تقرير الميزان الديموغرافي يفجر فقاعة الضم

تقرير الميزان الديموغرافي يفجر فقاعة الضم
Spread the love

شاؤول أريئيلي – محلل سياسي إسرائيلي —

•تقرير الإدارة المدنية بشأن الموضوع الديموغرافي الذي عُرض هذا الأسبوع أمام لجنة الخارجية والأمن [الذي أظهر أن عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة هو خمسة ملايين فلسطيني، ولا يشمل هذا العدد الفلسطينيين سكان القدس الشرقية والفلسطينيين من سكان إسرائيل الذين يبلغ عددهم، بحسب مكتب الاحصاء المركزي، 1.8 مليون فلسطيني، بينما بلغ عدد اليهود من سكان إسرائيل سنة 2017 نحو 6.5 مليون] يفجر فقاعة الواقع الوهمي التي بناها رافضو حل الدولتين. منذ سنوات يروّج مؤيدو الضم حقائق وهمية لإخفاء الميزان الديموغرافي، الذي شكّل التوتر الأساسي الذي رافق الحركة الصهيونية منذ بداية النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، والقرار المطلوب لمعالجته. يفرض الميزان الديموغرافي بين اليهود والعرب الذي قُدم للقيادة الإسرائيلية عليها معاودة الاختيار بين اثنين من ثلاثة أهداف أساسية للحركة الصهيونية ودولة إسرائيل: أن تكون دولة ديمقراطية، وأن تكون دولة يهودية بالمعنى القومي، وأن تكون موجودة على جميع أرض إسرائيل الانتدابية.

•إن وجود أغلبية غير يهودية في أرض إسرائيل طوال سنوات النزاع، لم يكن نتيجة ثورة ديموغرافية عربية، بل نتيجة حقيقة أنه عندما صدر تصريح بلفور في 1917 ولدى الموافقة على صك الانتداب في 1922، كانت نسبة اليهود هي 10% فقط من مجموع السكان في البلد، ومنذ ذلك الحين فشلت الحركة الصهيونية في تحقيق أغلبية يهودية كبيرة بين النهر والبحر.

•لقد كان تحدياً هائلاُ وغير مسبوق بالنسبة إلى الحركة الصهيونية وإلى البريطانيين تحقيق تصريح بلفور المؤلف من مكوّنين: الأول، “وطن قومي لليهود”، والثاني، أن يحدث ذلك “بشرط واضح ألاّ يؤدي هذا إلى المسّ بالحقوق المدنية والدينية للجماعات غير اليهودية التي تعيش في أرض إسرائيل”، أي، دولة ديمقراطية للشعب اليهودي.

•عن أهمية تحقيق أغلبية يهودية تحدث ماكس نورداو [1897-1923 من مؤسسي الحركة الصهيونية] في المؤتمر الصهيوني في 1920 فقال: “من الضروري وجود 500 ألف يهودي على الأقل في أرض إسرائيل عندما تتلقى بريطانيا الانتداب على البلد. وإذا لم يحدث هذا فإن الصهيونية مصيرها الفشل”. وعلى الرغم من حقيقة أنه عند الانتداب كان عدد اليهود 83 ألفاً فقط، فإن هذا لم يحدث. ومن أجل تنفيذ صك الانتداب الذي نص على أن على بريطانيا ” أن تخلق في البلد شروطاً سياسية وإدارية واقتصادية تسمح باقامة الوطن القومي اليهودي”، امتنع البريطانيون من إقامة حكومة محلية كانت ستؤلَّف بصورة طبيعية من الأغلبية العربية، مثلما جرى في جميع الدول الأُخرى التي خضعت للانتداب. وفي صك الانتداب صيغت البنود (4، 6، 7) بحيث تعطي أولوية واضحة للهجرة، وللحصول على الجنسية، وللاستيطان اليهودي، كي يصبح ممكناً إحداث الثورة الديموغرافية والمناطقية وإقامة دولة ديمقراطية ذات أغلبية يهودية.

•في 1937 قدمت لجنة بيل اقتراحها بتقسيم البلد بين اليهود والعرب. وعلى الرغم من المساحة الصغيرة التي خُصصت للدولة اليهودية (17% من مساحة البلد)، فقد كلّف المؤتمر الصهيوني بن غوريون، ورئيس الوكالة اليهودية ووايزمان، التفاوض مع البريطانيين بشأن إقامة دولة يهودية على جزء من أرض إسرائيل.

•وكان القرار واضحاً بأنه من الأفضل وجود أغلبية يهودية ودولة ديمقراطية على أرض إسرائيل الكاملة، لأن اليهود شكلوا 30% فقط من سكان البلد. هذا ما شرحه بن غوريون في رسالته إلى ابنه عاموس”، “ما نريده أن تبقى البلد كاملة وموحدة، لكن يجب أن تكون يهودية. لا أستطيع أن أقبل أرضاً إسرائيل كاملة عندما تكون عربية”. وفي مؤتمر مباي في سنة 1937 شرح مردخاي نمير [1897-1975]: “تقليص الأرض هو الثمن الذي علينا أن ندفعه لقاء التأخر الحاسم للشعب العبري الكبير في بناء البلد ولقاء النمو السريع للحركة العربية”.

