كيف غزت الولايات المتحدة واحتلت وأعادت تشكيل ذاتها

كيف غزت الولايات المتحدة واحتلت وأعادت تشكيل ذاتها
Spread the love

بقلم توم انغلهاردت — ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو —

يا لها من ملحمة. والممثلون بالآلاف. (مئات؟ عشرات؟). إنتاج دراماتيكي مذهل. ورغم مرور خمسة اسابيع على افتتاحه على كل شاشة من أي نوع في اميركا (وربما في العالم) لا تظهر أية إشارة تدل على النهاية . ويا له من نجاح .
لقد أعادت الناس إلى الصحف (الإصدارات الالكترونية إن لم تكن الورقية). كما أن رفقاءها اليومية – نشرات الأخبار (الكابل) المستمرة 24 ساعة / 7 أيام – لن تفتقد أبداً لأي أخبار عاجلة أو جماهير .
إنها صدمة بمعيار هوليوود أو بمغزى اصطدام السيارة.. وظاهرة لم نرَ لها مثيلاً من قبل .
فكروا بنيرون يعزف على الكمان وروما تحترق والكاميرات تصور .
لقد ثبت بكل معنى إنها تسرب عملاق .. صنبور .. حنفية … طوفان ماحق من “اللا أخبار ” وأرباع الأخبار وأنصاف الأخبار والأخبار المخبولة والأخبار الكاذبة وفوقها أخبار حقيقية ..
وتعرفون عما – وعمن – أتحدث …
لا حاجة للشرح . أعني اخبروني ماذا يعوزها ؟
فبطلها القائد هو أقرب مثال نراه في عاصمة بلادنا لممثل إثارة. فكروا به كنموذج مار اليجو من باتمان (الرجل الوطواط) والجوكر مجتمعين في شخص واحد ..
رئيس – كما أخبرنا في أحد المؤتمرات الصحفية مؤخراً –أنه “أقل الاشخاص عداءً للسامية تراه في حياتك” و”الأقل عنصرية” على حد سواء …
وكما يشير تقرير إثر آخر فإنه يهاجم وينتقد ويسفه ويغرد ويضرب ويتهم ويشتكي ويفتري على الآخرين بينما يفخر بإنجازاته من دون توقف .
فكروا به كفوهة بركان السياسة الأميركية في القرن الحادي والعشرين او جودزيلا حديثة تخرج أبدية من ميناء نيويورك …..

وماذا عن ممثليه المساعدين؟
الخائفون من الإسلام وايران والقوميين البيض وأسراب من المليارديرات والمليونيرات وسوق الأسهم الصاعدة بجنون وقطاع صناعة الوقود الاحفوري بأكمله وكل غريب أطوار مشكك بالتغيير المناخي في البلاد والناطق الصحافي المخلد ببرنامج “مساء السبت على الهواء” والذي بزت أعداد متابعي إيجازاته الصحفية اليومية جماهير مشاهدي المسلسل الطويل “المشفى العام” من حيث التقييم … ومستشار للبيت الأبيض من مهاراته الفائقة “الحقائق البديلة ” ومستشار للأمن القومي (والذي لم يمضِ على تعيينه 24 يوماً) يبدو أنه لخص مفهوم “اللا أمن”.. ورئيس أركان البيت الأبيض ومنسق مع الجمهوريين حكم عليه بالانقراض إضافة إلى اثنين من المعينين اللذين طردا أو سرحا من منصيبيهما بعد انتقاد دونالد..
وبكل أمانة لا يمكنكم افتراء هذه الأشياء وربما ترامب وحده يستطيع فعل ذلك. وبالمناسبة –ولعلمكم – أستطيع الاستمرار في هذه الفقرة إلى ما لا نهاية من دون قلق استنادا إلى أخبار الأسابيع الماضية..
من بين المواضيع العديدة التي لم اذكرها – ميلانيا والزوجة السابقة ايفانا – التي قد تصبح السفيرة الأميركية الجديدة في جمهورية التشيك ….
هناك أيضا أبناء ترامب وشركاتهم والتعهد الذي نقض فورا عن (جملة تقليدية قديمة) تضارب المصالح والتعارضات حول هذا التضاد والتغريدات الرئاسية والتهديدات والتبجح الذي رافقها ناهيك عن الكلام عن خدمة التحدث إلى الرئيس المدفوعة الأجر …
وماذا عن صهر ترامب، جاريد كوشنر (تناقض آخر يمشي على قدمين) والذي قيل إنه لعب دوراً مهما ًفي تعيين السفير الأميركي الجديد في اسرائيل وهو محامٍ نيويوركي مختص بقضايا الإفلاس وعرف عنه جمع ملايين الدولارات لتمويل مستوطنة يهودية في الضفة الغربية وتلقيب مؤيدي المجموعة اليهودية الليبرالية “ج ستريت” بـ”أسوأ من الكابوس” (وهم اليهود الذين تعاملوا مع النازيين في مخيمات الاعتقال).
