هل ستسحب السعودية استثماراتها في الذكاء الاصطناعي من الصين؟

هل ستسحب السعودية استثماراتها في الذكاء الاصطناعي من الصين؟
Spread the love

شؤون آسيوية – بقلم رضوان مزاحم*/

فجّر أميت ميدا، الرئيس التنفيذي لشركة “آلات” التابعة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، والعاملة في مجال أشباه الموصلات وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، قنبلة عندما قال إن الرياض سوف تسحب استثماراتها من الصين إذا طلبت الحكومة الأميركية منها ذلك.
ونقلت وكالة بلومبيرغ الأميرية عن أميت ميدا، رئيس الشركة، المدعومة من صندوق الاستثمارات العامة بنحو 100 مليار دولار، قوله: “حتى الآن كانت الطلبات هي إبقاء سلاسل التصنيع والتوريد منفصلة تماماً (بين المكون الصيني والأميركي)، لكن إذا أصبحت الشراكات مع الصين مشكلة بالنسبة للولايات المتحدة، فسنسحب استثماراتنا”.
وأبلغ مسؤولون أميركيون نظراءهم السعوديين بأنهم بحاجة إلى الاختيار بين التكنولوجيا الصينية والأميركية في الوقت الذي يهدفون فيه إلى بناء صناعة أشباه الموصلات في السعودية، وذلك كجزء من المحادثات الجارية حول مجموعة من قضايا الأمن القومي، حسبما ذكرت بلومبيرغ.
وقال ميدا في مقابلة مع بلومبيرغ نيوز على هامش المؤتمر العالمي لمعهد ميلكن في كاليفورنيا: “نسعى إلى شراكات موثوقة وآمنة في الولايات المتحدة”، مضيفا: “الولايات المتحدة هي الشريك الأول لنا والسوق الأول للذكاء الاصطناعي والرقائق وأشباه الموصلات”.
وتنافس السعودية على الريادة الإقليمية في مجال التكنولوجيا المتقدمة، على أمل إنشاء مراكز بيانات وشركات ذكاء اصطناعي وتصنيع أشباه الموصلات، وتأتي طموحاتها في الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة بالتدقيق بشكل متزايد في علاقات الشرق الأوسط مع الصين، بسبب المخاوف من أن دولا -مثل السعودية والإمارات- يمكن أن تكون بمثابة قنوات لبكين للوصول إلى التكنولوجيا التي تُمنع الشركات الصينية من شرائها من الولايات المتحدة.
وبحسب بلومبيرغ طلبت الولايات المتحدة بالفعل من شركة الذكاء الاصطناعي جي 42 (G42) ، ومقرها أبو ظبي، التخلص من التكنولوجيا الصينية، في مقابل استمرار الوصول إلى الأنظمة الأميركية التي تدعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
ومهّدت هذه الاتفاقية الطريق لاستثمار شركة مايكروسوفت بقيمة 1.5 مليار دولار في الشركة الإماراتية.
وقال ميدا إن شركة آلات السعودية ستعلن في الوقت نفسه عن شراكات مع شركتين أميركيتين للتكنولوجيا بحلول نهاية يونيو/ حزيران المقبل، وستشارك في الاستثمار مع شركة أميركية لكنه رفض التعليق على الشركات المشاركة في هذه المحادثات أو ما إذا كانت تركز على الذكاء الاصطناعي أو الرقائق أو مزيج من الاثنين.
ما هي دوافع كلام ميدا وماذا يعني بالنسبة للتنافس التكنولوجي بين الصين والولايات المتحدة؟
ليس سراً أن المملكة العربية السعودية لديها طموحات كبيرة عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي، تهدف إلى منافسة دولة الإمارات العربية المتحدة في الشرق الأوسط واقتحام مساحة المملكة الخاصة كقوة عظمى عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي.
وتخصص السعودية صندوقاً بقيمة 40 مليار دولار للاستثمار في الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى ميزانية قدرها 100 مليار دولار لصندوق ميدا.
ومع أخذ ذلك في الاعتبار، شرعت المملكة في حملة سحرية في وادي السيليكون لجذب عمالقة مثل أمازون وغوغل ومايكروسوفت. وحضر ممثلو هذه الشركات إلى المملكة العربية السعودية في مارس/آذار الماضي لحضور مؤتمر ليب Leap خارج العاصمة الرياض إلى جانب مديرين تنفيذيين من شركتي هواوي وتيكتوك الصينيتين.
لكن بالنسبة للسعودية والعديد من دول المنطقة، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة، عندما يُتاح لها الاختيار بين الولايات المتحدة والصين بشأن الذكاء الاصطناعي، فإن المشهد الجيوسياسي والتكنولوجي يفضل الولايات المتحدة. إذ تتخلف الصين عندما يتعلق الأمر بنماذج اللغات الأساسية الكبيرة، والتي يهيمن عليها OpenAI وGemini من Google، حسبما ذكرت شبكة NBC في مارس / آذار الماضي، كما نقلت محررة موقع المونيتور الأميركي، جويس كرم.
وقال ميدا: “الولايات المتحدة هي الشريك الأول بالنسبة لنا والسوق رقم واحد في مجال الذكاء الاصطناعي والرقائق وأشباه الموصلات”.
وقد قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بهذا الاختيار بالفعل. ففي ديسمبر / كانون الأول الماضي، أعلنت شركة الذكاء الاصطناعي العملاقة G42 في أبو ظبي أنها ستخفض استخدامها للأجهزة الصينية.
وفي الشهر الماضي، أعلنت مايكروسوفت عن استثمار بقيمة 1.5 مليار دولار في مجموعة G42 بعد مفاوضات مغلقة بين الحكومة الأميركية والشركة الخليجية وافقت فيها على سحب استثماراتها من الصين لصالح التكنولوجيا الأمريكية. وجاء قرار G42 بعد أن نقل المسؤولون الأميركيون مخاوفهم إلى أبو ظبي من أن الشركة الصينية ستكون قادرة على الحصول على التكنولوجيا الأميركية المتقدمة التي يمكن بعد ذلك أن تنقلها إلى الشركات أو الحكومة الصينية.
وتلعب العقوبات الأميركية بشأن الرقائق الالكترونية، وضوابط التصدير لتقييد قدرة الصين على تطوير الذكاء الاصطناعي المتقدم، دوراً في إثناء الحكومات الأجنبية التي تتعامل مع الولايات المتحدة عن الاعتماد بشدة على الصين. لكن هل يعني ذلك أن الرياض سوف تسحب استثماراتها فعلياً؟ ليس تماماً.
وتعتقد جويس كرم أنه لا ينبغي التعامل مع تعليقات أميتا ميدا، على الرغم من أهميتها، على أنها قرار حاسم بأن المملكة العربية السعودية سوف تنسحب من الصين إذا طلبت واشنطن ذلك.
ولن يتخذ مثل هذا القرار ميدا، وهو الرئيس التنفيذي لشركة آلات، وهي شركة مملوكة لصندوق الاستثمارات العامة السعودية. إنما يتولى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رئاسة صندوق الاستثمارات العامة المشار إليه.
إن علاقات المملكة في مجال الذكاء الاصطناعي مع الصين عميقة، ومن المستبعد للغاية سحب الاستثمارات الكاملة. ونفذت شركة هواوي تكنولوجيز وشركة علي بابا كلاود توسعات كبيرة في المملكة في السنوات الأربع الماضية حتى عندما واجهتا تدقيقاً من الغرب.
وترى كرم أنه سيتم ربط أي سحب للاستثمارات من الصين بحوافز كبيرة من واشنطن إلى الرياض مع استمرار المحادثات الأميركية السعودية حول التعاون النووي ومعاهدة دفاعية محتملة. ولن تكون السعودية محاصرة في التنافس التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين، ومن غير المرجح كذلك أن تلحق الضرر بعلاقاتها مع القوتين.
وقال ميدا: “حتى الآن كانت الطلبات هي إبقاء سلاسل التصنيع والتوريد منفصلة تمامًا”. وهذا لا يعادل سحب الاستثمارات، وفي الوقت الحالي، يمكن للرياض الاستمرار في استراتيجيتها المتمثلة في الحفاظ على علاقات جيدة مع أكبر شريك تجاري لها، وهي الصين، ولكنها تعتمد بشدة على الولايات المتحدة في مجال الأمن والتعاون التكنولوجي المتقدم.
الصورة: ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (يسار) مع سفير الصين لدى المملكة، لي هواكسين، خلال زيارته للصين في عام 2019. (واس)

وفي أخبار متفرقة عن استمرار التعاون الصيني السعودي بشكل موسع، فإن وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان السعودي، وهو أيضاً رئيس لجنة برنامج الإسكان، ماجد بن عبدالله الحقيل، د اختتم زيارته الرسمية إلى العاصمة الصينية بكين، التقى خلالها وزير الإسكان والتنمية الحضرية والريفية الصيني ني هونق، ورئيس رابطة المقاولين الدولية الصينية فانغ تشيوتشين، كما اجتمع بعدد من رؤساء شركات الإنشاءات والبنوك الصينية، وذلك لتعزيز الشراكة بين المملكة والصين في قطاعات التشييد والبناء والتطوير العقاري.

وبحث الجانبان خلال اللقاءات التعاون المشترك لتطوير السياسات والبرامج الإسكانية بين البلدين، وتبادل الخبرات والممارسات في مجالات تخطيط المدن والتنمية الحضرية المستدامة والاستثمار في تكنولوجيا البناء، والشراكات المستقبلية لإنشاء المشاريع العقارية والبنى التحتية داخل المجتمعات السكنية بالاستفادة من تكنولوجيا البناء التي يمتلكها الجانب الصيني، بالإضافة إلى تبادل الخبرات في الإدارة الحضرية للمدن وتطبيق أفضل الممارسات في هذا الشأن.
كما تم استعراض الفرص الحالية لاستقطاب مجموعة من الشركات الصينية المتخصصة في قطاعات البناء والتشييد والصيانة والنظافة إلى المملكة، بهدف الاستفادة من الممارسات المُبتكرة في قطاع المقاولات التي تنتهجها الشركات الصينية، حيث أبدى الجانب الصيني رغبته بالاستفادة من ما تشهده المملكة من حراك وقفزات في شتى المجالات، وحرصهم على نقل تجاربهم المختلفة للكوادر البشرية السعودية من خلال بناء برامج تدريبية متخصصة للعاملين في مجالات البناء والتشييد في المملكة.
وشهد الحقيل خلال زيارته توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع عدد من كبرى شركات الإنشاءات الصينية، بهدف الاستفادة من الفرص الاستثمارية التي تحظى بها المملكة في القطاع العقاري.
وتعكس زيارة الحقيل إلى بكين، المستوى المتميز الذي وصلت إليه العلاقات السعودية – الصينية، عقب إبرام “اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة” بين البلدين التي وقّعها الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود والرئيس الصيني شي جين بينغ خلال زيارته في ديسمبر/ كانون الأول 2022، وكانت باكورتها اتفاقيات ومذكرات تفاهم حكومية للتعاون في مجالات عدة من بينها الإسكان.
وكانت الرياض قد أعربت عن رغبتها في العمل مع الصين بشأن التحول إلى الطاقة الخضراء. وأعلن صندوق الاستثمارات العامة السعودي في بيان له في يناير 2023، عن توقيع اتفاقية مع شركة “لونجي” الصينية لتكنولوجيا الطاقة الخضراء، لتوطين صناعة الطاقة الشمسية في المملكة. وتتضمن الاتفاقية تصنيع منتجات وخدمات الطاقة الشمسية الكهروضوئية في المملكة، بما يتماشي مع إستراتيجية صندوق الاستثمارات العامة 2021-2025 لتنمية القطاعات المختلفة، بما في ذلك المرافق ومصادر الطاقة المتجددة، بما يتوافق مع رؤية المملكة 2030.