•هاتان الشخصيتان لم تريا في إقامة الدولة اليهودية الصغيرة نهاية الموضوع، وهما طوّرا “عقيدة المراحل”. وكتب بن غوريون إلى ابنه لاحقاً: “دولة يهودية جزئية ليست النهاية بل البداية…. إقامة دولة ولو جزئية، هي تعبير عن القوة القصوى في هذه المرحلة، وهي ستُستخدم رافعة قوية في الجهود التاريخية لتحرير البلد بأكمله”. وقال نمير: “الأجيال القادمة سواء قبل الثورة الاشتراكية أو بعدها ستجد سبيلاً إلى إصلاح الخلل”.

•المحرقة النازية والمأساة الكبيرة للشعب اليهودي دفعت بن غوريون إلى مطالبة حكومة بريطانيا بتقسيم البلد الذي ثلث سكانه فقط هم من اليهود. وفي شباط/فبراير 1947 كتب إلى وزير الخارجية في اليونان: “إن الحل الفوري والممكن الوحيد هو إقامة دولتين، دولة يهودية وأُخرى عربية”.

•قرار التقسيم العائد إلى تشرين الثاني/نوفمبر 1947 يقترح أن تكون نسبة اليهود في الميزان الديموغرافي المرتقب في الدولة اليهودية 55 % فقط. أدرك بن غوريون الصعوبة الناجمة عن ذلك، وقال أمام مركز مباي في كانون الأول/ديسمبر 1947 كلاماً يجب أن ينتبه له أولئك الذين يطالبون اليوم بضم الضفة الغربية: “في مثل هذه التركيبة ليس هناك ضمانة مطلقة بأن الحكم الذي سينشأ سيكون في يد أغلبية يهودية. لا مجال لقيام دولة يهودية مستقرة وقوية ما دامت نسبة اليهود تشكل60% فقط”.

•حرب 1948 ومشكلة اللاجئين الفلسطينيين أحدثتا انقلاباً في الميزان الديموغرافي ورفعت نسبة اليهود في دولة إسرائيل (داخل الخط الأخضر) إلى أكثر من 80%. لقد قرر بن غوريون إنهاء الحرب لمصلحة دولة ديمقراطية للشعب اليهودي على حساب أرض إسرائيل الكاملة. وردّاً على الانتقادات بأنه لم يستكمل احتلال البلد رد في الكنيست في نيسان/أبريل 1949 :” دولة يهودية على كل أراضي إسرائيل من دون استخدام الوسائل التي استُخدمت في دير ياسين يمكن أن تكون فقط ديكتاتورية الأقلية…. دولة يهودية في الواقع القائم…. غير ممكنة إذا أرادت أن تكون دولة ديمقراطية، لأن عدد العرب في غرب أرض إسرائيل هو أكبر من عدد اليهود”.

•حرب الأيام الستة واحتلال غزة والضفة أثارا من جديد الهدف الإقليمي المتمثل في أرض إسرائيل الكاملة، لكن أكثر من مليون عربي كانوا يعيشون فيهما منعا حكومة إسرائيل من اتخاذ أي خطوة ضم، باستثناء القدس الشرقية، ولقد شرح ذلك ليفي أشكول: “كيف نعيش مع هذا العدد الكبير من العرب؟” لاحقاً اكتفت حكومة الليكود بضم هضبة الجولان فقط، التي كان يعيش فيها الدروز في 4 قرى صغيرة فقط.

•خيار إسرائيل الاستراتيجي بالتنازل عن الأرض في مقابل المحافظة على هوية يهودية ونظام ديمقراطي طُرح مجدداً في التسيعينيات عندما أعلن يتسحاق رابين أنه “يعتبر موضوع الفصل موضوعاً مركزياً”، واختار حل الدولتين في اتفاقات أوسلو. فيما بعد كان إيهود براك هو من أجاد وصف الفصل عندما قال إنه “ضرورة قومية عليا للديموغرافيا وللهوية الديمقراطية الإسرائيلية”. وحتى أريئيل شارون الذي لم يكن يؤمن بالاتفاقات الدائمة قال شيئاً مشابهاً: “الاعتبار الديموغرافي أدى دوراً مهماً في تحديد مسار جدار الفصل بسبب التخوف من ضم مئات آلاف الفلسطينيين الذين سينضمون إلى العرب في إسرائيل”. وقال أولمرت” إمّا الدولتان أو نهاية إسرائيل”.

•الميزان الديموغرافي الحالي هو حقيقة قائمة. من المؤلم أن نكتشف أنه بعد 100 عام من النزاع وعشرات السنوات من المفاوضات على انفصال سياسي متفق عليه، ما يزال الحديث في إسرائيل يدور فقط داخلياً. كما لو أنه لا وجود للتاريخ ولا للقرارات الدولية، ولا يوجد شعب فلسطيني لديه تطلعات قومية، ولا توجد اتفاقات واعترافات موقعة من جانب دولة إسرائيل. والمؤلم أكثر أن كثيرين في حكومات إسرائيل يعاودون محاولاتهم إخفاء الحقيقة الديموغرافية بسبب تطلعات ضم رؤيوية ومسيانية.

•هذه الحكومة بخلاف كل سابقاتها اختارت قراراً استراتيجياً آخر بشأن أهداف صهيونية: أرض إسرائيل الكاملة في مقابل نظام ديمقراطي وأغلبية يهودية. هذا القرار سيلغي التعهدات الدولية لأن إسرائيل لم تحترم شرط الديمقراطية، وسيدفعها إلى موقع الدولة المكروهة الذي كانت فيه أفريقيا الجنوبية سنوات عديدة. هذا القرار العديم المسؤولية سيحرك مساراً يمكن أن يؤدي إلى حرب أهلية وانهيار إسرائيل من الداخل، وولادة دولة عربية واختفاء الرؤية الصهيونية.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية