قضية خاشقجي: تحدّ للعلاقات الأميركية – السعودية ولاستقرار المملكة

قضية خاشقجي: تحدّ للعلاقات الأميركية – السعودية ولاستقرار المملكة
Spread the love

بقلم: إلداد شافيت، ويوآل غوزنسكي – باحثان في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي —

الإعلان السعودي أن الصحافي جمال خاشقجي توفي في أثناء شجار جرى في القنصلية السعودية في إستانبول، واعتقال وإقالة المتهمين بالحادثة، وبينهم موظفون رفيعو المستوى، حظيَ فعلاً بردّ أولي إيجابي من جانب الرئيس دونالد ترامب، لكن البيت الأبيض وزعماء آخرون في العالم يشددون على أن التفاصيل التي قُدمت ليست كاملة، وأن من واجب السعودية مواصلة التحقيق وتقديم إجابات عن أسئلة كثيرة لا تزال تحتاج إلى توضيح. وتكثر المطالبات بإجراء تحقيق دولي مستقل. أطراف في الغرب، بينهم وزير المال الأميركي، ووزراء المال في بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وكذلك رئيس صندوق النقد الدولي، أعلنوا عدم مشاركتهم في مؤتمر برعاية ولي العهد في الرياض (23-25 تشرين الأول/أكتوبر)، تحت عنوان “مستقبل الاستثمارات” [دافوس الصحراء].
منذ بداية القضية، ردود الرئيس ترامب ومصادر أُخرى في الإدارة الأميركية تعكس مراوغة تتأرجح بين الإدارك أن سلوك السعودية لا يمكن أن يمر من دون رد، وبين السعي لعدم الاعتراف بفشل السياسة المنتهجة حتى الآن إزاء السعودية، بما فيها قرار تعليق الآمال على ولي العهد محمد بن سلمان، أساساً في ضوء الخطر بأن هذا قد يمس بالمصالح التي اعتبرها الرئيس حيوية. ومن المشكلات المطروحة:
صورة الرئيس: من جهة هناك الخوف من أن تلقي القضية ظلاً ثقيلاً على قدرة الرئيس على الحكم الصائب على الأمور. فقد أشارت تقارير صحافية إلى أن الرئيس ترامب شدد في مجالس مغلقة على أن علاقة صهره جاريد كوشنير الوثيقة بولي العهد السعودي تشكل عبئاً على السياسة الأميركية. يدرك الرئيس وإدارته أنهما يُنظر إليهما حالياً وكأن القيادة السعودية تتعامل معهما كأمر مسلم به وعلى أساس مبداً “أنهما في جيبها”، وأنهما في ردهما سيساعدان المملكة على التغلب على انعكاسات القضية. من جهة أُخرى، لا يرغب ترامب في أن يبدو زعيماً ضعيفاً ومتردداً.
قضايا اقتصادية: يكرر الرئيس ترامب ويشدد في تصريحاته على ثمن المس بالاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة، وفي الأساس في ضوء الوعود بشراء أسلحة بقيمة 110 مليار دولار (المقصود صفقات من الشكوك فيه أن يُنفّذ جزء منها). الأهمية التي يوليها ترامب لذلك، وللمخاطر المحتملة، لو فُرضت عقوبات على السعودية يجب تقديرها أيضاً على خلفية الاستعدادات للانتخابات النصفية (في تشرين الثاني/نوفمبر 2018) في الكونغرس، والرغبة في استغلال تحسّن الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة كأداة لتحسين حظوظ المرشحين الجمهوريين بالفوز. وتجدر الإشارة إلى أنه بالنسبة إلى المشكلة السعودية، بخلاف قضية قاضي المحكمة العليا بريت كافانو، تبرز فجوات كبيرة بين الرئيس ترامب وبين المشرعين الجمهوريين الأساسيين الذين يُعتبرون من المقربين من الرئيس، والذين يطلبون من الولايات المتحدة الرد بصرامة على أفعال السعودية.
السياسة الإقليمية: حتى قبل قضية الخاشقجي طُرحت تساؤلات بشأن قدرة السعودية على أن تحقق نظرياً وفعلياً الدور المركزي الذي أوكلته إليها إدارة ترامب من أجل الدفع قدماً بجهودها واحتواء سلوك إيران في الشرق الأوسط وكبحه. وفي الولايات المتحدة، كما في إسرائيل، علقوا آمالاً كثيرة على محمد بن سلمان ورأوا فيه شريكاً في الصراع ضد إيران وعملية السلام الإقليمية. لكن لوحظ في أوساط كثيرة في الولايات المتحدة خيبة أمل بهذه الآمال، في الأساس على خلفية عدم رضاهم عن سلوك السعودية في الحرب ضد اليمن، والأزمة مع قطر، وحادثة التوقيف الموقت لرئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري.
