تعرف على جلال الدين الرومي وأشعاره

تعرف على جلال الدين الرومي وأشعاره
Spread the love

خاص شؤون آسيوبة-
بقلم د.هيثم مزاحم

لقد كرّست كل حياتي لشاعر الصوفي الكبير مولانا جلال الدين الرومي، لأني وجدت أن رسالته تخاطب الوقت الراهن. إنها رسالة حب، ذات بعد أخوي.
إيفا ميروفيتش

جلال الدين الرومي هو محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين البلخي، ولد في مدينة بلخ التي تقع اليوم في أفغانستان، وكانت سابقاً ضمن بلاد فارس، في يوم 6 ربيع الأول سنة 604هـ الموافق 30 أيلول سبتمبر 1207م، وانتقل إلى بغداد وبعدها قام برحلة طويلة إلى عدد من البلدان وبعدها استقر في مدينة قونية في تركيا.
كان الرومي من أسرة علمية تربطها مصاهرة بالأسرة الحاكمة في الدولة الخوارزمية؛ وكان والده أحد علماء المذهب الحنفي، وقد لُقب بـ”سلطان العلماء”.
درس جلال الدين الرومي العلوم الدينية على والده ثم على الشيخ برهان الدين المحقق الترمذي وأصبح فقيهاً حنفياً. ثم سافر إلى الشام لطلب العلم في سن الـ24 حيث درس على عدد من العلماء مبادئ الكلام والفلسفة والتصوف، وبخاصة شيخ التصوف محيي الدين بن عربي وتلميذه الشيخ صدر الدين القونوي.
التجربة الصوفية
طبقا لإحدى الروايات التاريخية؛ فقد كان والد الرومي شديد الإنكار على سلطان بلخ فأجبره على مغادرتها، بينما تفيد رواية أخرى بأن استيلاء المغول على بلخ هو سبب خروجه منها. وعلى كل فقد تركها هو وأسرته سنة 609هـ وتنقلوا من مدينة إلى أخرى حتى وصلوا عاصمة الخلافة بغداد، ومنها واصلوا السير إلى مكة المكرمة.
غادرت أسرة الرومي مكة إلى ملطية في آسيا الصغرى التي كانت تسمى آنذاك “بلاد الروم” (دولة تركيا اليوم) ثم سكنت قرمان، ثم انتقلت سنة 626هـ إلى قونية التي كانت عاصمة “سلاجقـة الروم” فاستقرت هناك وطاب لها المُقام، ومن هنا جاء تلقيب ابنها جلال الدين محمد بـ”الرومي”.
وأصبح الرومي لاحقاً شاعراً صوفياً، وكان لأشعاره ومؤلفاته التي كتبت بلغته الأم الفارسية، تأثير كبير لا يزال مستمراً إلى اليوم، حيث تمت ترجمتها إلى الكثير من اللغات.
ويعد الرومي من أبرز أعلام التصوف الفلسفي في التاريخ الإسلامي وأكثرهم تأثيراً على مر العصور. ويوصف بأنه ذو رؤية إيمانية عالمية تدعو إلى معرفة الله والتسامح الديني.
توفي والد الرومي بقونية 628هـ فأخذ هو على عاتقه -رغم صغر سنه- القيام بمسؤولياته في الفتوى والوعـظ، ثم رأى أن يستزيد من العلوم فرحل 630هـ إلى الشام وقضى أعواما موزعة بين حلب ودمشق حيث تزود فيهما بحظ وافر من العلوم والمعارف. ثم عاد إلى مدينته قونية بعد أن أقر له شيوخه بالنبوغ والاطلاع الواسع بفضل ثقافته العربية والفارسية المتنوعة.
في قونية اشتغل الرومي مجددا بالفتوى والتدريس، فأقبل عليه التلاميذ واستمال الناس بعلمه وزهده حتى لقبوه “إمام الدين” و”عماد الشريعة”، وبلغ عندهم مرتبة من سعة العلوم والمعارف دعوه بسببها “سلطان العارفين”.

وفجأة تعرف في سنة 642هـ (1244م) إلى شيخ فارسي يدعى شمس الدين التبريزي، فكان لقاؤه به نقطة تحول في مسار حياته ولحظة إعادة ميلاد لفكره وسلوكه، إذ دخل على يديه في زمرة أرباب التصوف فبدأ نظم الشعر الصوفي، وقطع كل صلة له بتلامذته وبالناس “وقلل من مجالسته مع أهل العلوم الظاهرة واتجه إلى العلوم الباطنية”، حسب أحد كُتاب سيرته.
ومن هنا كان التبريزي هو أكثر شيوخ الرومي فضلا عليه وأقواهم تأثيرا فيه، لأنه الشخصية التي جعلته يسلك طريقه الصوفي الفلسفي ويتمثله مداسة وممارسة، بعد أن كان منقطعا إلى العلوم الشرعية والعقلية السائدة في عصره آنذاك. ويؤكد الرومي نفسه ذلك بقوله: “إن شمس الدين التبريزي هو الذي أراني طريق الحقيقة، وهو الذي أُدين له بإيماني ويقيني”.
دخل الرومي تاريخ التصوف العالمي من أوسع أبوابه باعتباره أحد أهم المتصوفين العظام في التاريخ الإسلامي، ونشأت عن تراثه في تركيا طريقة صوفية عُرفت بـ”المولوية” واشتهرت بعده بطقوس الرقص الدائري حول النفس، وجاء اسمها اشتقاقا من اللقب الذي أطلقه الأتراك عليه وهو “مولانا جلال الدين الرومي” أو “مولانا” اختصارا. وقد انتشرت هذه الطريقة لاحقا في مختلف أصقاع العالم.
يعتبر منهج الرومي التصوفي من إفرازات بيئة بلاد فارس التي شهدت آنذاك نهضة كبيرة في التصوف الإسلامي، لكنها غلبت عليها النزعة الفلسفية والفكرية ولم تهتم كثيرا بالسلوك والتربية، وانعكس ذلك في فكر الرومي ومسلكه الصوفي الفلسفي الذي غلبت عليه الدعوة للاتجاه إلى الله و”الفناء فيه”.
ويرى الباحث المغربي محمد ناعم أن شخصية الرومي “لم تسلم مـن التحريف والوضع والتحامل، إما من طرف أناس لا يفهمون من التصوف إلا تكايا الانعزال وحرفة أصحاب الأسمال وطقطقة المسابح، وبعض الأعمال والطقوس والعادات التي يبرأ منها دين الإسلام نفسه.
أو من أولئك المفتونين بهذه الشخصية والذين يضفون عليها الكثير من القداسة، وينسبون إليها عادات وخوارق، وينسجـون حولها الأساطير التي لا تتفق مع مواقف ومبادئ الرجل، كما لا تجاري الشرع أو العقل والمنطق”.
ويضيف ناعم “وعلى كل حال، فسيرته كسائر سِيَر العظماء، أضيف إليها ما ليس فيها، إما عن حب وهـوى وحسن قصد، وإمـا عن حقد وسوء نية وقصد (…). وأهم ما يميزه عن غيره من متصوفة عصره أنه كان بارعا في إيصال أفكاره وآرائه الصوفية الفلسفية باستعمال كل الوسائل والأدوات، من آيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة، وحكايات الأولياء والعارفين والمشايخ وأشعار السابقين وحكمهم”.
وأوضح أن “شخصية جلال الدين الرومي… تبدو متشعبة المنحنيات الفكرية والثقافية، لنجدهـا إلى جانب اشتغالها بالعلوم الشرعية متضلعة في العلوم العقلية ومتبحرة في التصوف الفلسفي، إلى جانب قدراتها الأدبية التي توصل عن طريقها أفكارها وآراءها بلغة شعرية رقيقة الألفاظ محكمة المبنى رائعة الأسلوب”.
كما أسس الرومي “المذهب المثنوي” في الشعر الذي كان أبرز تجلياته ديوانه الشعري المعروف بـ”مثنوي معنوي” والموصوف بأنه أكبر مرجع تصوفي باللغة الفارسية، فقد كتب فيه مئات الآلاف من أبيات الشعر عن العشق الإلهي من منظور صوفي، وعن قضايا عديدة في الفلسفة التي أخذ على أصحابها “المبالغة في تقدير الحواس وتقديس العقل”، حسب تعبير ناعم.
تحظى أشعاره الصوفية برواج كبير في العالم بعد أن لقيت استحسانا وأحيانا انبهارا من المسلمين وغير المسلمين، الذين عكفـوا على ترجمة مؤلفاته لا سيما في الولايات المتحدة التي نال الرومي فيها صفة الشاعر ذي الأعمال الأكثر مبيعا عام 2014.
وظهر إنتاج ضخم يتضمن كتبا ودراسات وأبحاثا وترجمات عن حياة الرومي وفكره وشعره، وأغلبيتها كانت باللغات الفارسية والعربية والأوردية والإنجليزية والفرنسية والألمانية. كما كانت شخصيته موضوعا لعدة أعمال سينمائية منها فيلم “مولانا جلال الدين الرومي-حكاية عشق”.
وفي فترة ما بين 7 و17 ديسمبر/كانون الأول من كل عام تنطلق في قونية التركية فعاليات الاحتفال بذكرى ليلة وفاة الرومي التي يطلق عليها بالفارسية “شبِ عروس” (أي “ليلة العرس”)، ويعتقد مريدوه أنه “كان ينتظر هذه الليلة “ليعود إلى الذات الإلهية”.
وفي مايو/أيار 2016 تحدثت تقارير إعلامية إيرانية عن تعاون بين إيران وتركيا على تسجيل ديوان شعر الرومي المسمى “مثنوي معنوي” كتراث ثقافي مشترك بين البلدين لدى منظمة اليونسكو الأممية، وهو ما أثار انتقادا رسميا وشعبيا في أفغانستان التي ترى أن الرومي وُلد فيها وكان “شاعرا عالميا و ثروة نفيسة لكل الشعوب المثقفة”.

المؤلفات
ترك الرومي عدة مؤلفات ما بين منظوم ومنثور تناول فيها العديد من المسائل الصوفية والفلسفية والأدبية؛ فمن منظوماته: “ديوان شمس الدين التبريزي” الذي يحتوي ألف بيت سجل فيها ذكرياته مع أستاذه الأثير لديه التبريزي، و”الرباعيات” التي يبلغ عددها 1959 رباعية، وديوان “المثنوي” (يُعرف بـ”مثنوي مولوي”) الذي يتضمن زهاء 26 ألف بيت شعر فارسي، وتظهر فيه شخصيته الفكرية المتصوفة.
استغرق تأليف “المثنوي” هذا -الذي يتوزع على ستة أجزاء- سبع سنوات، ويوصف بأنه من ذخائر التراث الأدبي العالمي، وقد وُضعت عليه شروح كثيرة بالفارسية والتركية والعربية، كما تُرجم كليا أو جزئيا إلى عدد من اللغات الأوروبية.
ومن مؤلفاته المنثورة: كتاب “فيه ما فيه” المتضمن دروسا ألقاها في مجالسه العلمية وإجابات عن أسئلة وجهت إليه في مناسبات مختلفة، و”مكاتيب” أي رسائله إلى معارفه ومريديه، و”مجالس سبعة” وهو مجموعة مواعظ.

الوفاة
توفي جلال الدين الرومي في قونية يوم 5 جمادى الأخيرة سنة 672هـ الموافق 17 ديسمبر/كانون الأول 1273، متأثرا بحمى أصابته.

ومن أشهر أقواله وأشعاره:

هكذا أود أن أموت في العشق الذي أكنه لك، كقطع سحب تذوب في ضوء الشمس.

ارتق بمستوى حديثك لا بمستوى صوتك، فالمطر الذي ينميّ الأزهار وليس الرعد.

من اختار جمعنا وديننا
رأى في أجسادنا مائة روح صافية
من يشرب كأس غايتنا
يصبح ثملاً فيحسب ليلنا نهارا
أولئك الذين احترقوا بنار الخريف
قد زهدوا في نعمة الربيع
الآن نخيط الثياب الجديدة
نعلم الدلال والدهاء

يا من يجلس بقلبي، حان الوقت لأن تسكنه
يا من يحطم عهد التوبة، حان الوقت لتحطيم العهد
هذه الخمر الأرجوانية قد اكتست مثل هذا اللون
حان الوقت لكي تنتقل من يد إلى يد مثل الوردة
الرومي
يضرب يداً بيد عندما يراني ثملاً
يصيح: “قد نسي التوبة وصار ثملاً”
توبتنا تشبه نفخ الزجاج: صعب صنعه، لكنه سهل الكسر
من رباعيات جلال الدين الرومي

ليكن العاشق ثملاً وسيء السمعة طيلة العام
ليكن أحمق، قلقاً ومستطار اللُب.
في صحونا، استسلمنا للحزن
إن ثمِلنا، فليحدث ما يحدث!

في عشقي لك يتضح بطلان كل حيلة
أراق الهجر دم قلبي: لقد ضاع
لهذا الألم القادم منك، لا أريد أي دواء
من يقدر على مداواته؟ ألمي لا يساوي شيئاً
هذه اللحظة التي أدور فيها حولك
هي لي النديم والخمر والكأس والدور
في هذه اللحظة التي يتجلى فيها جمالك
روحي في ذهول، كموسى بن عمران
الرومي
لا تكن مكروباً فقد جاء الفرح
واسِ الحزن فقد جاء الفرح
جناح ذبابة الغمّ قد كُسر الآن
عندما حط الهما فوق جبل قاف

أولئك الذين احترقوا بنار الخريف
قد زهدوا في نعمة الربيع
الآن نخيط الثياب الجديدة
نعلم الدلال والدهاء

ليكن العاشق ثملاً وسيء السمعة طيلة العام
ليكن أحمق، قلقاً ومستطار اللُب.
في صحونا، استسلمنا للحزن
إن ثمِلنا، فليحدث ما يحدث!

اتعرف ما الليل؟ انصت ايها الحكيم:
هو ما يميز العشاق عن الغرباء
خاصة هذا المساء، حيث حل القمر بالدار
اني ثمل والقمر عاشق والليل مجنون

قلبك من سيقودك نحو عشق قلبك
روحك من سيحملك الى عشق روحك
لا تتخلّ عن ذيل ثوب غمك
فهذا الألم سيأخذك نحو الدواء

البارحة، اراد معشوقي الهجر
وقال بكل قسوة: ابتعد عن روحي
واليوم كاني فصلت عن روحي
اغسل وجهي بدم الهجر
لقد جاء النبا: (وهو معكم أين ما كنتم) (سورة الحديد الآية ٤)
من هذا الخبر، تدفقت الحرائق بالقلب
لست سعيداً لأنك لا تعرف نفسك
لو كنت تعرفها، ماذا يتبقى لك أن تعرف؟

ما تبحث عنه يبحث عنك

“أيها البشر الأتقياء التائهون في هذا العالم
لم هذا التيه من أجل معشوق واحد
ما تبحثون عنه في هذا العالم
ابحثوا في دخائلكم فما أنتم سوى ذلك المعشوق”

*لو رَغِبْتَ الحياةَ، اهجُر ضِفافَكَ
**فأدنيتُ من شَفَتي إلى وجنتِك
زاعما إنّني أتكلّمُ في خاصةٍ

*“لا تحاول الاختباء بداخل غضب,, الجلاء لا يمكن ان يختبئ!”
“ما لهذا النهار بشمسين في السماء؟
ليس كمثله نهار”

إن تكن تبحث عن مسكن الروح فأنت روح
وإن تكن تفتش عن قطعة خبز فأنت الخبز
وإن تستطع إدراك هذه الفكرة الدقيقة فسوف تفهم
أن كل ما تبحث عنه هو أنت.

عيوننا ما تراك،
لكنّ عُذرًا لنا: فالعيونُ ترى مَظهرًا لا حقيقة

“العشق نبع، فانغمر”

“ممتلئ بك،
جلداً ، دماً، وعظاماً، وعقلاً وروحاً،
لا مكان لنقص رجاء، أو للرجاء،
ليس بهذا الوجود إلاك”

“أنا أشبه أنا
واحدنا يشبه الآخر”

“حسبت أني حكمت نفسي،
فتأسيت على زمان مضى،
أخذاً في اعتباري، شيئاً وحيداً أعلمه
لست أدري من أنا،”

“دع العاشق في كونه”

“لا حب أفضل من حب بدون حبيب،
ليس أصلح من عمل صالح دون غاية،
لو يمكنك أن تتخلى عن السوء والحذق فيه،
فتلك هي الخدعة الماكرة!”

*لو رَغِبْتَ الحياةَ، اهجُر ضِفافَكَ

*فأدنيتُ من شَفَتي إلى وجنتِك
زاعما إنّني أتكلّمُ في خاصةٍ

لا تحاول الاختباء بداخل غضب,, الجلاء لا يمكن أن يختبئ

“ما لهذا النهار بشمسين في السماء؟
ليس كمثله نهار”

“أنتصب والواحد الذي أنا
يستحيل إلى مئة مني
يقولون إني أطوف حواليك
هراء . أطوف حولي”

دافعان راسخان : واحدٌ
أن أحتسي زمناً طويلاً وأفرِط،
الآخرُ
أن لا أفيقَ على باكرٍ في التو

