ما ينطبق على الجولان لا ينطبق على الضفة: استخدام القوة لا يمنح السيادة على الأرض

ما ينطبق على الجولان لا ينطبق على الضفة: استخدام القوة لا يمنح السيادة على الأرض
Spread the love

بقلم: مردخاي كرمنيتسر – محلل سياسي إسرائيلي —

كلام المسؤول السياسي الإسرائيلي الرفيع المستوى الذي اعتبر أن اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان يبشر باعتراف مستقبلي مشابه بضم الضفة الغربية أو جزء منها يثير الدهشة. إنه كلام يعرض الموضوع بصورة مشوهة ويدّعي وجود مبدأ عام في مكان جرى التشديد فيه على عدم وجود مثل هذا المبدأ.
“الجميع يقولون إنه من غير الممكن الاحتفاظ بأرض محتلة، وهنا يظهر أن هذا ممكن”، قال المسؤول. لكن ما جاء في الإعلان ليس الاحتفاظ بأرض محتلة حتى تحديد وضعها في اتفاق بين الطرفين، بل تطبيق السيادة عليها من دولة محتلة ومن خلال خطوة أحادية الجانب، وهذا أمر مختلف تماماً. وبحسب المسؤول الرفيع المستوى الاعتراف الأميركي يقرر مبداً يمكن بالاستناد إليه الاحتفاظ بأرض جرى احتلالها في إطار حرب وقائية.
إذا تجاهلنا الأخطاء المتكررة، كأن المقصود الاحتفاظ بالأرض، من الواضح من إعلان الرئيس الأميركي أن المصدر الرفيع المستوى تسرّع قليلاً. يذكّر إعلان الرئيس بأن إسرائيل قامت بالسيطرة على الجولان للدفاع عن أمنها في مواجهة التهديدات الخارجية، ويصور الهضبة كمكان تنطلق منه الهجمات على إسرائيل من جانب إيران وتنظيمات إرهابية، بينها حزب الله، ويتحدث عن حاجة إسرائيل إلى الدفاع عن نفسها في مواجهة سورية وفي مواجهة تهديدات إقليمية أُخرى. وجاء في الإعلان “في هذه الظروف الخاصة يجب أن نعترف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان”.
هذه الظروف الخاصة ليست موجودة في الضفة التي يوجد فيها تنسيق أمني مع السلطة الفلسطينية، ونحن بحاجة إلى قدر كبير من الخيال كي نرى في احتلال الضفة حرباً وقائية. من الواضح أن الإعلان لا يعتمد على مبدأ عام شامل كما يصوره المصدر السياسي. العكس هو الصحيح، هو مرتبط بظروف خاصة. ليس هناك أي تشابه بين الضفة الغربية وبين الهضبة من نواحٍ أُخرى، بينها عدد السكان غير اليهود، وأهمية الضفة في تحقيق حق تقرير المصير الوطني الطبيعي للشعب الفلسطيني، وسلوك إسرائيل تجاهها.
طوال 52 عاماً امتنعت إسرائيل من ضم الضفة، وأجرت مفاوضات مع السلطة الفلسطينية بشأن مصير المناطق، وتعاملت مع المنطقة من ناحية القوات وصلاحيات قائد المنطقة، كأراضٍ خاضعة للحكم العسكري. والصحيح أن إسرائيل خرقت القانون الدولي من خلال توطين مواطنيها في الضفة بذرائع متعددة اتضح مع الوقت أنها أكاذيب، ولم تدِر المنطقة كوصية على سكانها. ومن الصعب الافتراض أن من ينتهك القانون الدولي يمنحه هذا القانون حقوقاً.
بحسب القانون الدولي، السيطرة الفعلية للجيش على منطقة لا تسمح له بنقل هذه السيطرة إلى دولة. استخدام القوة أو التهديد لا يمنحان السيادة على الأرض. هذا هو المنطق الأساسي “للسيطرة العسكرية” على الأرض- تسوية موقتة، إذ تقتصر النظرة العسكرية على المحافظة على النظام العام على الأرض من خلال المحافظة على الوضع القانوني القائم، إلاّ إذا كان المطلوب تغييره إلى حين التوصل إلى اتفاق بين الطرفين.
من المعقول الافتراض أنه أيضاً لو قررت إدارة ترامب الاعتراف بضم الضفة أو جزء منها، فإنها لن تكون على رأس معسكر ولن تحذو دول أُخرى حذوها. ومن المعقول الافتراض أن هذه الإدارة ستتعرض لإدانة المجتمع الدولي وستصوَّر بأنها تنتهك مبدأ أساسياً في القانون الدولي. في هذه الأثناء يجدر التذكير أنه عندما اعترفت إدارة ترامب بالقدس كعاصمة لإسرائيل، فعلت ذلك من خلال التصريح بأنها لا تتخذ موقفاً من أي موضوع في التسوية الدائمة، بما فيه حدود معينة للسيادة الإسرائيلية في القدس.
هناك طريقتان لتفسير كلام المسؤول الرفيع المستوى. الأولى هي أن المقصود صراع بين الليكود وبين اليمين الجديد على أصوات أنصار الضم. ويستخدم الليكود ترامب وإمكان استجابته لمطالبه لتسجيل نقاط في مواجهة اليمين الجديد.
الطريقة الثانية، أن المقصود موضوع حقيقي، وتوجّه الليكود هو فعلاً نحو الضم. ولا يمكن استبعاد هذا الاحتمال. لقد سبق إعداد الأرضية لذلك من خلال قانون أساس القومية. فالقانون يعتبر الاستيطان اليهودي قيمة وطنية ويجب الدفع بها قدماً. من الواضح على الأقل بحسب مؤيدي القانون أن هذه القيمة لا تقف عند الخط الأخضر، وتحت غطائه ستعمل الحكومة على توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة.
قانون أساس القومية يعطي الطابع اليهودي للدولة أولوية قصوى، وبذلك يرسخ في أحسن الأحوال نظام أبرتهايد في مناطق الضفة. وفي أسوأ الأحوال ومع تغيير الميزان الديموغرافي بالقوة لن يوافق أحد على الكلام عن ذلك. في أحسن الأحوال سيجري ضمان يهودية الدولة من خلال حرمان الفلسطينيين حق الاقتراع. لماذا يجب تحسين مصيرهم مقارنة بالعرب من مواطني إسرائيل الذين لا يعتبرهم اليمين الإسرائيلي شركاء حقيقيين في السياسة الإسرائيلية؟ إذا كانت النظرية الثانية صحيحة فإن خوض الليكود الانتخابات من دون برنامج هو فضيحة تدل على علاقته الحقيقية بناخبيه، وعلى أنه ينظر إليهم كأشخاص غير جديين يمكن خداعهم وقيادتهم بشكل أعمى نحو أهداف لا يريدونها.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole