الانسحاب الأميركي من سوريا قد يكون فوضويًا

الانسحاب الأميركي من سوريا قد يكون فوضويًا
Spread the love

بقلم: جوليان بورغر محرر الشؤون العالمية في صحيفة الغارديان البريطانية —
قال عضو بارز في مجلس الشيوخ الجمهوري إن دونالد ترامب لا يزال مصمماً على إخراج القوات الأميركية من سوريا “بأسرع ما يمكن” على الرغم من قراره الأسبوع الماضي بشن ضربات صاروخية ضد أهداف حكومية سورية.
وبحسب ما ورد أن الرئيس ترامب قد أبلغ جنرالاته هذا الشهر أنه يريد أن ينهي نحو ألفي جندي أميركي في سوريا مهمتهم في محاربة تنظيم “داعش” فوراً وأن يعودوا إلى ديارهم، وذلك تمشياً مع تعهده في تجمع قال فيه إن انسحابهم وشيك.
لقد تم إقناع ترامب من قبل القادة الأميركيين بالانتظار لبضعة أشهر، وأشاروا عليه إلى أن طرد “داعش” من معاقله المتبقية على طول وادي الفرات لن يكون مباشراً.
في غضون أيام من مطالبة ترامب بالرحيل الأميركي المفاجئ من سوريا، أمر ترامب بإطلاق دفعة من 105 صواريخ من السفن والطائرات الأميركية والفرنسية والبريطانية، لمعاقبة هجوم بالأسلحة الكيمائية منسوب إلى نظام بشار الأسد.
وفي حديثه إلى الصحافيين في وقت سابق من هذا الأسبوع، قال بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، إنه لا يعتقد أن الضربات الجوية التي وقعت الأسبوع الماضي ستخفف رغبة الرئيس في إخراج القوات الأميركية من الصراع. وأضاف كوركر: “أعتقد أن الرئيس ملتزم للغاية بالخروج من سوريا في أسرع وقت ممكن. لا أرى أي شيء يغيّر ذلك”.
وقد اشتبك كروكر، السناتور الجمهوري من تينيسي، مراراً مع ترامب ولا يسعى لإعادة انتخابه هذا العام، لكنه يقول إنه لا يزال يتحدث إلى الرئيس في كثير من الأحيان بشأن السياسة الخارجية.
وقال كروكر: “أنا لا أرى هذه الإدارة تحاول بأي حال من الأحوال رسم ما يحدث على الأرض التي ترتبط بالنظام. عندما دعونا روسيا إلى … للمساعدة في الأسلحة الكيميائية، قمنا بتحويل البلد إلى روسيا. إنها دعوة كل من روسيا وإيران لتحديد ما الذي سيحدث في سوريا. عندما لا تساعد في رسم ما هو موجود على الأرض خلال وجودك في اجتماعات دبلوماسية، فأنت تتحدث فقط”.
جادل كورك بأنه في مواجهة عبء الاستقرار وإعادة البناء في سوريا، فإن روسيا وإيران سوف تتحولان إلى تبنّي وجهة نظر أميركية مفادها أن هذا غير ممكن في ظل بقاء الأسد في السلطة.
وقدمت مستشارة أوباما للأمن القومي، سوزان رايس، حجة مماثلة هذا الأسبوع، مشيرة إلى أن إدارتَي ترامب وأوباما واجهتا معضلات مماثلة في سوريا وخرجتا بسياسات مماثلة. وقالت رايس إن قدرة الولايات المتحدة وحلفائها على تمويل إعادة إعمار سوريا ستعطي واشنطن نفوذها على مائدة المفاوضات التي ليست لديها من خلال أحذية الجنود على الأرض.
وكتبت رايس في مقالة في صحيفة “نيويورك تايمز”: “من دون أموالنا، ستُترك روسيا وإيران، وليس القوى الاقتصادية، تحتفظان بالحقيبة في حالة فاشلة مكلفة”.
وكما وجدت الولايات المتحدة في فيتنام وأفغانستان والعراق، فإن الحروب الأهلية المعقدة للبلدان الأجنبية، ما أن تدخلها مرة، يصعب الخروج منها. ليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن سوريا ستكسر هذا النمط، مع ذلك فإن القائد الأعلى للقوات الأميركية(ترامب) متردد وانعزالي بشكل غريزي.
لقد سعى ترامب إلى تحديد أهداف الحرب الأميركية في سوريا بهدفين هما: هزيمة “داعش” بقسوة وردع استخدام الأسلحة الكيميائية. حتى مع وجود مثل هذين الهدفين المحددين بدقة، فمن المرجح أن يكون الانسحاب الأميركي فوضويًا. فكلا الهدفان، مهما كانا ملموسين، يمكن أن يظلا بعيدي المنال. حتى بعد الغارات الجوية الأسبوع الماضي، ترك ترامب خطوطه الحمراء على الأسلحة الكيميائية غير واضحة. ليس من الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتدخل مرة أخرى إذا تم استخدام الكلور فقط في الهجوم، أو ما إذا كان استخدام غاز الأعصاب ضروريًا لإحداث المزيد من الضربات العقابية. نظام الأسد، الذي استخدم الكلور لإخلاء جيوب المتمردين، يتوقع منه اختبار تلك الحدود.
وقد تكون هزيمة “داعش” واحدة من تلك المهام التي تكون الولايات المتحدة وحلفاؤها على وشك تحقيقها على الدوام. تتحدث الدعاية الخاصة بالمجموعة عن مرحلة سبات، مع استعداد الخلايا النائمة لتجديدها كلما سمح بذلك تراجع الضغط العسكري.
وكتب حسن حسن، وهو باحث في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط في واشنطن، في صحيفة “ذا ناشيونال”، يقول: “استناداً إلى الاتجاهات الحديثة للهجمات المتزايدة ودفع “داعش” الواضح من أجل إعادة تنشيط خلاياه النائمة بالكامل، يمكننا أن نتوقع زيادات إضافية في أنشطة الجماعة في الأشهر المقبلة”.
المجموعات المتطرفة مثل “داعش” تتحول بطرق تجعل من الصعب تدميرها بشكل مباشر. في جنوب سوريا، هناك فرع لتنظيم “داعش” يسمى “جيش خالد بن الوليد” آخذ في الصعود ولم يستهدفه حتى الآن لا النظام السوري و لا تحالف الولايات المتحدة ضد “داعش”.
ويرجع السبب في صعود “جيش خالد بن الوليد” جزئياً إلى قرار ترامب بقطع برنامج تدريب وتجهيز من حقبة أوباما “للجيش السوري الحر” في الجنوب، الذي يتعرض الآن لضغوط من قبل النظام والجماعة المتطرفة الجديدة. ومن المرجح أن تتطلب المحافظة على منع انبعاث “داعش” في الشمال التمسك بالحلفاء الأكراد هناك. وقد أقرت القيادة المركزية الأميركية بأن الهجوم التركي ضد الأكراد قد أعاق الجهود ضد معاقل “داعش” في وادي الفرات الأوسط.
وقال كوركر إنه يمكن أن يتصور وجود وحدة أميركية مخفضة العدد تساعد في تلك المناطق على “الحكم على الأرض”. وقد يعني هذا بدوره الدعم العسكري لأجل غير مسمى للقوات الكردية في الشمال، الذين يتعرضون لضغوط من جميع الأطراف، بمن في ذلك تركيا، حليف الناتو.
تحالف آخر قد يسحب الولايات المتحدة لأسباب لا علاقة لها بأهداف الحرب الحالية. فهناك صراع إسرائيلي-إيراني يغلي، حيث أن الحرس الثوري الإسلامي ينشئ مطارات وقواعد أقرب إلى “الأرض الإسرائيلية”. ومن الصعب تخيّل موقف الولايات المتحدة على هامش مثل هذا النزاع، إذا ما اندلع.
إن البقاء خارج هذه المعركة سيكون أصعب إذا سار ترامب في نيته المعلنة بإخراج الولايات المتحدة من الصفقة النووية لعام 2015 مع إيران الشهر المقبل. إذا ردت طهران بزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم، فمن المرجح أن ينزلق الخليج (الفارسي) مرة أخرى إلى حافة حرب جديدة كبرى، حيث يتوقع أن تكون سوريا ساحة معركة مركزية.
لم يبتعد ترامب أبداً عن التناقضات وسياسته السورية ليست استثناء. يبدو أن الرئيس عازم على المواجهة مع إيران بسبب برنامجها النووي، في الوقت الذي يسعى فيه إلى تفادي مواجهة مع إيران في سوريا. سيكون من الصعب بشكل متزايد القيام بالأمرين في الوقت نفسه.

المصدر: الغارديان – ترجمة: الميادين نت