الآن تم تنصيب كوشنر صانع السلام المطلق في الشرق الاوسط …. ولا تنسوا الولدين دونالد وايريك اللذين بدأ بتخزين التذكارات لمكتبة ترامب الرئاسية المستقبلية …وهو مفهوم يجب أن يخطف ألبابكم …….
تخيلوا مكتبة وأحرفاً مذهبة عملاقة أعلى مدخلها تمجد رجلاً يفخر بأنه لا يقرأ الكتب وذات الشيْ مع المراسم الرئاسية وربما المجلدات التي “كتبها” ويوقع على أشياء لا يأبه بمراجعتها .
وبمناسبة التحدث عن روما (تذكرون نيرون وهو يعزف على الكمان) هل لاحظتم هذه الأيام أن كل طرق الأخبار تؤدي الى … حسناً دونالد ترامب؟
خذوا كلامي على محمل الجد …
لا يحدث شيء في عالمنا بعد اليوم لا يتعلق به وبأناسه (وبالتحديد لم يحدث…). فمنذ أن استقل مصعد برج ترامب نحو السباق الرئاسي في حزيران يونيو 2015 تجلت أعظم مهاراته – بدون ريب – في مقدرته على استشمام هواء وسائل الاعلام في أي غرفة سواء كانت تلك الغرفة المكتب البيضاوي في واشنطن أو العالم برمّته…
يتحدث في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو وبين فوراته الحانقة على التسريبات الاستخباراتية والهجمات على “وسائل الإعلام غير الأمينة” لإقالته مستشار الامن القومي يعيد اهتمامه فجأة إلى القضية الفلسطينية – الاسرائيلية ويصرّح: “أنا أرى حل الدولتين وحل الدولة الواحدة وأحب الحل الذي يسعد الطرفين. أنا سعيد جداً بالحل الذي يرضي الطرفين. أستطيع التعايش مع أي منهما.. ظننت أن حل الدولتين قد يكون الأمثل للطرفين ولكن وبأمانة إذا كان بيبي والفلسطينيين – إذا كانت اسرائيل والفلسطينيون سعداء فإني أسعد بالحل الذي يختارونه . ”
لقد انقلب العالم فجأة في الشرق الاوسط رأساً على عقب وقلباً إلى ظهر ….

الجنرالات ( الجنرلة)
وبطريقها وحتى بعد مضي 20 شهرا على إبتدائها لا تزال جديدة وجديرة بالملاحظة ….
إن لم تكن كالوقوف في وجه الطوفان أخبروني ما عساها أن تكون؟
لذا يجب أن لا يفاجئ أحد بصعوبة الخروج من عاصفة هذه اللحظة اللامنتهية ليجد بعضاً من أو أي فرصة مواتية تقدم أدنى منظور عن الترامبية الكارثية التي عصفت بعالمنا.
ومع ذلك – وعلى غرابتها البادية في مثل هذه الظروف – فإن رئاسة ترامب جاءت من مكان ما وتطورت بفعل شيء ما …
والتفكير بها (كما يبدو أن الكثير من معارضي ترامب يضطر لذلك) كجديدة متفردة –النسخة الرئاسية للولادة العذراء – هو رفض وتحدٍ للتاريخ والحقيقة على حد سوا..
دونالد ترامب وما عساه أن يكون .. هو بلا ريب مخلوق من التاريخ … إذ لا يمكن تخيّله من دونه .. وهذا يعني بالضرورة أن الطبيعة الراديكالية لرئاسته الجديدة ما هي إلا تذكرة لمدى راديكالية الخمسة عشرة عاماً التي مرت منذ أحداث 11 أيلول – سبتمبر ودورها في تشكيل الحياة والحكم والسياسة الأميركية .
وبذلك المعنى (اعذروني على التورية) تقدم رئاسته صورة دقيقة وفائقة الوضوح لأميركا التي لا نزال نعيش فيها منذ عدة سنوات حتى لو رغبنا بالتظاهر بعكس ذلك .

وبالتالي فإنها وبجلاء حكومة المليارديرات والجنرالات ومن أجلهم والتي تلخص وجهة سيرنا خلال الخمسة عشرة عاماً الماضية …
دعونا نبدأ بالجنرالات …
خلال الـ15 عاماً التي مضت قبل دخول ترامب الى البيت الأبيض أصبحت واشنطن عاصمة دائمة للحرب …
الحرب خاصية أزلية لعالمنا الأميركي والقوات المسلحة – المؤسسة الأكثر إجلالاً في الحياة الأميركية والمؤسسة التي نثق بها أكثر من أي طاقم فريق كاد يتلاشى – والرئاسة والمحكمة العليا والمدارس العامة والبنوك وأخبار التلفاز والصحف والشركات الكبرى والكونغرس (وفق ذلك الترتيب التنازلي ).
فدعم القوات المسلحة بأكداس متعاظمة من دولارات دافعي الضرائب (والتي ستتصاعد مرة اخرى) هو أحد الامور القليلة التي يتفق عليها كل من الديموقراطيين والجمهوريين في الكونغرس ..
ويحلق المجمع العسكري- الصناعي أعلى فأعلى (بالرغم من تغريدات ترامب حول سعر طائرات الإف 35) ويتسلح رجال الشرطة عبر البلاد بعتاد القوات المسلحة وتعود تكنولوجيا الحرب في أراضي المعارك الأميركية البعيدة – من سترينج راي إلى ال م ر ا ب إلى طائرات الاستطلاع العسكرية المسيرة من دون طيار – الى البلاد بقوة وأصبحنا راضين “سوا “.
وبتعبير آخر تمت عسكرة البلاد بشتى الوسائل وبطرق واضحة وخفية وبأسلوب لم يكن يتخيله الأميركيون من قبل ……
وفي غضون ذلك أصبح إعلان وصنع الحرب – بشكل متزايد – (واللعنة للدستور) الشاغل الأوحد للبيت الابيض من دون العودة الى الكونغرس …
وفي ذات الوقت – شكراً لبرنامج الاغتيال بالطائرات الدرون المسيرة بدون طيار والذي يدار مباشرة من البيت الابيض – أضحى الرئيس في هذه السنين المغتال الأعلى والقائد الأعلى بآن معاً …….
وفي ضوء هذه الظروف لا يستغرب أحد استعانة دونالد ترامب بنفس الجنرالات الذين انتقدهم خلال الحملة الانتخابية وهم نفس الرجال الذين حاربوا 15 عاماً من الحروب الخاسرة وشعروا بالمرارة لعدم انتصارهم بها. واستولوا في حكومته بالطبع على – وفي سابقة تاريخية – المناصب المدنية لوزير الدفاع ووزير الأمن القومي ومستشار الأمن القومي ورئيس أركان مجلس الأمن القومي …
فكروا بها كطغمةعسكرية والخطوة المنطقية التالية في العسكرة المتزايدة للبلاد …..
ومثال صارخ آخر. عندما أقال الرئيس مستشاره للأمن القومي بعد مضي 24 يوماً على تعيينه لم يكن هناك سوى مدني وحيد بين الشخصيات المرشحة لشغل منصب كان حكراً على المدنيين والباقي جنرالات متقاعدون (وأدميرال) وفي حالة الشخص الذي اختير ليصبح ثاني مستشار للأمن القومي جنرال في الجيش لا يزال على رأس عمله ….
ويعكس ذلك حقيقة أميركية متفردة للقرن الحادي والعشرين والتي يتشربها دونالد ببساطة كحال الاسفنجة البشرية التي تكوّنه …
ونتيجة لذلك سيشرف على حروب أميركا الأزلية – وجلّها كوارث نسبية بشكل او بآخر – رجال كانوا على مدى 15 عاماً متورطين بها بشدة. إنها وصفة لكارثة مستقبلية ولكن لا يهم…
خطوات ترامبية مستقبلية اخرى – مثل الاستخدام المحتمل للحرس الوطني – بعد أكثر من نصف قرن على استدعاء الجيش لإزالة التمييز في جامعة الاباما – للقيام بمهمة ترحيل المهاجرين غير الشرعيين — ستكون بلا شك في ذات الإطار رغم نفي الإدارة على الاقل حتى الآن عزمها على ذلك …
وباختصار فإننا نعيش الآن في أميركا الجنرالات وتلك كانت مآل الحال حتى ولو لم يصبح دونالد ترامب رئيساً لأميركا.
