رؤية إسرائيلية: التحديات التي يواجهها استقرار سوريا

رؤية إسرائيلية: التحديات التي يواجهها استقرار سوريا
Spread the love

بقلم: كرميت فالنسي – باحثة في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي —

إن بقاء الأسد هو نتيجة مسارين مركزيين قاما بتغذية أحدهما الآخر طوال سنوات الحرب: من جهة، ضعف المعارضة وعملية الأسلمة التي خبرتها، ومن جهة ثانية، تدخُّل لاعبين أجانب فيما يحدث في سورية، والذي تميز بعدم تناسب واضح: تأييد نظام الأسد بشكل قوي ومتواصل من روسيا وإيران، في مقابل تأييد تنظيمات المتمردين بشكل محدود ومتقطع من قبل دول الغرب والدول السنية، وتركيزهم على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية أكثر من العدو الأساسي الذي نشبت الحرب ضده – النظام.
ضعف المعارضة وتطرفها

المعارضتان، سواء العسكرية أو السياسية لم تجدا صيغة للوحدة، وفشلتا في محاولتهما تحقيق أهداف الثورة وتقديم بديل ملائم من نظام الأسد. في المراحل الأولى للثورة اعتُبر إطار”الجيش السوري الحر” تنظيماً عسكرياً فاعلاً قادراً على تحمّل عبء الصراع، لكن منذ نهاية سنة 2012، بدأت تظهر علامات تدل على فشل هذا الجيش في تنظيم نفسه وفي تأسيس إطار تنظيمي وناجع، وصدر الحكم بتفكيك وحداته عندما توقفت الولايات المتحدة والدول العربية السنية عن دعمه بالمال والسلاح.
أحد الأسباب البارزة التي أدت إلى ضعف الجيش السوري الحر، وعززت بالتالي فرص بقاء الأسد، يتعلق بعملية أسلمة التمرد. تنظيمات المعارضة الإسلامية، وبينها أحرار الشام وجبهة النصرة وجيش الإسلام، ازدادت قوة واستوعبت كثيرين من المقاتلين على حساب التنظيمات العلمانية. لكن أكثر من هؤلاء كلهم، تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) هو الذي سرّع توجّه أسلمة الحرب الأهلية. الدولة الإسلامية التي نشأت سنة 2014 شكلت تلميحاً مقلقاً إلى السوريين والعالم بأسره بشأن صورة سورية في حال سقوط نظام الأسد، وأيضاً حتى السكان الذين أيدوا الإطاحة بهذا النظام في بداية الطريق، عادوا إلى حضنه نظراً إلى عدم وجود بديل.
في الوقت الحالي، تلاشى تيار التمرد الإسلامي إلى حد كبير. وبعد معركة شرسة خسرت الدولة الإسلامية في 24 آذار/مارس قطعة الأرض الأخيرة التي كانت ما تزال تحت سيطرتها، في بلدة الباغوز الفوقاني شرقي نهر الفرات. وبمرور الوقت جرى استيعاب تنظيمات إسلامية أُخرى في أطر واسعة، وأحياناً من خلال طمس هويتها السلفية الجهادية. التنظيم الإسلامي الأخير المتبقي هو “هيئة تحرير الشام”، وهو فرع من القاعدة سابقاً، وموجود في معقل المتمردين الأخير في إدلب في الشمال، لكنه يعمل اليوم وفق اعتبارات وطنية – جغرافية أكثر من جدول أعمال جهادي -عالمي، وهو خاضع في الأساس لتأثير تركيا. ما بقي من الجيش السوري الحر وسائر التنظيمات، بينها أحرار الشام ونور الدين الزنكي، يشكلون إطار “الجبهة الوطنية للتحرير” التي تسيطر على إدلب، وهي أيضاً مرتبطة بتركيا التي تكبح تطلع التحالف الموالي للأسد للقضاء عليها.
تجدر الإشارة إلى أنه بخلاف ضعف المعارضة وعدم توحدها، نجح النظام من جهته في المحافظة على تماسك الجيش والقوى الأمنية وولائهما. وعلى الرغم من الضعف التدريجي للجيش والفرار من صفوفه، تقريباً لم ينشق ضباط كبار أو وحدات كاملة من الجيش – الأمر الذي سمح للقوات المسلحة بالاستمرار في عملها العسكري والقتال إلى جانب شركائها المحليين والأجانب.

“التدخل الأجنبي”

الحرب المحلية والإقليمية والكونيّة التي دارت ضد “داعش” هي التي أعطت لاعبين أجانب، وفي الأساس روسيا وتركيا، الحافز لتدخّل مباشر ومتواصل فيما يحدث في سورية، على نحو صبّ في الغالب في مصلحة الأسد. بالإضافة إلى ذلك ساهمت هذه الحرب في تحويل الانتباه والنار عن الخصم الذي كان سبباً للحرب، أي نظام الأسد.
وعلى ما يبدو، وحدة الائتلاف المؤيد للأسد، المتمثلة في المساعدة الكبيرة المقدمة من روسيا وإيران إلى النظام، هي العامل الأكثر أهمية الذي أدى إلى انتصاره. ويبدو هذا العامل أكثر مركزية عندما نتفحصه في مقابل التأييد الجزئي وغير المتواصل للولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية، وأيضاً الدول العربية السنية، لتنظيمات المعارضة السورية. بدءاً من أيار/مايو 2013، بدأت إيران، في الأساس بواسطة حزب الله، بالتدخل علناً في الحرب، وبتقديم مساعدة مباشرة وواسعة للنظام ومقاتليه. روسيا استجابت لطلب رسمي من النظام وبدأت بتدخُّلها العسكري في خريف 2015. وأقام هذا الائتلاف منظومة مترابطة وناجعة من “قوى على الأرض” (boots on the ground) بقيادة إيرانية، تحت غطاء جوي هجومي روسي.
في المقابل، قررت الولايات المتحدة عدم التدخل عسكرياً في الحرب الأهلية والاكتفاء بمساعدة محدودة للتمردين، توقفت بعد أن اتضح أن هؤلاء لم ينجحوا في توحيد صفوفهم، وبعد انضمام جزء منهم إلى تنظيمات سلفية – جهادية. في سنة 2013، تراجع الرئيس أوباما عن “الخط الأحمر” الذي وضعه كمعيار لمعاقبة الأسد إذا استخدام أسلحة دمار شامل، السلاح الكيميائي ضد السكان على سبيل المثال – الأمر الذي أشار أكثر إلى محدودية التزام الولايات المتحدة بإسقاط نظام الأسد. واستجابت إدارة أوباما للاقتراح الروسي للعمل على نزع السلاح الكيميائي الذي بحوزة الأسد، وبذلك نقلت الولايات المتحدة مسؤولية الساحة السورية إلى روسيا.
ما تزال هذه السياسة مستمرة في الوقت الحالي، فالولايات المتحدة التي قدمت حمايتها إلى قوات سورية الديمقراطية (التي تعتمد في الأساس على قوات كردية) تريد الانسحاب من سورية بسبب انتهاء مهمتها الأساسية، أي القضاء على “داعش”، وعدم رغبتها في التورط في المستنقع السوري.

انعكاسات

خريطة السيطرة في سورية في سنة 2019، والتي يسيطر بحسبها نظام الأسد، على معظم أراضي الدولة باستثناء مناطق في شرق الدولة وشمالها، يمكنها أن تحدد، مع تغييرات طفيفة، البنية السياسية المستقبلية لسورية. يبدو أن السبيل إلى استقرار النظام السوري هو في التركيز على إعادة بناء الدولة من جديد (وليس الجيش فقط)، وعلى إقامة نظام مركزي فعال، من الممكن في الأمد الطويل أن يقدم على تقليص حرية عمل القوات الأجنبية في سورية، وتفادي احتمالات صعود عناصر سلفية – جهادية في أراضي الدولة من جديد.
بيد أن استقرار سورية وإعادة إعمارها يبدو اليوم رؤيا طوباوية أكثر من حقيقة على أرض الواقع، لأنه على الرغم من صمود الأسد، فإن سورية في سنة 2019، لا تبدو دولة موحدة، بل هي تحولت إلى دولة يوجد فيها عدد من مراكز القوى التي تتنافس فيما بينها على السيطرة والنفوذ طويل الأمد. وتشمل هذه المراكز “الإطار السياسي- الرسمي” للأسد، ولاعبين سياسيين أجانب (روسيا، إسرائيل، إيران، تركيا – التي تسيطر بحكم الأمر الواقع على مناطق في شمال سورية)، وكيانات غير دولتية (تنظيمات مسلحة للمتمردين، معارضة سياسية، وميليشيات شيعية، وقوات كردية).
تعدُّد اللاعبين هذا يجعل من الصعب محاولة إقامة حكم مركزي فاعل، وفي الأساس، شرعي. ويجب أن نضيف إلى ذلك الأضرار المادية للحرب التي تتراوح بين 200 – 400 مليار دولار، وعدم عودة اللاجئين، الذين ينتمي جزء كبير منهم إلى الطبقتين الوسطى والعليا، وتوترات مذهبية، وغياب التضامن الاجتماعي الذي ازداد غياباً خلال سنوات الحرب، وترك الأغلبية السنية مهزومة وأكثر اضطهاداً من السابق.
بالنسبة إلى إسرائيل، تعدُّد اللاعبين في سورية الذين لا مصالح مشتركة بينهم، لا بل لديهم مصالح متناحرة أحياناً، يفرض عليها المناورة بين مختلف اللاعبين لمواجهة التهديدات الأمنية. أولاً وقبل كل شيء لإسرائيل مصلحة حيوية في منع إيران من إقامة قدرة عسكرية في سورية. في هذه المرحلة تتركز جهود إسرائيل على هجمات جوية ضد القدرات العسكرية الإيرانية، ومن ناحيتها، يكون جيداً إذا استخدمت هذه السياسة كأداة للدفع بخطوات سياسية لإخراج القوات الأجنبية من الأراضي السورية. وفي ضوء الوضع الناشىء، بعد 8 سنوات من الحرب، لم يبق على الساحة السورية غير روسيا كعامل يقدر على قيادة عمليات استقرار فعلية. لذلك، بالنسبة إلى إسرائيل، لا يشكّل تدخّل روسيا في سورية فقط عاملاً مركزياً في بقاء نظام الأسد، بل هو أيضاً ضمانة للمصالح الإسرائيلية على هذه الساحة المتعددة التحديات.

المصدر: مجلة مباط عال الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole