة، وأن يطرح الاقتراح على التصويت، وإقراره بالإجماع، وتنتهي القصة. كيف؟ ببساطة جداً: بالاستناد إلى القانون الذي أقره اليساريون في مباي في الكنيست في 27 حزيران/يونيو 1967، والذي عدّل مرسوم القانون والعدل البريطاني، وأعطى الحكومة صلاحية إصدار الأمر بتطبيق قانون حكم وإدارة الدولة على أي جزء من أجزاء “أرض إسرائيل”. واستناداً إلى هذا القانون، قامت حكومة ليفي أشكول بضم القدس الشرقية. ووفق هذا القانون، فإن تطبيق القانون وحكم الدولة على منطقة معينة هو عملية ضم، وبناء عليه تستطيع حكومة نتنياهو الحالية، أو السابقة، ضم غور الأردن بسهولة تامة.
صحيح أنه من أجل ضم هضبة الجولان كان مناحيم بيغن بحاجة إلى قانون منفصل. لماذا؟ لأن هضبة الجولان لم تكن خاضعة للانتداب البريطاني، لذلك لم تكن معرّفة بأنها ضمن حدود “أرض إسرائيل” (كانت خاضعة للانتداب الفرنسي)، وبالتالي لا ينطبق عليها المرسوم البريطاني. ولإزالة الشك، سعى بيغن لإصدار قانون منفرد بشأن هضبة الجولان. بالنسبة إلى الغور، لا يوجد مشكلة، هناك إجماع بشأنه، الجمهور والمنظومة السياسية كلها مؤيدة لضمه، لأن الغور كان تحت الانتداب البريطاني.
على الرغم من هذا كله، فإن نتنياهو لم يعلن ضم غور الأردن، ولم يعقد جلسة للحكومة بهذا الشأن، بل اكتفى بإعلان لا أهمية له، إذا قال: بعد تشكيل الحكومة المقبلة، أنا أنوي ضمه. موشيه فايغلين، كان حاضراً أمس في الاحتفال الرسمي، وفي تقديري أن حظوط فايغلين في أن يعيَّن وزيراً في الحكومة المقبلة أكبر من فرص رؤية نتنياهو يضم غور الأردن.
قرار ضم الغور هو قرار ذو أهمية كبيرة: أمنياً وسياسياً واقتصادياً. إنه ينعكس على علاقات إسرائيل بالعالم العربي، وعلى علاقاتها بالعالم، وعلى الوضع الفلسطيني، وعلى التوتر الأمني في المنطقة كلها، كما يؤثر في المنظومة الدبلوماسية ويمتد تأثيره في اتجاهات متعددة.
ما نجحت في تفحصه بالأمس هو أن نتنياهو لم يجر بعد أي نقاش عميق بشأن قراره “الدراماتيكي”. لم يطلب عقد اجتماع للمجلس الوزاري المصغر للبحث فيه. ولم يطلب من مجلس الأمن القومي إجراء نقاش موسع في الموضع، كما يُتوقع منه أن يفعل. ولم يجتمع برئيس الأركان، ولم يستشر رئيس الموساد. في الحقيقة لست متأكداً بالنسبة إلى رئيس الموساد. ولم يجتمع أيضاً برؤساء المنظومة الأمنية بطريقة منظمة.
إن كل ما قيل سابقاً لا يتعارض مع التطلع المبرر لأغلبية الإسرائيليين، وبينهم سكان الغور من الرواد، إلى رؤية الغور تحت سيادة إسرائيلية، أو على الأقل تحت سيطرة إسرائيلية. حاول نتنياهو بالأمس أن يحصد ثمناً سياسياً باللعب على هذا التطلع. لكن هذا لم ينجح فعلاً. لم ينجح لأن التصريح الدراماتيكي يوم أمس جاء من مكان مختلف تماماً. لقد جاء بتغريدة منشؤها مدرسة دونالد ترامب، الذي أقال مستشاره للأمن القومي جون بولتون وأهانه علناً.
كان بولتون الرصيد الاستراتيجي الإسرائيلي الأهم في البيت الأبيض؛ هو الذي دفع نحو تشديد العقوبات على إيران، ومن أبقى تقريباً بالقوة على الجنود الأميركيين في سورية، ومن يقول نعم تلقائياً لأي طلب أو نزوة إسرائيليين. لقد أوقف بولتون بجسده مفاوضات أميركية – إيرانية، واعتُبر المعارض الأبرز لاحتمال عقد اجتماع بين ترامب وروحاني.
لقد طُرد بولتون من منصبه بعد دقائق من انتهاء خطاب نتنياهو في غور الأردن. جاء هذا كإعادة تقريباً لما حدث قبل يوم، عندما أعلن ترامب بعد مرور ساعتين على مؤتمر نتنياهو الصحافي، أن لا مشكلة لديه في الاجتماع بالرئيس روحاني.
إخراج بولتون من البيت الأبيض معناه تغيير سياسي. أميركا أصبحت أقل قوة، وفرص ذهاب ترامب إلى مفاوضات مع الإيرانيين كبيرة. واحتمالات أن تنتهي هذه المفاوضات تماماً مثلما انتهت المفاوضات مع كوريا الشمالية ليست ضئيلة. التقدير وسط أطراف سياسية في الأمس كان أن نتنياهو طلب من ترامب اعترافاً بغور الأردن مثلما حصل على الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان. لكن ترامب رفض، وبولتون ضغط، حينئذ أقاله ترامب. ليس هناك ما يؤكد ذلك، لكن ما تحدثنا عنه هنا تحقق، في أغلبيته، على أرض الواقع.
لقد بالغ بولتون في رد فعله عندما نشر في الأمس، بعد إقالته، التغريدة التالية: “في الأمس اقترحت على الرئيس أن استقيل. قال إننا سنتحدث عن ذلك اليوم.” وسمع خبر إقالته عبر تويتر.
ولأن الكوارث تأتي دفعة واحدة، لم تكن إقالة بولتون هي الكارثة الأخيرة لنتنياهو في الأمس. فخلال إلقائه خطاباً في مهرجان انتخابي في أشدود سُمعت صفارت الإنذار في المدينة. حاول رئيس الحكومة المحافظة على رباطة جأشه، وظل على المنصة لمدة نصف دقيقة، وطلب من الجمهور “إخلاء المكان بهدوء”. لكن هو نفسه أُخرج من المكان بضجة، وانتشر شريط إخلائه المذعور على شبكات التواصل الاجتماعي، وهو الذي كان وعد بإسقاط حكم “حماس” قبل انتخابات 2009. الأمر لم يكن في مصلحته. ليس من المفيد أن نرثي نتنياهو، فما زال لديه بضعة أيام، وما زال أمامنا المزيد من التصريحات الدراماتيكية.

المصدر: صحيفة معاريف الاسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية