لدغة المحيط الهادي.. هل تصبح اليابان أساس تحالف عسكري جديد ضد روسيا؟

لدغة  المحيط الهادي.. هل تصبح اليابان أساس تحالف عسكري جديد ضد روسيا؟
Spread the love

شؤون آسيوية- موسكو- أزمة جديدة بدأت تطل برأسها بين موسكو وطوكيو، بعد أن أقرت الحكومة اليابانية 3 وثائق بشأن الدفاع والأمن في البلاد حددت فيها الاتجاهات الرئيسية للسياسة الخارجية في مجال الدفاع الوطني.

التغيير في الوثائق المدرجة يعني رفع الإنفاق العسكري لليابان إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027، حيث تم رصد 64.8 مليار دولار لميزانية الدفاع حتى العام المذكور، أي نحو ضعفي المبلغ الحالي، 39 مليار دولار. وبذلك، يصل الإنفاق الدفاعي إلى حوالي 318 مليار دولار.

وهذه هي أكبر خطة خماسية لتعزيز القدرات العسكرية لليابان منذ الحرب العالمية الثانية، وبذلك تصبح ميزانية الدفاع اليابانية الثالثة في العالم بعد الولايات المتحدة والصين.

ولم يكن لشروع طوكيو في التعزيز غير المسبوق لقوتها العسكرية إلا أن “يثير حتما تحديات أمنية جديدة في منطقة آسيا والمحيط الهادي”، حسبما تقول الخارجية الروسية.

وأشارت الوزارة -في تعليق لها على الموضوع- إلى أن رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا يتخلى عن إستراتيجية التنمية السلمية للبلاد، التي أعلنتها الأجيال السابقة من السياسيين، ويعود “إلى قضبان العسكرة الجامحة”.

ولم يخفف من مستوى التوجس الروسي رد الخارجية اليابانية بأن اليابان ستظل دولة محبة للسلام، ولن تشكل تهديدا للدول الأخرى.
أزمة قديمة
ويأتي ذلك في ذروة توتر العلاقات بين البلدين، بعد أن انضمت اليابان إلى العقوبات الغربية المفروضة على روسيا.

وهذه العلاقات متوترة في الأساس لأسباب عديدة، أبرزها وأقدمها زمنيا النزاع بشأن جزر الكوريل.
ولطالما كانت جزر الكوريل (حسب التسمية الروسية، في حين تسميها اليابان المناطق الشمالية) محل نزاع طويل الأمد بين روسيا واليابان، وحجر عثرة رئيسي في مسألة إبرام معاهدة سلام بين البلدين، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا.

وأرخبيل كوريل هو سلسلة من الجزر بين كامتشاتكا الروسية وهوكايدو اليابانية. في البداية، كانت تسكنها قبائل الأينو، وحصل اليابانيون على المعلومات الأولى عن الكوريل في أثناء حملة استكشافية بين عامي 1635-1637.

وعام 1643، اكتشف الهولنديون الجزر بقيادة مارتن دي فريس، قبل أن تصل أول بعثة روسية إليها عام 1697. وبموجب مرسوم صادر عن كاترين الثانية عام 1786، تم تضمين أرخبيل الكوريل في الإمبراطورية الروسية.
وعام 1855، وقعت اليابان وروسيا على معاهدة تم بموجبها التنازل عن إيتوروب وكوناشير وجزر سلسلة جبال كوريل الصغرى لليابان، وظل الجزء الشمالي من الكوريل تحت السيطرة الروسية. وأُعلنت سخالين ملكية مشتركة وأرضا “غير مقسمة”.

ومع ذلك، أدت “ازدواجية السيطرة” على سخالين إلى صراعات بين التجار والبحارة الروس واليابانيين، ولم تحل إلا عام 1875 بتوقيع معاهدة سان بطرسبورغ بشأن تبادل الأراضي. ووفقا لذلك، نقلت روسيا جميع جزر الكوريل إلى اليابان، وتنازلت الأخيرة عن مطالباتها تجاه سخالين.

إرث الحرب
في المرحلة الأخيرة من الحرب في أوروبا، وضع قادة دول التحالف (المناهض للزعيم النازي أدولف هتلر) خلال مؤتمر يالطا خطة مشتركة للحرب مع اليابان. ثم تقرر أنه بعد هزيمة الجيش الإمبراطوري، ستذهب جميع جزر سلسلة جبال كوريل إلى الاتحاد السوفياتي (اتفاقية القرم بين القوى العظمى الثلاث في الشرق الأقصى المعتمدة في 11 فبراير/شباط 1945).

ويوم الخامس من أبريل/نيسان 1945، أعلن الاتحاد السوفياتي إلغاء ميثاق الحياد السوفياتي الياباني (كان من المقرر أن يظل ساري المفعول حتى أبريل/نيسان 1946). وفي أغسطس/آب من العام ذاته، شن الجيش السوفياتي حملة عسكرية في الشرق الأقصى، كان جزءا منها عملية إنزال الكوريل، التي انتهت باستعادة جميع الجزر.

بعد خسارة الحرب وإعلان الاستسلام، قبلت اليابان شروط إعلان بوتسدام الصادر في 26 يوليو/تموز 1945، واقتصرت السيادة اليابانية على جزر هونشو وكيوشو وشيكوكو وهوكايدو، بالإضافة إلى الجزر الأصغر في الأرخبيل الياباني (وفقا لما قرره الحلفاء). وتم تضمين جميع جزر الكوريل في الاتحاد السوفياتي وترحيل معظم السكان اليابانيين إلى هوكايدو.
ومنذ ذلك الحين وخلال مرحلة الحرب الباردة، لم تعترف موسكو رسميا بوجود نزاعات إقليمية مع طوكيو، بينما التزمت الأخيرة بـ”مبدأ عدم الفصل بين السياسة والاقتصاد”، الذي افترض أن اليابان لن تنفذ تعاونا تجاريا واقتصاديا على نطاق واسع مع الاتحاد السوفياتي قبل أن تحصل على تنازلات في النزاع على الجزر.

ولم يأت الاعتراف بوجود المشكلة إلا أبريل/نيسان 1991، خلال زيارة لليابان قام بها الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف.

مواقف الأطراف
تقول روسيا دائما إن جزر الكوريل أصبحت جزءًا من الاتحاد السوفياتي (الذي أصبحت روسيا خليفته) بعد نتائج الحرب العالمية الثانية، وإنه لا شك في السيادة الروسية عليها التي صيغت عبر اتفاق دولي.

في الوقت نفسه، يعترف الجانب الروسي بالإعلان المشترك لعام 1956، بينما تطالب اليابان بجميع الجزر وتربط قرار الاعتراف بالسيادة اليابانية على هذه الأراضي بتوقيع معاهدة سلام، إذ تعتمد طوكيو على معاهدة شيمودا الموقعة بين البلدين عام 1855.

أزمة جديدة
ومع قرار طوكيو برفع الإنفاق العسكري إلى سقف غير مسبوق، تدخل العلاقات مع روسيا منعطفا خطيرا، وأخطر ما فيه، حسبما يرى خبراء روس، أنه يأتي في سياق تحول اليابان إلى أساس لتشكيل تحالف عسكري جديد ضد موسكو.
يرى المحلل السياسي أوليغ بوندارينكو أن الزيادة في ميزانية الدفاع اليابانية تشكل تهديدا لروسيا، على الرغم من أن هذا البلد لا يستعد لأي أعمال هجومية ضد جيرانه.

ويوضح، في حديث للجزيرة نت، أن روسيا مع ذلك تستشعر وجود خطر بحكم وقوع الأراضي اليابانية بالقرب منها.

وبناء عليه، فإن نشر منشآت عسكرية جديدة -ومن بينها محطات رادار لأنظمة الإنذار بالهجوم الصاروخي بالقرب من جزر الكوريل- من المرجح أن تشمل منطقة التغطية لهذه الأنظمة جميع مناطق بحر أوخوتسك وبحر اليابان، مما يمثل تهديدا للأسطول الروسي في المحيط الهادي.
تهديد نظري؟
ويشير الخبير الروسي إلى أن تراكم الإمكانات العسكرية لدى اليابان، وحتى الاحتمال النظري لاستخدام أي نوع من الأسلحة عالية التقنية، من الطبيعي أن يشكل تهديدا لروسيا.

ولكن بحسب قول أوليغ بوندارينكو، فإن اليابان مجبرة على مراعاة الوضع في المنطقة في إجراءاتها، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بالتصعيد بشأن تايوان، وبرامج الصواريخ لكوريا الشمالية، وكذلك نزاعاتها الإقليمية مع جيرانها، على سبيل المثال مع الصين في موضوع التعدين في المياه المتنازع عليها.
من جانبه، يستبعد الباحث في الشؤون الدولية ديمتري كيم وجود علاقة لقرار اليابان بالأزمة الأوكرانية، لكنه يحذر من خطورة جذب طوكيو مستقبلا إلى تحالف عسكري متعدد الأطراف حتى لو لم يتم إضفاء الطابع الرسمي عليه.

ويقول كيم “لطالما كان اليابانيون يخبرون شعبهم لفترة طويلة بأن قضية جزر الكوريل على وشك الحل، لكن يبدو أنها أيقنت باستحالة حصول ذلك”، وبالتالي قررت تغيير موقفها وإخبار سكانها بأن الجزر لن تتم إعادتها، وفي الوقت نفسه، قررت اعتبار الوجود الروسي “احتلالا غير قانوني”، على الرغم من أن هذه الصياغة بالذات غير مقنعة من الناحية القانونية، لأن اللوائح المتعلقة بالكوريل لا تزال موجودة، ويعرفها الدبلوماسيون اليابانيون جيدا.

ويضيف أن التغيير في الخطاب مهم للشارع الياباني، وهو موجه أيضا للولايات المتحدة والعالم الغربي عموما، الأمر الذي يتطلب من اليابان التحدث عن “الاحتلال”، من أجل تصوير روسيا على أنها المعتدية.

وعلاوة على تأكيده وجود ضغوط أميركية دفعت اليابان لرفع الإنفاق العسكري، يضيف كيم إلى الدور الذي لعبه اعتماد التعديلات على الدستور الروسي مؤخرا، التي تمنع أي تنازلات إقليمية، وهو ما يؤدي إلى التشكيك في إمكانية مناقشة ملف الكوريل، وهو ما تصر عليه اليابان دائما.

المصدر : الجزيرة

Optimized by Optimole