بوتفليقة .. من نضال الثورة إلى اعتكاف المرض

بوتفليقة .. من نضال الثورة إلى اعتكاف المرض
Spread the love

إعداد: لمين شيخي (رويترز) – الجزائر – رسخ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة نفسه من خلال وضع نهاية لحرب أهلية مدمرة لكن الوضع تغير بسبب الفساد والركود الاقتصادي ومن المتوقع الآن أن يستقيل هذا الشهر بعد مقاومة احتجاجات مستمرة منذ أسابيع.

ولم يظهر بوتفليقة (82 عاما)، أحد أبطال حرب التحرير، في مناسبة علنية إلا فيما ندر منذ أصيب بجلطة عام 2013 لكنه صمد رغم الاحتجاجات الحاشدة على حكمه المستمر منذ 20 عاما.

حاول بوتفليقة صد موجة المعارضة التي بدأت في 22 فبراير شباط من خلال التراجع عن قراره السعي لنيل ولاية خامسة في رئاسة البلاد. لكنه لم يقل متى سيترك الحكم مما أثار غضب المحتجين.

وفي تقرير يوم الاثنين، تجنبت وكالة الأنباء الجزائرية تحديد تاريخ لكنها قالت إن بوتفليقة سيستقيل قبل انتهاء فترته الرئاسية في 28 أبريل نيسان. ثم أعلن استقلته ليل أمس الثلاثاء.

كان بوتفليقة من المناضلين في حرب 1954-1962 التي وضعت نهاية للحكم الاستعماري الفرنسي ثم أصبح أول وزير للخارجية عقب الاستقلال وأحد الوجوه الرئيسية التي وقفت وراء حركة عدم الانحياز ومنحت أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية صوتا على الساحة العالمية.

ناصر بوتفليقة الدول التي ظهرت في أعقاب العصر الاستعماري وتحدى ما اعتبرها هيمنة من جانب الولايات المتحدة وساعد في جعل بلده مهدا للتوجهات المثالية في ستينيات القرن العشرين.

واستقبل بوتفليقة تشي غيفارا، وتلقى نلسون مانديلا في شبابه أول تدريب عسكري له في الجزائر. ومنحت البلاد حق اللجوء للناشط والكاتب الأميركي إلدريدج كليفر الذي كان من أوائل قادة حزب الفهود السود. واستقبل كليفر في البيت الآمن الذي كان يقيم فيه في العاصمة الجزائرية الناشط الأميركي تيموثي ليري المدافع عن تعاطي المخدرات في العلاج النفسي وأحد قيادات حركة الثقافة المضادة في الولايات المتحدة.

ودعا بوتفليقة بصفته رئيسا للجمعية العامة للأمم المتحدة ياسر عرفات لإلقاء خطاب أمام المنظمة الدولية في عام 1974 في خطوة تاريخية صوب الاعتراف الدولي بالقضية الفلسطينية.

إلا أنه بنهاية سبعينيات القرن الماضي انقلبت الأمور على بوتفليقة في الداخل وسافر للعيش خارج البلاد. ثم عاد إلى الحياة العامة خلال صراع مع متشددين إسلاميين سقط فيه ما يقدر نحو 200 ألف قتيل.

وانتخب بوتفليقة رئيسا للمرة الأولى عام 1999 وتفاوض على هدنة لإنهاء القتال وانتزع السلطة من المؤسسة الحاكمة التي تكتنفها السرية وترتكز على الجيش.

وبفضل إيرادات النفط والغاز تحسنت الأوضاع في الجزائر وعمها قدر أكبر من السلام وأصبحت أكثر ثراء. لكن لا يزال الفساد والركود السياسي والاقتصادي متفشيا فيها في منطقة أدت الانتفاضات الشعبية بها إلى تغيير نظم الحكم في دول مجاورة.

وبفضل الحماية التي وفرتها احتياطيات النقد الأجنبي الضخمة المتاحة لها وتخوف شعبها من الاضطرابات الشديدة بعد الحرب الأهلية، تجنبت الجزائر انتفاضات “الربيع العربي” التي أطاحت بقادة دول أخرى في المنطقة في العام 2011.

غير أن الاحتجاجات على سوء مستويات المعيشة ونقص فرص العمل والخدمات أصبحت شائعة ويتطلع المستثمرون الأجانب إلى تطبيق إصلاحات اقتصادية تقضي على البيروقراطية التي تعوق النشاط في كثير من الأحيان.

* متحدث باسم العالم الثالث
يقول بعض المؤرخين إن بوتفليقة ولد في تلمسان في غرب الجزائر غير أن آخرين يقولون إن وجدة الواقعة على الحدود المغربية هي مسقط رأسه.

وفي سن التاسعة عشرة انضم بوتفليقة إلى الثورة على الحكم الفرنسي تحت حماية هواري بومدين القائد الثوري الذي أصبح رئيسا للجزائر فيما بعد.

وبعد الاستقلال أصبح بوتفليقة وزيرا للشباب والسياحة وهو في الخامسة والعشرين من عمره. وفي العام التالي عُين وزيرا للخارجية.

وأصبح بوتفليقة بملابسه الأنيقة والنظارات الشمسية التي راجت في الستينيات متحدثا باسم الدول التي خرجت للنور بعد انتهاء الحكم الاستعماري. ومنحته السمعة التي اكتسبتها الجزائر من هزيمة فرنسا سلطة إضافية.

وطالب بوتفليقة بأن تحصل الصين الشيوعية على مقعد في الأمم المتحدة. وندد بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

وأثارت دعوة عرفات لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة عاصفة. فقبل عامين فقط من ذلك الحدث احتجز مسلحون فلسطينيون أعضاء في الفريق الرياضي الإسرائيلي في دورة الألعاب الأولمبية في ميونيخ رهائن وقتلوهم.

وشاهد بوتفليقة من منصة الرئاسة عرفات وهو يخاطب الجمعية العامة في نيويورك متمنطقا بجراب مسدس.

وعندما خطف إليتش راميريز سانشيز المعروف بكارلوس الثعلب والمؤيد للقضية الفلسطينية وزراء نفط من اجتماع لأوبك في فيينا عام 1975 طالب بنقله جوا مع الرهائن إلى مدينة الجزائر. والتقطت الكاميرات لقطات لبوتفليقة وهو يعانق كارلوس في المطار قبل أن يجلس الاثنان للتفاوض على إطلاق سراح الرهائن.

* العودة من المنفى
عندما توفي بومدين عام 1978 فقد بوتفليقة مرشده، وتم عزله من منصب وزير الخارجية وبدأ التحقيق معه في مخالفات مالية. وقال بوتفليقة إن هذه الاتهامات ملفقة في إطار مؤامرة سياسية.

وغادر الجزائر في أوائل الثمانينيات واستقر في دبي حيث أصبح مستشارا لأحد أفراد الأسرة الحاكمة في الإمارة. وعاد إلى وطنه في عام 1987 لكنه عزف عن الأضواء ورفض عروضا لشغل مناصب حكومية.

في الوقت نفسه كانت الأوضاع قد بدأت تتدهور في الجزائر. وألغت الحكومة المدعومة من المؤسسة العسكرية انتخابات برلمانية في عام 1992 كان الإسلاميون على وشك الفوز فيها. وفيما أعقب ذلك من صراع وقعت مذابح راح ضحيتها سكان قرى بكاملها وتعرض المدنيون في شوارع المدن للذبح.

وبدعم من الجيش انتخب بوتفليقة رئيسا للبلاد في عام 1999 بعد أن تعهد بوقف القتال. وفي مواجهة معارضة ضارية من مؤسسة الحكم أصدر عفوا عن المتشددين الذين ألقوا السلاح. وانحسر العنف بصورة كبيرة.

وأعيد انتخابه في عام 2004 ثم في عام 2009 رغم أن خصومه قالوا إن الانتخابات شهدت تزويرا. ومن خلال سلسلة من المعارك الضارية على النفوذ مع قوى الأمن خلف الكواليس أصبح بوتفليقة مع بداية فترة ولايته الثالثة أقوى رئيس تشهده الجزائر على مدار 30 عاما.

وفي العام الماضي شدد قبضته على السلطة بعزل أكثر من عشرة من كبار قيادات الجيش.

ولا يعرف شيء يذكر عن حياته الخاصة. فلا تذكر السجلات الرسمية له زوجة رغم أن البعض يقولون إنه تزوج عام 1990. وعاش بوتفليقة مع والدته منصورية في شقة فب مدينة الجزائر حيث اعتادت أن تعد له الطعام.

وحل به كبر السن والمرض. وأجرى أطباء فرنسيون جراحة له في عام 2005 لعلاج ما وصفه مسؤولون بقرحة في المعدة. وجاء في برقيات دبلوماسية أميركية مسربة أنه مصاب بالسرطان. ونال منه الضعف بعد أن توفيت والدته في عام 2009.

وقال بوتفليقة في خطاب ألقاه في سطيف في شرق الجزائر في مايو أيار عام 2012 إن الوقت قد حان لأن يسلم جيله الراية لقيادات جديدة.

وبعد شهور وفي أوائل عام 2013 أصيب بجلطة دخل على إثرها مستشفى في باريس لمدة ثلاثة أشهر. ولم يشاهد علانية إلا قليلا منذ ذلك الحين بعد عودته للجزائر للنقاهة.

Optimized by Optimole