رحلة في كتاب “الميزان”

رحلة في كتاب “الميزان”
Spread the love

تأليف: د. جيفري ويست – عرض: اسثر دايسون – ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو —

يستخدم جيفري ويست في كتابه “الميزان” الرياضيات والفيزياء لاستكشاف حدود البيولوجيا والشركات والحضارة من الجزيئات إلى المدن العملاقة.
ما الفرق بين كتاب ومراجعة لكتاب؟ يتألف كل منهما من كلمات ويسلكان نفس القوس السردي: توطئة إستهلالية أو سؤال وبعض الشروحات والأمثلة وخاتمة مرضية أو دعوة لمزيد من الدراسة والبحث. أليس أحدهما أطول من الآخر؟ وهل الكتاب مجموعة من مراجعات كتب نسجت سوياً؟ وهل يتطلب حجمه بنية داخلية مختلفة؟
تستطيع في كتاب ما شرح أمور على شاكلة البعد الرابع الكسيري بينما تقوم في مراجعة الكتاب تأكيد تلك الأمور.
قد يبدو هذا السؤال عابراً ولكنه يتعاظم ليثير تساؤلات حول طبيعة الحياة وإمكانية الإستدامة على الأرض. كيف تغير كافة موجودات الكون، وكلها مصنوع من الذرات ، سلوكها وبنيتها مع تضخم حجمها؟ وكيف تقارن الأشياء الحية كوحدات متفردة(مثل الحيوانات) مع الأشياء “الحية” كوحدات متفاعلة (مثل المدن والشركات)؟
هذا نوع من الأسئلة العميقة التي يثيرها عالم الفيزياء النظرية جيفري ويست في كتابه “الميزان” والذي يتأمل ويتبحر في الموت الجماعي والفناء للإنسان وكافة الكائنات الحية والمدن والشركات التي يخلقونها.
يتمحور هذا الكتاب حول العلم ولكنه يعج بالبشر – على مستوى البشرية ككل وعلى مستوى الأفراد الذين يقفون على أكتاف بعضهم البعض لتطبيق قوانين الفيزياء لإكتشاف وتعريف القوانين الكمية لتعقيدات الأشياء الحية.
بدت تلك الفكرة تتكشف بطرق مثيرة منذ زمن طويل وكان ويست في وسطها إبتداءً من عمله في مختبر لوس الاموس الوطني حيث سمح له رؤساءه بالغوص في البيولوجيا ولاحقاً في معهد سانتا في حيث لا يزال يعمل لغاية اليوم.
وبمقياس مراجعة كتاب نعرض هنا لإيجاز بسيط لرحلة ويست في عالم مرئي عبر عدسات الفيزياء وقوانينها المقياسية. وكما تعلمنا في المدرسة إذا ضاعفت خطاً ما فإنه ينمو بمقدار الضعف وإذا ضاعفت جانب المربع تزداد مساحته أربعة اضعاف وإذا ضاعفت جانب المكعب يزداد حجمه وكتلته ثمانية أضعاف.
تحوي الحيوانات والمدن والكائنات الأخرى بنى داخلية معقدة تتغير مظاهرها بمستويات مختلفة. خذ على سبيل المثال نمو كتلة الحيوان ومقدارها وتناسبها مع طول وحجم أوعيته الدموية ولكن النهايات الشعرية لنظام الدوران تبقى ذات طول وقطر متماثل في أي حيوان تبعاً لخصائص الدم. وبشكل مشابه يزداد عدد الغرف ولكن حجمها لا يتغير بالضرورة مع إزدياد حجم المباني. وتكون المنافذ الكهربائية ذات حجم واحد في المبنى ككل.
لا تتماثل الحيوانات الكبيرة مع الحيوانات الصغيرة ولكن الكبيرة تعيش لفترات أطول. يكاد يكون عدد دقات القلب طوال فترة حياة الحيوان نفسها- حوالي 1.5 مليار دقة- ولكن قلوب الحيوانات الكبيرة الطويلة العمر تنبض بمعدل أبطا. ينبض قلب الزبابة(حيوان من أكلات الحشرات يشبه الفأر) 1500 مرة في الدقيقة بينما يعمل قلب الفيل ب 30 نبضة في الدقيقة. (أصبح البشر نشازاً حيث رفعنا معدل أعمارنا إلى 2.5 مليار نبضة قلب بتوافر معايير الصحة الحديثة- مما يعني وصولنا للحد الأقصى. وهذا تساؤل يحظى بنقاش ساخن.)
ويتسق ذلك مع ميزان مختلف ولكنه متمم في معدلات الإستقلاب (وهي كمية الطاقة اللازمة لإبقاء كتلة محددة من الحيوان على قيد الحياة.) .
وكلما تضاعف وزن الحيوان مرة واحدة يعيش المخلوق زيادة في فترة حياته بمقدار الربع ويصبح أكثر فعالية من الناحية الإستقلابية بمقدار الربع أيضاً. وتتحكم فيزياء الحجم والجاذبية بنسب محددة أخرى: تعتبر أرجل الفأر دقيقة الحجم بالمقارنة مع حجمه الكلي بينما يحتاج الفيل لمداسات عريضة يتكئ عليها.
وتبرع الحيتان بدعم أجسامها العملاقة بالعيش في البحار.
ينتقل ويست بعد ذلك إلى المدن والشركات إبتداءً من انتقال البشرية المتسارع من الصيد وجمع الثمار إلى الزراعة فالصناعة والتحضر وختاماً بالظاهرة الرقمية التي نتعامل معها اليوم بشكل متواصل.
وخلاصة الأمر أن الشركات تصبح أقل إبتكارية مع توسع حجمها وترعى المدن الإبتكار(بسبب كافة التفاعلات الإبداعية). ومقابل كل تضاعف في عدد السكان تحتاج لزيادة بنسبة 85% في البنية التحتية ولكننا نحصل على زيادة النشاط الإقتصادي بنسبة 115% كما نحصل على زيادة بنسبة 115% في الجرائم والأمراض.
وبتعابير ويست:
“تحدد مبادئ الشبكات التي تقف وراء إقتصاديات الميزان في البيولوجيا سرعة الحياة…. وتقيد النمو…(وتنتج غالباً حالة من التوازن). وبالمقارنة تقاد المدن والاقتصادات عبر التفاعلات الإجتماعية وتؤدي آليات استجابتها إلى السلوك المعاكس. يرتفع إيقاع الحياة بشكل منتظم مع زيادة عدد سكان المدن: تنتشر الأمراض بسرعة أكبر وتولد الأعمال وتموت بوتيرة أعلى ويسير البشر بسرعة في المدن الكبرى ….وعلاوة على ذلك تؤدي دينامية الشبكة الإجتماعية …إلى نمو بلا نهاية ….وتكيف مستمر بدلاً عن التوازن.”
يقول ويست أن نسب الزيادة تلك لن تستمر. تستنفذ المدن الموارد بمعدلات مريعة ويتساءل كيف يتسنى لنا تفادي الأزمة البيئية.
وينصب إهتمام ويست الأكبر على استدامة الكوكب. ويكشف زيف نظرية مالتوس الذي توقع أن ينفذ الغذاء لدى البشر ويشير إلى النمو المهول لاستهلاك الطاقة لدى البشر في العصر الحديث. ولا يكمن التحدي في تقييد عدد السكان ولكن في إيجاد طريقة حني الخط البياني لنشاطاتهم المتزايدة.
ولأنني لم أكن عالمة فيزياء لم أشعر بالحنق تجاه ذلك مثل ويست. قد تكون المدن شأنها شأن قبائل الجمع والصيد ظاهرة مؤقتة يحل محلها أي شيء عندما تندلق المدن على بعضها البعض وتغطي الكوكب بأكمله.
وتهتم الأسئلة الأساسية بما يمكن تغييره في هذا الإطار وما نقوم به عن عمد بشكل حذر وهل ستحدث التغيرات لنا؟ تشرح قوانين الموازنة ماذا سيحدث الآن ولكنها لا تشرح كيف ولماذا. ولا يملك ويست كافة الإجابات ولكنه يسأل الأسئلة الصحيحة.
إذا ترابطت المدن عبر الكوكب في تكتلات حضرية عملاقة ما القوانين التي ستتحكم باستخدامها للطاقة وتفاعلات مكوناتها؟ وهل ستغير بنى الشركات الجديدة مثل الأسواق والمنصات(مثل اي بي واوبر وايرب ن ب) فيزياء نمو الشركات وشيخوختها؟ وهل ستيسطر شركات المنصات الجديدة وتبقى الى الأبد؟ أم تطبق الحكومات قوانين حجب الثقة وتغير النتائج “الطبيعية”؟
وبالفعل يغيب دور الحكومات بشكل غريب عن كتاب ويست.
وقد يستنتج المرء أن الحكومات الوطنية لا علاقة لها بالموضوع لأن المدن تؤثر بشكل مباشر على طريقة حياتنا ولكننا نرى أهميتها بسبب قوانينها غير الطبيعية وتوليدها للثقافة.
وباختصار هذا عمل بارع. لا يشرح كل شيء بعناية ولكنه يوضح المعتاد في غمار الفوضى. ومهما كانت إهتمامات القارئ ثمة شيء ما هناك يثير فضوله ويدفعه للتفكير والتدبر.
يشرح ويست النموالبشري الفردي وكيف يتوقف عندما نتحول من استقلاب للنمو إلى استقلاب البقاء-وهناك ظاهرة أخرى لم يتطرق لها . داء السكري والسمنة –وما يستتبعها من الأمراض المزمنة الأخرى- والتي تنتج من العبث بذلك الاستقلاب الهش. وهنا لا يمكن تطبيق قوانين ويست حيث يتابع كثير من الأفراد النمو بعد البلوغ. وقد يمثل ذلك تهديدأ كبيراً لمستقبلنا مثل القضايا البيئية العريضة التي تشغل بال ويست بشكل أكبر.
ربما يتوجب على الكتب ومراجعات الكتب الإنتهاء بخواتيم وأسئلة. ويعلمك الكتاب الكثير من الناحية المثالية ويدفعك للتعلم أكثر بينما تدرسك مراجعة الكتاب القليل وتدفعك لمطالعته.
المصدر:s

Esther Dyson
Internet court jEsther — I occupy Esther Dyson. Founder @HICCup_co https://t.co/5dWfUSratQ http://t.co/a1Gmo3FTQv
Aug 24, 2017
From Molecules to Megacities: How Life Scales

Optimized by Optimole