ترامب وبايدن يتنافسان على استمالة اللوبي الإسرائيلي في الانتخابات

ترامب وبايدن يتنافسان على استمالة اللوبي الإسرائيلي في الانتخابات
Spread the love

شؤون آسيوية –

د. هيثم مزاحم*

انتقد الرئيس الأميركي الجمهوري السابق دونالد ترامب في مقابلة الخميس منافسه الديمقراطي الرئيس جو بايدن بسبب تلويحه بوقف شحنات الأسلحة إلى الكيان الإسرائيلي مؤقتًا إذا غزا جيشه مدينة رفح. وقال ترامب إنه “لن يفعل ما فعله بايدن”. وأضاف: “إذا كنت شخصًا يهوديًا، فلا تصوت لصالح بايدن لأنك “تؤلمني حقًا. لقد ذهب إلى الجانب الآخر تمامًا الآن، لقد رحل، لقد أسقط إسرائيل”. وتابع ترامب: “إذا كنت يهوديًا، وصوتت له، فأنا أقول عار عليك”.

وكان ترامب قد انتقد عام 2019 الديمقراطيين اليهود واصفاً إياهم بأنهم “خائنون للغاية لإسرائيل”.
كما انتقد ترامب، في تصريحات له، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قائلاً إن إسرائيل بحاجة إلى “تصويب الأمور” وذلك بعد أيام من هجوم طوفان الأقصى، معرباً عن تعاطفه مع إسرائيل، ووصفها بأنه “نعمة للعالم” وحض القادة الإسرائيليين على تنظيم أنفسهم ضد حركة حماس.
وتحدث ترامب عن الغارة الأميركية التي اغتالت عام 2020 قاسم سليماني، قائد لواء القدس في حرس الثورة الإيراني، كاشفاً أن نتنياهو “خذلنا” بعدم مساعدة الولايات المتحدة في تلك المهمة، قائلاً: “لن أنسى أبداً أن بيبي نتنياهو خذلنا.. لقد كان ذلك أمراً فظيعاً للغاية”، مدعيا أن نتنياهو “حاول أن ينسب إليه الفضل” في الغارة بعد وقوعها.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية في أوائل نوفمبر – تشرين الثاني 2024، يتنافس المرشحان ترامب وبايدن على خطب ود الناخبين اليهود الأميركيين من جهة، ويسعيان للحصول على دعم وتأييد اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأميركية.
فقد كشف العدوان الإسرائيلي المتواصل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ الثامن من تشرين الأول / أكتوبر 2023، عن مدى عمق العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، بحيث جاء الدعم الأميركي منقطع النظير للكيان الإسرائيلي وعلى مختلف المستويات ليظهر “إسرائيل” وكأنها ولاية أميركية تعرضت لهجوم معادٍ وليست دولة مستقلة أقيمت على أرض فلسطين المحتلة.
فقد سارع كل من بايدن ووزيري خارجيته ودفاعه أنتوني بلينكن ولويد أوستن إلى القدوم إلى الكيان كل على حدة والاجتماع بحكومة الحرب الإسرائيلية، لمناقشة وضع الكيان بعد الزلزال الذي أصابه بفعل هجوم “طوفان الأقصى”، وسبل استعادة الردع الإسرائيلي والانتقام من حركة حماس وتدمير بناها العسكرية والحكومية وجميع المنشآت الحيوية في قطاع غزة.
وإن كان البعض يفسّر ذلك الدعم الأميركي غير المسبوق لإسرائيل بأنه يعود إلى قوة اللوبي اليهودي داخل الولايات المتحدة الأميركية، فإن البعض الآخر يرده إلى كون هذا الكيان الغاصب هو قاعدة أميركية متقدمة في المنطقة العربية، غير المسموح أميركياً وغربياً إضعافها أو سقوطها، وذلك لاستمرارها في خدمة وحماية المصالح الأميركية والغربية في الشرق الأوسط.
وقد ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية قبل أشهر أن الدعم لـ”إسرائيل” في الكونغرس الأميركي داخل كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري كبير، وهو تعبير عن قوة اللوبي الإسرائيلي وعدم التوازن في معرفة الموضوع الفلسطيني.
وقالت الصحيفة “إن الكونغرس كان متعاطفاً وداعماً لـ”إسرائيل” بطريقة لم تكن أي جماعة ضغط تتخيلها. وقد أكد الكونغرس على كل نقطة قدمها ممثلو الضغط: “حركة حماس هي تجسيد للشر، ويجب منح الأولوية للإفراج عن الرهائن، ويجب ألا يحرف تزايد سقوط المدنيين الفلسطينيين نظر الولايات المتحدة”.
ونقلت الصحيفة عن النائبة الديمقراطية ريتشي توري قولها: “تستطيعون الاعتماد على الكونغرس كصديق” و”يمكنكم اعتباري صديقة”.
وبرغم انتصار اللوبي الإسرائيلي في الكونغرس، ارتفعت أصوات حفنة من الأعضاء التقدميين الديمقراطيين في مجلس النواب ومجلس الشيوخ، لتقديم العون للمدنيين الفلسطينيين.
وأشارت الصحيفة إلى أن فوز طرف في الكونغرس، أي “إسرائيل” هو انعكاس لعقود من التأثير وجماعات اللوبي القوية، وخلل في التوازن لتعرض النواب للنزاع، خاصة أن معظمهم ليسوا خبراء في الشؤون الدولية. ونقلت الصحيفة عن بروفيسور العلاقات الدولية والسياسة الخارجية في جامعة هارفارد، ستيفن وولت، الذي نشر كتاباً شهيراً عن اللوبي الإسرائيلي، أنه في الوقت الذي كان فيه اللوبي الإسرائيلي ناشطاً ومؤثراً منذ عقود، فإنه لا يوجد شيء مضاد له على الجانب الآخر. وقال: “لا توجد منظمة فلسطينية بتأثير مساوٍ وحجم مساوٍ”.
جماعات اللوبي الإسرائيلية والأفراد المؤيدون لإسرائيل قد ساهموا بحوالي 31 مليون دولار لمرشحي الكونغرس، في الدورة الانتخابية في العام الماضي (2022)، وهو رقم أكبر بست مرات من المبالغ التي يحصل عليها المرشحون من جماعات الدفاع عن السلاح. وأكبر متبرع لهم هي لجنة العلاقات الأميركية-الإسرائيلية للشؤون العامة (إيباك).
تتباهى “إيباك”، وهي الذراع الأقوى للوبي الإسرائيلي في أميركا، بأن 98% من المرشحين الذين دعمتهم قد فازوا في الانتخابات، وأنها ساعدت بهزيمة 13 مرشحاً “كانوا سيضعون العلاقات الأميركية-الإسرائيلية” في خطر. ففي آخر دورة انتخابية دعمت “إيباك” 365 مرشحاً من مختلف الطيف السياسي. تقول “إيباك” على موقعها الالكتروني: “ندعم المرشحين المؤيدين لإسرائيل ضد المرشحين المعادين لإسرائيل”.
ومنذ بداية العدوان على غزة، زار عشرات السيناتورات والنواب في الكونغرس الأميركي الكيان الإسرائيلي للتعبير عن الدعم الذي لا يتزعزع له، وقابلوا مسؤولين وجنرالات إسرائيليين.
وبرغم الاستقطاب السياسي الحاد بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي وانقسامهما بشأن قضايا داخلية وخارجية، فلا شيء يوحد الكونغرس ويجمع الحزبين مثل “إسرائيل”، كما يقول أعضاء الحزبين. فقد صادق الكونغرس على حزمة مساعدات لـ”إسرائيل” من أجل قتال “حماس”، حيث طلبت إدارة بايدن حزمة من 14 مليار دولار وهي أربعة أضعاف الدعم السنوي الأميركي لإسرائيل.
لكن هناك قلة في مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين دعوا لتوقف في القتال للسماح بوصول المياه والأدوية والوقود إلى غزة بعد فرض “إسرائيل” الحصار عليها. وتقدم 17 نائباً أميركياً بمشروع قرار لوقف إطلاق النار. ودعا السيناتور الديمقراطي عن كونيتكيت “إسرائيل” لتغيير مسارها وقال إن “المعدل الحالي من القتلى المدنيين في داخل غزة غير مقبول ولا يمكن ديمومته”.
ومع ذلك، فإن جميع النواب وأعضاء مجلس الشيوخ الأميركيين الذين طالبوا بالدعم الإنساني لغزة قد أكدوا على دعمهم التام لـ”إسرائيل” وكرههم لحركة حماس. ويعلق ستيفن وولت قائلاً: “ليس لدى النائب وعضو مجلس الشيوخ العادي أي حافز للوقوف أمام الإجماع أو هذه الرسالة عن الدعم غير المشروط”، و”لا تداعيات بالنسبة لهم لو عبّروا عن الدعم القوي لإسرائيل، فلا يعاقبون، ولن يخسروا الكثير من الناخبين وربما حصلوا على المزيد. ولو تساءلوا عن دعم الولايات المتحدة لـ”إسرائيل”، فعندها سيواجهون ضغوطاً”.
ورغم انتقادات ترامب لتهديد بايدن الأخير بوقف بعض شحنات الأسلحة إلى إسرائيل في حال قيامها باجتياح كبير لرفح، فإن إدارة بايدن قد قدمت الأسلحة والذخائر والتمويل والدعم السياسي والدبلوماسي والإعلامي منقطع النظير للكيان خلال الأشهر السبعة الماضية. بل إن بايدن لم يترك فرصة أو مناسبة إلا وأشاد خلالها بإسرائيل وبعلاقته الوطيدة بها، التي تمتد أكثر من خمسين عاماً في حين لم تنَل معاناة الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة نصيباً في خطابه. وذهب بايدن في تأييده سياسات الكيان الإسرائيلي، فقد قال