لماذا هذه المرة أيضاَ سأصوت لميرتس

لماذا هذه المرة أيضاَ سأصوت لميرتس
Spread the love

بقلم: أ.ب. يهوشواع – من أهم الروائيين الإسرائيليين ومن كبار المؤيدين لحركات السلام في إسرائيل —

على الرغم من أنني مع الأسف الشديد لم أعد أؤمن (وحبذا لو أكون على خطأ) بجدوى حل الدولتين، الذي يشكل مبدأ أساسياً في برنامج ميرتس الإيديولوجي، ما زلت أنوي التصويت لميرتس في الانتخابات المقبلة، وذلك ليس فقط لأنني أوافق على سائر مبادىء الحزب الأيديولوجية، بل لأن ميرتس في الأساس هي الدعامة البرلمانية والعامة الأكثر أهمية لمنظمتين: “بتسيليم” ومنظمة “لنكسر الصمت”.
وسأكون شاكراً للعقلاء والأخلاقيين في اليمين وأيضاَ وسط المستوطنين لو حاولوا الاستماع إلى المسوغات التالية.
شعوب كثيرة في أوروبا، مستنيرة وحضارية سيطرت في القرنين التاسع عشر والعشرين على شعوب أخرى. البريطانيون والفرنسيون والإيطاليون والهولنديون والبلجيكيون والإسبان هم فقط عدد من الشعوب التي سيطرت على شعوب أخرى بأساليب استعمارية متفاوتة الوحشية. وعن قصد لم أعدد بينهم الألمان الذين احتلالهم في القرن العشرين لم يكن استعمارياً بل اجرامياً.
عندما نزور أوروبا ونعجب بجمال وسحر المتاحف والمكتبات وقاعات الحفلات الموسيقية ودور العلم، نعرف أن جزءاً من قمم الثقافة الأوروبية ازدهر تحديداً في فترات ظلامية من الناحية السياسية والأخلاقية، خصوصاً خلال الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين. وهذا هو سبب امتناعي من المساواة بين ازدهار ثقافي وتكنولوجي واستقرار أخلاقي واجتماعي. أولئك الهولنديون المهذبون، والفرنسيون المرهفو الحس، والبريطانيون المستقيمون قاموا باحتلال وحشي لشعوب أخرى، يبدو الاحتلال الإسرائيلي الحالي ليهودا والسامرة [الضفة الغربية] بالمقارنة معه معتدلاً نسبياً. لكن ثمة فارق جوهري بين الاحتلال الإسرائيلي وبين احتلالات الدول العظمى الاستعمارية. البريطانيون والفرنسيون والإيطاليون والهولنديون انفصلوا في النهاية عن الشعوب التي سيطروا عليها بوحشية، بينما نحن والفلسطينيون، بحسب كل توقع محتمل، سنواصل العيش في وطن واحد، وفي منزل بالقرب من منزل، وعائلة بالقرب من عائلة، وفي حميمية ستأخذ فقط في الازدياد. وحتى لو قامت دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، فإن هذه الدولة ستكون متشابكة مع آلاف الفروع في داخل دولة إسرائيل. إذ يجب أن نتذكر أن الفلسطينيين ليسوا أقلية جغرافية في أرض إسرائيل، وبالتالي فإن الانفصال عنهم (أو بحسب الصيغة المهينة- طردهم) سيكون دائماً جزئياً. ناهيك عن أنه يوجد في دولة إسرائيل قرابة مليوني مواطن فلسطيني إسرائيلي، تربطهم بسكان الضفة الغربية علاقات عائلية واجتماعية.
بناء على ذلك، يجب أن نتعامل مع سيطرتنا على الضفة الغربية انطلاقاً من اعتبارات رؤيا بعيدة المدى. إن هذا وطن مشترك مع كل ما يعنيه مصطلح “وطن”. أيضاَ يجب على الفلسطينيين أن يستوعبوا هذا المعطى. ليس لديهم مكان يذهبون إليه. الولد الفلسطيني الذي يرى كيف يضربون والده بوحشية ومن دون سبب، سيبقى محتفظاً بهذه الذكرى المؤلمة أيضاَ عندما سيضطر إلى أن يعطينا الدواء في صيدلية، أو إلى الاعتناء بنا في غرفة الطوارىء.
عندما قالت أوشريت كوتلر بألم [مقدمة تلفزيونية انتقدت سلوك الجنود الإسرائيليين الوحشي في الضفة الغربيةٍ] “حيوانات بشرية”، تحفظت عن التعبير الجارف. في الحقيقة هناك بين الجنود من يتصرف كـ”حيونات بشرية”، لكن ما يزال هناك آلاف الجنود والضباط الذين يواجهون نهاراَ وليلاً أوضاعاً معقدة، تتحداهم ليس فقط عسكرياً بل في الأساس أخلاقياً، وهم مجبرون على ايجاد الحلول المناسبة. وليسوا كلهم مهيأون من الناحية العسكرية والأخلاقية والإيديولوجية لمواجهة هذه التحديات.
بناء على ذلك المعركة العسكرية التي تجري أحياناً وفق قواعد صارمة وغير مرنة، يجب أن تحظى بدعم اضافي أخلاقي وعملي، أيضاَ من المؤسسة القانونية والمدنية، وأيضاَ من الجنود أنفسهم الذين يواجهون أوضاعاً معقدة.
لذلك تحرص منظمات مدنية مختلفة، بينها أيضاَ منظمات حاخامية، لا يضعف التدين اخلاقياتها، ومنظمات للدفاع عن حقوق الإنسان مثل “بتسيليم” أو “لنكسر الصمت” على الوقوف في مقدمة هذه المعركة لتقليص أضرار الاحتلال، ومنع تدهوره البطيء والاشكالي على طريق نشوء الدولة الواحدة.
يجب على المستوطنين تحديداً، الذين مستقبلاً سيعيشون إلى الأبد على مقربة حميمة جداً من الفلسطينيين في يهودا والسامرة، أن يدركوا ، من أجل أمنهم أيضاَ، أهمية المحافظة على قواعد الحد الأدنى من الأخلاق والاستقامة في وضع تراجيدي من صراع غير قابل للحل مستمر منذ أكثر من 50 عاماً. وأشير بسرور أنه من دواعي سروري أن اكتشف أن هذا الوعي الأخلاقي أصبح مهماً وسط عدد من المستوطنين، بينهم أيضاَ مستوطنون متدينون يريدون اعطاء سكان الضفة هوية إسرائيلية لتعزيز مكانتهم.
وجود كبير لميرتس في الكنيست، ودعم المنظمات التي تحرص على عدم تدهور الاحتلال إلى هاوية مظلمة تعرقل مستقبلنا، سيضمن لنا جميعاً، في اليمين واليسار في آن معاً، أنه إذا تدهورنا إلى دولة واحدة فإنها ستكون دولة يمكن على الأقل أن ينشأ فيها تعايش معقول مثل التعايش الموجود اليوم بين الفلسطينيين واليهود في دولة إسرائيل ضمن حدود الخط الأخضر.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole