“واشنطن بوست”: لماذا يتمسك ترامب بدواء محفوف بالمخاطر في علاج كورونا؟

“واشنطن بوست”: لماذا يتمسك ترامب بدواء محفوف بالمخاطر في علاج كورونا؟
Spread the love

دعا ترامب المصابين بفيروس كورونا إلى تناول دواء “هيدروكسي كلوروكوين” بالتشاور مع أطبائهم على الرغم من آثاره الجانبية خصوصاً على مرضى القلب.

ترجمة: د.هيثم مزاحم/

قالت صحيفة “واشنطن بوست” في تحقيق مطول لعدد من مراسليها إن الرئيس الأميركي دونالد ترام قد وجد في دواء “هيدروكسي كلوروكوين” حلاً سحرياً لمواجهة تفشي وباء كورونا والذي سبب انهياراً اقتصادياً. فقد سمع ترامب عن هذا العقار المخصص لمكافحة الملاريا والمثير للجدل على الهاتف من أصدقاء له في نيويورك، بمن فيهم محاميه الشخصي رودولف جولياني، العمدة السابق لمدينة نيويورك. كما سمع عن ذلك في اجتماعات البيت الأبيض من بعض المستشارين الحريصين على إرضاء رئيسهم، الذين يشاركون الحديث عن مزايا هذا الدواء في علاج مرضى فيروس كورونا المعروف علمياً بـ”كوفيد 19″. وهو يسمع عن ذلك على شاشة التلفزيون، من الأطباء في قناة فوكس نيوز الذين يروجون لفعالية هذا العقار.

فقد زارت المقدمة لورا إنغراهام في قناة فوكس برفقة طبيبين من الضيوف المنتظمين على هواء القناة البيت الأبيض يوم الجمعة الماضي لعقد اجتماع خاص مع ترامب للتحدث عن الدواء، وذلك وفقاً لمسؤولين في البيت الأبيض وشخص آخر على دراية بالاجتماع.

وقالت الصحيفة إن دواء هيدروكسي كلوروكين هو علاج غير مثبت لـفيروس كورونا covid19 وهو لا يزال في مراحل الاختبار، وله آثاراً جانبية خطيرة للبعض، والمحترفين الطبيين منقسمون حول قدرته. وقد ناشد خبير الأمراض المعدية في فريق عمل ترامب لمواجهة الفيروس المستجد، د. أنتوني فوشي، الرئيس بشكل خاص أن يكون أكثر حذراً.

لكن ترامب – الذي قال بشكل مشهور إنه يثق في غريزته أكثر من أي شيء يمكن أن يقدمه له الخبير – يسمح مرة أخرى لدوافعه بتوجيه ما يقوله لأمة في حال الإغلاق متلهفة للعودة إلى وضعها الطبيعي.

ففي الأيام العديدة الماضية، كان ترامب يدعو الأشخاص المصابين بفيروس كورونا إلى تناول “هيدروكسي كلوروكوين” بالتشاور مع أطبائهم. ولاحظ يوم الأحد أن “الكثير من الناس يقولون: يجب على المرضى تناول الدواء، ووصفه بأنه “شيء خاص للغاية”.

وقد كرر الرئيس مراراً القول: “ما الذي ستخسره؟” إذا تناولت الدواء.

ورأت “واشنطن بوست” أن تبني ترامب السريع لهيدروكسي كلوروكين – بالإضافة إلى دواء أزيثروميسين، الذي وصفه بأنه “واحد من أكبر العوامل التي تغير قواعد اللعبة في تاريخ الطب” – يوضح الدرجة التي يعطي الرئيس فيها الأولوية للحكايات والشعور على العلم والحقيقة. كما أثار الأمر انقساماً مذموماً داخل البيت الأبيض المحاصر بالفعل حيث يكافح لتعويض الوقت الضائع في إبطاء انتشار الفيروس.

وكثيراً ما اختلف الرئيس مع العلماء أو قوض قيادة الجهود ضد الفيروس، من المراوغة حول ارتداء أقنعة في الأماكن العامة إلى الضغط المتكرر لإعادة فتح الأعمال في وقت أقرب مما نصحه خبراء الصحة العامة.

ولا يزال هيدروكسي كلوروكوين قيد الدراسة لفعاليته في علاج كوفيد 19، المرض الذي يسببه الفيروس، لكن إدارة الغذاء والدواء أقرت بالفعل هذا الدواء لاستخدامه على أمراض الملاريا والذئبة والتهاب المفاصل الروماتويدي. وهذا يعني أن الأطباء يمكن أن يصفوا الدواء لعلاج مرض كورونا. كما أذنت الوكالة بالاستخدام الطارئ للدواء من المخزون الوطني الاستراتيجي لبعض المرضى في المستشفيات.

ويُقال إن العديد من الأطباء يأخذون الدواء بأنفسهم كإجراء وقائي محتمل ويعطونه لمرضاهم، وخاصة في نيويورك، التي لديها حتى الآن أكبر عدد من حالات الإصابة بفيروس كورونا في البلاد.

وقال كينيث إي راسك، الرئيس التنفيذي لجمعية مستشفيات نيويورك الكبرى، التي تمثل جميع مستشفيات مدينة نيويورك، إن الأطباء ذكروا أن الهيئة المحكمة لم تعتمد الدواء بعد. ومع ذلك، قال إنه لا يعتقد أن الآثار الجانبية ضارة إلى حد يجب تجنب تناوله.

وقال راسك “نحن نستخدم تلك الأدوية على نطاق واسع. ليس الأمر كما لو كانت محادثة بعيدة. كان الدواء موجوداً منذ فترة طويلة”.

وخلال عطلة نهاية الأسبوع، قرر فريق عمل ترامب الإسراع في توصيل “هيدروكسي كلوروكوين” إلى المستشفيات والصيدليات في منطقة نيويورك وديترويت ونيو أورلينز وغيرها من المناطق الساخنة لتفشي فيروس كورونا، شريطة أن يتم إعطاء الدواء للمرضى فقط بناء على نصيحة أطبائهم.

وقال بيتر نافارو المستشار التجاري الذي عين مؤخراً منسق سياسة الإنتاج الدفاعي للإدارة في مقابلة “في وقت السلم سيكون النهج المحافظ صحيحاً. في زمن الحرب، مع احتمال وقوع إصابات جماعية، قد تضطر إلى أن تكون أكثر ميلاً للتقدم إلى الأمام وأن تقبل مخاطر إضافية”.

جاء هذا الإجراء بعد أن اجتمع ترامب مع المذيعة إنغراهام، التي كانت تروج بحماسة لدواء هيدروكسي كلوروكين في الساعة 10 مساء. وقد أحضرت ضيفين من برنامجها هما رامين أوسكوي، أخصائي أمراض القلب ومقره واشنطن، وستيفن سميث، اختصاصي الأمراض المعدية ومقره نيوجيرسي – وطلب ترامب حضور مفوض إدارة الغذاء والدواء ستيفن هان أيضاً.

وقدم سميث عرضاُ تفصيلياً لترامب حول وجهة نظره بشأن العلاج، مع التركيز على فوائد “هيدروكسي كلوروكوين” بناء على تجاربه ودراساته الخاصة، وذلك بحسب ما نقله مسؤولان في البيت الأبيض وشخص مطلع على الاجتماع للصحيفة. وقالوا إن ترامب استمع باهتمام، وخرج من ذلك الاجتماع مصمماً على ما يبدو على الدفاع عن استخدام الدواء على نطاق أوسع.

وقال سميث إنه عالج أكثر من 100 مريض مصاب بـفيروس كورونا، وإنه عرض لترامب من خلال جدول بيانات ووثائق أخرى حول كيفية عمل “هيدروكسي كلوروكين” واستخداماته أثناء الاستشفاء. وأضاف: “أنا رجل ينظر إلى البيانات. جئت كعالم وطبيب. تدربت تحت إشراف دكتور أنتوني فوشي وأحترمه كثيراً”. ووصف هان بأنه “داعم” لاستخدام الدواء.

ورفضت إدارة الغذاء والدواء الأميركية التعليق على الاجتماع. وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية إن الجلسة كانت على ما يبدو محاولة للضغط على ترامب لزيادة دعمه العام للدواء. وقال المسؤول، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، إن هان كان مرناً في التعامل مع الدواء لكنه لم يكن مرتاحاً لتأييده قبل الانتهاء من التقييمات الطبية له.  

وخلال اجتماع فريق العمل يوم السبت، دفع نافارو بقوة من أجل الدواء. وظهر مع ملف من الإحصائيات والأوراق ليجادل بقوة في قضية استخدام الدواء ودخل في معركة مع فوشي حول فعاليته. وقال في مقابلة الإثنين: “أعتقد أن التاريخ سيحكم على من هو على حق في هذا النقاش، لكنني أراهن على حدس الرئيس ترامب في هذا النقاش”.

وكان الانقسام بين إيمان ترامب في دواء غير مثبت وتحفظ خبراء الصحة العامة على تأييده واضحاً في المؤتمر الصحافي في البيت الأبيض يوم الأحد، عندما سأل مراسل CNN فوشي عن رأيه بشأن دواء “هيدروكسي كلوروكوين، إذ قاطعه ترامب وقال إن فوشي ليس عليه أن يجيب على السؤال، ووبخ المراسل لسؤاله، وظل فوشي صامتاً.

ولدواء “هيدروكسي كلوروكوين  Hydroxychloroquine عدد من الآثار الجانبية الخطيرة، وأهمها تأثيره على ضبط النظام الكهربائي للقلب، وفقًا لمارك غلادوين، رئيس قسم الطب في كلية الطب بجامعة بيتسبرغ. وقال إن هذا يزيد من خطر الإصابة باضطراب نظم القلب – عدم انتظام ضربات القلب – التي يمكن أن تكون قاتلة.

