المطالبة بحق العودة ليست معاداة للسامية

المطالبة بحق العودة ليست معاداة للسامية
Spread the love

رائف زريق – أستاذ جامعي ومدير مشارك لمركز مينرفا للعلوم الانسانية في جامعة تل أبيب
يهودا باور مؤرخ وباحث ذو شهرة عالمية، رمى في الأسبوع الماضي قنبلة أخلاقية عندما ادّعى في مقال (“هآرتس” 5/7) أن تأييد المطالبة الفلسطينية بحق العودة هو موقف معادٍ للسامية. لماذا؟ لأن اليهود في البلد يعارضون عودة اللاجئين الفلسطينيين، لذلك فإن هذه العودة لن تحدث إلّا باستخدام القوة، “وفقط تدميراليهود يضمن تحقيقها”. بناء على ذلك كل من يؤيد حق العودة هو معادٍ للسامية. هذه حجة أخلاقية تزن ألف طن وقع على رأسي، وكفلسطيني رأيت أن من واجبي أن أرد عليه، لأن هذه الحجة مملوءة بالأخطاء والتضليل وخطرة سياسياً.
أولاً، ليس واضحاً لماذا مسألة القوة وثيقة الصلة بتحديد موقف ما بأنه معادٍ للسامية. يخيل إليّ أن مسألة استخدام القوة ليست شرطاً ضرورياً، وأيضاً ليست شرطاً كافياً لتحديد موقف ما بأنه معادٍ للسامية. إن الذي يصور اليهود كطماعين وجشعين هو معادٍ للسامية حتى لو لم يستخدم القوة، وهذا بالتأكيد يوافق عليه باور.
من جهة أُخرى، ليس واضحاً لماذا استخدام القوة يجعل موقفاً معيناً معادياً للسامية. باور نفسه يعتقد أن مطالبة الفلسطينيين بدولة مستقلة إلى جانب إسرائيل أمر مشروع (على عكس حق العودة)، إذا كان الأمر كذلك، هل استخدام الفلسطينيين العنف والقوة ضد جيش الاحتلال في المناطق يُعتبر موقفاً معادياً للسامية، بالنسبة إلى باور؟
يخيل إليّ أن باور لن يعتبر مقاومة الاحتلال عملاً معادياً للسامية فقط لأنه يستخدم القوة. كما يخيل إليّ أنه كان سيتفحّص ويسأل عن الهدف الذي تُستخدم القوة من أجله. هذه الحالة من المعقول أن يعترف باور بأن المقصود هو هدف مشروع (إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود 1967)، وبالتالي فإن استخدام القوة لا يحوّل المطالبة بدولة فلسطينية إلى عداء للسامية، حتى لو رأى أن استخدام القوة غير مبرر وغير مشروع. إذا كانت هذه هي حقيقة الأمور (إلّا إذا أراد باور الادعاء أن مقاومة الاحتلال هي أيضاً موقف معادٍ للسامية، وهذا ما لا أعتقده)، حينئذ لا تكون مسألة القوة هي المعيار، وليست شرطاً ضرورياً أو كافياً لتحديد موقف كموقف معادٍ للسامية.
بالإضافة إلى ذلك، لا يتخيل باور إمكان موافقة اليهود على حق العودة بشكل أو بآخر. من الممكن أن هذا هو الوضع اليوم، لكنه قد يتغير، لماذا نفرض قيوداً على الخيال السياسي للمستقبل بشأن صورة العيش المشترك لشعبين في هذا المكان، انطلاقاً من اتفاق متبادل؟ بالفعل، ربما هذا اليوم يبدو بعيداً، لكن لا يبدو لي أن الحلم به هو موقف معادٍ للسامية. وليس واضحاً لي ما هو موقف باور إزاء من يؤيد حق العودة، ويصر على أن تحقيقه يجب أن يكون فقط باتفاق متبادل مع الجمهور اليهودي في إسرائيل. هل هذا الموقف هو أيضاً معادٍ للسامية؟
إن مسألة استخدام القوة مركزية لدى باور، وهي ليست مقنعة. هناك فارق بين المقاومة- حتى بالقوة- من أجل حق عودة الفلسطينيين وبين تسمية تأييد هذا الحق أنه “موقف معادٍ للسامية”. لدي عدد من الحجج المطروحة ضد حق العودة: عدم اعتراف القانون الدولي به؛ الفلسطينيون رفضوا قرار التقسيم وبادروا إلى حرب 1948، ومَن دخل الحرب مختاراً يتعين عليه قبول نتائجها، وعليه ألّا يلوم إلّا نفسه؛ من المحتمل أن يكون حق العودة أخلاقياً، لكن معناه انتحار قومي للمشروع الجماعي اليهودي؛ عملياً، ليس للاجئين الفلسطينيين مصلحة حقيقية في العودة، تحديداً إلى منزل أو قرية معينة ينتمون إليها، لأنه لم يعد لهما وجود، لذلك يمكن أن تتحقق الرغبة في العودة فقط بالعودة إلى الدولة الفلسطينية إذا قامت وعندما تقوم؛ الإصرار على حق العودة وتحقيقه يمكن أن يؤديا إلى مئة عام من المواجهات والعنف، وقيمة الحياة أهم بكثير. ويمكن طبعاً أن نضيف مزيداً من الحجج.
جزء من هذه الحجج يستحق النقاش وجزء منها مقنع وجزء آخر أقل إقناعاً. العداء للسامية يثير رعباً أخلاقياً غير مفيد بالنسبة إلى النقاش حول إسرائيل- فلسطين، وهو أيضاً غير مفيد لمناقشة العداء للسامية ومحاربتها. وهو كفاح مهم بحد ذاته، ومن الجيد أن ينضم إليه أيضاً أولئك الذين يؤيدون المطالب المحقة للشعب الفلسطيني.
لا حاجة إلى التذاكي والادعاء أن حق العودة الفلسطينية لا يشكل تهديداً وكابوساً في نظر غالبية اليهود الذي يعيشون في البلد- لكن هذا ليس سبباً كي نصنف كل من يؤيد تحقيقه أنه معادٍ للسامية. هذا لا يزيل الكابوس ولا يقضي على التهديد، بل يزيدهما.
بالإضافة إلى ذلك، بحسب تعريف باور، يتبين أنه ليس فقط أغلبية الشعب الفلسطيني هي معادية للسامية، بل أيضاً أغلبية الدول في العالم، والأمم المتحدة، وحتى الولايات المتحدة التي أيدت القرار 194 بشأن حق العودة.
هناك جزء من الجمهور اليهودي في إسرائيل يؤيد حق العودة ضمن حدود معينة، وفي مرحلة معينة حكومة إسرائيل نفسها درست إمكان عودة عدد قليل من اللاجئين، كجزء من تسوية إقليمية وحل شامل. هل يعتبر البروفسور باور هذا كله معاداة للسامية؟
صحيح أنه من المحتمل أن يكون بين المؤيدين لحق العودة من يفعل ذلك لدوافع معادية للسامية. لكن هذا لا يحوّل قطعاً تأييد حق العودة إلى ذلك. المصيبة الكبرى في موقف باور أنه لا يفسح مجالاً لتسوية تاريخية مع الفلسطينيين: فإذا كانوا معادين للسامية ومطالبهم معادية للسامية، معنى ذلك أن ليس هناك من نتحاور معه، وليس هناك من نتوصل معه إلى تسوية، وهو ما يغلق الباب أمام أي محاولة لفهم الظلم التاريخي الذي لحق بالفلسطينيين، ويصور مطالبهم كأنها ناجمة عن كراهية صرفة لليهود، وكأنه لم يحدث قط طرد ولا نهب.
موقف باور يغلق النقاش بدلاً من أن يفتحه، ولا مجال للتوصل إلى تسوية تاريخية من دون فتح كل الموضوعات على النقاش. لذلك كان باور على خطأ ليس فقط من الناحية المفهومية والفكرية، بل أخطأ أيضاً من الناحية السياسية. ونظراً إلى كونه باحثاً كبيراً ومعروفاً، من حقنا أن ننتظر منه تصحيح خطئه.
المصدر : صحيفة هآرتس الاسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole