جنكيز خان .. سيرة السفاح العاقل

جنكيز خان .. سيرة السفاح العاقل
Spread the love

بقلم هيثم السايس —
ميلاد رجل .. ودولة
جنكيز خان وأسمه الحقيقي تيموجين بن يسوكاي بهادر بن برتان بهادر ، ولد في منغوليا عام 549هــــ / 1155م وكان أبوه يسوكاي بهادر من رؤساء قبيلة ” قيات” من المغول ، وكان يتصف بالبسالة والقوة وكان يحارب أثناء ميلاد ابنه تيموجين قبيلة من قبائل التتار وأنتصر على ملك منهم يدعي تيموجين ، ومن هنا جاء سبب تسمية ابنه المولود بهذا الأسم (1).
أتصف تيموجين بالقوة منذ الصغر ، وتذكر المصادر المعاصرة أن أبيه مات وتحمل هو مشاق الزعامة المبكرة للقبيلة التي سرعان من تخلص أعداء أبوه القدامي منها وسلبوا منه هذه الزعامة وطردوه هو وأسرته خارج مضارب القبيلة وهو ما أثر في شخصيته وجعلت الإنتقام وحده هو السيد والحكم في هذه الشخصية (2).
ما يهمنا في حياة جنكيز خان ( وهو اللقب الذي لُقب به بعد الإنتصارات التي قام بها ) هو توحيده لكل القبائل المجاورة وإخضاعها لسلطانه هو وأسرته قبل أن ينطلق بهم بعيدا نحو إمبراطورية الصين ودولة الخوارزميين التي كانت المدخل الذي دخل منه المغول إلي العالم الإسلامي وهو ما يهمنا.
سار جنكيز خان نحو المجد الإمبراطوري بعد إخضاعه لكل القبائل المتنازعة منذ القدم مثل التتار ، والنايمان ، والكرايت ، والمركيت ، والقرغيز ، والخطا ، والقراخطائيون ، والإيغور إلي جانب القبائل التي سكنت مناطق من الصين ، وهو ما جعله يغزو الصين حتي يصل إلى بكين في عام 612هـــ / 1215م (3).
وحتى ذلك التاريخ الذي يرجعه المؤرخون أنه ميلاد الإمبراطورية المغولية ، حيث غنمت الجيوش المغولية غنائم لا حصر لها من سقوط الصين في أيدي المغول حتي أصبحت الدولة الناشئة متخمة بهذه الغنائم ومتعطشة للغزو والحرب في مناطق أخري .

المغول .. إنتقام الرب للبشرية :

– اتصف المقاتلون المغول بالقوة الجسمانية ، وعدم الأهتمام بما يعرف بحق الإنسان في الحياة ، حيث يقال أن جنكيز خان كان يأمر فرسانه بالقضاء على أعدائهم بدون أدنى شفقة (4).
– كل العناصر البشرية التي تحارب المغول نزل عليها غضب الآلهة ، وكان المغول هو هذا الغضب ويجب أن يكون غضباً شديداً وهذا يتضح في رسائل المغول الي الدول التي يحاربونها ، بل أنهم كانوا يتخذون نصائح رجال دينهم الذين كانوا يشبهون كهنة المصريين القدماء(5).
– تميزت إمبراطورية المغول بالتعالي الشديد تجاه كل الدول المواجهة لها ، فهم يستحقون الموت وفقط في نظرهم و كأي إمبراطورية ، تحولت دولة المغول إلي دولة نفعية إستهلاكية مع الوقت ، حتى نجد أن جنكيز خان نفسه تنبأ بهذه الحالة التي سيكون عليها أحفاده ، حتى لا يمر القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي إلا وأصبحت الإمبراطورية المغولية متأثرة بكل الشعوب المغلوبة سواء من الصينيين بثقافتهم ولغتهم وملابسهم ، أو المسلمين لا سيما الفرس منهم ، حيث انتشرت اللغة الفارسية ازدهرت في ظل حكم المغول ، وسكن المغول القصور بدلاً من الخيام ، ولبسوا الحرير والملابس المزخرفة بدلا من اللباس الخشن (6).
– علي أن النقطة السابقة لم تتم في عهد جنكيز خان على كل حال ، إنما تمت في عهد أحفاده ، أما في عهد جنكيز ، كان المغول يتصفون بالقوة والخشونة ، فكان زعيمهم يسكن الخيام وهم يعيشون أغلب أوقاتهم علي الخيول بل يستفادون منها فيحلبونها، ويأكلون لحومها في سنوات وأوقات الجدب والحروب ، وكان اللحم المقدد طعامهم المفضل ، بينما شرابهم هو لبن الأفراس المخمر ، حيث كان هذه الخمر الذين يسكرون منه ، أما لباسهم فكان لباس حربي لا يتميز النساء عن الرجال في أي شئ من هذا اللباس ، وهو ما يقودنا إلي القول أن النساء كان لهم السطوة على الرجال في الإمبراطورية المغولية ، فأوصي جنكيز خان في مقولاته بهن ، بل أنهن كان لهم الكلمة المسموعة في مضمار الحرب والسياسة وهو ما تحفل به صفحات التاريخ المغولي (7).

جنكيز خان .. سفاح ضد أعدائه رحيم بقومه

شخصية جنكيز خان نفسها التي يمكن أن نسميها بالسفاح العاقل ، فهو سفاح لدم أعداءه إلا أنه يتصف بالعقل مع قومه والمقربين منه ، حيث كان المغول في عهده يعتبرونه الأب وأسرته هي الأسرة الكبيرة ، حتي يجب أن نقول أن المجتمع في المغول كان أسري ، فالأسرة الحاكمة هي مرجع كل شئ ، أما عن جنكيز خان نفسه فكان يعطف علي فقراء المغول ، وكان يحافظ علي تقليد البدوي للمغول فهذا في ظنه مقدس من مقدساتهم ، وهو ما تغير بعد موته ، وخلاصة القول كان جنكيز متزن ، فيه صفات الإداري الحازم المنظم ، أخضع الجيش لنظام دقيق للغاية ، إلا أن من يخالف مشيئته يلقي مصير العذاب الأبدي(8) .

الصفة السابقة يمكن أن نجعلها في إطار الدولة الأسرية المغولية التي كان لها أكبر الأثر في حياة الإمبراطورية ، لقد شكلت فلسفة جنكيز خان الانسانية تلك تحول المغول من حال القبيلة إلي حال الاسرة ، حيث تحكم في مصير الدولة الشاسعة تلك أسرة واحدة وهي أسرة جنكيز نفيها ، مما جعل المغول يرون جنكيز وكأنه أباً لهم ، ومن بعده أولاده وأحفاده ، إلا ان هذه الفلسفة كانت تحمل بذرة الضعف لهذه الإمبراطورية في النهاية ، حيث لم يمر وقت كبير علي هذه الإمبراطورية حتى انقسمت إلى أسر ، وكل أسرة تحكم منطقة وتسميها دولة تتبع إمبراطورية المغول ، فنجد دولة بقيادة بركة خان وهي دولة القبيلة الذهبية ، ودولة أخرى في إيران والعراق يحكمها هولاكو خان ، وسميت باليخانات فارس ، ودولة أخرى في الهند بعد ذلك حكها خانات المغول ، حتى نجد أن المغول أندمجوا في هذه الشعوب ولم نسمع لهم صوتا في صدى التاريخ بعد ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- عبد السلام عبد العزيز فهمي ، تاريخ الدولة المغولية في إيران ، ص30
2- محمد علاء الدين منصور ، تاريخ إيران بعد الإسلام ، ص350 .
3- نفس المرجع السابق ، ص351 .
4- تاريخ الدولة المغولية ، ص27.
5- نفس المرجع السابق ، ص25.
6- فؤاد عبد المعطي الصياد ، المغول في التاريخ ، ص145.
7- تاريخ الدولة المغولية ، ص 27.
8- تاريخ إيران بعد الإسلام ، ص382.

Optimized by Optimole