عن مآلات الأكراد في سوريا

عن مآلات الأكراد في سوريا
Spread the love

بقلم: نورا عدنان يوسف* — تعود أهمية المسألة الكردية في سوريا إلى كونها من المسائل المعقدة التي تواجه الدولة بما تحمله من رؤى تقسيمية خطيرة على المجتمع السوري. وقد فرضت هذه الجماعة الاثنية نفسها استناداً إلى عوامل تاريخية وديمغرافية وحديثاً إلى عوامل وتحالفات إقليمية ودولية.
يشكل الأكراد نحو 8 بالمئة من السكان في سوريا معظمهم من المسلمين السنة ويتواجدون في المناطق التي تضم أهم خطوط الأنابيب النفطية. ويوجد نحو مليوني كردي في سوريا وينقسمون إلى مجموعتين: الأولى تتألف من الشرعية الكردية وتعيش في المدن الكبرى حلب، دمشق، وحماة والتي تحولت عبر السنين إلى جزء لا يمكن فصله عن الأكثرية العربية السنية. في المقابل يعيش أكثرية الأكراد في المنطقة الشمالية الشرقية: دير الزور، الحسكة، القامشلي والتي بقيت معزولة عن التفاعل مع المجتمعات السكنية التقليدية.
إن عزلة الأكراد في هذه المناطق تعود إلى أنهم كانوا يعيشون في المناطق التركية والعراقية المحاذية وجرى إلحاقهم جغرافياً وسياسياً بسوريا في عمليات ترسيم الحدود بين دول المنطقة. ويشعر الأكراد في هذه المناطق إنه قد جرى فصلهم قسراً عن قبائلهم في تركيا والعراق، من هذه الحقيقة التاريخية نشأت وتحولت قضية الأكراد إلى معضلة إنسانية أساسية.
أما التنظيمات الحزبية الكردية فقد بدأت بالظهور في مرحلة بعد الاستقلال. ففي عام 1957 نشأ أول حزب كردي (الحزب الديمقراطي الكردي السوري) ومنذ ذلك الوقت وحتى وقتنا الحاضر برز 15 حزباً، وكان (حزب الاتحاد الديمقراطي) الأكثر أهمية من حيث التنظيم والقاعدة الشعبية وخصوصاً في عفرين وهو امتداد لحزب العمال الكردستاني التركي.
خلال هذه الأعوام دعمت القيادة السورية هذه الأحزاب من خلال منحها بعض الحرية ولكن من دون السماح لها بتشكيل مؤسسات حزبية رسمية لها.
وكان عام 2004 أول عام يشهد احتجاجات من قبل الأكراد في عفرين وعامودا والقامشلي انتهت بتدخل الأمن السوري وإنهاء هذه الاحتجاجات وانقسم الأكراد بين مؤيد لهذه الاحتجاجات ومعارض لها. كذلك حدثت احتجاجات مشابهة في عام 2008 وتم إنهاؤها.
لعب الأكراد دوراً هاماً في الأزمة السورية ووجدوا الحرب فرصة ملائمة لمحاولة الحصول على جغرافيا لتشكيل كيان كردي خاص بهم. ومع بداية الأزمة في آذار 2011 قامت احتجاجات وتظاهرات كردية يمكن وصفها بمحدودية المشاركة، وأثار إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي عن الفيدرالية في المناطق التي تسيطر عليها في شمال سوريا موجة من الغضب في صفوف السوريين.
وبعد هذه التطورات أصدر الرئيس بشار الأسد في 7 نيسان 2011 مرسوماً رئاسياً قضى بمنح الجنسية السورية للأكراد.
وكان الأسد خلال كل هذه الأزمة يتحاشى الدخول في نزاع مع الأكراد ويحذر من أن النزاع في سوريا سيؤدي حتماً إلى تداعيات واسعة تفتح الباب أمام إمكان إعادة رسم الحدود.
وفي عام 2012 انسحبت القوات السورية من المناطق الكردية الكبرى لتركز على قتال المسلحين في مناطق ثانية، ففرضت القوات الكردية سيطرتها على المنطقة حيث أقام حزب الاتحاد الديمقراطي مناطق إدارات ذاتية وأكد الحزب انه لا يسعى إلى الاستقلال بل إلى إدارة محلية ديمقراطية، وقد نجح في وقت قصير في إنشاء جيش مسلح من نحو 10 آلاف مقاتل وعرف بـ”وحدات حماية الشعب”.
لقد نجح حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب في استغلال الحرب ضد تنظيم داعش في خلق تحالفات دولية كانت في السابق مستحيلة، وفي تحقيق الكثير من المكاسب السياسية والاقتصادية والجغرافية.
وكان المثير للجدل هو تحالف هذا الحزب مع دولتين متضاربتين هما الولايات المتحدة الأميركية وروسيا. فالولايات المتحدة بدأت علاقتها بالحزب بعد الأزمة السورية وفعلياً بعد هجوم تنظيم داعش على مدينة عين العرب (كوباني) عام 2014. فقدمت الولايات المتحدة الدعم العسكري للحزب في قتاله ضد تنظيم داعش، وهو دعم أكبر من الدعم الروسي.
إن علاقة الولايات المتحدة بحزب الاتحاد الديمقراطي معقدة وتخضع لمصالح الطرفين، لكن هذا التحالف الكردي – الأميركي قد تعزز وازداد رسوخاً بعد بناء عدد من القواعد الأميركية في مناطق سيطرة الحزب. فأميركا تعتبر الوحدات الكردية من أقوى القوى المحاربة في سوريا وتجمعها معها الكثير من الأهداف والأولويات المعلنة في الحرب، ويعتبرونها جزءاً من تنفيذ استراتيجيتهم في سوريا. وقد أثبت الأكراد أنهم حليف جيد للأميركيين.
أما بالنسبة إلى تركيا التي لطالما اعتبرت أن أية تجربة ناجحة للاتحاد الديمقراطي ستدعم قدرات حزب العمال الكردستاني في تركيا واعتبرت الاتحاد الديمقراطي منظمة إرهابية كونه امتداداً لحزب العمال الكردستاني. وكان هذا التخوف جلياً بعد معركة عين العرب (كوباني)، حيث منعت أنقرة المقاتلين الأكراد في تركيا من الدخول إلى سوريا عبر حدودها.
إن المسألة بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته لا تقف عند هذه المخاوف فحسب، بل إن الأتراك يدركون تماماً أن نشوء كيان كردي شبه مستقل في سوريا سيكون محرضاً لقيام كيان مماثل له لأكراد تركيا، وكذلك عائقاً أمام الطموح التركي في بسط نفوذه في العمق السوري وبالتالي في العمق الإقليمي. أي إن المسألة ليست متعلقة بالأمن القومي التركي فقط وإنما ذات طابع جيوسياسي إقليمي.
لقد وسع أردوغان عملية “درع الفرات” خصوصاً في عفرين ومنبج وذلك لضمان الأمن بالمناطق الممتدة على طول الحدود مع سوريا، وكانت العملية ناجعة في محاربة تركيا للأكراد. لقد عرقلت تركيا بشكل فعال أي توسع بري لـ”وحدات حماية الشعب” الكردية نحو البحر المتوسط. وخدمت هذه العملية أهداف تركيا في سوريا من جهة إبقاء الحصار الكردي ودفع حزب الاتحاد الديمقراطي الى شرق الفرات.
وبقيت منبج التي تخضع لسيطرة الولايات المتحدة الأميركية المنطقة الوحيدة التي تسجل وجود “وحدات حماية الشعب” في غرب الفرات.
أما الدعم الأميركي للكرد فقد أدى إلى تعكير العلاقات التركية – الأميركية فاتجهت تركيا إلى تحسين علاقتها مع روسيا.
إن وضع الأكراد اليوم في غاية التعقيد لقد خسروا أغلبية الأطراف التي كانت تدعمهم. فقد تراجع دعم روسيا لهم بشكل كبير وخسروا دعم الحكومة السورية التي كانت متحالفة ضمناً معهم في بداية الحرب. وفي الآونة الأخيرة أكد الرئيس السوري بشار الأسد بأن الجيش السوري سيحرر كل شبر من سوريا ولن يسمح باقتطاع أي جزء منها، داعياً “قوات سوريا الديمقراطية” التي يشكل الأكراد عمادها إلى التفاوض لتسليم المناطق التي يسيطرون عليها أو تحريرها بالقوة.
ان الحفاظ على التحالف الاستراتيجي مع أميركا هو الخيار الأقوى للأكراد اليوم، حتى وإن انسحبت القوات الأميركية من قواعدها في شمال وشرق سوريا، ستراهن واشنطن على الأكراد كورقة ضامنة لحفظ مصالحها في هذه المناطق وتحويلهم من حلفاء مسلحين متمردين إلى هيئات تستلم الحكم الذاتي فيها.
كما هناك سيناريو آخر هو تحالف الكرد مجدداً مع روسيا وخصوصاً أن معظم الأراضي السورية باتت تحت سيطرة الحكومة السورية وحلفائها وفي مقدمتهم روسيا.
سيكون القرار الكردي مبنياً على مصالحه التي على أساسها سيكون مع القوه العالمية التي بإمكانه ان يصل الى أهدافه من خلالها.
لكن حلم الأكراد بدولة مستقلة بعيد المنال فقد أثبتت الدول الأربع، سوريا والعراق وإيران وتركيا، تقاطع مصالحها في وأد هذا الحلم الذي يهدد وحدة أراضيها، فليس من مصلحة أي دولة منها أن يتحقق حلم الأكراد بدولة مستقلة أو حكم فيدرالي في سوريا، لأنه سيشكل سابقة سيعمل الأكراد في إيران وتركيا على المطالبة بمثيل له.
ويبدو أن أكراد سوريا لم يعودوا يتحكمون بمصيرهم السياسي فقد حددت التجاذبات الإقليمية والدولية مواقفهم وأدوارهم.
لكن العقلانية السياسية تفرض أن يتفق جميع الأحزاب والقوى الكردية على صياغة رؤية مستقبلية تؤمن الاعتراف بهويتهم الوطنية في إطار سوريا موحدة.
ولابد أن يدرك الجميع أن اللعب بحدود الدولة السورية سيؤدي حتماً إلى انزلاق الدول الأخرى في لعبة التقسيم، وهو تطور خطير لن يكون في صالح الأمن والاستقرار الإقليميين، لأن سوريا ذات موقع جيو- استراتيجي وأي اهتزاز يصيبها ستكون له ارتدادات خطيرة على الآخرين.

كاتبة سورية.

المقالة تعبّر عن رأي كاتبها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع.

Optimized by Optimole