العلاقات الصينية الأثيوبية: الفرص والتحديات

العلاقات الصينية الأثيوبية: الفرص والتحديات
Spread the love

تقرير: أسماء حجازي — تمثل الصين نموذجاً يحتذي به لأثيوبيا، فقد تمكنت الصين خلال العقود الأخيرة من الخروج من دائرة الفقر واستطاعت أن تحول نفسها من بلد زراعي إلى بلد يتمتع بأعلى معدل نمو في العالم. كما أن أثيوبيا رغم كونها بلداً حبيساً لا يمتلك من الموارد ما يغري الصين الا انها تلعب دوراً هاماً في السياسة الأفريقية لموقعها الاستراتيجي وكونها مقر الاتحاد الأفريقي وغيرها من المنظمات الاخرى، فضلاً عن ان الصين تبحث عن سوق خارجية لتصريف فائض انتاجها الضخم فمثلت أثيوبيا بعدد سكانها الكبير فرصاً للتجارة والاستثمار.
على الرغم من اختلاف التوجهات السياسية في الداخل الأثيوبي حول الوجود الصيني إلا ان ذلك التعارض لم يمنع الصين من توجيه اهتمامها إلى أثيوبيا نظرا للوزن السياسي الأثيوبي علي وزن القاره الأفريقية والتي كانت تسعى للحصول على تأييد دولها في المنظمات الدولية في إطار محاولتها لكسر العزلة الاميركية التي كانت تفرض عليها. ولكن تطور الوضع بعد ذلك بين الدولتين من خلال تبادل الزيارات بينهم.
عام 2000 يمثل تطوراً مهماً في العلاقات الصينية الأثيوبية من خلال انطلاق منتدى التعاون الصيني الأفريقي واطلاق استراتيجية جديدة طويلة الاجل وتعاون الجانبان في دعم كلا منهما الاخر وقد استضافت أثيوبيا بالتعاون مع الصين المنتدى الثاني عام 2003 وكانت هذه هي المرة الاولى التي يعقد فيها المؤتمر في افريقيا، ثم كانت قمة المؤتمر الثالث عام 2006 وحضرها 63 من رؤساء الدول والحكومات الأفريقية. وصدر عن قمة بكين ورقة سياسية افريقية صينية تعلن فيها سياسة الصين المعلنة باحترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى وهو ما انعكس علىي العلاقات الصينية الأثيوبية وأدى الى تعزيز العلاقات السياسية الاقتصادية الثنائية بينهما.
اصبحت الصين تحتل مكانة بارزة في اهتمام المسؤولين الصينين حيث قام الرئيس الصيني شي جينبينغ في عام 2014 بجولة إلى دول افريقية بينها أثيوبيا انعكس ذلك على العلاقات بين البلدين حيث اصبحت الصين حليفا دبلوماسيا لأثيوبيا في قضايا مختلفة مثل عملية نشر الديمقراطية وحقوق الانسان في المحافل الدولية كالامم المتحدة ومجموعة ال77.
وسيتم تقسيم هذه الجزئية إلى مجالات التعاون المختلفة:

أولاً: الجانب السياسي:
تعود العلاقات الرسمية بين الصين وأثيوبيا إلي عام 1971 والعلاقات الصينية مع أثيوبيا تختلف عن علاقاتها مع غيرها من دول القرن الأفريقي حيث تعد كل الدولتين مهمة للأخرى. فالصين تعتبر أثيوبيا حليفا إستراتيجيا؛ بالإضافة إلي الدور السياسي التي تقوم به أثيوبيا والذي يعد مفتاحا لدخول الصين إلى القارة الأفريقية في حين تعتبر أثيوبيا الصين حليفا بسبب سياسية المنح والقروض وأن النموذج الصيني نموذج يحتذي به.
عام 2005 عرضت الصين مساعدات على أثيوبيا بسبب اتهامها بانتهاكات لحقوق الانسان اثناء الانتخابات الأثيوبية. ومن هنا قدمت السياسة الخارجية الأثيوبية نموذجا للدول الأفريقية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى، وفي المقابل استفادت الصين من الدعم الأثيوبي لمواقفها إذ أن الصين تطالب بسياسة “صين واحدة” وتعمل على عرقلة اعتراف دبلوماسي بجمهورية الصين في تايوان. وقد توافقت أثيوبيا مع هذه السياسة منذ هيلاسلاسي وخلال زيارات ميلس زيناوي الثلاث لبكين اكد التزام حكومة بسياسة “صين واحدة” ودعمها الثابت للصين في تايوان.

