سلمان…الملك القوي

سلمان…الملك القوي
Spread the love

بقلم: ماتياس زايلَر – ترجمة: رائد الباش — عن موقع القنطرة — استمر تركيز السلطة وتوسيع النفوذ السياسي ضمن فرع الملك سلمان داخل العائلة المالكة بشكل ممنهج في السعودية، خصوصا بعد قرارات وإعفاءات وتعيينات وترقيات أصدرها سلمان. فيما تواجه العائلة الحاكمة مجازفة كبيرة في سياق الإصلاحات الاقتصادية الطموحة المعتزمة، لأن فرصها تتراوح بين التأثير الإيجابي على سوق العمل أو الفشل، كما يعتبر الباحث السياسي الألماني ماتياس زايلَر في رؤيته التحليلية التالية لموقع قنطرة.

منذ وفاة الملك السعودي الأوَّل عبد العزيز آل سعود في عام 1953 تم حكم البلاد بالتناوب من قبل بعض أبنائه البالغ عددهم أكثر من ثلاثين ابنًا. ومعظمهم أسَّسوا عائلات خاصة بهم، من بينها عائلاتٌ طوَّرت نفسها على مدى عقود من الزمن لتتحوَّل إلى مراكز القوى الرئيسية في البلاد.
والعائلات الأكثر ثراءً وقوةً تقاسمت إدارة أهم الوزارات ومختلف مؤسَّسات الدولة بين بعضها. وعلى هذا النحو فقد بات من الممكن أن تُعزى في الغالب وبكلِّ وضوح بعضُ مجالات السياسية، مثل الأمن الداخلي والدفاع وكذلك بعض مجالات السياسة الخارجية، إلى مجالات اختصاص فروع معيَّنة من أسرة آل سعود.

وإذا أراد الملكُ أو أحد الأمراء توسيع نفوذ عائلته، فعندئذ يجب عليه أن يتأكَّد دائمًا من أنَّ باقي فروع العائلة المالكة قد تم إرضاؤها من خلال منحها مناصب أخرى أو من خلال التعويضات المالية. وهذا التوازن المستمر بين موازين القوى داخل العائلة المالكة، والذي يندرج ضمنه أيضًا توزيع عائدات النفط، لا يزال حتى يومنا هذا من أهم عوامل استقرار حكم آل سعود.

تركيز السلطة في يد قلة من الأمراء
أدَّى التقدُّم التدريجي في سنِّ أبناء الملك عبد العزيز آل سعود خاصة منذ عام 2011 إلى زيادة تركيز السلطة في يدِّ عدد قليل من الأمراء. في شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2011 توفي -في سنِّ متقدِّمة وبعد صراع طويل مع المرض- الأمير سلطان بن عبد العزيز، وهو واحدٌ من أقوى أمراء العائلة المالكة السعودية. ومع الأمير سلطان، الذي كان طيلة عقود من الزمن وزيرًا للدفاع وولي العهد والمسؤول عن السياسة السعودية تجاه اليمن، خسرت هذه الدولة الخليجية واحدًا من أهم مراكز قوَّتها السياسية.

لم يكن بوسع أي من أبنائه ملأ هذه الفجوة، ولهذا السبب فقد خسرت عائلة سلطان نفوذها بعد وفاته. وبعد نحو ثمانية أشهر توفي الأمير نايف بن عبد العزيز، الذي كان وزيرًا قويًا للداخلية وولي العهد. ولكن تمكَّن ابنه محمد بن نايف، الذي يحظى بتقدير كبير في المملكة العربية السعودية وكذلك لدى حليفتها المهمة الولايات المتَّحدة الأمريكية -نظراً لنجاحه في محاربة تنظيم القاعدة- من المحافظة على مركز قوَّته وقوَّة عائلته.

جنازة الملك عبد الله بن عبد العزيز في الرياض في يناير/ كانون الثاني 2015…فترة تحوُّل سياسي في المملكة العربية السعودية: بعدما توفي في شهر كانون الثاني/يناير 2015 الملك عبد الله بن عبد العزيز اختفى في هذه المملكة الخليجية مركز قوة ثانٍ. وفي عهد الملك الجدد والحالي، الملك سلمان بن عبد العزيز، فقدت عائلة الملك المتوفى عبد الله الكثير من سلطتها. أمَّا ما تبقى من نفوذها فيمارسه في المقام الأوَّل ابن عبد الله، الأمير متعب بن عبد الله، وهو رئيس الحرس الوطني السعودي.

والأمير محمد بن نايف يترأس وزارة الداخلية المُتدَخِّلة في كلِّ مكان، وهو كذلك رئيس مجلس الشؤون السياسية والأمنية السعودي، كما أنَّه منذ شهر نيسان/أبريل 2015 ولي العهد الرسمي. ومنذ عام 2013 أصبح شقيقه سعود بن نايف أميرَ المنطقة الشرقية المهمة، التي يوجد فيها القسم الأكبر من احتياطيات النفط في البلاد، حيث تعتبر الأقلية الشيعية قوية بشكل خاص.

اختفى مركز قوةٍ ثانٍ في شهر كانون الثاني/يناير 2015، وذلك بعدما توفي الملك عبد الله بن عبد العزيز. وفي عهد الملك الجدد والحالي سلمان بن عبد العزيز فقدت عائلة الملك المتوفى عبد الله بن عبد العزيز الكثير من سلطتها. أمَّا ما تبقى من نفوذها فيمارسه في المقام الأوَّل ابن عبد الله، الأمير متعب بن عبد الله، وهو رئيس الحرس الوطني السعودي.

وهناك ابن آخر للملك السابق عبد الله، هو الأمير عبد العزيز بن عبد الله، نائب وزير الخارجية. وكذلك حدثت في رئاسة وزارة الخارجية تغييرات كبيرة. فحتى عام 2015 كان يترأسها الأمير سعود الفيصل بن عبد العزيز، وهو أحد أبناء الملك الأسبق فيصل بن عبد العزيز.

ولكن بعد وفاة الأمير سعود الفيصل في شهر تمُّوز/يوليو 2015 قام الملك سلمان بتعيين الدبلوماسي عادل الجبير وزيرًا للخارجية، مع أنَّه لا ينتمي إلى العائلة المالكة. وبهذا فقد خسر أيضًا مع عائلة الملك فيصل مركزُ القوة الثالث في المملكة العربية السعودية الكثير من نفوذه. وبالتالي فقد تَرَكَّز الجزء الأكبر من السلطة السياسية لدى عائلتي الأمير نايف والملك سلمان.

“رؤية 2030 – برنامج إصلاحات طموح لكنه محفوف بالمجازفة”
ولكن منذ تولي الملك سلمان منصبه باتت عائلته توسِّع نفوذها السياسي بشكل منهجي وحتى على حساب عائلة الأمير نايف. يبلغ عمر ابن الملك سلمان الأكثر شهرة، الأمير محمد بن سلمان، واحدًا وثلاثين عامًا وهو ولي ولي العهد ووزير الدفاع ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية وكذلك عضو مجلس الشؤون السياسية والأمنية السعودي. وفي وسائل الإعلام السعودية تم ربط وجهه بشكل وثيق مع التدخُّل العسكري السعودي في اليمن.

وكذلك “رؤية 2030″، التي تُمثِّل برنامجًا طموحًا بشكل غير عادي من أجل إصلاح الاقتصاد السعودي المعتمد على النفط، هي أيضًا مشروعه الاستعراضي. وعلى الرغم من أنَّ الأمير محمد بن سلمان قد تم تقديمه بهذا النحو على أنَّه شخص جريء وسريع المبادرة، وربَّما بإمكانه حتى أن ينازع الأمير محمد بن نايف على ولاية العهد، ولكن التطوُّرات المرتبطة به وغير الواعدة كثيرًا بالنجاح في حرب اليمن باتت تؤثِّر عليه أيضًا.

وينطبق الشيء نفسه على “رؤية 2030″، التي تنتج عنها حزمةُ إصلاحات تثقل على كاهل السعوديين بتدابير تقشُّف مزعجة، من الممكن أن يكون لها ​​في أحسن الأحوال على المدى المتوسِّط والطويل آثار إيجابية على سوق العمل. وفي أسوأ الأحوال يمكن أن يفشل هذا المشروع فشلاً تامًا.

مصفاة نفط في منطقة الظهران السعودية…أهداف التحوَّل الاقتصادي الطموحة: من خلال برنامج الإصلاحات “رؤية 2030” تسعى هذه المملكة الخليجة إلى تحديث اقتصادها وخفض اعتمادها على النفط. ونظرًا إلى انخفاض أسعار النفط وارتفاع الديون الحكومية فمن المقرَّر أن يقل اعتماد الاقتصاد على النفط خلال الأعوام الأربعة عشر المقبلة. وحاليًا تُمثِّل صادرات النفط نحو تسعين في المائة من إيرادات المملكة العربية السعودية.