العشق نبع، فانغمر
كل قطرة تنفصل، عمر مستجد

لا رفيق سوى العشق
طريق، دون بدء أو نهاية
يدعو الرفيق هناك:
ما الذي يُهملك حين تكون الحياة محفوفة بالمخاطر

غرست ورداً، لكنه إستحال من دونك شوكاً

“يمكن لي أن أنقسم عن أي واحد
عدا من يحتويني ضمنه،
أي واحد يمكنه أن يهب العطايا،
خص لي أحداً مانعا”

“لو أن روحاً لديك، احتسبها،
أرخ لها أن تعود بكلمةٍ واحدة،
من حيث جئنا، الآن، آلاف من الكلمات،
ونأبى أن ننصرف”

“هل الحياة لتفنى؟ يهب الله أخرى.
مجَّد المطلق، وسلم بالمقيد،
العشق نبع، فانغمر
كل قطرة تنفصل، عمر مستجد”

“«كنت أحيا على حرف الخبل، أهوى لو أدري الأسباب، أطرق على بابٍ فيفتح صيرت أدق عليه من باطنه!»”

لما كان كثير من الأبالسة يظهرون في صورة الإنسان، فليس يليق بالمرء أن يمدّ يده لكلّ يد.

ينشد “مولانا” في المثنوي:

بالمحبة تصير الأشياء المرة حلوة

بالمحبة تصير الأشياء النحاسية ذهبية الصفات

بالمحبة تصير الأشياء العكرة صافية

بالمحبة تصير الآلام شفاء
وبالمحبة يحيا الميت.

كل عام يحتفل مريدو “مولانا” بما اصطلحوا عليه (ليلة العرس) وهي ليلة وفاته، فقد اجترحوا تقاليد بديلة للعزاء للاحتفال بهذه الذكرى سنوياً، واعتبروها بمثابة ليلة العيد، تبعاً لما صرّح به “مولانا”، من “أن ليلة وفاته هي ليلة عرسه”. إنها ليلة الوصال، ولقاء الحبيب بحبيبه.

يتوافد عشرات الآلاف من أتباع “مولانا” الى “قونية” في مثل هذه الليلة من شتى البلدان.

التقى فريد الدين العطار ومحي الدين بن عربي الذي قال حين رآه يمشي وراء أبيه في مكة وكان الرومي ما يزال فتى: سبحان الله، محيط يمشي وراء بحيرة.

التحول الحقيقي والعميق في حياته كان بعد لقائه شمس الدين محمد بن علي بن ملكداد التبريزي سنة 642 هجرية وهو في الثامنة والثلاثين، وكان التبريزي في الثالثة والستين.

اغتيل شمس الدين التبريزي على يد علاء الدين “ابن جلال الدين الرومي” وجماعته، وألقي في بئر عام 645 هجرية، 1247 ميلادية، فتبدلت حياته وأصبح شاعراً، ولم يتوقف عن ذكر صديقه التبريزي حتى نهاية حياته، وقيل أنه لم ينظر إلى ابنه علاء الدين حتى مات الأخير عام 658 هجرية.

انتهى الرومي من كتابة المثنوي عام 672 هجرية، 1273 ميلادية، وتوفي في قونية في نفس العام، والمثنوي تعني الأبيات المزدوجة.

مقتطفات من شعر الرومي في مثنوي

** كل من مزق ثوبه من عشق ما، فقد برئ تماماً من الحرص، ومن كل العيوب.

** لقد سما الجسد الترابي من العشق، حتى الأفلاك، وحتى الجبل بدأ في الرقص وخف.

** كل من افترق عمن يتحدثون لغة الناي ظل بلا لسان وإن كان له ألف صوت.

** ما يقوله الناي إن أفصحت عنه صار العالم خراباً.

** ليس من غريب في هذا العالم مثل الشمس، لكن شمس الروح باقية فليس لها من أمس.

** إن أنواع العشق التي تكون من أجل اللون، لا تكون عشقاً، بل عاقبتها العار.

** اللفظ كالإناء، والمعنى فيه كالماء.

** إن طريق الروح ليخرب الجسد، ومن بعد ذلك التدمير يقوم بإصلاحه.

** كم من إبليس له وجه آدم، فلا تمدنّ يدك إلى كل يد.

** النوم أخ الموت.

** عندما لا تكون أرواحنا يقظة بالحق، تكون يقظتنا غلقا للأبواب أمامنا.

** والطائر محلق في الأعالي، وظله منعكس على الأرض، يسرع طائراً وكأنه الطائر الحقيقي، ويصبح أحد البلهاء صياداً لذلك الظل، ويسعى كثيراً من أجل ألا يظفر بنتيجة.

** كل من يجعل رؤيته قائمة على الجسد، يجعل نفسه بلا أذن ولا أنف.

** عندما افتضحت امرأة من فعل السوء، مسخها الله وجعلها كوكب الزهرة، وهل يعد تحويل امرأة إلى كوكب الزهرة مسخاً؟ والتحول إلى تراب وطين ليس مسخاً؟

** ضع على الدابة حملاً بقدر طاقتها، وكلف الضعفاء بأعمال في وسعهم.

** صورة الرفعة تكون للأفلاك، لكن معنى الرفعة تكون للأرواح الطاهرة.

** كل من يكون أكثر يقظة يكون أكثر ألماً، وكل من هو أكثر وعياً يكون أكثر شحوباً.

** ما كان ذا معنى يبدو طيباً حلواً، وما لا معنى له فضيحة في حد ذاته.

** الروح الخالية من المعنى هي لا شك في هذا الجسد، كأنها السيف الخشبي في الغمد.

** إن كنت صخرة أو حجر مرمر، عندما تلحق بصاحب قلب تصبح جوهراً.

** القلب يجذبك نحو حي أهل القلب، والجسد يجذبك نحو سجن الماء والطين.

** عندما لا تجازي صنم النفس بما يستحق، يتولد من صنم نفسك صنم آخر، وإن صنم نفوسكم يعد أم الأصنام، فالصنم حية، لكن صنم النفس تنين.

** أنج يا أخي من أبي جهل الجسد.

** من عشق الحبيب، ينقلب إلى حلو كل مر.

** إن تسبيحك يكون بخاراً حاوياً للماء والطين، لكنه صار طيراً من طيور الجنة بنفحة صدق القلب.

** ولك قدم، فكيف تجعل من نفسك أعرج؟

** أنواع المكر في طلب الدنيا شيء سخيف، وأنواع المكر في طلب الآخرة أمر مطلوب.

** ولو كان الإنسان إنساناً بالصورة، لكان أحمد وأبو جهل سيين، والصورة على الجدار تشبه الإنسان، فانظر ماذا يقلّ عن الصورة؟

** الكلام كالصورة والمعنى كالروح.

** المائة عندما تذكر، تتضمن التسعين.

** تظهر الخفايا بأضدادها، ولما كان الحق لا ضد له، يظل خفياً.

** إن نور القلب ليهب القوة والعزم لليد والقدم.

** أمر سهل أن يكون ثم أسد يشق الصفوف، لكن الأسد الحقيقي هو الذي يهزم النفس.

** ضع طرف إصبعيك على عينيك وأجبني: هل ترى شيئاً من الدنيا؟ قل الحق، فإن كنت لا ترى هذه الدنيا فهي ليست معدومة، والعيب ليس إلا من إصبعَي النفس الشؤم.

** هناك الكثيرون من أهل الحال بين الصوفية، وندر من بينهم من يكون من أهل الحال.

** إن لم تكن تريد أن يظل لب الروح في وهدة التردد، فقلل من ضغطك على هذه القطنة في أذن الروح.

** الخبز يكون على المائدة مجرد جماد، ويصبح في أجساد الناس روحاً هانئة.

** لا يبصر أحد وجه الشيء وظهره في لحظة واحدة.

** المعنى في الشعر لا يكون خالياً من الغموض، وهو كحجر المقلاع لا يمكن السيطرة عليه.

** إن الشهرة بين الخلق قيد محكم.

** هذه نارك، فكيف يكون نورك؟ وهذا هو المأتم، فما بالك بما يكون عليه عرسك؟

** إن اللفظ الواحد ليدمر عالماً، ويجعل من الثعالب الميتة أسوداً.

** في داخلك نمرود فلا تقدم على النار، وإن كنت تريد فتحول أولاً إلى إبراهيم.

** افطم طفل الروح عن لبن الشيطان.

** هل زرع أحد قط قمحاً وحصد شعيراً؟ وهل رأيت فرساً ولدت جحشاً؟

** الفكرة التي انطلقت فجأة من اللسان، اعلم أنها كالسهم الذي انطلق من القوس، وذلك السهم لا يعود أبداً عن طريقه، إذ ينبغي أن يسد طريق السيل من بدايته، وما دام انطلق من منبعه، فقد اجتاح العالم.

** الحرف والأفكار في وقت الصبح، تعود إلى الموضع الذي كانت فيه من حسن وقبيح، ومثل حمام الزاجل تحمل إلى مدينتها المنافع من المدن التي كانت فيها.

** فماذا يكون اللفظ حتى تفكر فيه؟ ماذا يكون اللفظ؟ مجرد أشواك في سور الكرمة، فلأحطم اللفظ والصوت والقول حتى أتحدث معك دون وجود هذه الثلاثة.

** كل الملوك عبيد لعبيدهم، وكل الخلق موتى هياماً في موتاهم.

** إذا كان الظامئون يبحثون عن الماء في الدنيا، فإن الماء في الدنيا يبحث أيضاً عن الظامئين.

** كل من يشتري الشيء رخيصاً يفرط فيه بثمن بخس، كالطفل يقايض الجوهرة على رغيف.

** حديقة العشق النضرة التي لا تحدها حدود، فيها ثمار كثيرة غير الحزن والسرور.

** الجور والإحسان والحزن والسرور أمور حادثة، والحادث يموت.

** فإن كنت حبة تلتقطك الطيور، وإن كنت برعماً يقطفك الأطفال، فاخف الحبة وكن بأجمعك فخاً، واخف البرعمة، وكن نباتاً متسلقاً على السطوح، فكل من عرض حسنه في المزاد، اتجه إليه مائة من قضاء السوء.

** كن عبداً ما استطعت، ولا تصر سلطاناً، ولكن متلقياً للضربات كالكرة، ولا تصر صولجاناً.

** لسنوات كنت حجراً تخمش القلوب، فلمحض التجربة كن لحظة واحدة تراباً.

** مادام المصباح قد أشعل من شمعة، فكل من رآه رأى الشمعة يقيناً.

** عندما تكون حلواً من السكر، ربما يغيب عنك هذا السكر في بعض الأوقات، وعندما تصير أنت سكراً من الوفاء، كيف إذن ينفصل السكر من السكر؟

** إن كان ثمة عيب واحد في شيء إلى جوار مئة نفع، يكون كالعود الذي يسلك فيه سكر النبات.

** التحت والفوق والأمام والخلف أوصاف للجسد، وانعدام الجهات لتلك الروح النيرة.

** إن لك عقلاً جزئياً مخفياً فيك، فابحث عن إنسان كامل العقل في هذه الدنيا، فيصبح جزؤك من تأثيره كلاًّ.

** الوعي بمثابة الشمس، والحرص ثلج، والوعي بمثابة الماء، وهذه الدنيا دنس.

** أي جميل لم يصر قبيحاً؟ وأي سقف لم يتحول إلى أرض؟

** إن هذه الأرض والسماء الواسعتين، مزقتا قلبي من ضيقهما.

** وإن لم تكن لذة الدين بالشيء غير المعقول، فمتى كانت بحاجة إلى عدة معجزات؟ وكل ما هو معقول يتقبله العقل دون حاجة لمعجزة ودون جرٍّ ومد.

** الماضي والمستقبل كلاهما حجاب بينك وبين الله، فلتضرم النار في كليهما معاً، فأنت مليء بالعقد منهما كأنك القصبة، وما دامت القصبة بعقدها، فهي ليست قرينة للسر، ولا تكون جليسة لتلك الشفاه ولا لذلك الصوت.

** الروح والنفس في وجود الإنسان، يصلهما المد من الغيب مثل الماء الجاري.

** إنك تجود بالخبز من أجل الحق فيهبك الخبز، وتجود بالروح من أجل الحق فيهبك الروح.

** هذه الدنيا نفي، وليكن بحثك في الإثبات، وصورتك صفر فابحث عن معناك.

** المتحري عن القبلة في الليل الداجي، وإن أخطأها فصلاته تجوز.

** واعلم أن كل ألم هو قطعة من الموت، فادفع عنك جزء الموت إن كان ثمة وسيلة، وإن لم تستطع الفرار من جزء الموت، فاعلم أن كله سوف ينصب على رأسك، وإن لذَّ لك جزء الموت، فاعلم أن الله تعالى سفو يجعل “كله” عليك حلواً.

** الآلام إنما تأتي رسولاً من الموت، فلا تشح بوجهك عن رسوله أيها الفضولي.

** إذا ضاقت فردة حذاء على القدم، لا يفيد زوج الأحذية بشيء.

** المال والذهب يكونان بمثابة القلنسوة على الرأس، والأقرع هو الذي يلجأ إلى القلنسوة.

** الكلام بمثابة اللبن في ثدي الروح، وبلا جاذب حلو، لا يجري عذباً زلالاً.

** إذا كان الرجل غالباً للمرأة في الظاهر غلبة الماء للنار، إلا أنه مغلوب في الباطن.

** ما دام الورد من الشوك، والشوك من الورد، فلماذا يشتبك كلاهما في حرب مع الآخر؟

** ما تظنه كنزاً، ربما فقدت من جرّائه الكنز.

** لا تقل إني هارب من العدم، بل إنه هو الهارب منك، فتوقف…

** ناقة صالح مثل أجساد الصالحين، صارت كميناً في هلاك الطالحين.

** سمه ماء الحياة ولا تسمه كلاماً، وانظر إلى الروح الجديد في اللفظ القديم.

** البيان المعنوي إن كان كافياً، لكان خلق العالم عاطلين باطلين.

** ألوان الإحسان الظاهر شاهد على المحبة الموجودة في السر.

** بالرغم من أن المعنى قد صار واضحاً في الصورة، إلا أن الصورة بالنسبة للمعنى قريبة وبعيدة.

** إن لديه فقر اللقمة، لا فقر الحق، فكفاك وضعاً للأطباق أمام صورة ميتة.

** الصورة التي ترسمها حزينة على الورق، لا علم لها عن حزن أو فرح.

** الجسد ليس عالماً بالروح، كما أن الثوب ليس عالماً بالجسد.

** لا يكون ثم طواف بلا غرض في الدنيا، إلا لأجساد العاشقين وأرواحهم.

** من صار مشتاقاً إلى الجزء، حيل بينه وبين الكل.

** إن قلت الجزء مقرون بالكل، فداوم على أكل الشوك فالشوك مقرون بالورد.

** إننا لنحمل الجرار الممتلئة إلى دجلة، فإن لم نعتبر أنفسنا حميراً فنحن حمير.

** عندما تسقط البراعم تطل الثمار، وعندما يتحطم الجسد تطل الروح.

** إن لم تكن تعرف الطريق، فكل ما يريده الحمار، إفعل عكسه، وهذا فحسب هو الطريق المستقيم.

** ما دام قلبك قد تعلم إشعال الشموع، فإن الشمس لا تجرؤ على إحراقه.

** كل من صار صافي القلب من الصور، صار مرآة لصور الغيب.

** الأسد، وإن كان في رقبته قيد، يكون أميراً على كل صنّاع القيود.

** فإذا كنت تسمع صوتك في الخير والشر، فإن ذات الجبل لا علم لها بكليهما.

** إن أنواع النقص هي مرآة وصف الكمال.

** فوق كل جرح يتجمع الذباب، حتى لا يرى المرء قبح جرحه، وذلك الذباب هو أفكارك ومالك، وجرحك هو ظلمة أحوالك.

** ما أكثر المغلولين بقيود غير ظاهرة.
اعلم أن القمر في السماء لا في ماء النهر
** ماذا تكون الصورة إلى جوار المعنى؟ إن معنى الفلك ليجندل صورة الفلك.

** هل رأيت اسماً بلا حقيقة قط؟ أو هل قطفت قط من اسم الوردة ورداً؟

** اعلم أن القمر في السماء لا في ماء النهر.

** الجسد كالأم، حامل بطفل الروح، والموت هو ألم المخاض وهو الزلزلة.

** يصير خيال الغائب ضخماً في الصدر، وعندما يصبح حاضراً يمضي الخيال.

** أسرِ في الليل، فإن تنم، يمضي الليل هدراً.

** إن المال بمثابة البذور فلا تغرسه في كل أرض خراب، ولا تضع السيف في يد كل قاطع طريق.

** قم بتأويل نفسك لا بتأويل الأحاديث النبوية.

** ورب معصيةٍ يرتكبها المرء وتكون مباركة، أليس من الشوك تنبثق أوراق الورد؟

** ألم يكن ذنب عمر وقصده قتل الرسول يجره إلى عتبة النور؟

** كل من يخيط يستطيع أن يمزق.

** عندما يكون الخبز معنى يكون لأكله نفع، وعندما صار صورةً فقد تسبب في الجحود.

Optimized by Optimole