ثانيا: الجانب الاستراتيجي:
تمثل أثيوبيا بعدا إستراتيجيا مهما للصين رغم كونها دولة حبيسة ورغم الجفاف والفقر الغذائي الذي تعاني منه. فهي تجاور من ناحية الشرق دولة جيبوتي والتي تضع الصين هذه الدولة على قائمة أولوياتها حيث أن كل الطرق الصينية لا بد أن تمر بها. ونقلت وسائل إعلام رسمية عن ضابط كبير في الجيش الصيني قوله إن بكين ستعزز علاقتها العسكرية مع جيبوتي كما أنها ستبني أول قاعدة بحرية لها خارج البلاد في هذه الدولة والتي تم تشييدها في فبراير شباط الماضي لتكون قاعدة إمداد للسفن المشاركة في حفظ السلام والعمليات الإنسانية.

ثالثاً: عسكرياً
أمدت الصين أثيوبيا بالعديد من الأسلحة والعتاد العسكري اثناء حربها مع اريتريا في الفترة ما بين عامي 1998 و2000. ومع تطور العلاقات بين البلدين تنامت العلاقات العسكرية بينهما فتعددت الزيارات العسكرية بين البلدين، كما تقوم الصين بدعم أثيوبيا عسكرياً من خلال تدريب وتأهيل أفراد الجيش الأثيوبي. كما تبرعت وزراة الدفاع الصينية لبناء مستشفي عسكري في منطقة “بي شوفت” في إقليم الأورومو، كما تزايدت مبيعات الصين العسكرية لأثيوبيا وخاصة في مجال الاسلحة الصغيرة والعربات المدرعة.
رابعا: اقتصاديا :
تسعي أثيوبيا الى تكرار تجربتها مع الدول الآسيوية لاجتذاب الاستثمارات الاجنبية المباشرة من اجل الاسراع في تنمية قدراتها الصناعية ومن ناحية أخرى تعمل الصين على تصدير نموذجها التنموي فتنامى تدريجيا التبادل التجاري بين الدولتين بمعدل سنوي كبير وصل الى 22%.
وقع الوزراء ورجال الأعمال الصينيون المرافقون لرئيس الوزراء الصيني ستة عشرة اتفاقية مع نظرائهم الأثيوبيين. وهذه الاتفاقيات شملت اتفاقيات تمويل وقروض ومساعدات اقتصادية لتشييد طرق ومناطق صناعية. وخلال زيارته لأثيوبيا قام رئيس الوزراء الصيني بالمشاركة في افتتاح أول طريق سريع بطول 80 كيلومتراً يربط العاصمة أديس أبابا مع الطريق الذي يمر في جنوب البلاد ويمتد إلى ميناء جيبوتي وتم تشييده بقرض من بنك الصادرات والواردات الصيني.
وتعمل الآن في أثيوبيا أكثر من 500 شركة صينية باجمالي استثمارات تفوق 1.5 بليون دولار. تقوم شركة هاواي للتكنولوجيا الصينية، وهي ثاني أكبر شركة لتصنيع أجهزة الاتصالات في العالم، بالتضامن مع “شركة زد تي اي” بالعمل على استحداث أسرع شبكة اتصالات من الجيل الرابع في العاصمة الأثيوبية وخدمات اتصالات الجيل الثالث على نطاق أثيوبيا. فقد إهتمت الصين بالإستثمار في أثيوبيا وزادت من إستثماراتها المباشرة إلى 85.5 مليون دولار في عام 2010. ووفقا لوزاة التجارة الصينية تم تسجيل 372 مستثمر صيني (بإستثناء المستثمرين في قطاع الخدمات) دخلوا وإستثمروا في أثيوبيا في أيار مايو 2012 حيث بدء العمل في 86 مشروعا بما فيها المشروعات الخدمية في عام 2011.
وتتوسع الصادرات الصينية في أثيوبيا. كما تقوم بتمويل سد النهضة وتقوم شركة صينية بتنفيذ مشروع سكك حديدية يربط بين ميناء جيبوتي والعاصمة أديس أبابا ويمتد مسافة 750 كيلومتراً بتكلفة تصل إلى 3.4 مليار دولار.

العلاقات التجارية الثيوبية الصينية
لا تزال تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى أثيوبيا ضئيلة مقارنة بالاقتصادات الأفريقية الأخرى مثل نيجيريا وموزامبيق وجنوب أفريقيا وغانا وأنغولا التي تكتسب في المقام الأول الاستثمار الأجنبي المباشر في الصناعات الاستخراجية الخاصة بها، ومع ذلك يركز الاستثمار الأجنبي المباشر في أثيوبيا على بناء القطاعات الصناعية والزراعية.
لا تحدث تدفقات استثمارية موضوعية في الصناعات الاستخراجية ومع ذلك ازداد الاستثمار الأجنبي المباشر في أثيوبيا على مدى العقد الماضي بمعدل 40 في المائة سنوياً منذ عام 2004 حتى عام 2013 ليصل إلى ما مجموعه أكثر من 4.5 مليار دولار.
في عام 2014 وحده، بلغ حجم التجارة الصينية ذروته عند 3.4 مليار دولار أميركي، استأثرت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بمبلغ 910 مليون دولار.
كان الإعلان عن جذب الاستثمار الأجنبي المباشر كقطاعات: التصنيع، اعمال بناء، الزراعة والصيد والحراجة ، العقارات والتأجير والأنشطة التجارية، والفنادق والمطاعم وهي التي تستقطب على التوالي معظم الاستثمار الأجنبي المباشر.
ان قطاعي التصنيع والإنشاءات لهما فائدة بنيوية للشركات الصينية حيث أن نظام التمويل للاستثمارات في هذه القطاعات تدعمه قروض الحكومة الصينية، مثل مشاريع البنية التحتية الصينية ذات النطاق الأعرض فعلى سبيل المثال ، تم تقديم الدعم الحكومي والفيدرالي على الطرقات أو المساكن أو حتى تشييد القطارات من خلال قروض ميسرة من بنك التنمية الصيني الذي يقضي على المنافسين في السوق. ومن هنا يأتي المكتب المعيّن في وزارة المالية والذي يعمل حصرياً مع المفاوضات الثنائية حول هذه الأنواع من هياكل التمويل حيث تكون القروض مشروطة بالأنشطة التجارية للشركات الصينية.
عند النظر في عدد مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر في أثيوبيا، من الواضح أن الصينيين هم في طليعة الاستثمار الأجنبي المباشر في أثيوبيا مع 973 مشروعا تشغيليا في البلاد، منها 121 مشروع مشترك مع شركات إثيوبية. وبالتالي، فإن حصة الاستثمارات المشتركة أقل من 15 في المائة. وبالمقارنة مع أكبر خمسة مستثمرين أجانب بعد الصين، فإن السعودية ليس لها مثيل وحصة تركيا هي 34٪، والهند 30٪، وفرنسا 95٪، والولايات المتحدة 55٪.

اما الاستثمارات الصينية في أثيوبيا:
فكان للقطاع الخاص الصيني نصيب في المساهمة في الاقتصاد الأثيوبي أيضا، وان كان نصيبا محدودا مقارنة باجمالي الاستثمارات الاجنبية. وقد قفزت تلك الارقام في عام 2017 ليصبح عدد المشروعات التي يساهم فيها المستثمرون الصينيون في أثيوبيا إلى 624 مشروعا باستثمارات اجمالية قدرت بنحو اربعة مليارات دولارات مما وفر فرص عمل دائمة لحوالي 57555 اثيوبي إلي جانب 53669 وظيفة غير دائمة.
تسيطر الصين على 60% من اجمالي اعمال الطرق في أثيوبيا فقد قامت بمد خط سكك حديد كهربائي الاول من نوعه في افريقيا ربط بين العاصمة الأثيوبية وميناء جيبوتي في البحر الاحمر بطول 750 كيلومتر وقد تكلف المشروع 3.4 مليار دولار وبدأ تشغيل الخط في اكتوبر 2016، وامتدت جهودها ايضا لتطوير النقل الجوي وقدمت العديد من المساعدات لأثيوبيا في مشروعاتها لتوليد الطاقة الكهرومائية لتنقل أثيوبيا الى دولة مصدرة للطاقة الكهرومائية.

العقبات والتحديات امام تطور العلاقات الصينية الأثيوبية:
يعترض تطور العلاقات الصينية الأثيوبية عدد من العقبات سواء كانت سياسية او اقتصادية تتعلق بالداخل الأثيوبي او بعلاقتها الاقليمية أبرزها:

تأثير الشأن الداخلي الأثيوبي:
تعاني أثيوبيا من مشاكل داخلية قد تؤثر على علاقتها بالصين بل أن بعض تلك المشاكل مرتبطة بسياسة التنمية التي اتبعتها أثيوبيا، وطريقة توزيع عوائد تلك التنمية. ففي نوفمبر 2015 اندلعت اضطرابات في اقليم الأورومو في أثيوبيا أدت الى مقتل 400 شخص على الاقل على خلفية مشروع لتوسيع العاصمة أديس أبابا على اراضي الأورومو.
حيث اعترض الأورومو علي خطة لتوسع الصناعي على حساب اراضيهم الزراعية في الاقاليم، فضلا عن شكواهم من التهميش الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، إضافة إلى احتمال ظهور قلاقل مرة أخرى في اقليم اوجادين سواء بالمطالبة بالانفصال عن أثيوبيا او من خلال المطالبة بتوزيع عادل لعوائد التنمية وخاصة مع ظهور دلائل وجود النفط والغاز الطبيعي وهما محل اهتمام الصين الأكبر في هذا الإقليم.

مشاكل أثيوبيا مع جيرانها:
تحاول الصين إقامة علاقات مع أكبر عدد ممكن من الدول الأفريقية وتحقيق الاستفادة من تلك العلاقات وهو ما يضع الصين أمام معضلة التعامل مع أطراف متصارعة. ومثال ذلك الحالة القائمة بين أريتريا وأثيوبيا اللتين ترتبط بهما الصين بعلاقات وثيقة، على الرغم من العداء القائم بينهما حيث دارت حرب بينهما بسبب النزاع الحدودي على مثلث بادمي ولا يزال الصراع بينهما قائماً، واستمرار النزاع بين البلدين يمثل تهديداً لاستمرار علاقتهما المشتركة مع الصين.

العوائق الاقتصادية:
تتعرض الصين لحملات تشويه لدى الدول الأفريقية حيث يتم اتهامها بإعاقة التنمية في القارة الأفريقية بالتركيز على استيراد المواد الخام بدلاً من خلق فرص وظيفية للأفارقة وتطوير أسواقهم المحلية وهو ما دفع رئيس الوزراء الصيني أثناء زيارته لأثيوبيا في مايو 2014 للقول بأن الصين مستعده للجلوس مع الدول الأفريقية لحل أي مسائل مترتبة وناتجة من المشاريع الاستثمارية الصينية وأن الصين لن تتبع اي مسار استعماري مثلما فعلت بعض الدول او السماح بعودة الاستعمار الذي يرتبط بالماضي.
كما تتعرض المشاركة الصينية في تطوير البنية التحتية الأثيوبية الى اتهامات متعددة تتمثل في ان الصين تسعى الى تنفيذ مشروعاتها من دون الحصول على منافسة من شركات عالمية كبرى. فنتيجة لضعف الاقتصاد الأثيوبي والحاجة المستمرة إلى تمويل مشروعات التنمية والبنية التحتية التي تتكلف مبالغ طائلة، تتخذ الحكومة الأثيوبية إجراءات فيها قدر من المخاطرة في مقابل استغلال ما تعرضه البنوك الصينية من قروض منخفضة الفائدة.

Optimized by Optimole