مقاربات في نظرية التخلف: الحالة العربية نموذجاً

مقاربات في نظرية التخلف: الحالة العربية نموذجاً
Spread the love

 

بقلم كميل أبو حنيش – روائي وأسير فلسطيني – مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط –

 

مقدمة:

تحاول هذه الدراسة المقاربة بين عدد من الأطروحات التي تمثل التيارات الفكرية في الساحة العربية في معالجة قضية التخلف، وربطها بالتيارات الفكرية العالمية التي تقدم رؤيتها للحداثة

في عصر العولمة من زاوية نقدية، لما ينجم عن هذه الحداثة من تأثيرات بالغة على المستقبل البشري، وما خلفته وما ستخلفه من أزمات عميقة في الحياة الإنسانية.

وقد ارتكزت هذه الدراسة على المقاربة الماركسية في محاولة فهمها وتفسيرها لظاهرة التخلف من خلال عقد مقارنات بين مختلف المواقف الفكرية في الساحة العربية في البحث عن الأسباب العقلية للتخلف، حيث تراوحت هذه المواقف بين إرجاع قضية التخلف لأسباب وعوامل ذاتية ترتبط بالتاريخ والتراث وخصوصية العقل العربي، وبالتالي المجتمع العربي وغياب الديمقراطية والوحدة العربية، وبين ربطها بعوامل موضوعية تتعلق بالاستعمار وما خلفته من تشوهات قادت إلى تبعية دائمة، وأبقت هذه البلدان تعيد إنتاج تخلفها طالما بقيت علاقاتها مع القوى الاستعمارية على هذه الحالة من التبعية، وبقاء هيمنة الطبقات المرتبطة مع الاستعمار مسيطرة على هذه البلدان.

كما سلطت هذه الدراسة الضوء على إشكالية الحداثة ذاتها في البلدان المتقدمة، وبالتالي فإن الأزمة في البلدان المتخلفة وخاصة في المجتمعات العربية هي أزمة مركبة، فهي من جانب أزمة التخلف التي تعاني منها هذه البلدان، ومن جانب آخر فهي أزمة حداثة تعاني البلدان المتقدمة ذاتها منها، الأمر الذي يتطلب البحث عن حلول عالمية لأزمتي الحداثة والتخلف على حد سواء.

أولاً/ مدخل نظري:

أحدثت الماركسية ثورة في تاريخ الفلسفة بوصفها فلسفة الممارسة التي تسعى إلى تغيير الواقع، وعدم الاكتفاء بتفسيره أو تبرير استمراره وهو ما يلخصه ماركس في العبارة التالية” ليست معقولية الواقع فيما هو عليه أحد بل معقولية الواقع فيما يمكن أن يكون عليه عقلانياً، أي أن العقل قادر على الارتقاء بمعقولية المواقع إلى مستوى عقلانية العقل عبر الممارسة، فما دام الناس هم الذين يصنعون واقعهم فهم قادرون على تغييره عبر الممارسة الثورية”.

إن هذه العبارة تعتبر تصحيحاً لعبارة هيجل الشهيرة والمكثفة ” كلما هو واقع عقلاني وكلما هو عقلاني واقع” فالشق الأول من عبارة هيجل يسعى لتفسير الواقع، أما الشق الثاني يسعى لتغيير الواقع عبر الممارسة الثورية، وبهذا فإن ماركس انطلق من الشق الثاني لعبارة هيجل في تشييد بنيان الفلسفة الماركسية التي تدعو إلى تغيير الواقع، ومن أساس هذه الفلسفة انطلق المفكرون الماركسيون في دارسة وفهم الظواهر الفكرية والاجتماعية وما تنطوي عليه من مضمون ثوري بهدف الوصول إلى التغيير المقصود.

ويرى المفكر الماركسي انطونيو غرامشي أن الأفكار لا تولد من الأفكار والفلسفات لا تولد من الفلسفات، وإنما هي التعبير المتجدد دائماً عن التطور التاريخي الحقيقي فليس وحدة التاريخ مسلمة من المسلمات بل عملية دائمة التطور والهوية في الواقع العيني هي التي تحدد هوية الفكر وليس العكس” ([1])، فالتاريخ لدى غرامشي عملية دائمة التطور وأن هذا الواقع هو الذي ينتج الفكر أو الهويات الفكرية وليس العكس.

وفي إطار قراءة تحولات واقع اجتماعي يؤكد غرامشي على أن دراسة كيفية تحول قوى تجديد من جماعات تابعة إلى جماعات قائدة ومسيطرة ينبغي بهم أن تبحث وأن تحدد الأطوار التي اكتسبت خلالها هذه الجماعات  من خلال المعيارين التاليين:

  1. استقلاليتها في مواجهة الأعداء الذي يتعين عليها أن تهزمهم.
  2. تأييد الجماعات التي ساعدتها إيجاباً أو سلباً فقد كانت هذه العملية لازمة تاريخياً قبل أن تتوحد الدولة.

هذان المعياران اللذان يمكن أن نقيس بهما مستوى الوعي التاريخي والسياسي الذي بلغته تدريجياً قوى التجديد  بمختلف الأطوار وليس فقط معيار مدى قربها أو بعدها عن القوى التي كانت مسيطرة ([2]) .

ويؤكد غرامشي على أن الاتجاهات ليست متعددة فحسب بل يمكن أن نلاحظ حركات في الاتجاهات الأكثر تقدماً ([3]) وهو ما يعني التداخل والمؤثرات التي من الممكن أن تعكسها البنية الاجتماعية على الاتجاهات الأكثر تقدماً، وهو ما شدد عليه المفكر العربي حسين مروة الذي أكد على أن الظاهرات الفكرية أشبه بالمراحل التاريخية لتطور المجتمع، ولا يمكن تحديدها بأسباب مباشرة، لأنه لا حدود حاسمة بين مرحلة ومرحلة فقد تبقى مرحلتين متداخلتين متعايشتين زمناً طويلا ([4]) كما أن الظاهرات الفكرية لا تنشأ تلقائياً ولا تنشأ بمعزل عن الظواهر الاجتماعية([5]) .

أما محمد عابد الجابري فقد شدد على أهمية المحيط في تشكيل الفكر كأداة ومحتوى وبالتالي أهمية خصوصية المحيط الاجتماعي الثقافي في تكوين خصوصية الفكر ([6]) .  

ولعل المفكر العربي الماركسي مهدي عامل كان من أكثر من تناول المسألة الفكرية ارتباطاً بالظروف الاجتماعية ومؤثراتها الخارجية محاولاً تقديم رؤية متكاملة تذهب باتجاه الوصول إلى معرفة علمية تستند إلى ثورة منهجية.

يرى مهدي عامل أن ثورة الفكر ليست مجرد شطحة فكرية بل تخضع لمنطق خاص يحدد شروطه في حركة التاريخ نفسه وفي منطق تطوره ([7]). وفي هذا فإن عزلة الفكر عن التاريخ فإنه موت له ([8]) .

ومن هنا فإن حركة الفكر محكومة لحركة التاريخ وليست خارجة عنه، أو منفصلة عنه. ومرتبطة بالبنية الاجتماعية وتأثيرها.

ويشدد عامل على هذه العلاقة في تأثير البنية الاجتماعية في البنية الفكرية لما لهذه البنية الفكرية من طابع أيديولوجي وبالتالي طبقي ([9]فليس للفكر حرية ذاتية في التحرك والتطور كما أن نشاطه في إنتاج المعرفة ليس من فعل الفرد بإرادة ذاتية مطلقة ([10]).

وبهذا فإن تحرك الفكر دوماً في إطار بنية فكرية هي التي تحدد له آفاق الإمكان والاستحالة في التطور.

معنى هذا أن تحرك الفكر لاستكشافه الواقع لا يخضع لإرادة الذات أو الفرد أو الإرادة الفكرية، بل البنية الفكرية التي يتطور في إطارها – أي التربة النظرية التي يستولي  عليها ويجد فيها منطلقاته ([11]) –  فعلاقة الفكر بالواقع ليست علاقة ذاتية فردية، أي علاقة بين وعي فردي وواقع موضوعي، ولا يمكن إطلاقاً حصرها في هذه العلاقة النفسية، إنها في أساسها علاقة موضوعية بين بنية فكر وبنية واقع، كما أن التفاعل فيها بين بنيتين لا بين فرد وبنية ([12]).

