أميركا وأطروحة الفناء النووي بين هيروشيما وغزة

أميركا وأطروحة الفناء النووي بين هيروشيما وغزة
Spread the love

يقلم: د. فرح موسى */

بالتأكيد لم يعد العالم آمنًا ومستقرًا على النحو الذي يجعلنا مطمئنين إلى مستقبل البشرية؛فلم يعد الأمر العالمي متعلقًا بمدى نجاح السياسات والتكتيكات لحماية المصالح الاستراتيجية للدول الكبرى،وإنما تجاوز ذلك ليكون العالم مهددًا بالفناء النووي بعد احتدام النزاعات على حدود المصالح الحيوية ذات البعد الوجودي!وكلنا يعلم أن الولايات المتحدة كانت السباقة إلى استخدام النووي لتتويج امبراطوريتها الاقتصادية والعسكرية!وهي تبذل اليوم قصارى جهدها للحفاظ على موقعها العالمي بكل الوسائل الممكنة والمتاحة بعد أن ظهر التنافس النووي على أشده بين الدول النووية.وبهذا الدافع قامت أمريكا بغزوات كثيرة من فيتنام إلى غرينادا،إلى بنما،وانتهاءًا بأفغانستان والعراق،وغيرها كثير من الدول التي تعرضت لغزوات غير مباشرة لتغيير أنظمة الحكم فيها!وهي لا تزال تفعل ذلك حيث كان ذلك ممكنًا،سواء في آسيا،أو في إفريقيا،بعد أن دجّنت أوروبا إلى حد الموت عن الدور والوظيفة!ولا شك في أن أمريكا قد خسرت الكثير من المواقع الاستراتيجية كما جرى لها في إيران،واليمن رغم المحاولات الكثيرة والبائسة للتعويض عن ذلك؛ومما زاد من أزمتها هو أنها لم تتمكن من الحفاظ على الدول التي احتلتها،كما جرى لها في العراق،وأفغانستان،هذا فضلاً عن خسارة الكثير من الدول التي تحررت من سطوتها عسكريًا واقتصاديًا ،كما هو حال دول أمريكا اللاتينية.وهكذا،نجد أمريكا اليوم تصارع القدر،سواء مع الروس في أوكرانيا،أو مع الصين في تايوان وبحر الصين الجنوبي،أو مع إيران في مضائق العالم ،وخصوصًا بعد الردع الاستراتيجي في مواجهة القاعدة الأمريكية الكبرى في فلسطين المحتلة،وهي لا تزال تحاول جاهدة توفير الحماية للكيان الصهيوني لما يشكله هذا الكيان من أبعاد استراتيجية لها!وليس خافيًا على أحد ممن يعمل في الحقل الاستراتيجي،ويرصد التحولات العظمى في سياسات ومصالح الدول،أن أمريكا تنازع لدرجة الرمق الأخير لأجل أن تبقى لها مركزية القرار في الشرق الأوسط،وقد جاء طوفان الأقصى،والردع الإيراني،والتدخل اليمني في البحرين العربي والأحمر،ليزيد من المآزق الاستراتيجي للولايات المتحدة وحلف الناتو،ما جعل أمريكا وحلفاءها يقفون أمام خيارات متعددة من شأنها جميعًا إحداث الحيرة في اتخاذ ما يلزم من القرارات للإبقاء على شيء من قوة الردع؛وهي في حيرتها هذه ،كما نرى،مخيّرة بين أن تدفع بالناتو إلى التدخل في أوكرانيا،أو أن تتدخل مباشرة لحماية الكيان الصهيوني،أو أن تزيد من حدة التدخل في تايوان وتهديد المصالح الحيوية للصين!فأي خيار من هذه الخيارات،فيما لو احتدم الموقف حوله،كفيل بأن يحدث الحرب النووية والفناء النووي،وهذا ما لا تزال أمريكا تتريث فيه رغم علمها اليقيني بالانحسار الاستراتيجي،وقد جاء الردع الإيراني ليؤكد حقيقة هذا التحول في الموقف والحضور؛كيف لا وقد علمت أمريكا وكل الغرب أن حركة البحار من باب المندب إلى مضيق هرمز إلى فك الحصار عن فينزويلا،كل ذلك لم يعد يشكل أي بعد استراتيجي للولايات المتحدة،كما أنه لم يعد لها قدرة الهيمنة على البحار،فأمريكا باتت تعيش حراجة الموقف،ولا يضيرها أبدًا أن تخوض الحرب وتحدث الفناء النووي،لأن العقل الأمريكي،لمن لا يعرف هذه الحقيقة،قائم تأسيساً وتاريخًا على خيارات الموت أمام المآزق الاستراتيجية،فإذا كان النووي في هيروشيما يشكل نتاجًا للفلسفات الأمريكية منذ ظهورها في المدارس البراغماتية،وعلى أنقاض الجماجم البشرية منذ التأسيس وحتى فناء مليارات البشر لبناء المجد العنصري والامبراطوري للولايات المتحدة،فإن غزة فلسطين لم تكن الأخيرة في خيارات الموت الأمريكية،وقد سبق لها في العراق وأفغانستان أن قتلت الملايين من النساء والأطفال،وهي حيث تتدخل تحدث الموت والدمار،ويكفي تدليًلا على ذلك ما أحدثته في غزة فلسطين من موت ودمار وتهجير،لا لشيء إلا ليكون لها مجد الماضي الذي ترهل على أبواب فلسطين،وامتد ليطال غرب آسيا بكامله.فكل العالم اليوم ينتظر الفناء النووي بوحي من الطغيان الأمريكي،لما هو معهود من قيامة هذه الامبراطورية أن الحصار والموت والفناء هو الملائم دائمًا لحيوية وبقاء العظمة الأمريكية على قيد الحياة!؟فلا بأس أن يموت العالم جملة إن كانت أمريكا ستحكمه بصهيونية مقيتة،وأنظمة بالية،أو ستقتله بالحصار والجوع والجهل !إن عالمنا اليوم يختلف جوهريًا عما كان عليه عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية،ففي ذلك العالم ماتت هيروشيما ليبنى مجد أمريكا! أما قتل وتدمير غزة،فلسنا نشك أبدًا في أنه سيدخل الغرب وأمريكا في أزمة وجودية لم يسبق لهم أن تعرضوا لها على مستوى الحضور والوجود،إذ إن العالم كله بات يدرك معنى أن يستميت الغرب ليكون له اليد الطولى في فلسطين،أو الفناء عن الدور والوظيفة والموقع الاستراتيجي،وإن أدنى تدبر في مآلات العالم وتحولاته،فلا بد أن يكشف عن حقيقة أنه لم يعد ممكنًا بقاء المستعمر في فلسطين حتى ولو كان ثمن ذلك الفناء النووي للعالم على قاعدة :” فماذا بعد الحق إلا الضلال:”،وأن البشر إنما خلقوا للموت لا للحياة..فسبحان “الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملًا،وأهل الحق يعون جيدًا معنى أن يقدّم الموت على الحياة في كلام رب العباد…

*أستاذ جامعي لبناني

Optimized by Optimole