أضيفوا عنصراً مهماً آخر من لحظتنا: أصبح لدينا اليوم أول المؤشرات على عدم شعور أعضاء من القيادة العليا للقوات المسلحة بالتقييد الأميركي التقليدي الذي يحظر عليهم تولي أي دور في السياسة …
إذ حذر الجنرال ريموند “توني” توماس، قائد قوات المهام الخاصة الأميركية، في مؤتمر صحافي الرئيس بأن البلاد في حالة حرب وأن الفوضى في البيت الابيض لن تكون في صالح المقاتلين. وهذا أقرب شاهد وصلنا إليه في عصرنا الحالي على الانتقاد العسكري العلني المباشر للبيت الأبيض.

صعود المليارديرات :
بالنسبة إلى المليارديرات دعونا نبدأ كالتالي: فرئيس الولايات المتحدة هو الآن ملياردير وهو أمر لم يكن بالإمكان تخيله حتى بعد تحول البلاد إلى 1 بالمائة مجتمع و1 بالمائة سياسة …. وأقرب ما وصلنا إليه في الأزمنة الحديثة نموذج نيلسون روكفلر كنائب للرئيس عندما عيّنه الرئيس جيرالد فورد عام 1974 … فروكفلر لم ينجح في أية انتخابات .
كما لم يسبق أن ضمت وزارة ما هذا العدد من المليارديرات والمليونيرات وأصبح ذلك ممكناً نظراً لوجود أعداد متنامية منهم في البلاد. ففي عام 1987 ضمت الولايات المتحدة 41 مليارديراً وفي عام 2015 وصل العدد إلى 536 .
ما الذي يتوجب علينا معرفته عن السنوات الطارئة التي تميزت بتصاعد التفاوت الطبقي وبأسوأ انصهار اقتصادي منذ عام 1929 مما ساعد على تقوية النموذج الجديد للنظام الأميركي ؟
انتقلنا بسرعة في تلك السنون من المليارديرات الذين يموّلون النظام السياسي – بعد قرار المحكمة العليا عام 2010 المسمى “مواطنون متحدون” والذي شرع بوابات الطوفان المالي – الى ترؤسهم وإدارتهم للحكم في واقع الأمر …
لذا انتظروا بلاداً أكثر تصادقاً مع الأكثر ثراءً بشكل مفرط -والشكر موصول جزئياً لأي تخفيضات ضريبية ترامبية ممكنة – وبالتالي التأسيس المحتمل لعصر جديد من الغنى السلالي.
توقعوا من طاقم المدمرين والمحطمين الأغنياء الذين عيّنهم ترامب في وزارته –من بين اشياء أخرى – خصخصة الحكومة الأميركية وهي عملية ركزت في معظمها حتى الآن على دمج الشركات المحاربة بأجزاء أخرى من دولة الأمن القومي ثم المسير نحو بقية الجهاز الحاكم .
نحن نعيش في أميركا مختلفة عن أميركا ما قبل 8 تشرين الثاني – نوفمبر 2016. لقد دفع دونالد ترامب بتلك الحقيقة في وجوهنا مباشرة. وتذكروا أنه لولا نسبة الواحد في المائة لهذا البلد وصعود الأتمتة (والعولمة) التي دمرت الكثير من الوظائف والتي ساعدت على إزدهار التفاوت الطبقي، لما شعرت الطبقة العاملة الأميركية البيضاء بالغبن في بلادها وأصبحت مهيأة تماماً لإرسال شخصية متفجرة إلى البيت الأبيض كنموذج واضح للاحتجاج.
أخيراً انظروا إلى معلم آخر من معالم الشهر الأول لرئاسة ترامب :
ذلك الصراع بين الرئيس الجديد وقطاع الاستخبارات في دولة الأمن القومي. فقد تنامت في السنوات التالية لأحداث 11 أيلول – سبتمبر 2001 – الدولة داخل الدولة – أو ما يسمى حسب بعض النقاد “الدولة العميقة” برغم السرية التي تغلّفها وربما “الدولة المظلمة” بقفزات وثبات .
ففي تلك الفترة على سبيل المثال إكتسبت الولايات المتحدة وزارة دفاع أخرى ألا وهي وزارة الأمن القومي بمجمعها الأمني – العسكري الخاص بها. وبنفس الوقت توسعت الوكالات الاستخباراتية الـ17 كلها بكل طريقة متخيلة .وامتلكت في تلك السنوات نفوذاً لا يمكن إدراكه مع المقدرة على التنصت على أو مراقبة إتصالات أي فرد على سطح هذا الكوكب (بمن فيهم الأميركيون) ممولةً بسخاء من دولارات دافعي الضرائب ومتضخمةً بمئات آلاف المتعاقدين الخصوصيين من شركات الحرب ومحررةً إلى حد كبير من أي ذراع رقابي ضابط سواء كان الكونغرس أم المحاكم وعاملةً تحت دثار سري ترك معظم الأميركيين لا يعلمون شيئاً عن نشاطاتها (باستثناء الحالات التي يفضح فيها المحذرين أعمالها).
وهيمنت دولة الأمن القومي بقوة في واشنطن وأضحت الفرع الفعلي الرابع للحكم. والآن يجد أشخاص مهمون داخل الدوائر الانتخابية المظللة دونالد ترامب – والذي هو بطرق عدة نتاجاً لذات العملية التي رفعتهم – الرئيس المكروه – وخاصة عندما قارن نشاطاتهم بالحقبة النازية – ويبدو أنهم تخاصموا معه ومع إدارته عبر سيل ملحوظ من تسريبات للمعلومات الضارة وخاصة فيما يتعلق بمستشار الأمن المنصرف مايكل فلين .
وكما كتبت أماندا توب وماكس فيشر في صحيفة النيويورك تايمز: “ربما أصبحت التسريبات بالنسبة للمسؤولين الحكوميين ذوي العلاقة إحدى الوسائل القليلة المتبقية للتأثير على مبادرات سياسة السيد فلين وعلى التهديد الذي يمثله لمكانهم في الديموقراطية “….
ويمثل ذلك نموذجاً من إطلاق صرخات التحذير والتي لو وجهت إليهم في حقبة ما قبل ترامب لوجدوها مرعبة ..
وحسب تعليقات الجنرال توماس فقد مثّل طوفان التسريبات – المؤذي لترامب – تحدياً محتملاً للنظام السياسي الأميركي ….
وعندما يكون المدافعون الأعنف عن ذلك النظام من داخل القطاع الاستخباراتي والعسكري فسوف تدرك أنك في أتون عالم مختلف محفوف بالمخاطر.
قد يبدو الكثير مما يحصل اليوم جديداً كلياً وطاغياً ولكنه كان في مرحلة التطور على مدى سنوات عديدة حتى وإن لم يكن بالإمكان تصور خصائص رئاسة ترامب قبل فترة وجيزة.
وتساءلت في منشور على موقع توم ديسباتش في آذار – مارس عام 2015 قبل شهرين من إقحام دونالد شعره في الحلبة الرئاسية ما إذا كان “نظاماً سياسياً جديداً” قيد البزوغ في أميركا ولخصت الحالة بهذه الطريقة :
” ومع ذلك لا تفكروا لوهلة أن النظام السياسي ليس بطور إعادة الصياغة بفعل فرقاء مهتمين من الكونغرس ومنتوجنا الراهن من المليارديرات ومصالح الشركات وأعضاء اللوبي والبنتاغون ومسؤولي دولة الأمن القومي .. وعبر اضطراب هذه اللحظة الطويلة وداخل غلاف النظام القديم تولد أمام ناظرينا ثقافة جديدة ونوع جديد من السياسات ونوع جديد من الحكم. سمّوه ما شئتم ..ولكن سمّوه شيئاً ما وتوقفوا عن التظاهر بأنه لا يحدث”.
نحن نعيش في أميركا دونالد ترامب (والتي لم أكن أتوقعها أو أتخيلها في آذار – مارس 2015).
نحن نحيا في أرض أكثر فوضوية وشذوذاً يديرها (هذا إن كانت تدار بالأصل) مليارديرات وجنرالات متقاعدون ويشرف عليهم رئيس غريب الأطوار في حالة حرب مع أطراف غريبة أخرى من دولة الأمن القومي وتلك باختصار هي أميركا المولودة في سنوات ما بعد 11 أيلول سبتمبر.
ربما فشلت الولايات المتحدة فشلاً ذريعاً في محاولاتها لغزو واحتلال وإعادة تشكيل العراق على الصورة التي ترومها ولكن يبدو أنها غزت واحتلت وأعادت تشكيل ذاتها بنجاح منقطع النظير ولا تلومّن الروس على ذلك.
ولم يقلها أحد أفضل من الملك الفرنسي لويس الخامس عشر: أنا ومن بعدي …ترامب.
توم انغلهاردت شارك في تأليف كتاب مشروع الإمبراطورية الأميركية وألف كتاب ولايات الخوف المتحدة وتاريخ الحرب الباردة – نهاية ثقافة النصر ويعمل باحثاً في المعهد القومي ويشرف على موقع توم ديسباتش وآخر كتبه حكومة الظل: المراقبة والحروب السرية ودولة الأمن العالمي في عالم القوة العظمى الوحيدة.

Optimized by Optimole