حتى الآن أصداء القضية لم تهدأ في الولايات المتحدة وفي الساحة الدولية، أيضاً بعد الإعلان السعودي بشأن الشجار الذي حدث في القنصلية. والجدير ذكره أن هناك أطراف عديدة بما في ذلك في الساحة الإقليمية (تركيا، إيران، وقطر) لا تريد إبعاد القضية عن جدول الأعمال اليومي. من المعقول أيضاً أن الإدارة الأميركية، ربما مجبرة، لم تقل بعد كلمتها الأخيرة فيما يتعلق بالرد على القضية. ثمة شك في أن تنجح محاولات الرئيس ترامب التشديد على الحاجة إلى التفريق بين تقصير القيادة في السعودية، وبين رغبته في المحافظة على مكانة المملكة كشريك استراتيجي مهم وموثوق به، في تبديد الضغوط عليه كي يرد بحدّة.
تطرح قضية الخاشقجي التي لا تزال بعيدة عن نهايتها، أهم تحدّ للعلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية منذ الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة في أيلول /سبتمبر 2001. على الأقل، هي بمعنى ما أشد خطورة، لأنها تهدد الاستقرار الداخلي في السعودية. فعندما وقعت الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة كانت العائلة المالكة موحدة وتجندت للمحافظة على المصالح المشتركة. أمّا في الأزمة الحالية فالعائلة المالكة تبدو غير موحدة، ويوجد معارضون لمحمد بن سلمان في صفوف المؤسسة الدينية، وأيضاً من جانب أخوته غير الأشقاء وأعمامه. وفي مقابل الحكم الجماعي الذي قادته عائلة آل سعود- ونجحت في خلقت توازنات وكوابح، كانت نتيجتها سياسة عاقلة وحذرة تتلاءم مع القدرات الاستراتيجية السعودية، انتهج بن سلمان حكماً مركزياً، يستخدم الوسائل العنفية من أجل إسكات منتقديه.
لقد تفاجأت العائلة المالكة بقوة وحدّة ردات فعل المجتمع الدولي على قضية الخاشقجي، ويبدو أنها لم تكن مستعدة لمواجهة انعكاساتها. من الناحية الشخصية، طُلب من السفير في واشنطن، شقيق محمد، خالد بن سلمان الذي من المحتمل من الآن فصاعداً أن يكون له دور مركزي في اتخاذ القرارات (التي افتقرت حتى الآن إلى التفكير والتخطيط) العودة إلى الرياض. وعلى الصعيد السياسي، يبدو أن الملك يدرك أن ابنه ولي العهد، قد ذهب بعيداً ويجب كبحه وإعادته من جديد إلى سياسة عاقلة وأكثر حذراً، لا تتسبب بانتقادات لا لزوم لها من الداخل والخارج. المشكلة أن الملك نفسه طاعن في السن ومريض، ومن غير الواضح أبداً مدى قدرته على السيطرة على ما يحدث. من هنا الخوف على المسّ باستقرار المملكة.
لواشنطن كما للقدس مصلحة في المحافظة على استقرار المملكة. وبناء على ذلك، تستطيع الرياض بدورها إظهار أرصدتها، وأن تقترح، لإبعاد بعض الانعكاسات السلبية الناتجة من قضية الخاشقجي عن نفسها، زيادة جهودها في الحملة ضد إيران، وأن تحاول الإقناع بعدم وجود بديل من الزعامة الحالية، حتى من زاوية الإصلاحات الداخلية الضرورية. يُضاف إلى ذلك، تدهور أطر اقتصادية مركزية منذ تعيين بن سلمان ولياً للعهد. مثل حجم الاستثمارات الأجنبية في المملكة (FDI) الذي تراجع إلى 1,4 مليار دولار في 2017، بسبب خوف المستثمرين الأجانب، وأيضاً بسبب إقدام أصحاب الأموال السعوديين على إخراج أموالهم من المملكة بوتيرة غير مسبوقة.
على هذه الخلفية، يبرز تخوف الإدارة الأميركية من أن يُثبت حدوث تدهور محتمل في العلاقة بين الدولتين أن رهان الرئيس ترامب على القيادة السعودية كدعامة أساسية لسياسته في الشرق الأوسط كان خطأ من الناحية العملية. ومع ازدياد التهديد للاستقرار الداخلي للمملكة، وعشية تنفيذ جولة العقوبات المهمة على إيران، تزداد التساؤلات بشأن صلاحية الاستراتيجية الأميركية التي تهدف إلى احتواء إيران في المنطقة، بالاستناد إلى ائتلاف عربي تقوده السعودية التي كان من المفترض أن تكون “القدم على الأرض”، والتي تقود الخطوات العملانية لكبح إيران.
كثيرون في الغرب وفي إسرائيل، تحركهم مصالح مختلفة، وضعوا التاج على رأس بن سلمان على الرغم من علامات التحذير التي برزت بشأنه قبل ذلك. عدم اليقين في المملكة شديد والحساسيات ستزاداد قبيل انتقال التاج. فهذه ليست فقط المرة الأولى التي ينتقل فيها المُلك إلى أمير ليس من مؤسسي المملكة، وولي العهد راكم كثيراً من المعارضين ولم ينجح في تثبيت وضعه. فترة عدم الاستقرار في السعوديةـ وأكثر من ذلك حدوث اضطرابات في العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، من المتوقع أن تضر مباشرة بمصالح إسرائيل وبقدرتها على اعتبار السعودية شريكاً فعلياً في الدفع قدماً بأهداف مشتركة.

المصدر: مجلة “مباط عال” الإسرائيلية، ، العدد 1100، 22/10/2018، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية