نحن والحياة

نحن والحياة
Spread the love

بقلم د. سامي محمود إبراهيم —

بحكم الطبيعة، حيث نعيش نشعر بانتمائنا العميق والوثيق بأرضنا، فلا مكان للوطن .. ولا مكان كالوطن، والأرض تتحدث لغة أبينا آدم، وهذا ما يفسر فداء الانسان لأرض وطنه، فوجودنا بأبعاده متشبث بالأرض متمسك بها.. مستمد منها منذ الطينة الأولى التي خلق منها ابونا ادم عليه السلام بجبلتها وفطرتها… هي كالام اتينا منها وسنعود اليها لاحضانها… اننا متمسكون بها ونشعر بانتمائنا اليها رغم ما فيها من ظلم وما عليها من ظلام.. رغم ما فيها من مآسي واحزان … رغم ما فيها من قهر وعدوان .. رغم ما فيها من نفاق يجعلنا نشعر بالغثيان … فالارض تحكي قصة العدوان .. قصة ظلم الانسان لاخيه الانسان.. تحكي قصة شياطين السياسة المعاصرة وكيف فتتوا وقسموا الأوطان .. تحكي قصة الخراب والدمار المتاصل في شهوانية الانسان واشباع رغباتها الحيوانية .. تحكي قصة الدماء التي سالت على ظهرها لا لسبب الا لانها انسان. ايعقل ان نكون من طينة واحدة منها خلقنا وعليها عشنا… ومنها سوف ننتقل الى العالم الاخر .. فمنها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى..
بعد ذلك.. بعد نفخة يغيب الناس جميعا عن مسرح الاحداث ، ويسدل الستار على حيرة القوم وعجزهم ليرفع من جديد « لمن الملك اليوم..؟»، لله الواحد القهار . الله اكبر ..
انها خاتمة تلخص رحلة الحياة القصيرة التي ما ان دخلناها من باب حتى خرجنا من الآخر… نسال الله حسن الخاتمة فذاك مشهد عسير متحرك ناطق ترسمه قصة الوجود. ومهما احببنا الارض فاننا لابد من ان نتطلع الى سمائها.. نطوف بأطرافها احيانا بشيء من اللاوعي ياخذنا الى اعماقها المخيفة ثم يصدمنا الوعي فنقع في النهاية على ترابها الطري الناعم الدافئ فننعم بالامن والامان… وهكذا يتكرر المشهد الى ان يطوينا الموت الى غير رجعة.. لنعرج معا الى عالم النور والسماء.. عالم الحياة الخالدة التي نتعطش جميعا للوصول اليها..فلنصنع لانفسنا وسط هذا الجدب السياسي« الشيطاني» الارضي المتدني الدنيوي.. فلنصنع لانفسنا واحة نظيرة نستظل بها كلما احرقتنا شهب السياسة العالمية الظالمة ، والتي هدفها اخفاء نور الحقيقة … اللهم انت الاول والاخر ونحن منحة من منحك الكثيرة التي لا تحصيها الاقلام.. ، اجعلنا ومضة خير لا نزعة شر فوق تراب امنا الارض.. فما اضيق الدنيا اذا اقفرت من المحبة والرحمة والعدل… الا يجب علينا ان نتصور اعماق وجودنا البشري والانساني كي تتلاشى الحدود والمسافات المصطنعة من حولنا … وارضنا واحدة… فما ارخص الكلمة التي لا تقوم سلوك صاحبها. قد تحفى اقدامنا ونحن نبحث عن انسان قلبه ولسانه سواء، وهذا شرط الايمان.. فما اقل الاشياء التي يحتاجها الانسان لكي يسعد لكنه يابى الا أن يركض وراء امجاد وهمية.. ترى هل انا اطلب مستحيلا … وان امالي هذه لا تتعدى حدود مساحة هذا النص الذي اكتبه!!
يقول توفيق الحكيم: لو بعث نبي من انبياء الارض اليوم، ونظر الى هذه الحضارة الورقية الهشه المزيفة الفارغة المادية.. لو بعث وسالنا : ماذا اعطتكم هذه الحضارة من روح من قيم من اخلاق من مباديء؟ فماذا نجيب . ، هل علمتنا القناعة لا الطمع، هل عودتنا الزهد ؟ لا الجشع.. هل حببت الينا الإيثار؟ لا الانانية… بعد هذه الاسئلة سيقول لنا النبي المبعوث: انكم بحاجة الى انبياء اكثر من عاد وثمود وقوم فرعون.
فالامم والحضارات كما الانسان بروحها لا بجسدها تقوم وتحيا.
ومستقبل اليوم ترسمه خصومات الامس…
ومن ثم فهو كالامس يتشكل من دون معالم
وحياتنا فيه لا تحدد على نحو واضح
فالصراع هو الحاكم… ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر

و ترتبط الاشياء والاشخاص بشبكة خفية من القوانين والانظمة المعقدة «- سقوط ورقة التوت مثلا» سواء ادركنا ذلك ام لم ندركه« فلا اقسم بما تبصرون وما لا تبصرون» فالعالم الذي نعيش فيه يتحدث لنا بلغة الصمت، وينكشف لنا لكن بلعبة التخفي، كما ان مبدا ترابط الموجودات لا يتحقق الا وفق قاعدة لا ضرر ولا ضرار، بينما مبدا ترابط البشرية الانسانية يخصع لقاعة الرحمة« ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء»، الرحمة حتى في القول« الكلام»، خاصة ان الكلمات التي تصدر منا لا تختفي بل تضل في الفضاء اللانهائي وستعود الينا يوما ما لنسعد او نحزن، فالكلمة الطيبة صدقة، والجزاء من جنس العمل، فمعاناة انسان واحد تؤذينا جميعا، وسعادة انسان اخر تجعلنا ننعم بالسعادة.
والانسان مقامر كبير، يلعب على ورق المستحيل، يؤثر الوجود العابر على الوجود الباقي بغية ارضاء الانا الفارغة التي لم تسمع لحن الوجود ولم تفهم لغة العالم.
ألم يحن اثبات وجوهنا( وجودنا) في التراب الزائل.
فمنها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى.
فاساس كل خير ان نعلم ان ما شاء الله كان وما لم يشا لم يكن.. فلو عرف الانسان الحقيقة لعلم ان مصالح النفوس في مكروهاتها… انه القدر معه تبدا رحلة الحياة ومعه تنتهي في محيط من الاماني والامنيات والامال والطموح ، والسعادة والحزن…. فهو يسير دونما رجعة بصمت مخيف يطرق زجاج اعيننا ليغسلها المطر.. ولو تركت قلوبنا تمزق حجبها لبكت بلغة افصح من لغة العيون .. فالرحلة طويلة والمطلب عظيم جليل.
كل هذا في معادلة رائعة ينتظم وفقها الوجود.
قال الشاعر:
كن عن همومك معرضا
وكل الامور الى القضا
وانعم بطول سلامة
تسليك عما قد مضى
فلربما اتسع المضيق
ولربما ضاق الفضا
ولرب امر مسخط
لك في عواقبه رضا
الله يفعل ما يشا
فلا تكن معترضا

Optimized by Optimole