وفي ظلِّ هذه التطوُّرات بات بإمكان المرء ابتداءً من النصف الثاني من عام 2016 مشاهدة ظهور الأمير محمد بن نايف مرة أخرى بشكل أقوى أمام الجمهور، بعدما كان من النادر ظهوره أمام الجمهور في الأشهر السابقة. وحتى وقت قصير كان المراقبون في الرياض يؤكِّدون على أنَّ هذا الأمير استعاد نفوذه مقابل الأمير محمد بن سلمان. ولذلك تزداد أهمية القرارات الصادرة بمرسوم من الملك سلمان في الثاني والعشرين من نيسان/أبريل 2017.
وشملت هذه القرارات تعيين شقيق الأمير محمد بن سلمان، الأمير خالد بن سلمان، سفيرًا جديدًا للسعودية في الولايات المتَّحدة الأمريكية. وبالتالي فإنَّ العلاقات مع الضامن الأكثر أهمية لأمن السعودية بات يتم تركيزها أكثر في يد عائلة سلمان. وذلك لأنَّ وزير الخارجية السعودي، الذي كان بين عامي 2007 و2015 سفير السعودية في الولايات المتَّحدة الأمريكية، يُعتبر بسبب عدم انتمائه إلى أعضاء العائلة المالكة أكثر ارتباطًا بالخط السياسي للملك سلمان مما كانت عليه الحال لدى سلفه الأمير سعود الفيصل.

زيادة قوة عائلة سلمان
تزيد من قوة عائلة سلمان سلسلةٌ من قرارات أخرى خاصة بالإعفاءات والتعيينات في المملكة. فعلى سبيل المثال تمت ترقية المتحدِّث السابق باسم التحالف العسكري بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن، اللواء أحمد العسيري، إلى نائب رئيس الاستخبارات، وترقية قائد العمليات الخاصة المشتركة في اليمن، اللواء فهد بن تركي بن عبد العزيز، إلى قائد القوَّات البرِّية السعودية. وقد عمل كلاهما بشكل وثيق في حرب اليمن مع الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز.

ومن المثير أيضًا للانتباه الآن تعيين الأمير أحمد بن فهد بن سلمان بالذات نائبًا لأمير المنطقة الشرقية المنحدر من عائلة الأمير نايف بن عبد العزيز. وكذلك تعيين الأمير عبد العزيز بن سلمان، وهو أخ آخر للأمير محمد بن سلمان، بمنصب وزير الدولة لشؤون الطاقة.
وبالإضافة إلى هذه القرارات الخاصة بالإعفاءات والتعيينات فقد تم تأسيس هيئة جديدة باسم “مركز الأمن الوطني”، لا تزال مجالات اختصاصاتها غير واضحة بالتحديد. ولكن من الواضح أنَّ هذا المركز يخضع لقصر الملك. ومع ذلك فمن غير الواضح كيف ينبغي عزل هذا المركز عن مجلس الشؤون السياسية والأمنية، الذي يترأسه الأمير محمد بن نايف.

برنامج إصلاحات محفوف بالمجازفة: الأهداف المعلن عنها من قبل ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يمكن اعتبارها على المدى البعيد تدابير راديكالية: فمن المفترض أن تتم زيادة القطاع الخاص من 40 في المائة إلى 60 في المائة، وخفض معدل البطالة من 11 في المائة إلى 7,6 في المائة. وكذلك سيتم إنقاص الدعم الحكومي عن الكهرباء والماء، وخفض أجور الخدمة العامة بشكل كبير جزئيًا. وابتداء من عام 2018 سيتم إدخال ضريبة القيمة المضافة.

ولكن نظرًا إلى ما سبق ذكره من تطوُّرات سياسية في السلطة فيتعيَّن على المرء ألاَّ يستبعد أنَّ هذه الهيئة تهدف -من خلال إنشاء هياكل موازية- إلى إضعاف الأمير محمد بن نايف أكثر، بعدما كانت مسؤوليته الأساسية حتى الآن هي الأمن الداخلي.

وجميع هذه القرارات تزيد من تركيز السلطة السياسية في المملكة العربية السعودية في فرع سلمان من العائلة المالكة أكثر مما كانت عليه الحال في السابق. ونظرًا إلى الاقتطاعات المادية المرتبطة بـ”رؤية 2030” والمفروضة على عامة الناس (في حال استمرار تنفيذها)، فإنَّ أبناء الملك سلمان باتوا بذلك معرَّضين لخطر سياسي كبير. لأنَّهم يخلقون من خلال ذلك توترات مع الفروع الأخرى من العائلة المالكة وكذلك مع الشعب.

ومن أجل الحدِّ من الاستياء فقد رافقت التغييرات المذكورة أيضًا تدابير أخرى، تمثَّلت في: ترقية الكثيرين خاصة من الأمراء الشباب المنحدرين من الفروع الأخرى للعائلة المالكة وتعيينهم نوابًّا لأمراء المناطق وأمراءَ لمناطق في المملكة بالإضافة إلى تقديم هبات مالية لموظفي القطاع العام.

المصدر: موقع قنطرة
ar.Qantara.de