“هآرتس”: مطلوب إجراء استفتاء عام بشأن القدس

“هآرتس”: مطلوب إجراء استفتاء عام بشأن القدس
Spread the love

بقلم: عومر بار- ليف – عضو كنيست عن حزب العمل وعضو في لجنة الخارجية والأمن، وعضو في اللجنة الفرعية لجهوزية الجيش الإسرائيلي للحرب —

في حرب الأيام الستة، وبعد انضمام الفيلق الأردني إلى مصر وسورية ضد إسرائيل، احتلت إسرائيل الضفة الغربية كلها. وفي هذا الإطار اقتحم الجيش الإسرائيلي المدينة القديمة وحرّر الحائط الغربي [حائط البراق] وسائر الأماكن المقدسة. وزير الدفاع آنذاك موشيه دايان، عيّن ثلاثة ألوية – حاييم هرتسوغ، ورحبعام زئيفي، وشلومو لاهط – لترسيم الحدود البلدية للقدس. وفي أعقاب توصياتهم، جرى ضم 70 ألف دونم إلى القدس الغربية، من ضمنها 6000 دونم فقط كانت مساحة شرقي المدينة، بينها المدينة القديمة. أكثر من 64 ألف دونم كانت عبارة عن أراضٍ مفتوحة وعدد من القرى ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين.
مع مرور السنوات، وفي أعقاب الزيادة الطبيعية وهجرة العديد من الفلسطينيين من شتى أنحاء الضفة الغربية إلى تلك القرى والمخيمات، ارتفع عدد الفلسطينيين الذين يعيشون في أراضي بلدية القدس من 70 ألفاً في سنة 1967، إلى 330 ألفاً اليوم، بينهم أكثر من 200 ألف لديهم وثيقة إقامة تمنحهم حق المشاركة في انتخابات بلدية القدس، وحق المطالبة بالهوية الإسرائيلية. من المعقول الافتراض أنه لو مارست أغلبية الفلسطينيين ممن يحق لهم المشاركة في الانتخابات البلدية هذا الحق في الانتخابات البلدية في العام الماضي، لكان مرشح عربي اليوم رئيساً لبلدية عاصمة إسرائيل.
القدس الموحدة، عاصمة إسرائيل الأبدية التي حرّرها رئيس الأركان يتسحاق رابين قبل أكثر من 50 عاماً، لا علاقة لها البتة بالقرى وبمخيمات اللاجئين التي يسكنها اليوم مئات آلاف الفلسطينيين، والتي تحولت إلى أحياء مكتظة، ضُمت إلى أراضي بلدية المدينة فقط بعد القرار التقني غير الصحيح الذي اتخذه قبل 50 عاماً عدة جنرالات الذين لم يتوقعوا ما سيجري في المستقبل.
في سنة 2002 قررت حكومة إسرائيل، لأسباب أمنية، بناء جدار الفصل الذي يتخطى حدود بلدية المدينة ويفصل جزءاً كبيراً من تلك القرى ومخيمات اللاجئين التي لم تكن تابعة للقدس الشرقية حتى نشوب حرب الأيام الستة. لكن على الرغم من ذلك لم تنجح الحكومة الإسرائيلية آنذاك في تكييف المنطقة التابعة للبلدية مع هذا القرار، وكانت النتيجة كارثية: الأحياء ومخيمات اللاجئين الواقعة ما وراء الجدار، والتي كانت على ما يبدو تشكل جزءاً من القدس، ولذلك بقيت خارج حدود مسؤولية السلطة الفلسطينية، صارت عملياً أيضاً خارج مسؤولية بلدية المدينة. هكذا تحولت هذه المناطق إلى “no man’s land”، وتحوّل الـ140 ألف فلسطيني الذين يعيشون هناك إلى رهائن لهذا الفراغ الذي تدهور بسرعة إلى فقر، وجريمة وإرهاب.
يهوديت أوبنهايمر كانت على حق عندما كتبت (في مقال لها بعنوان: غباي نسي ماذا يعني أن تكون مقدسياً، نُشر في 4/3): “على الرغم من أن بلدية القدس هي المسؤولة عن البنية التحتية وعن الخدمات في منطقة (كفرعقب)، لم تصل إليها أي مساعدة”. لكن الخلاصة التي توصلت إليها غير صحيحة. طبعاً يمكن تجاهل أن بلدية القدس أهملت هذه الأحياء الفلسطينية عشرات السنين، وأخفت الواقع الكئيب عن الأنظار وتأملت خيراً. ويمكن أيضاً مواصلة تجاهُل الاحتمال المعقول بأن يمارس هؤلاء الفلسطينيون ذات يوم حقهم في المشاركة في انتخابات بلدية القدس ويصبح لدينا رئيس بلدية فلسطيني لعاصمة إسرائيل، أو تجاهُل حقيقة أنهم يُعتبرون حتى اليوم جزءاً من منطقة بلدية المدينة فقط بسبب قرار تقني خطأ يعود إلى قبل 50 عاماً.
ما يجب القيام به، هو أن تتخذ حكومة إسرائيل قراراً حكيماً وجريئاً، انطلاقاً من رؤية بعيدة الأمد تحافظ على المصلحة الإسرائيلية وعلى الرؤية الصهيونية، وتقوم بتحديث منطقة بلدية القدس، ونقل مخيم اللاجئين شفعاط ومنطقة كفر عقب وغيرهما إلى مسؤولية السلطة الفلسطينية في منطقتيْ أ وب، وفيما بعد كجزء من الدولة الفلسطينية عندما تنشأ، إلى جانب دولة إسرائيل، بعد توقيع اتفاق سلام بينهما.
حسناً فعل زعيم حزب العمل آفي غباي عندما قرر أن يأخذ زمام الأمور، وأن يقترح مبادرة خاصة به بشأن القدس، الموضوع الأكثر حساسية بالنسبة إلى مواطني دولة إسرائيل، وذلك انطلاقاً من رؤية صهيونية تحافظ على صورة إسرائيل وهويتها كدولة قومية للشعب اليهودي، وخصوصاً عاصمتها، كدولة آمنة وديمقراطية وذات أغلبية يهودية كبيرة. النقاش العام الذي يجب أن يدور بعد مطالبة حزب العمل هذه وتعهداته، يجب أن يُستنفد وأن يؤدي إلى قرار بإجراء استفتاء عام بعد سنة من الآن، إذا تم استبدال حكومة إسرائيل الحالية بحكومة يعمل فيها حزب العمل كبوصلة سياسية.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية