2020 .. عام تربع الصين على عرش البحث العلمي

2020 .. عام تربع الصين على عرش البحث العلمي
Spread the love

بقلم نسيب شمس* — الصين تتخطى الولايات المتحدة للمرة الأولى في الإنتاج العلمي (عدد الأوراق والمنشورات العلمية الصادرة من البلد) وهذا طبقــًا للمؤسسة العلوم القومية في الولايات المتحدة نفسها! الصين أنتجت 426,000 ورقة بحثية بينما الولايات المتحدة 409,000، والمفاجأة الأكبر أن الأوراق العلمية والمنشورات العلمية الأكثر استخداما في الاستشهاد بها جاءت من دولتي السويد وسويسرا الضئيلتين تعدادًا، وفي حالة سويسرا، مساحة (الولايات المتحدة الثالثة في هذا الصدد والاتحاد الأوروبي الرابع والصين الخامسة.)
الولايات المتحدة تظل الرائدة العلمية من حيث الصرف حيث تصرف 500 مليار دولار على البحث العلمي (يعني %26 من الميزانية العالمية للبحث العلمي،) والصين في المرتبة الثانية ب 400 مليار دولار ولكن الصرف على الأبحاث العلمية كنسبة من الاقتصاد الكلي في الولايات المتحدة ثابتـــًا لعدة سنوات الآن، بينما في الصين كنسبة من الاقتصاد الكلي يزيد بشكل كبير وسريع جدًا. ولكن لا تزال الولايات المتحدة محتفظة بالصدارة من جوانب كثيرة من حيث أنها مغناطيس لألمع العقول من جميع أنحاء العالم وصرفها وإنتاجها لأغلب أبرز وأهم الأبحاث وما إليه، ولكن العالم يتغير والموضوع يبدو أنه متجه نحو شراكة عالمية من الدول الكبرى بدلًا من الهيمنة شبه الكلية لكيان واحد أو كيانات معدودة على الأصابع.
أفادت دراسة تحليلية أن الصين ستنتج أبحاثا علمية أكثر من أي دولة أخرى خلال عشر سنوات. وأضافت أن استثمار الدولة الضخم في المدارس والجامعات وبرامج الأبحاث كان محركا للنمو السريع الذي تشهده الدولة، بالإضافة إلى الاكتشافات العلمية التي سرعان ما صارت ممكنة تجاريا. كما أن العلماء الصينيين يتمتعون بقوة خاصة في هندسة الكيمياء وهندسة المواد اللتين تعتبران أساسيتين لمستقبل التنمية الاقتصادية والصناعية للصين. وقد ارتفع عدد الأبحاث المراجعة التي نشرها الباحثون الصينيون 64 مرة خلال الثلاثين سنة الماضية.
وأشارت الدراسة أيضا إلى أن الصين تحتل الآن المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في الأبحاث العلمية المنشورة وسوف تحتل المرتبة الأولى بحلول عام 2020 إذا استمرت الاتجاهات الحالية بنفس المعدل.
كما أن الصين في طريقها لتحل محل اليابان في كونها صاحبة ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة.
وقد بينت الأرقام التي أعدتها شركة طومسون رويترز المعلوماتية للفايننشال تايمز أن العلماء الصينيين زادوا إنتاجهم بمعدل أسرع بكثير من الدول الصاعدة المنافسة مثل الهند والبرازيل. ورغم الاعتقاد السائد بأن الهند كانت أكبر تهديد محتمل للسيادة الأكاديمية الأميركية، فإن الدراسة كشفت أنها تتباطأ الآن وراء الصين.
كذلك كادت البرازيل أن تلحق بالهند في عدد الأبحاث المنشورة، حيث يتفوق الباحثون هناك في مجال الزراعة وعلم الأحياء. أما روسيا فقد توارت نسبيا في مجال البحث العلمي منذ عام 1981.
وأشارت دراسة قام بها باحثون بريطانيون من الجمعية الملكية للعلوم بأن الصين في طريقها للتقدم على الولايات المتحدة وأن ذلك قد يحصل أبكر بكثير مما كان متوقعاً، حيث يبدو أن البلد الذي اخترع في الماضي البوصلة والبارود والورق والطباعة يتهيأ لعودة كبيرة على النطاق العالمي.
فقد دل تحليل الأبحاث المنشورة، وهو أحد المقاييس الرئيسة للمجهود العلمي، على ارتفاع حاد بشكل خاص للعلم في الصين. وتبحث الدراسة المسماة “المعرفة وشبكات المعلومات والأمم” التحدي الذي تمثله الصين للهيمنة التقليدية للولايات المتحدة وأوروبا واليابان.
وتبنى الأرقام على الأبحاث المنشورة في مجلات عالمية معترف بها موجودة في قائمة قسم سكوبس Scopus service لدى الناشر إلزيفييه Elsevier وقد دلت إحصاءات سابقة أن الولايات المتحدة نشرت 292513 بحثاً عام 1996 السنة الأولى لأخذ المعطيات في هذه الدراسة، وهو ما يزيد أكثر من 10 مرات عن 25474 بحثاً نشر في الصين ذلك العام. أما في عام 2008 فإن عدد الأبحاث ارتفع بشكل بسيط في الولايات المتحدة إلى 316317، في حين قفز في الصين سبع مرات إلى 184080. ويوحي ذلك بأن عدد الأبحاث في الصين إذا ارتفع بنفس المعدل سيتجاوز، وفقاً لعملية استقراء خطية لمعطيات دار نشر إلزيفييه، عدد الأبحاث في الولايات المتحدة عام 2013، بعد أن يتجاوز المملكة المتحدة في موقعها كالدولة الثانية على العالم في البحث العلمي. وكانت التقديرات السابقة تقول إن ذلك سيحدث حوالي العام 2020. أي أن الصين ستتربع على عرش البحث العلمي في العام 2020.
يقول الأستاذ السير كريس ليويلاين سميث Chris Llewellyn Smith المشرف على الدراسة “أنه لم يفاجأ بهذه الزيادة” بسبب الازدياد الكبير لاستثمار الصين في مجال البحوث والتطوير. فقد ارتفع إنفاق الصين في هذا المجال بنسبة 20 % سنوياً منذ عام 1999 ليبلغ الآن أكثر من 100 مليار دولار، وليصبح عدد خريجي العلوم والهندسة من طلاب الجامعات الصينية عام 2006 يساوي مليون ونصف خريج. ويضيف سميث:” أظن أن هذا إيجابي، وذو فائدة كبيرة، مع أن البعض يرى في ذلك كتهديد. فهذا يخدم في الدعوة ليقظتنا فلا نبقى راضين عن أنفسنا. لكن احتمال أن تسبق الصين الأمريكان فيما يتعلق بالأعداد الكلية على المدى القريب أو المتوسط واضح“.
يتحدث واضعو دراسة سابقة عن تغيرات مثيرة في المشهد العلمي العالمي ويحذرون أن لهذا منعكسات على تنافس الأمم. فوفقاً للتقرير “ليست معطيات الجهات العلمية شيئاً يخص الهيبة ولكنها ميزان لقدرة البلد على المنافسة عالمياً”. فإلى جانب نمو الاقتصاد الصيني، يمثل هذا مشعراً آخر للنهوض السريع بشكل غير عادي للصين كقوة عالمية.
لكن أحد التقارير تبين أن تضخم حجم نشرات البحث لا يعني بالضرورة تحسناً في النوعية. فأحد المشعرات الأساسية لقيمة أي بحث هو عدد المرات التي يذكر من قبل علماء آخرين في أعمالهم. ومع أنه يلاحظ ازدياد الصين في تصنيف الإشارة إلى أبحاثها، لكن أداءها وفق هذا المقياس يتأخر بشكل كبير عن الاستثمار ومعدل النشر. وفي هذا المجال لا بد من وقت كاف حتى يتحسن الرجوع إلى نشرات البحوث أي تتحسن نوعيتها. وما تزال النشرات العلمية البريطانية الثانية على مستوى العالم من ناحية الإشارة إليها في البحوث الأخرى.
يوافق الدكتور كونغ كاو Cong Cao، الأستاذ المشارك في مدرسة الدراسات الصينية المعاصرة بجامعة نوتنغهام وعالم اجتماع يعود أصله إلى شنغهاي،
على التقييم القائل إن نوعية الأبحاث الصينية العلمية لا تتماشى مع كميتها، ويقول في تصريح للـ بي بي سي أن هناك ملايين عديدة من الخريجين الذين يطلب منهم نشر أبحاث، ولهذا فإن عدد الأبحاث في الصين كبير. وسيتطلب الأمر سنوات طويلة حتى يلحق بعض هذه البحوث بالمعايير الغربية. ويعتقد الدكتور كاو أن الدافع الصيني إلى الأبحاث هو وجود تصميم بعدم الاعتماد على الغرب في صناعة المعرفة وعلى استعادة الدور التاريخي للصين كقائد عالمي في مجال التقنية.
والجدير بالذكر أن الصين بنت أكبر تليسكوب راديو (يعني يرى بموجات الراديو بدلًا من الضوء المرئي) في العالم للتصنت على الكون الخارجي وإنجاز فتوحات علمية في فك شفراته.
أيضـًا الصين في عملية بناء أكبر مصادم جسيمات particle accelerator/collider في العالم (وهي منشآت هندسية تستخدم لأغراض البحث الفيزيائي، وخاصة في استكشاف جسيمات جديدة وفهم وإكمال قوانين الطبيعة على أبسط وأهم مستوياتها،) أكبر في الحجم حتى من ال LHC الأسطوري في هيئة الطاقة النووية الأوروبية CERN، في الحقيقة أكبر منه بالضعف (ال LHC محيطه 27 كيلومتر!!) وأيضـًا تخطط لزيارة المريخ في خلال 3 سنوات (غالبًا على نهاية 2020) وتريد المنافسة على الريادة في استعمار المريخ واستكشافه منذ بداية البداية. وكذلك سيرسلون بشراً لاستكشاف القمر في خلال عقد أو عقدين. وهذا مجرد غيض من فيض فقط لتوضيح التقدم والتوسع الصيني المحموم والمستفيض في جميع أركان العلوم.
ويمكن القول في خلاصة ما سبق، أن الصين جادة في طريقها نحو زعامة العالم، ووراثة الولايات المتحدة. ففي تبوأ الصين الموقع الأول في البحث العلمي فلا يمكن للولايات المتحدة التحكم في العالم، ولعل أهم ما حققته العولمة هو
انفتاح مخازن المعرفة والمعلومات عبر تكنولوجيا المعلومات والاتصال، أضف إلى تطور اقتصاد المعرفة. أن أعطى قيمة مضافة لعوامل القوة لدولة كبرى محاطة بالسور العظيم لكنها تتمركز في كل المواقع في العالم… ولا شك أن القيادة ستعرف انتقالا من الغرب إلى الشرق …
وستشرق الشمس دائماً ودوماً من الشرق مع أفول نجم الغرب المتوحش وعولمته الأكثر توحشاً.

*إعلامي وباحث لبناني.

Optimized by Optimole