“يديعوت أحرونوت”: صباح ما بعد التاريخ

“يديعوت أحرونوت”: صباح ما بعد التاريخ
Spread the love

بقلم: رون بن يشاي – محلل عسكري إسرائيلي |

الاتفاقات التي وُقعت في الأمس في الحديقة الجنوبية في البيت الأبيض تستحق حتماً تعريفها بالتاريخية، في الأساس بسبب أهميتها الرمزية – المبدئية: هي تشكل إقراراً علنياً بحقيقة أن المعسكر العربي – الإسلامي المعتدل يقبل إسرائيل كمجتمع شرعي في مجتمع دول المنطقة، وفي العالم.
حتى الآن، وعلى الرغم من اتفاقيْ السلام مع مصر والأردن، تُعتبر الدولة اليهودية ذات السيادة، من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، زرعاً دخيلاً غير شرعي في المنطقة الإسلامية. لقد تمت موافقة الإمارات والبحرين على توقيع اتفاقات إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية مع إسرائيل بموافقة السعودية، القائدة والدولة الأهم في المعسكر العربي الموالي للغرب، ومن هنا يمكن اعتبار الاتفاقات بمثابة كسر لمحرّم تاريخي حوّل إسرائيل إلى عضو مهم في المعسكر الموالي للغرب في الشرق الأوسط. وهذه طبعاً خطوة تاريخية.
غياب السعودية – الشريكة الأكثر أهمية – عن حفل التوقيع يدل على أن قبول وجود إسرائيل لم يكتمل، وبقي هشاً، ويمكن العودة عنه.
التصور الاقتصادي الأساسي الأكثر أهمية للاتفاق هو أن ما جرى حتى الآن من تحت الطاولة، مع تكلفة إضافية بسبب الحاجة إلى التخفي، سيجري الآن علناً – بتكلفة أقل ومع فرص أكثر بكثير للقيام باتصالات وعقد صفقات. قبل فتح زجاجات الشامبانيا، يجب أن ننتظر كي نرى إلى أي حد ستكون إسرائيل على قدر توقعات رجال الأعمال والحكومات في الخليج الفارسي. هم يريدون أن نبيعهم منتوجات سيبرانية من دون قيود، ويريدون من أطبائنا أن يصبحوا رؤساء أقسام في مستشفياتهم الفخمة، ويريدون أن يُعالَجوا في إسرائيل.
من الناحية الاستراتيجية، ليس سراً أن الإمارات والبحرين، بدعم من السعودية، وافقتا على تطبيع العلاقات مع إسرائيل لثلاثة أسباب أساسية هي:
الخوف من إيران.
2- الإدراك أن الولايات المتحدة تريد الابتعاد عن التدخل العسكري في المنطقة، ولا يمكن الاعتماد عليها بعد الآن كي تدافع جسمانياً عن الدول العربية المعتدلة. في المقابل الجيش الإسرائيلي موجود في المنطقة ويملك قدرات مؤكدة.

