ما بعد “داعش”.. إعادة الإعمار والحياة

ما بعد “داعش”.. إعادة الإعمار والحياة
Spread the love

بقلم: أريج زاهر* —
لم تكتمل الفرحة التي عمت الشارعين السوري والعراقي بعد دحر آخر معاقل داعش في منطقة الجزيرة السورية والموصل في العراق. إذ أننا وبعد سنة من ذلك لا نزال نستيقظ على هجمات يشنها هذا التنظيم على المناطق الآمنة والتي كان آخرها في منطقة السويداء “جبل العرب” في الجنوب السوري. وربما من السابق لأوانه الجزم بالقضاء النهائي على هذا التنظيم إذ أن المعركة ضد الإرهاب أصبحت متاهةً شاسعةً لا نعرف الخروج منها.
بعد انسحاب داعش من المدن التي لم يبسط فيها سيطرته العسكرية فحسب, بل بسط كذلك سيطرة العقيدة وأسلوب العيش والتعليم والقضاء, يجد السكان المحررين من بطشهم الممتد على بضعٍ من السنين صعوبةً في العودة إلى حياتهم الطبيعية السابقة. ويحاول الأطفال الصغار الذين تربوا على أخلاقيات «داعش»، وفي معسكراتها، استعادة توازنهم في عالم جديد لم يعودوا يرون فيه مشاهد حز الرؤوس، ولا ترديد أناشيد المتطرفين.
ولو أنك نظرت إلى الوجوه الحذرة، ستجد إحساساً بعدم اليقين، لكنك حتما سترى الأمل في عيونهم، ستشعر وكأنهم استيقظوا للتو من كابوس مزعج. فمثلاً في مدينة الطبقة في محافظة الرقة السورية والتي تهدم 40% من مبانيها ودمرت بنتيها التحتية, أخذ مجلس المدينة المشكل حديثاً في الانعقاد، وهو مجلس مشكل من القوة العسكرية التي يقودها الأكراد، والتي تولت تطهير المدينة من «داعش»، ويبدو أنها تجد تعاوناً ملحوظاً من سكان المدينة العرب.
وهنا لابد لنا بأن نقر ونستشرف مستقبل البلاد من خلال ما رأيناه في سوريا والعراق. كما لابد لنا من الإشادة بقوات سوريا الديمقراطية المسماة “قسد” والتي هي عبارة عن ميليشيا كردية استلمت زمام الأمور في الشمال السوري محاربةً تنظيم “داعش” ومتحديةً التدخل السافر للميلشيات التركية في الأراضي السورية, إن كان لسببٍ فهو العداء الشديد بين تركيا والأكراد , والذي كان ورقةً رابحةً في يد الدولة السورية. لكن علمتنا السياسة أن لا وجود للمعروف بل تتحكم بها المصالح فحسب, إذ أن تلك القوة العسكرية التي تحارب الآن جنباً إلى جنب مع قوات النظام السوري “الجيش النظامي” قد تغير سياستها بين ليلةٍ وضحاها في حال تجاهل مطالبها وصدها عن مآربها في استقلالها عن سوريا, وربما قد تكون مدينة عفرين التابعة لمحافظة حلب في الشمال كبش فداء أو عبرةً للنظام للرضوخ لمطالب الأكراد. وبعد سيطرة الأتراك على عفرين تعددت أصابع الاتهام حول الأكراد وتخوينهم.
وقد تكون الولايات المتحدة قد تمكنت بالمصادفة، من خلال تحالفها مع أكراد سوريا، من طرد «داعش» من شرق سوريا، لينعم هذا الجزء من البلاد بالاستقرار. بيد أن المسؤولين الأميركيين يعترفون صراحة بأنهم لا يملكون الموارد، ولا الاستراتيجيات، اللازمة لإصلاح ما دمر في سوريا كلها.
ولابد لنا عن التنويه إلى أنّ دور وأهمية المؤسسة العسكرية والأمنية ، في مرحلة ما بعد داعش لا يقل إطلاقاً عن أهميتها قبلها، حيث أن وجود جيش ذات قدرات تسليحية عالية ومجهز ومدرب جيداً، سيشكل ضمانة كبيرة لتحقيق وصيانة الوحدة الوطنية وتحقيق سلم أهلي ومبادرة شاملة للوئام الاجتماعي تساهم فيها جميع الأطراف السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وحتى المؤسسة الدينية ، بهدف الوصول إلى إعادة إعمار وبناء ما هدمه ودمره تنظيم داعش الإرهابي من بنى تحتية وعلاقات اجتماعية وإنسانية أثرت في النسيج الاجتماعي للدولة. ولكن قد تواجه الدولة بعض العقبات في السيطرة على الأراضي المحررة وفرض القانون والنظام فيها, والسيطرة على السلاح (خفيف ومتوسط) الذي استخدمته الفصائل المسلحة وبعض العشائر لمحاربة داعش إلى جانب الجيش، وذلك خشيةً من وقوع جرائم للأخذ بالثأر ممن ساعدوا التنظيم أو العصيان المسلح.
كما يوجد بعض الخلايا النائمة وذيول الإرهاب والذي قد يستغرق القضاء عليها سنيناً عديدةً, مما ينقلنا إلى التفكير في كيفية الحد منها واجتثاث جذورها العميقة في العقول قبل الأرض.
فأساس مشكلة الإرهاب والذي يتجسد بالفكر المتطرف الكامن في طياته وتعاليمه المستقاة من السلفية الوهابية, والقيام بخطوات فعالة للقضاء على هذا التفكير بين أبناء الوطن لاسيما الفئة الشابة, إن كان من خلال الرقابة على مناهج الشريعة وحجب الأقنية الفضائية أو المواقع الإلكترونية التي تبث سمومها بشكلٍ فاضح.
ومن النقاط الهامة في خطط ما بعد داعش, إعادة الإعمار وبناء البنى التحتية الأساسية في إعادة الحياة الطبيعية لمجراها والخطط الاقتصادية والمشاريع الخدمية للمواطنين ليطمئنوا للعودة لمدنهم ويضمنوا توافر سبل العيش الكريم.
*كاتبة سورية.

Optimized by Optimole