الجهاد وأطروحة السلام العالمي: غرب آسيا وصراع النهايات

الجهاد وأطروحة السلام العالمي: غرب آسيا وصراع النهايات
Spread the love

بقلم : د. فرح موسى*/

إن أكثر ما التبس فيه الموقف تاريخيًا، هو ما كانت تتعاهد عليه الأمم من تظهير للجهاد على أنه مجاهدة للكفر والكافرين. وقد كان من تأسيساتهم في ما تعاقبوا عليه من سلطة وسلطان التركيز على نفي الآخر لمجرد الاختلاف في الموقف والرؤية، سواء كان أخًا في الدين، أو نظيرًا في الخلق. فكانت نظريات الجهاد تخرج من لدن الحكام ووعاظ السلاطين كأطروحات في القداسة، لكونها صادرة عن ولاة الأمر، وممهورةً بختم السلطان!
فلم يعهد من تاريخنا الديني والسياسي أن تحقق سلام داخلي، أو انبعث منه رؤية في السلام العالمي، كما قال الله تعالى:”لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم.إن الله يحب المقسطين..”.
فالآية المباركة تؤسس لرؤية في السلام العالمي، وتمنع من العدوان، فضلًا عما تؤسس له من سلام داخلي في أجواء الحوار والأخوة الإيمانية والتعاون على البر والتقوى،.فالسلام الحقيقي هو دائمًا يحتاج إلى منهج متكامل في معالجة قضايا الناس، سواء لجهة ما يصدرون عنه من مبادىء وقوانين وقيم، أو لجهة ما ينبغي أن يكونوا عليه من وعي بمآلات الأمور في واقعهم الديني والسياسي. ولا شك في أن الله تعالى قدّم لعباده المنهج القويم لتناسبه جوهريًا مع الخلق القويم، وفقه الجهاد، كما أسست له رسالات السماء لا يخرج عن روحية هذا المنهج؛ فليس كل جهاد يحسب على إرادة السماء، فمنه ما هو عدوان باسم الله والدين!ومنه ما هو استسلام وهوان، كما هو حال عرب التطبيع !
وكم كانت المهالك عظيمة لأمم أماتت في وجودها روح الجهاد لتفوز بالخسران المبين، أو قاتلت ظنًا منها أنه الجهاد، فخسرت وهي تحسب أنها تحسن صنعًا!فعالمنا اليوم يتفاعل مع قضايا الحياة، وفي دعوته أنه ينشد السلام بعدما تقاربت الأمور ،وتزاحمت الأحداث، ولكنه لم يتمكن من تحقيق السلام العالمي. فأخذته العزة بإثم الحضارة، واستوى على منهجية في الفكر والعمل تعادي الله وكل ما هو روحي وإنساني، وتطلق يد الشيطان في بعث الجاهلية من جديد!
وهكذا، نرى أن إدارة شؤون العالم من قبل الطغاة والمترفين تحول دون تحقيق السلام العالمي، فهي إدارة تأخذ به إلى مزيد من الموت والدمار، ويكفي تدليلًا على ذلك ما بلغته السياسات العالمية من صلف وجور ومظالم. وكان الامتحان الأكبر لهذه السياسات الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، التي حاول الكثيرون من أهل الدين والسياسة إخراجها من دائرة الحق لتكون مجرد قضية إنسانية!!!،
وهذا ما استوجب وحتم على أهل القضية المقدسة الأخذ بإطروحة الجهاد لتحقيق السلام ورد العدوان، كما قال تعالى:”وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين…”،
فأطروحة السلام في الآية المباركة مؤسسة على عدم الاعتداء، وببما أن العدوان قائم ومستمر، فلا بد من الجهاد في سبيل الله لرد العدوان وإعادة الحقوق. فالآية المباركة تشكل أساسًا لفقه الجهاد، وتؤسس لكل أطروحة في الحوار والسلام.
وهذا ما لا نرى له أثرًا في سلام المطبعّين، ولا في سياسات الدول العظمى، التي تزعم أنها تنشد السلام!
فالقضية الفلسطينية عادت بالعالم إلى فقه جهادي مختلف تمامًا عما عهدته الأمم من فقه الجهاد، فلم يعد جوهر الصراع اليوم على مجرد حق في فلسطين، بل أضحى صراعًا يطال كل مقدسات المسلمين وحقوقهم في الفعلية والحضور!ففلسطين عادت لتشكل محورًا ومنطلقًا لإدارة الصراع العالمي بعدما تبدى لمراكز النفوذ في العالم أن فلسطين قد خرجت لتوها عن كونها محورًا عربيًا دينيًا، لتكون مبعثًا عالميًا، وشرطًا في تحقيق السلام العالمي، فهي اليوم محط النظر، وقلب الحدث العالمي، ومبعث الأمل الوجودي في غرب آسيا. ولعله بات معلومًا لأهل البصيرة، أن محورية الصراع تجاوزت الحق الفلسطيني، لتكون لها بعدية الحق الإلهي والجهاد في سبيل الله تعالى على امتداد الشرق الأوسط، وحيث يكون للجهاد معنى القضية والحق المشروع.
فكل العالم اليوم يقف على أبواب فلسطين ومشروعية الجهاد والدفاع عن الحقوق، ليشهد تحولات الصراع النهائية لإخراج العدو ليس من فلسطين وحسب، وإنما من كل غرب آسيا، وذلك لاستحالة الفكاك في التشابك بين قضايا الأمة ومقدساتها، وبين السلام العالمي.
فها هي فلسطين اليوم قد بدأت بطوفان له طابع الجهادية في المنهج الإلهي القويم، فاستحال العالم معها إلى تجوهر جديد في السياسات العالمية..والعبرة دائمًا تبقى بما يمكن التأسيس عليه في قابل الأيام لجهة الوعي بمآلات الأحداث وما يمكن أن تؤول إليه من خلاص في السلام الإلهي الأخير.إن الله على كل شيء قدير.

*أستاذ جامعي لبناني

Optimized by Optimole