التكنولوجيا الإسرائيلية المتقدمة: الحكام الشباب في الدول العربية يبنون على هذه الصناعة كبديل من النفط الذي تتراجع قيمته كمصدر للعمل والمداخيل في دول الشرق الأوسط.
بكلمات بسيطة، قوة الجيش الإسرائيلي وقوة الهاي – تك الإسرائيلي هما السببان الاستراتيجيان الحقيقيان لتغيير موقف المعسكر العربي المعتدل، ومن الأجدى أن يسلط نتنياهو الأضواء على هذه الحقيقة، وألّا ينسب إلى نفسه، حصرياً، وإلى مؤهلاته الدبلوماسية التغير التاريخي الاقتصادي والاستراتيجي الذي طرأ على الشرق الأوسط، وعلى العلاقة بإسرائيل. ومن الأجدى أن يعترف قليلاً بفضل شعب إسرائيل وقدراته في هذا المجال.
لم تكن السعودية فقط الحاضرة – الغائبة في حديقة البيت الأبيض. أيضاً الفلسطينيون كانوا حاضرين – غائبين عن الحفل، لأسباب مختلفة تماماً. السعوديون، بحسب ترامب، ينتظرون اللحظة المناسبة للانضمام إلى التطبيع الرسمي للعلاقات مع إسرائيل، بينما الفلسطينيون ببساطة في حيرة من أمرهم. لذلك كان يجب ألّا نُفاجأ عندما بادرت حركة الجهاد الإسلامي في الأمس إلى إطلاق صواريخ على إسرائيل في أثناء حفل التوقيع.
إطلاق الصواريخ من غزة، ومثلها تصريحات أبو مازن العنيفة والرافضة في الأمس، هي الرد التلقائي الفلسطيني على أي تغيير يمس الفلسطينيين، على الرغم من معرفتهم الواضحة أن ردوداً إرهابية لن تغير شيئاً من الواقع الذي يعيشونه. إسرائيل أيضاً ردت كما هو متوقع منها في فترة الكورونا. فقد وجّه سلاح الجو ضربات أقسى من العادة نحو منظومات عسكرية لـ”حماس” فوق الأرض وتحتها. وبما يتلاءم مع سياسة رئيس الأركان أفيف كوخافي، بأن على الذراع العسكرية لـ”حماس” أن تدفع الثمن أيضاً، حتى لو لم تكن هي التي قامت بإطلاق الصواريخ.
الرد الفلسطيني وما جرى من حوله كان متوقعاً، وقد دل أكثر من أي شيء آخر على الطريق المسدود الموجودة فيه إسرائيل والفلسطينيون. في استطاعة رئيس الحكومة أن يتباهى بأن الاتفاق مع الإمارات والبحرين أخذ من الفلسطينيين أداة ضغط سياسية واقتصادية مهمة على إسرائيل، لكن الفلسطينيين لن يتبخروا، هم موجودون هنا، وسيبقون هنا، والنزاع معهم هو التهديد الأمني والنفسي الأخطر.
علاوة على ذلك، ما دام النزاع لم يُحل، فإن اتفاقات السلام والتطبيع لن تكون مستقرة، ويمكن أن تنقلب الأمور رأساً على عقب. لذلك، على الرغم من الإحساس بالرضى الذي يمكن أن نشعر به بعد الاحتفالات في البيت الأبيض، يجب أن نتذكر أن هناك إشارة تحذير خطرة فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني.
من المهم أن نأتي على ذكر الرئيس ترامب الذي نال في الأمس ثناء وتصفيقاً من الحاضرين في الحديقة. الرئيس الأميركي كان يستحق فعلاً التصفيق على الإنجاز الذي حققه من أجله صهره جاريد كوشنير بعمله الدؤوب. كوشنير هو الإشبين الحقيقي للاتفاق مع الإمارات، ويمكن الافتراض أن هذا الاتفاق سيساعد ترامب في معركة الانتخابات الرئاسية، لكن أيضاً يجب عدم المبالغة في الموضوع.
لكن ترامب حقق إنجازاً اقتصادياً جدياً: يمكنه بيع طائرات أف-35 وسلاح متقدم إلى الإمارات براحة ضمير، الأمر الذي يمكن أن يوفر آلاف الوظائف للعاطلين من العمل في الولايات المتحدة، وهذا لا يقل أهمية عن الإنجاز الدعائي.
وبالمناسبة، إسرائيل لن تتضرر كثيراً من حصول دولة عربية على هذا السلاح. على العكس، من الجيد أن يكون لدى الإمارات، القريبة من سواحل إيران، بنية تحتية عسكرية جيدة، في انتظار اليوم الذي ربما نحن أيضاً سنحتاج إليها. ينطبق هذا على البحرين. باستثناء ذلك، في إمكان إسرائيل، كما كشف ناحوم بارنيع في “يديعوت أحرونوت”، مطالبة الولايات المتحدة والحصول هي أيضاً على منظومات قتالية واستخباراتية تحافظ على تفوقها النوعي، كتعويض عن صفقات مع دول عربية يقوم بها ترامب في كل الأحوال.

المصدر: صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

Optimized by Optimole