وقال غلادوين إنه مع وصول العديد من مرضى فيروس كورونا إلى المستشفيات في حالات الطوارئ، فإنه ليس من الممكن دائماً للأطباء معرفة الأدوية الأخرى التي يتناولها المريض أو إجراء مخطط لكهرباء القلب، مما يجعل استخدام الدواء خطيراً.

ونظراً لأن “هيدروكسي كلوروكوين” لم تتم دراسته في أبحاث علمية واسعة النطاق، لا يستطيع الأطباء معرفة الجرعة المناسبة لأي مريض مصاب بفيروس كورونا. وقد يتسبب المرض في التهاب عضلة القلب، في بعض المرضى الأكثر خطورة.

وقال غلادوين: “ربما يكون القلب متورطاً بالفعل في هذا الفيروس.. ليس لدينا أي فكرة عما سيفعله ذلك في وضع مريض مصاب بـكوفيد 19”.

وقال سكوت غوتليب، الذي عمل كمفوض لإدارة الغذاء والدواء (FDA) في وقت سابق في إدارة ترامب، إن البيانات الخاصة بـ”هيدروكسي كلوروكوين” “أولية للغاية” وقد تم استخدام الدواء على نطاق واسع في الولايات المتحدة وأوروبا من دون “أي فائدة واضحة”. وقال إن بيانات التجارب السريرية مطلوبة. وأضاف: “يجب أن نركز على الأدوية التي من المرجح أن تكون قادرة على التغيير”، مثل أدوية الأجسام المضادة قيد الدراسة.

وقال المتحدث باسم إدارة الغذاء والدواء الأميركية مايكل فيلبرباوم “إن دور إدارة الغذاء والدواء هو اتخاذ قرارات مستقلة قائمة على العلم لتقديم علاجات جديدة للمرضى في أسرع وقت ممكن، بينما تدعم في الوقت نفسه إجراء أبحاث لتقييم ما إذا كانت هذه الإجراءات الطبية المضادة آمنة وفعالة من أجل علاج المرضى المصابين بهذا الفيروس الجديد”.

وقال بعض حلفاء الرئيس إن تركيز ترامب على “هيدروكسي كلوروكين” ينبع من مكان اليأس والتفاؤل بأن الدواء سيعمل، حتى لو لم يكن العلم قاطعاً بذلك. وكما قال أحد الأشخاص: “إن الرئيس يعيش في عالم من الرغبات والأمل”.

وضغط ترامب على هان لإصدار تصريحات أكثر ملاءمة بشأن “هيدروكسي كلوروكين”، وفقاً لمسؤولين في البيت الأبيض على علم بالمناقشات.

وفي بعض الأحيان، شعر ترامب بالإحباط لأن بعض الأطباء في إدارته – بما في ذلك هان وفوشي – قد اعترفوا بشكل خاص بأن هناك بعض الأدلة القصصية على أن الدواء قد يعمل، ولكن لن يصرح بذلك علناً في المؤتمرات الصحافية للرئيس.

وظهر متحدث منتظم آخر في قناة فوكس نيوز، عالِم الأورام ومقره نيويورك، ويليام غريس، فجأة كصوت مؤثر في مدار ترامب على الرغم من عدم وجود روابط رسمية له بالحكومة. وظهر غريس بانتظام في عرض إنغراهام وهي تروج لهيدروكسي كلوروكوين.

وقال غريس في مقابلة إنه فيما كان يتتبع الوباء باعتباره “طبيباً مهتماً”، وأصبح مقتنعاً بأن “الأدوية تعمل، وأن عدداً أقل من الناس يضطرون للذهاب إلى أجهزة التنفس في أماكن مثل مستشفى لينوكس هيل”.

وأضاف: “لا أعرف مؤسسة واحدة في أي مكان لا تعالج المرضى الداخليين بهيدروكسي كلوروكوين. يتم استخدامه بسرعة كبيرة في كل مكان. لم يسبق لك أن رأيت مثل هذه السرعة”.

وقال بيتر لوري ، أحد كبار المسؤولين في إدارة الغذاء والدواء في إدارة أوباما والذي يشغل الآن منصب رئيس مركز العلوم في المصلحة العامة، إنه قلق من أن حملة ترامب من أجل “هيدروكسي كلوروكوين” تقوض الفلسفة الأساسية لإدارة الغذاء والدواء بشأن الموافقة على الأدوية.

وأوضح لوري: “عندما يقول الرئيس: “ما الذي ستخسره؟”، هذا يختلف اختلافاً كبيراً عما تحاول الوكالات القائمة على العلم توصيله إلى الجمهور منذ عقود.

المصدر: الميادين نت

Optimized by Optimole