إيقاف الحرب وتحقيق السلام ليستا قضيةً واحدة..

إيقاف الحرب وتحقيق السلام ليستا قضيةً واحدة..
Spread the love

بقلم: قاسم بن علي الوزير —

إيقاف الحرب وتحقيق السلام ليستا قضيةً واحدة..

هما قضيتان تتعلق إحداهما بالأخرى..

ولكنّهما مختلفتان!

إيقاف الحرب هو المدخل إلى تحقيق السلام

هذا صحيح !

وتحقيق السلام هو الأرضية التي ينطلق منها ركب السلام إلى المستقبل. أي أنّه الذي يبدأ من حيث تنتهي الحرب وينتهي من حيث يتجسّد في المستقبل بشروط بقائه واستمراره..

فليس كل إيقاف للحرب أو القتال – بحدّ ذاته – هو تحقيقٌ للسلام؛ فقد تتوقّف الحرب ولا يتحقّق السلام بمعناه ومضمونه. وها نحن – على سبيل المثال – نرى الحرب متوقّفة مع إسرائيل ولكن لا سلام قائماً بل عوامل حرب مستأنفة اليوم أو غداً. وإن أحببت فإني سائقٌ إليك مائة شاهد وشاهد على ذلك من تاريخنا القريب والبعيد..

إنّ الحرب هدمٌ وعداوة

والسلام بناء واستمرار ووئام..

وأهم أسباب الحرب الظلم: حرب ظالم على مظلوم أو معتدٍ على معتدى عليه. أو ثورة مظلوم على ظالم ابتزّ أمر الأمّة بالقوة وسار فيها بالعسف والظلم والطغيان..

الأولى جريمةٌ..

والأخرى ضرورةٌ..

وإيقاف الحرب دون أن يصحبه أو يتلوه تحقيق السلام الحقيقي هو استئنافٌ للحربِ بعد حين. لهذا فإيقاف الحرب الآثمة هذه هي ضرورة عاجلة وواجب محتوم؛ لأنّ السلام – من دون ذلك – لن يتحقّق ومن ثمّ يظلّ المستقبل يبعد عنا. ونعني بالسلام ذلك الذي يتحقّق به الاتفاق العام على مجموع الضمانات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي ينعقد بها الرضا الحرّ المطمئن، وتنسج فيه القيمُ العليا شبكة علاقاته جميعاً، وتقوم عليها الروابط التي توحّد مجتمعاً ما على قواسم مشتركة ومفاهيم جامعة تحرسها جميعاً سيادةٌ مسلَّمٌ بها لقضاء مستقل..

إنّ ذلك يقتضي بالضرورة ” الحوار” الحر والعام بين القوى الاجتماعية على اختلافها، وما من سبيلٍ إلى ذلك إلا بإيقاف الحرب أولاً..

إنّ السلام الذي نريده ونسعى إليه ونتطلّع إليه هو السلام المستمر. وما هو بسلام قط ذلك الذي لا يحقّق “الخير” الدائم للمجتمع برمّته.

والسلام – بهذا المعنى – محجوب بهذه الحرب. وإذن فهذه الحرب يجب أن تتوقّف.

هذه هي المعادلة بكل بساطة..

وإذا كان أهم أسباب الحرب، أي حرب، هو الظلم فان أهم شروط السلام هو العدل..

وإذا كان معنى الحرب ونتائجها هو ما نرى وما نشهد وما عبّر عنه الشاعر القديم:

وما الحربُ إلا ما علِمتمْ وذقتمُ

وما هو عنها بالحديث المرجَمِ

فانّ معنى السلام يجب أن يفهم على حقيقته؛ وأن يفضي هذا الفهم إلى الوعي به، وأن يفضي الوعي به إلى العمل من أجله، وأن يفضي العمل من أجله إلى أن يتجسّد في واقع قائم ثابت الأركان على الحرّية والمساواة والعدل.. واقع هو المستقبل الذي يجب أن نولّي وجوهنا شطره..

ولكي نصل إلى ذلك. يجب أن تتوقّف الحرب أولا. نعيد القول ونكرّره. نعم ! يجب أن تتوقف هذه الحرب. ذلك هو المدخل الآمن إلى المستقبل..

من أجل ذلك طرحت أفكار، وارتفعت نداءات نبيلة من أفراد ومن جماعات تقترح حلولاً وتتوخّى مخارج. وهذا حسنٌ وحسن جداً ولكنه غير مؤدٍّ إلى غايته المرجوة.

وأنا هنا لا أحبُ ولا أريدُ أن أضيف رؤية شخصية إلى ما قدّمه السابقون بالخير. وأحسب أنّ الخطة المثلى والأدعى إلى النجاح والتوفيق هو أن يجتمع لذلك كل الساعين لإقامة العدل. وكل العاملين لتحقيق السلام أي كل من يرون الرأي ذاته ودون استثناء أو إقصاء لأيٍّ كان فرداً أو حزباً أو هيئة أو فعالية. فإذا اجتمعوا تدارسوا الأمر بكل جوانبه وخلصوا إلى “مشروع” متفق عليه بينهم تتكوّن على أساسه “كتلة” تنهض بالأمر دون تجاوز لفئة أو تحيّز لجهة.. وانطلقوا من ثمّ صفاً متراصّاً واحداً يدعون المتحاربين إلى إيقاف الحرب ويقدمون بين أيديهم دعوة السلام !

على أن الأمر لا يبدو بهذه السهولة؛ فإنّ وراء كل طرف من المتحاربين حسابه الخاص وأهدافه. ومصالحه وما ولدته الحرب ذاتها من مرارة وعقد صعبة الحل وزرعت من أحقادٍ، وشرٍّ، وبلاء عظيم.

ولو تجاوزنا هذه المشكلة، فهل نتجاوز دور القوى الخارجية الواقفة وراءهم بمصالحها وغاياتها وأطماعها ؟.. لا جرم أنّ العبء ضخمٌ ثقيل. ولكن لا مناص من مواجهته وإيجاد حلول له. ونحن نطرح المشكلة بغية دراستها بعمق وإيجاد حلول عملية لها، وهو ما يتطلّب وحدة وطنية يشذّ عنها من شذّت به المصالح الضيقة عن سواء السبيل.. سبيل الأمّة التي تتعرض للتفتيت والاستملاك!.

لقد آن للجميع أن يستشرفوا أفق مستقبل جديد وذلك بالتداعي إلى كلمة سواء ورأي جامع يؤلّف وحدة موقف منبثق من وحدة تصوّر يسفر عن عقد اجتماعي ليس بين الحاكم والمحكوم فحسب، بل بين قوى المجتمع كلها، عقد قائم على العقيدة الواحدة التي تجعل المؤمنين إخوة، وعلى الوطن الواحد الذي يجعل المواطنة المتساوية أساس تلاحمه ووحدته وعلى العدل الشامل الذي يحرسه ويصونه..

إنّ “كتلة” السلام يجب أن تولد وتشبّ عن الطوق وتحمل الأمانة بقوة، وتنشر دعوتها بحكمة. وتحمل “مشروعها” – بعد إقراره – إلى المتحاربين ليتوقفوا عن الاحتراب ويستبدلوه بحوار يخرجهم ويخرج الوطن من الظلمات إلى النور، ومن الحرب إلى السلام فإن استجابوا، فذلك ما يبتغي المخلصون ويفرح به المؤمنون وتقرّ به عيون العاملين له وعيون الأمّة التي أرهقها ظلم الظالمين، وعقوق بعض أبنائها الذين أضلّهم سامريُّ الأطماع عن النهج الواضح، والحق المبين؛ فإن أبوا أو أبى أحدهم فقد باء من أبى بإثمه وإثم الضحايا المهولة والخراب المدمّر والدم الغزير وتقاسم البلاد بين القوى الطامعة وضياع المستقبل لا سمح الله..

وحقَّ – حينئذ – أن يتلو القارئون قول الله عزّ وجلّ:

” وإنْ طائفتانِ من المؤمنينَ اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإنْ بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتّى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إنّ الله يحبُّ المقْسطين ” صدق الله العظيم.

دعونا نأمل..

دعونا نعمل..

Optimized by Optimole