ويشرح مهدي عادل مفهوم البنية الفكرية بالقول ” إننا نقصد بالبنية الفكرية هنا هذا الحقل الفكري الذي يتحدد فيه فكر الفرد، بنيةً وتطوراً أي هذه التربة الواحدة التي نبتت عليها أفكار متعددة قد تبلغ العلاقة بينها حد التناقض إلا أن جذورها تمتد في تربة واحدة هي التي تحدد طبيعة نشأتها ومجال تطورها ([13]).

وبهذا فإن حركة الفكر لا تصل إلى معرفة الواقع إلا إذا خضعت للمنطق الذي يخضع له الواقع نفسه في تحركه ([14]).

وهنا يصل مهدي عامل إلى استنتاج هام حين يقول ” إذا أردنا أن نحرر فكرنا ونجعله خلاقاً أي قادراً على أن ينتج معرفة علمية وجب علينا القيام بما يمكن تسميته بثورة منهجية ونقصد هنا بالمنهج كيفية حركة الفكر باعتباره الواقع موضوعاً نفسه ([15]) .

إن هذه المقاربات تستند إلى منهجية المادية التاريخية في دراسة التاريخ الإنساني، والظواهر الفكرية التي تعكسها البني الاجتماعية في كل مرحلة تاريخية .

 

 

ثانياً/ العلاقة بين التراث وظاهرة التخلف في المجتمع العربي:

أفرد الفكر العربي مساحة واسعة في مقاربة قضية التراث وربطها في قضيتي الحداثة والتخلف، حيث تنازعت عدداً من التيارات الفكرية العربية السلفية والقومية والليبرالية والماركسية، ولم يحسم النزاع الفكري لصالح أي من هذه التيارات خاصة في هذه المرحلة التاريخية التي تعصف بها التحولات العالمية وانعكاسها على الواقع العربي، الذي لم يدخل بعد إلى مرحلة الحداثة، ولا يزال يغرق في التخلف.

ويرى المفكر العربي قسطنطين زريق أن غاية التاريخ هي إدراك الماضي كما كان، لا كما نتوهم أنه كان، وكذلك ليس تصوير الماضي كما يجب أن يكون أو كما نريده أن يكون.

إن هذه العبارة البليغة تعكس مدى التجاذبات على الساحة الفكرية العربية طوال العقود الماضية، في النظر إلى قضية التاريخ والتراث.

ويعزو زريق تخلفنا الفكري إلى طريقة نظرتنا إلى التراث حيث يقول ” لسنا متخلفين فكرياً لأننا ننظر لفكرنا نظرة متخلفة، وإنما ننظر هذه النظرة بسبب تخلفا الفكري”، فالخطاب الإسلامي يرى في الماضي أساساً في النهضة، وضرورة العودة إلى البدايات الأولى للإسلام ولدولة الإسلام في المدينة المنورة في عهد النبي والخلفاء الراشدين، حيث يرتكز الخطاب السلفي المعاصر على مقولة الامام مالك ” لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها”. وهي تلخص الدعوة إلى سحب الماضي المتخيل على الحاضر، فهي نظرة ترى بالماضي أنه الحاضر، وهي رؤية تنفي السيرورة التاريخية.

ومع أن الخطاب الإسلامي خضع لتيارات فكرية مختلفة في مقاربتها لقضيتي الحداثة والتراث، وليس جميعها محكومة بالرؤية السلفية إلا أن ما يوحدها جميعاً هي طريقة نظرتها للتاريخ، وهي محكومة بتصورات دينية محضة، وكان لعدد من المفكرين الإسلاميين كحسن البنا والقرضاوي وسيد قطب والغنوشي والهويدي والترابي وآخرين غيرهم مساهمات فكرية تراوحت بين محاولة استنساخ التراث كما هو، وبين محاولة المزاوجة بين الحداثة والتراث، وتبني بعض مفردات الخطاب النهضوي المعاصر.

أما الخطاب الليبرالي في الساحة العربية فيرى بالتراث سبباً جوهرياً في التخلف العربي، وأن التراث لا يزال يسعى لإفشاله في الواقع العربي وهنا يلتقي الخطاب الليبرالي مع الخطاب الإسلامي في أن الماضي هو الحاضر، والفارق أن الإسلام يدعو للتمسك بالتراث وتبنيه كما هو، فيما يدعو الليبرالي لضرورة القطع مع هذا التراث، وتبني كامل الخطاب الليبرالي للعالم المعاصر.

أما محمد عابد الجابري فقد خصص جل مؤلفاته لمعالجة العقل العربي كبنية وتكوين، وبالتالي خصوصية الفكر العربي ارتباطاً بالتاريخ العربي والثقافية الموروثة، وما تضمنه العقل العربي من رواسب ثقافية وتاريخية عكست نفسها على الإنتاج الفكري العربي المعاصر، ففي كتاب ” تكوين العقل العربي” أكد الجابري على ثلاثة محددات تصارعت في التاريخ الثقافي العربي الإسلامي، ولخص هذه المحددات الثلاثة في البيان ( القرآن)، والبرهان (الفلسفة )، والعرفان ( التصوف ).

وفي سياق هذا الصراع الفكري انتصر الخطاب السلفي المتمثل بالبيان والذي مثله الغزالي على البرهان الذي مثله ابن رشد، فيما بلغ الفكر التصفوي ذروة تطوره مع ابن عربي ليواصل رحلة انحطاطه في القرون التالية، فيما تربع الفكر الذي مثله الغزالي على عرش الفكر العربي ولا يزال هو المهيمن في الساحة الفكرية العربية كما يرى الجابري.

وفي كتاب العقل السياسي العربي أكد الجابري على ثلاث محددات تصارعت هي الأخرى في تشكيل العقل السياسي العربي وهي ثلاثية (القبيلة، العقيدة، الغنيمة).

وشدد الجابري على الدور الكبير الذي تلعبه العقيدة في تشكيل العقل السياسي العربي، حيث أنتج هذا الصراع السياسي في التاريخ الإسلامي ثلاث أيديولوجيات هي أيديولوجية (الجبر الاموية وميثولوجيا الامامة لدى الشيعية، وأيديولوجيا التكفير لدى الخوارج.

ويرى الجابري أن هذه الأيديولوجيات لا زالت تفعل فعلها في الواقع العربي المعاش، بأن الحاضر هو امتداد للماضي ولا فكاك منه، وبهذا يلتقي الجابري مع الفكر السلفي في أن الماضي هو الحاضر.

أما عبدالله العروي فقد دعا إلى التاريخانية كمنهج للتفكير وكنظرة تحترم موضوعية التطور التاريخي مقابل نمط سائد في التفكير يعاني نقصاً فادحاً في الحس التاريخي.

ويشرح العروي مفهومه للتاريخانية بالقول ” الواقع لا يتغير بالتخيل، ولا سلطان للخيال الصرف على السياسة، الواقع يغير بالواقعية، هذا هو درس التاريخيانية لما يفهمها على وجهها “([16]) .

إن ما يقترحه العروي يتلخص بضرورة مراعاة السيرورة التاريخية، وعدم إسقاط الماضي المتخيل على الواقع، لأن الماضي يُعبّر عن مرحلة أو مراحل تاريخية لها خصوصيتها.

أما الواقعية التي يقدمها العروي فإنما تنطوي على ضرورة الاندماج في العقل، ومغادرة أوهام الماضي.

ويهاجم العروي الرؤية السلفية للتراث ويتهمها بالاختزال، حيث يقول ” نلاحظ أن من يتشبث بالتراث هو بالغالب أكثر الناس جهلاً به ويختزل الثقافة العربية في الإنتاج الديني وهذا في الإنتاج الفقهي وهذا في الإنتاج السني، بل أن من الأصوليين من لا يعرف من التراث إلا فتاوي ابن تيمية([17]) .