إنه أبلغ نتنياهو في محادثة هاتفية بعد هجوم طوفان الأفصى بأنه لو واجهت الولايات المتحدة مثل هذا الهجوم، فإن رده سيكون “سريعاً وحاسماً وساحقاً، وهو ما يعني إعطاء ضوء أخضر للكيان الإسرائييل للاستمرار في جرائمه التي تصل حدَّ الإبادة ضد أكثر من 2.3 مليون من سكان قطاع غزة. وقد أكدت مذكرة داخلية مسربة من وزارة الخارجية الأميركية هذا التوجه، تضمنت توجيهًا للدبلوماسيين الأميركيين بأن يتجنبوا استخدام عبارات مثل “وقف التصعيد/ وقف إطلاق النار”، و”إنهاء العنف/ إراقة الدماء”، و”استعادة الهدوء”.
وكان بايدن أول رئيس أميركي يزور الكيان الإسرائيلي وهو في حالة حرب، ويجتمع مع المجلس الوزاري الإسرائيلي الحربي، في 18 تشرين الأول/ أكتوبر، ما جعل الولايات المتحدة شريكًا لإسرائيل في حربها ضد قطاع غزة. وأخيراً اتهم بايدن الطلاب الأميركيين المحتدين على الدعم الأميركي للإبادة الجماعية ضد الفلسطييين في قطاع غزة، والمطالبين بوقف استثمارات الجامعات الأميركية في الكيان والتي تصل إلى نحو تريليون دولار، وصفهم بأنهم معادون للسامية، وقامت إدارته بفض هذه الاعتصامات بالقوة واعتقال عشرات المعتصمين داخل الجامعات، واتهام بعضهم كذباً بدعم الإرهاب والتهجم على الطلاب اليهود.
يفسر بعض الباحثين أسباب الانحياز المطلق لبايدن وإدارته إلى الكيان الإسرائيلي، بـ:
1-محبة بايدن للصهيونية وإسرائيل، وهو تباهى منذ عقود بصهيونيّته، قائلاً: “لا تحتاج أن تكون يهودياً حتى تكون صهيونياً”. وهو يكرر دائماً أنه “لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان علينا أن نخترعها”.
2-الحسابات الانتخابية: يمثل اقتراب الانتخابات الرئاسية العام المقبل فرصة لبايدن وللديمقراطيين لتقديم أنفسهم باعتبارهم داعمين أقوياء لإسرائيل وأمنها، بعد سنواتٍ من التوتر مع نتنياهو وحكومته اليمينية، واستغلال الجمهوريين ذلك لاتهامهم بالتخلي عن إسرائيل.
3-علاقة التحالف الأميركي – الإسرائيلي الوثيقة. فالولايات المتحدة تنظر إلى إسرائيل على أنها قاعدة متقدمة لها في المنطقة، وهي تشكّل حجر الزاوية في مقاربتها الأمنية في الشرق الأوسط. لكن الهشاشة الأمنية والعسكرية التي بدت عليها إسرائيل بعد هجوم “طوفان الأقصى” قد فاجأت واشنطن وصدمتها وزعزعت ثقتها بها. من هنا، كان هدف التدخل الأميركي المباشر هو منع حدوث انهيار إسرائيلي في حال توسّع الصراع، وما قد يترتب عليه من تداعيات على الحسابات الاستراتيجية الأميركية. وهو ما دفع إدارة بايدن إلى العمل على ترميم صورة الردع الإسرائيلية، وتهديد إيران وحزب الله من خلال إرسال حاملات طائرات إلى البحر المتوسط لمنع محور المقاومة من الدخول الشامل في حرب واسعة ومفتوحة قد تؤدي إلى هزيمة إسرائيل وتفكك كيانها.
وعلى الرغم من أن انحياز بايدن المطلق إلى إسرائيل في عدوانها الوحشي على قطاع غزة، قد يفيده من جهة علاقته باللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، لكنه قد يكلّفه غالياً من ناحية خسارة دعم التيار التقدمي والقاعدة الشبابية في الحزب الديمقراطي، فضلًا عن خسارة أصوات العرب والمسلمين في ولايات ترجيحية، من قبيل ميتشغان وفرجينيا وجورجيا وأريزونا، ما قد يؤدي إلى خسارته في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
لا شك أن بايدن وترامب يتنافسان على أصوات اليهود وتمويل اللوبي الإسرئيلي لحملتيهما وحملات مرشحي الكونغرس من الحزبين. وتأثير هذه الأصوات والأموال كبير نسبياً وقد يرجح فوز مرشح على آخر، لكن لم يعد هذا التأثير حاسماً في ظل تحولات ديمغرافية وسياسية داخل الولايات المتحدة، وخاصة داخل الحزب الديمقراطي، وفئة الشباب والطلاب الأميركيين. وهذا ما سنتحدث عنه في الحلقة المقبلة.

*د. هيثم مزاحم رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية في بيروت

** ينشر بالتعاون مع جريدة الرؤية، العمانية

Optimized by Optimole