قانون الانتخابات في بناء الدولة ومحاربة الفساد

قانون الانتخابات في بناء الدولة ومحاربة الفساد
Spread the love

بقلم: حمزة الحاج حسن* — جاء في مقدمة الدستور اللبناني في المادة (ج) “إن لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل”.
وتقول المادة ( د) “الشعب مصدر السطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية “.
لكن بالرغم مما تقدم فالعلاقة بين الدستور وتطبيقه شبه منقطعة خصوصاً أن مفهوم النظام الديمقراطي قائم بالأساس على العدالة والمساواة بين جميع المواطنين. وهذا المفهوم ليس موجوداً في لبنان، فالمساواة منعدمة بسبب التمسك بأعراف فرضها الانتداب الفرنسي لتحقيق مصالح السلطة الطائفية الحاكمة وهي أشبه بنظام الفصل العنصري الذي يميّز بين مكوّنات الشعب ليس على أساس اللون بل على أساس الطائفة والمذهب والدين. فالمواطن المسيحي من الطائفة المارونية تصنيفه مواطن من الفئة الأولى والمسلم من الطائفية الشيعية تصنيفة في الفئة الثانية والسني ثالثة الى أن تنتهي بالفئة الثامنة عشر .. وهذا التصنيف المدمر قضى على أسس الديمقراطية في تحقيق العدالة والمساواة لصالح الزبائنية والطائفية الهدامة.
في لبنان هناك شبه اجماع (بالقول وليس بالفعل) عند مختلف القوى السياسية أن النظام الطائفي هو السبب في عدم قيام دولة المواطنة التي يتساوى فيها المواطنون أمام القانون بعقد اجتماعي قائم على الحقوق والواجبات وأن هذا النظام هو السبب الأساس في تفشي الفساد والنهب المنظم للمال العام بغطاء طائفي فئوي.
هذا الخلل في النظام السياسي رفع منسوب الحريات على حساب الحياة الديمقراطية في البلاد، فانتهى بتعميق الهوة بين فئات المجتمع وزاد من التوترات والنزاعات الطائفية على حساب الوحدة الوطنية. وفي كل ذلك كان الشعب اللبناني ضحية حفنة من الطائفيين يتحكمون بمصير العباد والبلاد من الحروب المتنقلة الى الهدر بالمال العام وديون ناهزت ال100 مليار دولار يدفعها المكلف اللبناني من دون أي مقابل ويتهرب منها السارق والفاسد والنافذ.
وبمكر ودهاء صادرت السلطة السياسية المتعاقبة إرادة الشعب اللبناني بقوانين منعت عن الناخبين قدرة التغيير والمحاسبة، وهو ما انعكس تراجعاً في المشاركات الشعبية في العملية الانتخابية وتفشياً للفساد بعد أن غابت الرقابة والمحاسبة، حيث بلغ توغل الفساد في الدولة مرحلة الانهيار التام .
لكن كيف نواجه الفساد ومن أين نبدأ؟ وكيف السبيل الى الخروج من دولة المزرعة الى دولة المؤسسات؟
لقد وضع اتفاق الطائف الآليات الدستورية لتجاوز النظام الطائفي من تشكيل الهيئة الوطنية إلى إلغاء الطائفية السياسية الى قانون انتخابات خارج القيد الطائفي وليس انتهاء بالوظائف العامة خارج الانتماء الطائفي. ورغم ذلك لم يطبق حرف واحد منذ إقرار الاتفاق عام 1989 حتى هذه الساعة رغم المحاولات والدعوات لإقرار قانون انتخابات على أساس النسبية.
وتأتي دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري لإطلاق ورشة إقرار قانون انتخابات وفقاً للنظام النسبي على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة وهي المرة الأولى التي تطرح جهة سياسية وازنة في لبنان البحث الجدي بقانون الانتخابات قبل ثلاث سنوات من الاستحقاق. فبعد تشويه قانون النسبية بتقسيم الدوائر وتفصيلها طائفياً لضرب مفهوم القانون وأهميته في التغيير يسجل لهذا القانون أنه أخرج لبنان من النظام الأكثري الى النظام النسبي.
إن المدخل الوحيد الى دولة المؤسسات هو قانون الانتخابات الذي يؤمن تمثيل اللبنانيين تمثيلاً عادلاً.
ويؤكد خبراء في القانون والدستور أن نظام الانتخابات النسبي على أساس لبنان دائرة واحدة أو اعتماد المحافظات الخمس دوائر انتخابية سيرفع من نسبة المشاركة الشعبية في الاستحقاق وسيلزم المرشحين على مختلف مناطقهم بخطاب وطني جامع يحكمه تنوع الدوائر الانتخابية التي تضم مختلف شرائح وفئات المجتمع اللبناني على حساب المواقف الطائفية المتشنجة. فإنتاج مجلس نيابي يشعر الشعب اللبناني بأنه شريك فعلي في إنتاج السلطة وسيعطي هذا المجلس والسلطة التنفيذية التي ستنبثق عنه شرعية وقوة تمكنهما من الحكم باسم هذا الشعب، فتواجه الفساد ورموزه بإرادة صلبة لتبدأ في تنفيذ ما ورد في الدستور كخطوة أولى في بناء دولة المؤسسات التي تنهض بالقضاء المستقل وتستمر بالعدالة والمساوة.

*حمزة الحاج حسن صحافي لبناني.

Optimized by Optimole