عن “مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب وبدائع الاوصاف وغرائب التشبيهات” المنسوب للثعالبي

عن “مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب وبدائع الاوصاف وغرائب التشبيهات” المنسوب للثعالبي
Spread the love

بقلم: فاطمة شحوري — ما زال أساتذة الأدب والباحثون ينقبون عن أعمال أدبية قديمة ويجهدون في اكتشاف مخطوطات لأعمالٍ شكّل غيابها فجوة في تاريخ الأدب العربي. فكثير من الأعمال الهامة مازالت قابعة في أقبية المكتبات، الأمر الذي يصعّب مهمّة كتابة تاريخ شامل للأدب العربيّ.
ولا ينحصر جهد هؤلاء الباحثين باكتشاف مخطوطات أدبية فحسب، بل يعملون على مراجعة هذه المخطوطات المكتشفة ودراستها وتحقيقها مرّة بعد أخرى ليقع العمل في سياقه التاريخي والأدبيّ. وقد عمل الدكتور بلال الأرفه لي مع زميله في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور رمزي بعلبكي على دراسة وتحقيق مخطوطة كتاب “مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب وبدائع الأوصاف وغرائب التشبيهات”* المنسوبة لأبي منصور الثعالبي، وهي مخطوطة “ليدن 300″، الموجودة في مكتبة جامعة ليدن. وقد ضمّت هذه المخطوطة 56 ورقة بخط الناسخ محمد بن هيثم الكاتب، الذي أنهى نسخها في الثالث والعشرين من صفر لثمان عشر وستّمائة.

أبو منصور الثعالبي هو أديب وشاعر وناقد معجميّ، يُعتبر من أهم أدباء القرنين الرابع والخامس الهجريّين. وبسبب من أهميّة المؤلف الأدبية وغزارة تأليفه، نُسبت له الكثير من الأعمال المجهولة، وذلك بهدف زيادة قيمتها الأدبية. وكتاب “مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب وبدائع الأوصاف وغرائب التشبيهات” الذي بين أيدينا واحدٌ من الكتب التي نُسبت له. ونظرًا للشّك في صحّة نسبة هذا الكتاب للثعالبي، عالج محقّقا الكتاب، بلال الأرفه لي ورمزي بعلبكي، هذا الموضوع في مقدّمة الكتاب تحت عنوان: من هو الكاتب؟ معتمدَيْن على ما نُشر في هذا الخصوص. ففي سنة 1900، كان لويس شيخو قد نشر عملاً تحت عنوان “مكارم الأخلاق” في مجلة المشرق. لكن ما لبث الأستاذ عبد الرحمن بن سليمان المزيني أن نشر العمل نفسه سنة 1998 في مجلّة “أعلام المخطوطات والنّوادر” في المملكة العربيّة السّعوديّة، ناسبًا إيّاه لأبي منصور الثعالبي. وقد أكّد الباحث العراقي محمود الجادر أنّ العمل الذي نشره لويس شيخو سنة 1900 لم يكن إلّا عملًا مقتبسًا من كتاب “الفرائد والقلائد” المنسوب لأبي الحسين محمد بن الحسن الأهوازي. ويشير قاسم السامرّائي في عمله “ملاحظات عن سيرة الثعالبي” بعد الاطّلاع على مخطوطة ليدن إلى تشابه واضح بين الباب الرابع (الأمثال السائرة) من كتاب “مكارم الأخلاق” وكتاب “من غاب عنه المطرب” للثعالبي.
عنوان الكتاب: “”مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب وبدائع الأوصاف وغرائب التشبيهات” يدلّ على مضمونه ومادّته. يقع الكتاب في ثلاثة أبواب وملحق:
1. الباب الأوّل: “باب التّحلّي بمكارم الأخلاق ومحاسن التّشبيهات” وفيه اثنا عشر فصلًا.
2. الباب الثاني: “باب التّزكي عن مساوئ الأخلاق ومقابح الشّيم” وفيه أحد عشر فصلًا.
3. الباب الثالث: “باب بدائع الأوصاف وغرائب التّشبيهات في فنون مختلفة” وهي أربعة فصول.
4. ملحق بالأمثال السّائرة.

لاحظ محققا الكتاب تشابهًا بين الفصلين الأوّل والثّاني من ناحية الشكل والبنية والمضمون، ومن ناحية الاعتماد على الأحاديث النبوية. وقد رجّح المحققان احتمال استفادة مؤلّف الكتاب من أعمال ابن ابي الدنيا والخرائطي نظرًا لاعتمادهما بدورهما على الموروث النبوي. وأشار المحققان إلى بعض الكتب والأبحاث التي قد يكون المؤلّف قد عاد إليها في اللبنة الأولى من بحثه، نحو كتابَيْ “اصطناع المعروف” و”محاسبة النفس” لابن أبي الدنيا، وغيرها الكثير من كتبه التي ترد في حواشي النصّ، علاوة على كتب الزّهد نحو كتاب “الزّهد وصفات الزّاهدين” لأبي سعيد الأعرابي، وكتب التّصوّف نحو كتاب “إحياء علوم الدّين” لأبي حامد الغزّالي. غير أنّ استعمال هذه الكتب المذكورة أعلاه ليس سوى ترجيح نظرًا لغياب الإسناد في الكتاب المحقَّق.

أمّا باب الكتاب الثالث فيختصّ بالتّشبيهات والأوصاف. وقد أشار غوستاف فون غرونيبوم إلى أنّ المقطوعات الوصفية لا يتجاوز عدد أبياتها في الغالب السبعة أبيات، وهدفها تصوير بعض الأفكار العابرة والانطباعات اللحظيّة. وقد لاحظ بلال الأرفه لي ورمزي بعلبكي أنّ معظم مضمون هذا الباب يكاد يكون مأخوذًا حرفيًّا عن كتاب “من غاب عنه المطرب” للثعالبي، نظرًا لاستعمال مؤلّف الكتاب مادّة كتاب “من غاب عنه المطرب” الشعريّة بالترتيب نفسه. وقد ذكر المحقّقان أنّه في حال عدم توفُّر المادّة الشعريّة المذكورة في كتاب “من غاب عنه المطرب”، فيمكن رصدها في كتب الثعالبي الأخرى نحو “الإعجاز والإيجاز” و”التوفيق للتفليق” وغيرهما من الكتب.

أمّا القسم الأخير من الكتاب، أي ملحق الأمثال السائرة، فضمّ 410 مثلًا في 28 فصلًا، مرتّبين ترتيبًا أبجديًّا من الألف إلى الياء. غيرَ أنّ الأمثال الموجودة ضمن الفصل الواحد مبعثرة التّرتيب، على نحو ما اعتُمد في القرنين الرّابع والخامس. وقد لاحظ محقّقا الكتاب خلوّ هذا الباب من الأمثال التي تبدأ بالأفعال على خلاف العادة، وأظهرا خطّة تصنيف المؤلف للأمثال. فمثلًا يبدأ كلّ فصل بالأحاديث النبويّة وتتبعها الأحاديث المولّدة. وأشار المحققان إلى تماثل هذا الملحق مع كتاب “مجمع الأمثال” للميداني، وقد أرجعا هذا التّشابه إلى أمر من اثنين: إمّا أن يكون مؤلف كتاب “مكارم الأخلاق” قد استفاد من عمل الميداني، أو أنّ كلا الكاتبين قد استخدما المصادر نفسها.
ويجدر بنا، بعد عرضنا للكتاب وفصوله أن نشير إلى جهد المحققين في جمع هذا الكم من المعلومات – المتعلّقة بقضية نسبة كتاب “مكارم الأخلاق” للثعالبي- بأدقّ تفاصيلها. ونودّ إظهار إعجابنا الشّديد بعمل المحققين على إلقاء الضّوء على كلمة “أدب” في بداية مقدّمتهما وربطها بكتاب مكارم الأخلاق.

*كتاب “مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب وبدائع الاوصاف وغرائب التشبيهات” المنسوب لأبي منصور الثعالبي. تحقيق بلال الأرفه لي ورمزي بعلبكي. ليدن: بريل، 2015.

Optimized by Optimole