ويعزز من أهمية الاتفاقية أنها مع شركة لونجي إحدى أكبر الشركات الصينية المصنعة لوحدات الطاقة الشمسية الضوئية ومطورًا لمشاريع الطاقة الشمسية، وهي أكبر شركة في العالم مصنعة لرقاقات السيليكون أحادية البلورات كما أنها مدرجة في بورصة شنغهاي.
وإذ تتوسع شركة أنت غروب Ant Group الصينية العملاقة في مجال التكنولوجيا المالية بقوة في الخارج، تتجه أعينها الآن إلى السعودية. بينما اختارت شركة أرامكو السعودية مقاولاً صينياً لمشروع غاز بقيمة 12 مليار دولار.
وقالت شركة أرامكو السعودية، السبت الماضي، إنها تبحث مع شركة رونغشنغ الصينية للبتروكيماويات إمكانية إنشاء مشروع مشترك في شركة مصفاة أرامكو السعودية الجبيل (ساسرف). وأضافت في بيان أنها وقعت في الآونة الأخيرة اتفاقية إطارية للتعاون تنص على استحواذ محتمل لرونغشنغ على حصة 50 في المئة في ساسرف.
وتابعت أرامكو: “تضع هذه الاتفاقية حجر الأساس لتطوير مشروع توسعة تحويل السوائل إلى كيميائيات في ساسرف، بالإضافة إلى استحواذ أرامكو السعودية المحتمل على حصة بنسبة 50 بالمئة في شركة نينغبو تشونغجين للبتروكيماويات المحدودة، التابعة لشركة رونغشنغ، والمشاركة في مشروع توسعتها”.
أرامكو على حصة 10 في المئة في شركة رونغشنغ الصينية في يوليو 2023 من خلال شركتها التابعة أرامكو لما وراء البحار ومقرها هولندا. فيما تملك رونغشنغ حصة 100 في المئة في شركة نينغبو تشونغجين. كما أن لديها حصة في مشروع مشترك لإنتاج حمض التريفثاليك المنقى.
والشهر الماضي، أجرى القيّمون على مدينة نيوم التي تشيدها السعودية في صحرائها المطلة على البحر الأحمر، جولة في الصين مخصصة لجذب مستثمرين، عرضوا خلاها الخطوط العريضة للمشروع الباهظ الكلفة. وبعد مرورهم في بكين وشنغهاي، أمضى القيمون على المشروع المستقبلي يومين في هونغ كونغ، وقدّموا عرضًا مذهلاً لخطط نيوم أمام مستثمرين محتملين.
إلى ذلك، أعلن قبل أيام مطار الملك خالد الدولي، التي تتولى إدارته وتشغيله شركة مطارات الرياض، تدشين مسار جوي جديد يربط الرياض بالعاصمة الصينية بكين وذلك بواقع ثلاث رحلات أسبوعية تُسيرها شركة طيران الصين، اعتباراً من 6 مايو الجاري. وأوضحت مطارات الرياض أن التدشين الجديد يعكس مدى التزام الشركة بتعزيز جهود الربط الجوي المباشر بين المملكة والصين، وذلك من منطلق حرصها على تمكين المزيد من السيّاح الصينيين من زيارة المملكة بهدف اكتشاف المزيد من الوجهات السياحية الجاذبة، والتعرّف على مكامن الفرص الاستثمارية القائمة، كجزء من إسهام الشركة في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.

*رضوان مزاحم كاتب لبناني مختص بالذكاء الاصطناعي والتجارة الرقمية

Optimized by Optimole