لكن العروي يستدرك قائلاً ” لا تتم القطيعة مع التراث أي التحرر من هيمنته إلا بدراسته دراسة تاريخية نقدية”، فالعروي لا ينفي تأثيرات التراث على الحاضر العربي، ويدعو لإعادة دراسته دراسة علمية تخلصه من الأوهام والأساطير وتضعه في سياقه الحقيقي، وبالتالي الأخذ بالحسبان السيرورة التاريخية في دراسة التاريخ، أي إدراك الماضي كما كان، لا كما نتوهم أنه كان، ولا كما يجب أن يكون ([18]).

أما مهدي عامل فيرى أن المشكلة ليست في الحفاظ على الثقافة الوطنية بل في إنتاجها([19]).

وبالنسبة إلى مهدي عامل فإن الحفاظ على الثقافة الوطنية كإبقائها كتراث أو ككنز ثقافي خارج كل مكان أو زمان، منعزل عن السيرورة التاريخية هو بالحقيقة قضاء عليها كثقافة أما ابقائها كثقافة فهو تحصين أو قضاء عليها كمجرد تراث ([20])، فالقضية الأساسية للثقافة الوطنية كما يراها عامل هي قضية إنتاجها داخل حركة النضال التحرري، فهي ليست سابقة لهذا النضال بل نتاج تاريخي له. معنى هذا أن انتاج الثقافة الوطنية لا يكون إطلاقاً إلا بإنتاجها لعالمنا وأساس هذا الإنتاج هو انتاج العالم المادي ([21]فعامل لا يدعو إلى قطيعة مع التراث، لأن هذه القطيعة غير واقعية، وغير ممكنة، وإنما يدعو إلى إعادة انتاج التراث الوطني، والحفاظ على كل ما من شأنه أن يشكّل أساساً في عملية التجديد والتقدم الاجتماعي.

وينتقد عامل طريقة دراسة الفكر العربي، حيث يرى أن الفكر العربي يدرس كجثة تاريخية، أي كتراث لا صلة بواقعه الاجتماعي، ولا بواقعنا الحاضر ([22]).

ويقدم عامل رؤية تقدمية للتراث، فنحن في عالمنا العربي الفسيح كما يقول توقفنا في كتابة تاريخنا عند ابن خلدون، ثم دخلنا في حقبة ظلماء في تاريخنا، تكاد لا تنتهي، وتركنا غيرنا يصنع عنا تاريخينا، ويكتبه ([23]).

وبهذا فإن ابن خلدون يمثل ذروة تطور الفكر العربي كما يراه عامل، قبل أن يجري الانكفاء إلى الخلف بفعل عوامل مختلفة أبرزها الاستعمار الذي أعاد انتاج التخلف العربي وحاول طمس الثقافة التقدمية العربية.

ورأي مهدي عامل في ابن خلدون أنه يتقاطع مع آراء المؤرخ العالمي ” آرنولد توينبي” الذي رأى في مقدمة ابن خلدون أنها أعظم عمل من نوعه أنتجه أي عقل في زمان أو مكان.

ويؤكد مهدي عامل أنه ليس الماضي في بقائه في الحاضر سبب التخلف بل الحاضر هو سبب بقاء الماضي فيه ([24])، بمعنى أن طريقة نظرتنا إلى الماضي هي التي تحدد تخلفنا الفكري من عدمه.

وبذلك يلخص مهدي عامل فكرته عن النظرة للتراث بالتالي ” إن ماضي التاريخ يقرأ في حاضره، ولا يقرأ حاضر التاريخ في ماضيه، وبين الاثنين فاصل يربط بينهما، ويسمح للماضي أن يصيغ في هذا الحاضر الذي يحمله ويحوله ولولا وجود هذا الفصال لما كان التاريخ ولما كانت قراءته ([25]).

مما سبق من مقاربات حول قضية التراث يحيلنا إلى معالجة موضوع الحداثة، وما تنضوي عليه في عصر العولمة، وما تتركه من تأثيرات في مفاقمة التخلف وإعادة انتاجه من جديد.

ثالثاً/ الحداثة وما بعد الحداثة:

وصف ” ماكس فيببر” المجتمع الجديد في عصر الحداثة بالقفص الحديدي حيث يسود التحجر الآني والاحساس المتشنج بأهمية الذات، كما ستسود أزمة المعنى فالإنسان الحديث يعيش في سهل نهائي لا آفاق له، حيث يقوم بترشيد عالمه، بعد أن تهيمن عليه القوانين العلمية، حيث سيكتشف أن عالميه الاجتماعي والخاص أصبحا لا معنى لهما”.

وقد ابتدع فيبر مفهوم الترشيد وهو عملية تزايد الضبط المنهجي على مجالات الحياة على أساس تصورات علمية وقواعد ومبادئ عامة.

والترشيد الكامل هو تحويل العالم إلى حالة المصنع، ويصبح البشر مادية بشرية تنتج وتتحّول الوسائل إلى غايات، فالمجتمع يتحّول إلى حالة المصنع والسوق وهذا سيؤدي بنا جميعاً إلى القفص الحديدي.

أما هيربرت ماركوس فقد تنبأ بالإنسان القائد الواحد، أي الإنسان البسيط وغير المركب في عصر الحداثة المتقدمة، وهو الإنسان المنشد إلى اهتمامات خاصة تفتقد للعمق وتتسم بالبساطة، ويتحّول المجتمع إلى أفراد يتفقدون للتماسك الاجتماعي، ويصبح المجتمع عبارة عن أفارد مستهلكين.

ويرى عبد الوهاب المسيري بالمشروع ما بعد الحداثي أنه سينتهي إلى تأسيس وعي إنساني كامل على أساس إلهي أو حتى إنساني، عالم من السيرورة الكاملة ويفتقد إلى المطلقات.

ويقترح المفكر العالمي زيجمونج باومان مفهوم الحداثة السائلة عوضاً عن مفهوم ما بعد الحداثة حيث استحدث نموذج سيولة بوصف حالة المجتمع الحديث بعصر العولمة، وأصدر عدداً من المؤلفات التي تشرح هذه الحالة، منها الحداثة السائلة، الأزمنة السائلة، الحب السائل، الخوف السائل، الثقافة السائلة، المراقبة السائلة. وبهذا تتحّول الحياة الحديثة إلى سيولة شاملة تفتقد للصلابة.

ويرى باومان أن التحديث المتواصل منذ بداياته وحتى يومنا هذا هو السمة البارزة للحداثة، وهكذا فإنما تتميز به في طريقة الحياة الحديثة من أنماط عن أنماط الحياة السابقة يكمن في التحديث الوسواسي القهري الإدماني. إنه يكمن في الإذابة المتواصلة والإحلال السريع للبنى والنماذج الذائبة ([26]).

ويشرح باومان مفهومه للحداثة للسائلة بالقول ” إذا كانت الحداثة في المائة العام الماضية تعني محاولة الوصول إلى حالة نهائية من الكمال، أما الآن فإن الحداثة تعني عملية تحسين وتقدم لا حد لها من دون وجود حالة نهاية في الأفق، ومن دون رغبة في وجود مثل هذه الحالة ([27]).

والتحديث بالنسبة لباومان يعني التمييع والإذابة، ويؤكد باومان ” أن أولى المواد الصلبة التي قررت الحداثة إذابتها وأولى المقدسات التي قرر تدنيسها تتمثل في الولاءات التقليدية والواجبات والحقوق المعهودة التي تغل الأيدي وتقيد الأرجل وتعوق الحركة وتكبح زمام المبادرة والإقدام([28]).

أما عن تشكيل أعضاء المجتمع في صورة أفراد فهو سمة المجتمع الحديث كما يرى باومان([29])، فعندما نتحدث عن سيرورة النزعة الفردية، وعن الحداثة فإننا نتحدث عن وضع اجتماعي واحد ([30]).

ويشدد باومان على أن سيرورة النزعة الفردية الآن هي قدر لا اختيار، ففي أرض الحرية الفردية للاختيار لا تتضمن الأجندة بأي حال من الأحوال خيار الهروب من سيرورة النزعة الفردية ورفض المشاركة في لعبتها ([31])، فأعضاء هذا المجتمع هم مستهلكون وليسوا منتجين، وهذا يعتبر خارقاً جوهرياً ([32]).

وفي كتاب الأزمنة السائلة يقول باومان ” في العالم المتقدم وقعت تحولات جوهرية متداخلة منها:

  1. انتقال الحداثة من مرحلة الصلابة إلى السيولة، فالأشكال الاجتماعية بمعنى الأبنية التي تحدد الاختيارات الفردية والمؤسسات التي تضمن دوام العادات وأنماط السلوك المقبول لم تعد قادرة على الاحتفاظ بشكلها أياماً طويلة. إنها تتحلل وتنصهر بسرعة تفوق الزمن اللازم لتشكلها.
  2. الانفصال بين السلطة والسياسة، ففي هذا الزمن ينتقل جانب كبير من سلطة الدولة الحديثة بعيداً إلى النضال العولمي، أما السياسة ” بمعنى القدرة على تحديد اتجاهات الفعل وأهدافه” فليست قادرة على تغيير العالم، فهي تظل سياسة محلية كما كانت من قبل. وهكذا فإن غياب السيطرة لسياسة يجعل القوى المتحررة الجديدة مصدراً لحالة عميقة ومستعصية من اللايقين، وأما غياب السلطة فيقوض الصلة بين المؤسسات السياسية ومبادراتها ومشروعاتها من ناحية أخرى. ولهذا السبب تتناقص قدرة المؤسسات السياسية للدولة على جذب اهتمام المواطنين.
  3. الانسحاب التدريجي للدور الاجتماعي للدولة، أو تقليص الضمان المدعوم من الدولة ضد عجز الأفراد، وهذا يقوض الأسس الاجتماعية للتضامن الاجتماعي، وهكذا فإن مفهوم المجتمع يبدو كلمة جوفاء إلى حد كبير ([33]).

هكذا هو الحال في العالم المتقدم موطن الحداثة، فهو حداثة سائلة تهدد الأبنية الاجتماعية، والمؤسسات والعادات وأنماط السلوك، وفيها تتخلي الدولة عن دورها الاجتماعي، فلم تعد فكرة التقدم توحي بالآمال الكبرى، والأحلام الجميلة، إذ صارت تشير إلى معاناة من الأرق وكوابيس الخوف من التخلف عن ركب السائرين ([34]) .

ويتفق سمير أمين مع باومان في رؤيته للحداثة المرتبطة بالنظام الرأسمالي المعولم، فالحداثة القائمة بفعل أي تلك المحصورة في إطار الرأسمالية تظل ملتبسة بشأن قضية السلطة ” الثروة” فهي تقوم بالواقع على أساس الفصل بين مجالين في الحياة الاجتماعية هما مجال إدارة الاقتصاد، والتي تتركها للمنطق الخاص بتراكم رأس المال، ومجال إدارة سلطة الدولة بممارسة الديمقراطية عن طريق المؤسسات، وهذا الفصل الاعتباطي يفرغ الامكانية التحريرية التي تدعيها الحداثة من أي مضمون، وهكذا تقع الحداثة الواقعة تحت قيود الرأسمالية حيث تعد بأكثر مما تستطيع أن تحقق، وبهذا تخلق آمالاً محبطة ([35]فالليبرالية المعولمة القائمة بالفعل لا يمكن أن تقدم سوى المزيد من اللامساواة بين الشعوب وفي داخل الشعوب، وهذا الإفقار الشديد وهو مرتبط بطبيعة التراكم الرأسمالي يجعل الديمقراطية مستحيلة ملغياً قدرتها على الابتكار في المراكز المتقدمة ويحوّل تبني التخوم لأشكال سياسية في مظهر ديمقراطي إلى مهزلة ([36]).

إذن، يعتقد سمير أمين باستحالة الديمقراطية والحداثة في مناطق التخوم كما أسماها، أي البلدان النامية والفقيرة، طالما تحتكم في علاقاتها المشوهة أصلاً مع المراكز المتقدمة.

وتواجه الشعوب اليوم التحديات التي تمثلها الرأسمالية، والحداثة القائمة بفعل الأيديولوجية السائدة تعمل جهدها على تجاهل هذا التحدث، ويُعّبر المنظرون الأمريكان الليبراليون عن طريق هذا التجاهل بشكل ساذج، وإن كانوا يستخدمون عبارات طنانة للتعبير عن ذلك، وهذا الخطاب لا يعترف إلا في قيمة إنسانية واحدة وهي الحرية الفردية، التي تختصر فيها الحداثة.

وفي مقابل ذلك يتجاهل أن هذه الحرية هي التي تسمح في إطار الرأسمالية للأقوى أن يفرض قوانينهم على الآخرين وأن هذه الحرية وهم كامل للأغلبية الساحقة وبأنها تصدم مباشرة الأمل بالمساواة وهو أساس الديمقراطية ([37]) .

ويرى باومان أن لعبة السيطرة في عصر الحداثة ليست بين الأضخم والأصغر بل بين الأسرع والأبطأ ([38])، ففي المرحلة الصلبة من الحداثة كان رأس المال يتقيد بالأرض تماماً مثل العمل، أما في أيامنا هذه فإن رأس المال ينتقل في خفة بحقيبة سفر صغيرة لا تحتوي على أكثر من محفظة وجوال وحاسوب متنقل ([39])، فالدولة بالنسبة لبامان صارت خازنة للاقتصاد العولمي، ولم تعد سيدة أرضها، فثمة صعود للسوق الحرة باعتبارها المركز السياسي للحقوق الشعبية، وصار الناس ينظرون إليها باعتبارها الأداة الكبرى للديمقراطية ([40]).

فإذا أصبحت الدولة خادمة للاقتصاد العولمي وبعد تآكل سيادة الدولة والمجتمعات على أرضها لصالح الشركات لاسيما الدول التي يسمونها بدول العالم الثالث، فإن ثمة سؤال كبير عن معنى التحديث في هذه البلدان، وثمة سؤال أكثر عن الأسباب الفعلية للتخلف.

رابعاً/ في نظرية التخلف العربي:

كان عبد الرحمن الكواكبي من أوائل المفكرين النهضويين العرب ممن ربطوا قضية النهضة العربية بقضية الحرية السياسية، فقد جعل الكواكبي من الاستبداد الإشكالية المركزية لأي فعل نهضوي فكري اجتماعي ثقافي تراثي، بعبارته الشهيرة ” إن سبب الانحطاط هو الاستبداد السياسي” وبذلك يكون الكواكبي من أوائل المفكرين الذين ربطوا بين التخلف والاستبداد السياسي، وبهذا فإن التخلف كظاهرة يعود لأسباب ذاتية تتعلق بواقع المجتمع العربي.

ومن هنا سيكون فكر الكواكبي الذي ربط التخلف بأسباب ذاتية هو ما سيشكل مرجعاً لعدد من التيارات الفكرية العربية التي بدورها عزت التخلف لأسباب وعوامل ذاتية.

ففي كتابه ” الخطاب العربي المعاصر” أكد محمد عابد الجابري على أن ثمة ثلاثة أطراف تحدد تصور العرب للنهضة وهذه الأطراف (النموذج الأوروبي، النموذج العربي الإسلامي، ونموذج الانحطاط)، فالنموذج الأوروبي ينطوي على الحداثة والعلمانية والديمقراطية والحرية والتطور التكنولوجي، أما النموذج العربي الإسلامي فيشدد على القومية والدين والتراث كعوامل هامة في عملية النهضة والتحديث، في حين فإن نموذج الانحطاط فهو واقع حال المجتمع والدولة العربية في العصر الحديث الذي يعيد إنتاج تخلفه بفعل عوامل مختلفة.

ويلخص الجابري الفارق بين السلفي والليبرالي في صراعهما بتشكيل المستقبل العربي بأن الليبرالي يهرب بالأمام برفض خرافات الماضي، أما السلفي فيهرب إلى الوراء برفض جاهلية العصر ([41]). وهو يلخصه أدونيس في تعريفه للتخلف والتقدم فالتخلف برأيه هو “نزعة التمحور حول الماضي، والتقدم برأيه هو نزعة التمحور حول المستقبل”.

وفي كتابه ” تكوين العقل العربي” يؤكد الجابري على أن مشكلة التخلف تكمن في العقل العربي، وخصوصية تكوينه التاريخي والثقافي.

ويحاول الجابري أن يعقد مقارنات بين العقل العربي والعقل الاوروبي بوصفه عقلاً حاملاً للحداثة، ومنتجاً للتقدم، فمفهوم العقل في الثقافة اليونانية الأوروبية الحديثة والمعاصرة يرتبط بادراك الأسباب أي المعرفة، أما العقل في اللغة العربية فيرتبط بالسلوك والأخلاق ([42]).

ففي الفكر اليوناني الأوروبي تجري عملية الانتقال من المعرفة إلى الأخلاق تتأسس الاخلاق على المعرفة في الفكر الغربي، أما في الفكر العربي فتجري عملية الانتقال من الأخلاق إلى المعرفة، أي تتأسس المعرفة على الأخلاق ([43]).

أما الفارق الثاني فالعقل باللغة العربية يرتبط بالذات بحالاتها الوجدانية والقيمية فهي في نفس الوقت عقل وقلب وفكر ووجدان وتأمل وعبرة، أما العقل في اللغات الأوروبية فيرتبط الموضوع فهو إما إدراك الوجود أو إدراك هذا النظام ([44]).

أما الفارق الثالث فالعقل العربي تحكمه النظرية المعيارية إلى الأشياء، أي باتجاه الفكر الذي يبحث بالأشياء عن مكانها أو موقعها في منظومة القيم التي يتخذها ذلك التفكير مرجعاً أو مرتكزاً، أما العقل الأوروبي فتحكمه النظرة الموضوعية ([45]).

وبرأي الجابري فإن النظرة الاختيارية تختصر الشئ في قيمته، وبالتالي على المعنى الذي يضفيه على الشخص والمجتمع والثقافة، أما النظرة الموضوعية فهي نظرة تحليلية تجريدية تحلل الشئ إلى عناصره الأساسية فتعيد بنائه تبرز ما هو جوهري فيه ([46]).

كما ويعتقد الجابري أن اللغة العربية عامل مهم في التخلف، لأنها تجمدت ولم تتطور، وبقيت منذ زمن خليل ابن احمد لم تتغير لا في نحوها ولا في صرفها ولا في معاني ألفاظها وكلماتها([47]).

وبالرغم مما تحمله هذه الرؤية من سقوط في مقاربتها لقضية التخلف بإرجاعها أسباب التخلف لعوامل ذاتية محضة ترتبط في العقل العربي وبنيته وتكوينه، إلا أنها تظل محاولة مهمة في تفسير ظاهرة التخلف العربي.

أما عزمي بشارة فيجد الوحدة العربية والديمقراطية ودولة المواطنة مفتاحاً إساسياً لفهم أسباب التخلف العربي، وعواملاً هامة في النهضة العربية، فالدولة العربية لم تنجز مهمة بناء الأمة الوطنية، وهي لم تنجح في بناء أمة على أساس قومية محلية اسمية، بديلاً للقومية العربية، ولا على أساس المواطنة المشتركة في الدولة ([48]).

والقومية لدى عزمي بشارة ليست مجرد حالة رومانسية بل حاجة عملية ماسة وبراغماتية في الوصول، ليس فقط إلى مجتمع حديث قائم على الانتماء الفردي، بل أيضاً لتزويد المواطن بهوية ثقافية جامعة تحيد غالبية الطوائف والعشائر العربية على الأقل من التحكم بانتماء الفرد السياسي([49]).

فالوصول إلى مجتمع حديث يقوم على انتماءين: انتماء فردي وهو رؤية ليبرالية وانتماء قومي حداثي يتجاوز الانتماءات الطائفية والعشائرية التي تعيق بناء المجتمع الحديث.

حسب التصور الذي يقدمه بشارة فلا يجوز بالنسبة لبشارة أن تتحّول القومية العربية إلى أيديولوجيا شاملة، وهذا بالضبط ما حصل لدى الحركات القومية، وهذا خطير جداً لأنها تنتهي بسهولة إلى ديماغوجية قاسية ([50]). لأن العروبة انحطت حين أصبحت أيديولوجيا دولة ([51]). العروبة هي ثقافة وذاكرة تاريخية والهوية العربية في النهاية هي انتماء حضاري وثقافي عابر للطوائف والقبائل والأنساب، وهي ليست قبيلة جديدة أو طائفة جديدة ([52]).

ويعتقد بشارة أن أفضل تعبير عن إرادة الأمة هي الديمقراطية، وأن الوجه الآخر لسيادة الأمة هي مبدأ المواطنة المتساوية وحقوق المواطن ([53]) كما أن الطريق إلى الوحدة العربية هي الديمقراطية كما يراها بشارة ([54]).

إن مهمة تطوير الفكر العربي هي مهمة حسم موقفه إلى جانب الديمقراطية وحقوق المواطن الاجتماعية والمدنية وهي مهمة تتضح من خلال الممارسة ([55]).

ويربط بشارة بين الديمقراطية وبين بناء الأمة الحديثة، لأن عوامل تعطيل الديمقراطية في الوطن العربي هي ذاتها عوامل تعطيل بناء الأمة نفسها ([56]) ، فرؤية بشارة ترى في الديمقراطية حلقة مركزية في بناء الأمة واستنهاضها وخروجها من التخلف، وبالتالي فإن العوامل التي تحول دون تطور الحالة العربية هي عوامل ذاتية.

وبهذا فإن بشارة يستبعد أية عوامل أخرى تحول دون إعاقة بناء الأمة وتجسيد الديمقراطية كالتبعية وحرية السوق، وهو ما يؤكده سمير أمين بأن بناء ديمقراطية المواطن تعني ضمناً بناء التقدم الاجتماعي، على أساس الديمقراطية وليس على أساس السوق الاستبعادي الذي تنتظر منه منافع لم يحققها أبداً  ([57]).

وبهذا فإن الديمقراطية التي يتبناها عزمي بشارة هي الديمقراطية الليبرالية التي تنطلق من أساس حرية السوق والتي لا تراعي المضمون الاجتماعي والطبقي في بناء الدولة، وبالتالي فإن الديمقراطية هي خشبة الخلاص للمستقبل العربي كما يرى بشارة.

ويرى الدكتور عبد الرزاق عيد في كتابه ” أزمة التنوير” أن الوعي العربي لا يزال يتكّور حول نفسه في صيغة نهاجية أزهرية الأرض متأمركة البنيان تماماً” كما عبر يوماً أحمد أمين ” نحن الشرقيون نريد امتلاك سيارة لا الفكرة التي أنتجت السيارة “([58]).

إن أزمة العربي كما يراها عيد تتنازعها القوتين متناقضتين وهي أزمة التراث ” أزهرية الأرض” وأزمة التبعية والاستعمار ” الأمركة”.

إن هذا الوعي كما يرى عيد لا يزال  منذ محمد علي إلى اليوم يطمح  في قطف ثمار الحداثة بدون امتلاك شجرة معرفتها لأنه يجهل أن التكنولوجيا ليست مجرد فرع تطبيقي من فروع شجرة المعرفة الغربية، فالقاع الثقافي والمرتكز الأيديولوجي في عمقهما التاريخي لطائرة الميراج أو الفانتوم أو الميغ مثلاً، نجدها في فكر ” ديكارت – سبينوزا – فولتير- هيغل – ماركس”([59]). فمأساة الفكر العربي المعاصر تكمن باستخدام العقل في إضفاء الشرعية على العقل، حيث استخدام أحدث المناهج والتقنيات البحث الغربي التي هي ثمرة خمسة قرون من التقدم العلمي والمعرفي الأوروبي للبحث عن الشرعية التاريخية للتأخر تحت اسم ” الخصوصية” وإضفاء المعقولية على الفوات الحضاري للأمة والحضارية ([60]).

أما مهدي عامل فيضع يده على السؤال المفتاحي حيث يتساءل ” هل كل قديم وكل جديد جديد؟ أليس من الممكن أن يكون الجديد تجدداً للقديم، وأن يلبس القديم شكل جديد دون أن يكونوا” ([61]). وهو سؤال ينطوي على ما يشهده المجتمع العربي من محاولات اللحاق بركب الحضارة والحداثة والانعتاق من التخلف، فيما يرتدي التخلف العربي لرداء الحداثة أو قشرة الحداثة دون أن يكونها أو استدعاء القديم كأنه عملية تجديد والنتيجة هي الإخفاق في ملامسة المفتاح الرئيسي لسؤال التخلف.

ويؤكد مهدي أن ربط الفكر العربي بالواقع الحاضر يكون بربطه بواقعه التاريخي لا بفصله عنه، فنحن إذا عارضنا مواقفه ومشكلاته المعاصرة لا نريد تجريده من شروط تطوره الاجتماعي بل نريد تحديد هذه المواقف على ضوء هذه الشروط، وكلما تحددت نسبته وتأصلت علاقته بشروط وجوده التاريخي كلما قوي تفاعله مع الفكر المعاصر ([62]).

وهو ما يرشدنا لرؤية مهدي عامل بربط قضية التخلف بالاستعمار وهو ما سنعالجه بعد قليل.

خامساً/ جدلية العلاقة بين الاستعمار والتخلف:

خصص مهدي عامل حيزاً وافراً من مؤلفاته بالربط بين التخلف والاستعمار منطلقاً في تحليله لهذه العلاقة من منطلق ماركسي لأن الفكر الماركسي هو الفكر الوحيد الذي بإمكانه فهم ظاهرة التخلف ([63]).

ومع أن فكر ماركس ومن ثم جهاز المفاهيم الأساسية للماركسية هما دون شك نتاج مباشر للتجربة التاريخية الغربية الخاصة، إلا أن هذا التحديد التاريخي لنشأة الفكر الماركسي وتكون أسسه الرئيسية لا ينفي مطلقاً عن هذه الفكرة صفة الكونية فيه كإمكان وواقع فعلي ([64]) .

وبما أن الفكر الماركسي له صفة العالمية ولا ينحصر في إطار الخصوصية الأوروبية يعتقد عامل أن التحليل العلمي للتخلف يجب أن يعتبر كمحاولة لتكوين فكر ماركسي يتحدد كنقد للتخلف ([65]). وبهذا فإن فهم التخلف الذي هو واقعنا التاريخي لا يكون إلا بإيجاد نظرية للتخلف وهذه النظرية العلمية لا يمكن أن تكون إلا نظرية ماركسية ([66]).

وينطلق عامل في فهم ظاهرة التخلف من الفكر الماركسي فالماركسية ترى بالاستعمار ظاهرة ناجمة عن تطور الصناعة في البلدان الرأسمالية، بل هو ضرورة كما يقول ماركس لتطور الصناعة في هذه البلدان، فهذه هي العلاقة الجدلية التي تربط بين التطور الصناعي والاستعمار، فإن الاستعمار كما يقول كشكل تاريخي لتطور الرأسمالية شرط رئيسي لوجود التخلف وبقائه، كما أن التخلف شرط أساسي لوجود الاستعمار وبقائه ([67]).

ولكن المشكلة برأي عامل لا تكمن في تحديد الاستعمار كسبب للتخلف بل في تحديد نوعية هذه السببية التي تربط التخلف بالاستعمار ([68]).

ويحاول مهدي عامل أن يفسر نظرية هذه السببية التي تربط التخلف بالاستعمار بالقول. ليست الكولنيالية سبباً للتخلف لأنها سابقة لها زمنياً بل لأن لها معه ارتباطاً بنيوياً تجعلها تسببه أي تنتجه باستمرار كحركة سيرورتها  ([69]) ، فقد كان تكون علاقات الإنتاج الرأسمالية في العالم العربي وتكون برجوازيته المسيطرة قد تم في ظل علاقة التبعية البنيوية للإمبريالية وبفضل التغلغل الامبريالي ([70]).

ويشرح عامل مفهومه للعلاقة الكولونيالية بالقول ” إن نمط الإنتاج الكولنيالي كشكل تاريخي مميز من نمط الإنتاج الرأسمالي، هو بالضبط شكل الرأسمالية المرتبطة ارتباطاً تبعياً بنيوياً بالإمبريالية، في تكونهّا التاريخي وفي تطورها الراهن أيضاً ([71]).

ولعل الاختلال الرئيسي الذي يفسر سائر أوجه الاختلاف بينهما أن الرأسمالية في مجتمعاتنا الكولنيالية قد بدأت تتكّون تاريخياً في طور الأزمة عن النظام الرأسمالي العالمي فكان طور تكونها الصاعد وطور أزمتها بمعنى أنها لم تعرف الطور الصاعد الثوري الذي عرفه أو مر به نمط الإنتاج الرأسمالي في أوروبا فكانت بنيتها بنية أزمية منذ بدء تكونها في ظل السيطرة الامبريالية إذا كان تطورها التاريخي يرتبط باستمرار بعائق بنيتها الأزمية. هذه بمعنى تطورها كان مأزوماً وملجوماً من داخل بنيته بارتباط هذه البنية ارتباطا تبعياً بالإمبريالية، وهذا أثر بارز من آثار قانون تفاوت التطور الذي يحكم النظام الرأسمالي العالمي فيه تجد تفسير لجم سيرورة التفارق الطبقي في البنية الاجتماعية الكولونيالية ([72])

فالتطور الغرب الرأسمالية داخل العلاقة الكولونيالية كان نتيجة تاريخية للتخلف البلدان المستعمرة أي بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية كما وأن تخلف هذه البلدان نتيجة تاريخية لتطور الرأسمالية الغربية ([73] .

لكن الاختلاف الجذري الذي تتميز به البرجوازية في بلداننا العربية عن البرجوازية الأوروبية في طبيعة تكوينها التاريخي، الذي هو يحدد طبيعة سيرورتها الطبقية أي طبيعة تطورها اللاحق وبالتالي طبيعة علاقات الإنتاج المرتبطة بسيطرتها الطبقية ([74]).

لقد تكونت هذه الطبقة بشكل أساسي في ظل علاقة التبعية الكولونيالية أو التغلغل الاستعماري في بنيتها الاجتماعية، وما أحدثه هذا من تفكك نسبي نتيجة توّلد علاقات جديدة متميزة من الإنتاج تختلف عن علاقات الإنتاج الرأسمالية كما نجدها في البلدان الأوروبية ([75]فالتغلغل الاستعماري أحدث انقطاعاً جذرياً في حركة التطور التاريخي في هذه البنيات الاجتماعية، أي أنه أحدث تغييراً جذرياً في منطق تطورها الداخلي، وجعلها تخضع لمنطق آخر من التطور هو منطق التبعية الكولونيالية ([76])،  لكن وجود التناقض الموضوعي بين البرجوازية الصغيرة المسيطرة والامبريالية لا ينفي وجود العلاقة الكولونيالية ولا يقود إلى قطعها بسبب بسيط سوى أن تحركها قائم أصلاً على أساس وجود هذه العلاقة من التبعية النبوية، أي في إطار بنيوية علاقات الإنتاج الكولونيالية وعلى أساس وجودها وبقائها ([77]) ، فالبرجوازية الكولونيالية كما يستنتج مهدي عامل ليست مهيمنة بذاتها بل بتبعيتها للبرجوازية الإمبريالية أو هيمتنها الطبقية القائمة في ذاتها على أساس وجود جملة علاقات الإنتاج الكولونيالية في علاقة من التبعية البنيوية مع الامبريالية ([78]فليس العجز في العقل العربي وليس التخلف فيه كما يوضح عامل بل في هذه البرجوازية الكولونيالية التي تطمح بوهمها الطبقي إلى التمثل عبثاً بالبرجوازية الامبريالية دون أن يكون لها ما كان لهذه من شروط تاريخية اجتماعية خاصة بتكوّن الرأسمالية وتطورها ([79]).

إذن العجز ليس في العقل العربي كما رآه الجابري وإنما العجز بالنسبة لمهدي عامل يكمن في الطبقة البرجوازية الكولونيالية التي تحاول التماهي مع البرجوازية الامبريالية.

ويلخص مهدي عامل ما يقدمه من تصورات للانعتاق من التخلف “أن على الفكر العربي أن يتحرر من سيطرة الايدلوجيا البرجوازية المسيطرة لأن سيطرة هذه الأيديولوجيا هي التي تعوق تحرره وتلجم تحركه التاريخي” ([80])، فقد كان الاستعمار اغتصاباً لتاريخ بلداننا، وشوه حركته، إذ حرره من أفق جموده فجذبه إلى أفق التبعية المسدود  ([81])، فمن يصنع التاريخ يكتبه، وإن لم يكن يكتبه فلن يرى منه إلا ما يريه إياه كاتبه، وكأن في كتابته يستحدث لنا وله المبرر لبقائه سيد التاريخ ([82]) .

ويعتقد عبد الرزاق عيد أن الاستعمار هو في الأساس عملية منهجية لإخراجنا من التاريخ وإدخالنا نهائياً في التراث والخروج من هذا المأزق لا يكون إلا بثورة تفصل المجتمع وفي آن واحد عن التبعية الاستعمارية ومخلفاتها من هياكل المجتمع القديم ([83]).

لقد أخرجنا الغرب من التاريخ عندما كان معه في الاستعمارية الأولى فنظر إلى شيخوختنا الحضارية بوصفها ما قبل التاريخ أو هي على هامشه. في أنها خارجة في كل الأحوال، وها هو الاستعمار الجديد يمنحنا تأشيرة الدخول في التاريخ، بعد أن قرر مغادرته ([84]) .

 

سادساً/ الحداثة والتخلف في عصر العولمة:

يرى سمير أمين أن الرأسمالية بطبيعتها نظام تتكرر في حالته الاختلال بسبب المواجهات الاجتماعية والسياسية الواقعة في ما وراء السوق، فالمفاهيم التي يقدمها التعبير الاقتصادي الشائع للإمبريالية مثل “الأسواق غير المقننة” المزعومة ليست حقيقية، فهذه الأسواق ” غير المقننة” هي في الواقع أسواق تقننها سلطات الاحتكارات القائمة في السوق ([85]) فالنظام العالمي لم يدخل مرحلة جدية لا إمبريالية يمكن وصفها ” ما بعد بعد الامبريالية” ولكن بالعكس يمر بمرحلة امبريالية أشد عنفاً تقوم على امتصاص الثروات دون إعطاء شيء بالمقابل ([86])، فالفرق بين الامبريالية القديمة والجديدة يكمن في حقيقة أخرى، فالإمبريالية في الماضي كانت متعددة الأقطاب “الامبرياليات المتصارعة” أما الجديدة فجماعية ” الثالثوث” ومن هنا إلى المستوى الخلفي، أما المستوى الإمام فيحتله الصراع بين الثالوث وبقية العالم.

ونجد هنا التفسير لتواري المشروع الأوروبي في مواجهة الهيمنة الأمريكية، والتراكم في المرحلة الامبريالية السابقة كان يقوم على أساس مزود مراكز مصنعة وتخوم غير مصنعة في حين أنه في الظروف الجديدة للنظام تقوم المواجهة بين المستفيدين من الاحتكارات الجديدة ” التكنولوجيا – السيطرة على الموارد الطبيعية – الاتصالات – أسلحة الدار الشامل) وبين التخوم المصنعة ولكنها تابعة لهذه الاحتكارات ([87])هذا هو واقع الحال في عصر العولمة أو الابمريالية الجديدة على حد وصف سمير امين لكنها أيضا امبريالية عنيفة وتحتاج إلى الحرب الدائمة فالنظام الاقتصايد البرييرالي المعولم يحتاج إلى الحرب الدائمة أي إلى تدخلات عسكرية الواحدة تلو الأخرى وهي الوسيلة الوحيدة لاخضاع شعوب التخوم لمتطلباتها، فقد كان هدف الولايات المتحدة من غزو العراق على سبيل المثال هو إقامة ديكتاتورية في الرأسمالي الأمريكي واحتلال موارد البلاد ليس إلا ([88]) .

وتلتقي ناعومي كلاين مع سمير امين حينما تكتب ط غالبا ما يشار إلى الليبرالية الجديدة من النصف الجنوبي من الكرة الأرضية بالنهسب الاستعماري الثاني ففي عملية النهب الاستعماري الأول تم تجريد الأرض من ثرواتها، والثانية تم تجريد البلد من أراضيها ([89])

وبهذا يجري إخضاع الدول الفقيرة وشعوبها لصالح الشركات العملاقة، وكما ينطلق باومان أ، الدول ما دامت مفتوحة ومجردة ومن دفاعاتها إلى حد كبير فإنها تسقط سلطتها التي تتبخر في فضاء عولمي وتنتقل فطنتها وبراعتها السياسية إلى سياسة ا لحياة الشخصية فما بقي من سلطة الدولة وأجهزتها يضمحل تدريجيا بحيث يتجاوز دور نقطة الشرطة المحلية ويصعب أن تكن تلك الدولة المختزلة سوى دولة الحفاظ على السلام الشخصية ([90]) ففي كوكب يخضع لعولمة سلبية تتسم أبرز المشكلات الأساسية بأنها عولمية ولكونها عولمية فإنها لا تسمح بحلول محلية فما من حلول محلية تصدر عن العولمة فلا يمكن ضمان الديمقراطية ولا الحرية ضماناً حقيقياً كاملاً في دولة واحدة ولا في مجموعة من الدول، فدفاعهم في عالم يعاني من الظلم ويسكنه ملايريات البشر المحرومين من الكرامة الاسنانية سيسقط حتما القيم المدافعة عن الديمقراطية والحية فإما أن نضمن مستقل الديمقراطية والحرية على نطاق الكوكب بأسره أو لا نضمنه نهائيا ([91])

لمستبل الديمقراطية والحرية على مستوى الكوكب في عصر العولمة ناهكيم عن ضماتها في الدول المختلفة فالدول اذي تعلبه المنظمات غير الحكومية في بلدان المتخلفة على سبيل الثمال يصطدم بعقبة ارتباطها بأجندة استعمارية فالنظمات غير الحكومية كما ترى اميرة سلمي هو جزء من المهمة الاستعمارية الجديدة القديمة لإدخال التنمية التي يراد إدخالها والتي تغيرت مضامنيها ومعانيها عدة مرات من عقد لآخر منذ الحرب العالمية الثانية لتصبح في المرحلة المعاصرة متجسدة في مفاهيم الدمقرطة التي اعتبرت المخلص الاستعمارية من حالة التخلف والمفتاح الرئيسي لانجاز مهمة التنمية والتي لم تنجح منذ ستين عاما من المشاريع والبرامج التنموية التي قادتها المنظمات الغربية الدولية في دول الجنوب ([92]) فالنسبة للممولين المنظمات غير الحكومية التي تعمل ضمن مرجعية محلية وعلى قضايا محلية تبقى خارج إطار ما يعرف بالمجتمع المدني، وبما أن الدور المناط بمنظمات غير الحكومية يأتي في اطار الليبرالية لاجديدة فإنه تم تقييمها وتحديد فعاليتها كمؤسسة مجتمع مدني من خلال عالميتها بمصطلحات ومعاير اقتصادية رأسمالية مثل قدرتها على الترويج للبرامج واعداد المستفيدين ” المستهليكن للسلع التي تبعيها” الفعالية والكفاءة وبما أنها وجدت وتعمل وفق قوانين السوق الرأسمالي القائم على العرض والطلب فإن الفكرة والمنافسة تكون متلطبات أساسية لعمل المنظمات غير الحكومية ([93]).

وربما تكون الصناعة الرائجة في أراضي الحداثة المتأ×رين ” أو ما يسمى كذبا وتضليلا بالدول النامية” هي انتاج اللاجئين بالجملة كما يرى باومار ([94]) إن قضيتي الحداثة والتخلف صارت اليوم ازمة عالمية في عصر العولمة حيث تهدد البريالية حسب سمير امين ان الابمريالية اليوم تمثل تحدياً خطيرا للبشرية جمعاء حيث تهددها بالافناء الذاتي وفي الوقت نفسه لا تستطيع الابريالية المعولمة إلا تدعيم سيطرة الامبريالية الامريكية على مجموع الكوكب باتتباع أوروبا وإخضاع بقية العالم بوسائل وحشية لم يسبق لها التاريخ من نهب دون اسابتعاد الإبادة الجماعية إذا لزم الامر ([95])فعبارة سمير امين تختصر المأزق الكبير الذي تعاني منه الدول المتخلفة في محاولاتها الدؤروبة للانعتاق من التخلف والللحاق بركب الدول المتدقمة، فقد أصبحت الرأسمالية المعولمة في هذا العصر تشكل تهديداً للبشرية برمتها سواء كانت مجتمعات متخلفة أم مجتمعات متقدمة الأمر الذي يتطلب حلولاً عالمية لأزمتي الحداثة والتخلف على حد سواء.

 

 

 

 

[1] – أنطونيو غرامشي، كراسات السجن، ترجمة عادل غنيم، ص 210.

[2] – نفس المصدر السابق، ص 27.

[3] – نفس المصدر السابق، ص 295.

[4] – حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية.

[5] – نفس المصدر السابق.

[6] – محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي.

[7] – مهدي عامل، مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني، دار الفارابي، بيروت، ط2، 1978، ص 20.

[8] – نفس المصدر السابق، ص 21.

[9] – نفس المصدر السابق، ص 22.

[10] – نفس المصدر السابق، ص 25.

[11] – نفس المصدر السابق ص25.

[12] – نفس المصدر السابق، ص 26.

[13] – نفي المصدر السابق، ص 27.

[14] – نفس المصدر السابق، ص 157.

[15] – نفص المصدر السابق، ص 197.

[16] – مجلة المستقبل العربي في نقد الأيديولوجيا، عبدالله العروي، العدد 427، أيلول 2014، ص 147.

[17] – نفس المصدر السابق، ص 150.

[18] – نفس المصدر السابق، ص 150.

[19] – مهدي عامل، الأعمال الكاملة، الكتاب الأول، في قضايا التربية والسياسة التعليمية، دار الفارابي، بيروت، ط2، 2016، ص47.

[20] – نفس المصدر السابق، ص 47.

[21] – نفس المصدر السابق، ص 48.

[22] – مهدي عامل، الأعمال الكاملة، الكتاب الثاني، حدود الفلسفة العربية والفلسفة العامة، دار الفارابي، بيروت، ط2، 2007، ص 211.

[23] – مهدي عامل، مقدمات نظرية، مصدر سبق ذكره، ص 462.

[24] – مهدي عامل، أزمة الحضارة العربية أم أزمة البرجوازية العربية، ص41.

[25] – مهدي عامل، مقدمات نظرية، مصدر سبق ذكره، ص 477.

[26] – زيجيمونت باومان، الحداثة السائلة، ـ ترجمة حجاج أبو جبر، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت ط1، 2016، ص21.

[27] – نفس المصدر السابق، ص 27.

[28] – نفس المصدر السابق، ص44.

[29] – نفس المصدر السابق، ص 76.

[30] – نفس المصدر السابق، ص 78.

[31] – نفس المصدر السابق، ص 80.

[32] –  نفس المصدر السابق، ص 130.

[33] – باومان، الأزمة السائلة، ترجمة حجاج أبو جبر، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، ط1، 2017، ص 25.

[34] – نفس المصدر السابق، ص34.

[35] – سمير أمين، الفيروس الليبرالي، ترجمة سعد الطويل، دار الفارابي، بيروت، ط1، 2004، ص 60.

[36] – نفس المصدر السابق، ص 32.

[37] – نفس المصدر السابق، ص 62.

[38] –  باومان، الحداثة السائلة، مصدر سبق ذكره، ص162.

[39] – نفس المصدر السابق، ص 110.

[40] – باومان، الخوف السائل، ترجمة حجاج أبو جبر، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، ط1، 2017، ص 180.

[41] – محمد عابد الجابري، الخطاب العربي المعاصر.

[42] – محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، مصدر سبق ذكره.

[43] – نفس المصدر السابق.

[44] – نفس المصدر السابق.

[45] – نفس المصدر السابق.

[46] – نفس المصدر السابق.

[47] – نفس المصدر السابق.

[48] – عزمي بشارة، أن تكون عربيا في أيامنا، المؤسسة العربية لدراسة الديمقراطية، رام الله، ط1، 2004، ص 26.

[49] – نفس المصدر السابق، ص 26.

[50] – عزمي بشارة، في نفي المنفى، حوار مع عزمي بشارة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، ط1، 2017، ص 42.

[51] – نفس المصدر السابق، ص 43.

[52] – نفس المصدر السابق، ص 44.

[53] – عزمي بشارة، ان تكون عربياً في أيامنا، مصدر سبق ذكره، ص 14.

[54] – نفس المصدر السابق، ص 15.

[55] – نفس المصدر السابق، ص 15.

[56] – نفس المصدر السابق، ص 65.

[57] – سمير أمين، الفيروس الليبرالي، مصدر سبق ذكره، ص 334.

[58] – عبد الرازق عيد، أزمة التنوير، مركز الانماء الحضاري، ط2، 2005، ص 14.

[59] – نفس المصدر السابق، ص 14.

[60] – نفس المصدر السابق، ص 20.

[61] – مهدي عامل، أزمة الحضارة العربية، مصدر سبق ذكره، ص 110.

[62] – مهدي عامل، الأعمال الكاملة، الكتاب الثاني، حول الفلسفة العربية، مصدر سبق ذكره، ص 228.

[63] – مهدي عامل، مقدمات نظرية،  مصدر سبق ذكره، ص 146.

[64] – نفس المصدر السابق، ص 200.

[65] – نفس المصدر السابق، ص201.

[66] – نفس المصدر السابق، ص 272.

[67] – نفس المصدر السابق، ص256.

[68] – نفس المصدر السابق، ص 272.

[69] – نفس المصدر السابق، ص 203.

[70] – مهدي عامل، أزمة الحضارة العربية، مصدر سبق ذكره، ص 54.

[71] – مهدي عامل، مقدمات نظرية، مصدر سبق ذكره، ص 12.

[72] – نفس المصدر السابق، ص 12.

[73] – نفس المصدر السابق، ص 217.

[74] – نفس المصدر السابق، ص 263.

[75] – نفس المصدر السابق، ص 264.

[76] – نفس المصدر السابق، ص 264.

[77] – نفس المصدر السابق، ص 269.

[78] – نفي المصدر السابق، ص 270.

[79] – مهدي عامل، أزمة الحضارة العربية، مصدر سبق ذكره، ص 130.

[80] – نفس المصدر السابق، ص 140.

[81] – مهدي عامل مقدمات نظرية، مصدر سبق ذكره، ص 481.

[82] – نفي المصدر السابق، ص 461.

[83] – عبد الرازق عيد، مصدر سبق ذكره، ص 29.

[84] – نفس المصدر السابق، ص 37.

[85] – سمير أمين، الفيروس الليبرالي، مصدر سبق ذكره، ص 15.

[86] – نفس المصدر، ص 25.

[87] – نفس المصدر، ص 26.

[88] – نفس المصدر، ص 27.

[89] – نعومي كلاين، عقيدة الصدمة، ترجمة نادين خوري، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، ط4، 2017، ص 328.

[90] – زيجمون باومان، الأزمنة السائلة، مصدر سبق ذكره، ص 47.

[91] –  نفس المصدر السابق، ص 47.

[92] – أميرة سلمى وآخرون، وهم التنمية، مركز بيسان للبحوث والإنماء، رام الله، ط1، 2010، ص 121.

[93] – نفس المصدر السابق، ص 122.

[94] – زيجمون باومان، الأزمنة السائلة، مصدر سبق ذكره ص 55.

[95] – سمير أمين، الفيروس الليبرالي، مصدر سبق ذكره، ص 99.

Optimized by Optimole