الى أين يقود حزب الاتحاد الديمقراطي الكرد في سوريا؟

الى أين يقود حزب الاتحاد الديمقراطي الكرد في سوريا؟
Spread the love

ypd

بقلم: مصطفى عبدي* –استطاع حزب الاتحاد الديمقراطي الصعود الى واجهة الاحداث التي تتصدر المشهد السوري كأحد أبرز الأطراف اثارة للجدل والذي فرض نفسه بقوة في تطورات الاحداث الجارية مع غياب أية بوادر حل جدية توقف الحرب والاقتتال في سوريا التي يواصل فيها النظام قصف وقتل شعبه، الى جانب تشتت المعارضة التي مارست هي الاخرى انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان في مناطق سيطرتها، وارتباطاتها مع اطراف دولية تساهم في تعقيد الوضع المتأزم اصلاً خدمة لمخططاتها دون أن نغفل دور جبهة النصرة التي ترفض المعارضة الانفكاك عنها، وتنظيم الدولة الإسلامية الذي تتقبله أطراف عدة من المعارضة ضمنياً معتبرين أن ثورتهم قامت لاسقاط النظام وليس محاربة الدولة الإسلامية.

حزب الاتحاد الديمقراطي حزب حديث النشأة مقارنة مع الاحزاب الكردية الاخرى، اعلن عن تشكيله في العام /2003/ وارتفعت شعبيته ليصبح أحد ابرز الاحزاب الكردية في سوريا وبشكل خاص بعد ثورتها، ولا سيما وان ذراعه العسكري المتمثل بوحدات حماية الشعب والذي تؤكد تصريحات قادته ان اعدادهم تتجاوز ال 50 الف اثبتوا جدارتهم وقوتهم في الوقوف في وجه التنظيمات المتطرفة ومنها الدولة الإسلامية وهزيمتهم في الكثير من المعارك التي خاضها ضدهم بدءا من كوباني الى الحسكة والشدادي وتل ابيض وسد تشرين وحلب ومنبج، اضافة لمعاركه ضد النظام السوري.

الصعود العسكري لحزب PYD، ترافق مع صعوده السياسي من خلال قدرته على ضبط المناطق التي يديرها سياسيا، وأمنيا وخدميا وقدرته على اعادة الحياة والاستقرار الى المدن التي يحررها، وهو ما لعب دورا مهما في تودد الغرب اليه، وخاصة مع فشل المعارضة السورية في تحقيق أي استقرار في مناطق سيطرتها، فحزب ب ي د استطاع بناء مؤسسات وتشكيل مجالس مدنية، وادارية بمشاركة مكونات المنطقة في الشمال السوري الذي سماها غربي كردستان او روجافا، كما وأن قواته العسكرية، وحدات حماية الشعب هي أكثر شركاء الولايات المتحدة فاعلية في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية الذي زار كبار مسؤوليهم اكثر من مرة كوباني، واقيمت عدة مطارات لهم في مناطق سيطرتها، ومع ذلك فإن تركيا تعتبرها جماعة إرهابية بسبب صلاتها المزعومة بحزب العمال الكردستاني الذي يطالب بالحكم الذاتي للكرد في تركية.

وأدى تأسيس قوات سوريا الديمقراطية اواخر 2015 إلى انضمام فصائل عربية رسميا إلى وحدات حماية الشعب في الحملة التي تدعمها الولايات المتحدة على تنظيم الدولة الإسلامية وهو من الاعتبارات المهمة التي مهدت دخول هذه الفوات مناطق تقطنها أغلبية عربية.

تعرّض حزب الاتحاد الديمقراطي منذ تأسيسه لحملات قمع وملاحقات أمنيّة من قبل فروع المخابرات السورية وكان نشاطه محظوراً، وتم اعتقال أكثر من 2000 شخص من اعضائه، بينهم العشرات من القياديين، وظل عناصره ملاحقين وتم اعتقال العضو الأسبق في مجلس الشعب السوري اوسمان دادالي من قبل الامن الجوي في كوباني وكان من أهم قادة ب ي د وجرت تصفيته تحت التعذيب في حلب، كما وتمت ملاحقة صالح مسلم الزعيم الحالي للحزب والذي تمكن من الفرار قبيل ساعات من مداهمة منزله في كوباني فاعتقلت زوجته عائشة أفندي.

مع اندلاع ثورات الربيع العربي وهبوب رياح التغيير وجد PYD الظرف مناسبا للاستفادة من الأوضاع، فرحّب بهذه الثوارات، وسخر اعلامه للدعوة للثورة ضد النظام وجعل قنواته التلفزيونية بتصرف المعارضين السوريين واستضاف العشرات منهم ضمن فقرات البث باللغة العربية.

وشكلت انطلاقة الثورة السورية في اذار 2011، نقطة ارتكاز مهمة للحزب، الذي تنفس الصعداء واوعز لعناصره بالتظاهر، وان كان قبل ذلك التاريخ ينظم تظاهرات مسائية تطالب بالحقوق الثقافية والقومية للكرد، وتندد بما كانوا يصفونه المؤامرة الدولية التي ادت لاعتقال زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله اوجلان من قبل تركية ودور سوريا في ذلك، وكانت تطالب بالافراج عن المعتقلين الكرد، وتندد بجريمة قتل المناضل اوسمان دادالي في السجن والذي تحولت جنازته لتظاهرة كبيرة شارك فيها الالاف من ابناء كوباني ورفعت فيها شعارات مناهضة للنظام الذي غاب عناصره تماما عن مراسم التشييع.

رغم أن اولى التظاهرات ضد النظام في المدن الكردية انطلقت في اوائل نيسان من قبل مجموعات شبابية، لكن انصار حزب ب ي د سبقوهم بتظاهرات خرجت منذ اول ايام الثورة وان كانت بشعارات مختلفة عن التي كانت تنظمها “التنسيقيات” فتظاهرات ب ي د شملت مختلف المدن الكردية في الجزيرة، وكوباني وعفرين وامتدت الى حلب حيث كانت تنظم في الشيخ مقصود تظاهرات سبقت تظاهرات الاحياء الأخرى بأشهر.

ب ي د لم يكن يلتزم بالتظاهر يوم الجمعة بشكل دائم كما جرت عادة التظاهرات في المدن السورية، ولم يلتزم ايضا بشعاراتهم وكان ينشر في اعلامه أنها بقيادة الاخوان المسلمين، ويسعون لاقامة نظام حكم اسلامي، وكان يتهمها بانها تحمل طابع جهادي وترفع اعلام تركية، وصور رئيسها اردوغان الذي ينظر الكرد اليه، كنظرة العرب لاسرائيل، وفي 20 نيسان 2011 نظم انصار ب ي د تظاهرات في المدن الكردية تحت اسم جمعة هنا كردستان، رافعين شعارات ما اطلقوا عليه ثورة روجافا.

في 19 تموز 2012، وتزامنا مع عقد اولى جولات التفاوض بين النظام والمعارضة في جنيف، اعلن انصار حزب ب ي د انتصار ثورتهم ضد النظام، وتمكنوا خلال 48 ساعة من السيطرة على مفارزه الامنية، والخدمية في غالب مدن الجزيرة، وكوباني وعفرين رافعين العلم الكردي على تلك المقرات، هذه التطورات تم التهميد لها قبل أشهر، حينما بدأت خلايا الحزب بنشر قواتها الامنية في المدن الكردية، وقامت بوضع حواجز داخل الاحياء، وفي مداخل ومخارج المدن بدون أن تسجل اية حالات تصادم مع النظام الذي انكمش الى داخل مقراته.

وتمكن ب ي د تدريجيا من ملئ الفراغ الامني الذي خلفه رحيل النظام وركز على بناء قواته الامنية / الاسايش/ والعسكرية /وحدات حماية الشعب/ والتي كانت دعامة حماية ضد الاعتداءات المتوقعة من قبل النظام، لكن ما ظهر لاحقا أثبت أن فصائل المعارضة السورية المسلحة هي التي بدأت بشن هجمات ضد المنطقة الكردية خاصة وان وحدات الحماية لم تقبل الانخراط في حروبهم ضد النظام، او ضد بعضهم بعضا، وفضلت العمل منفردا في حماية مناطق سيطرتها ضاربة بيد من حديد اي تواجد عسكري خارج تنظيمها.

الصعود العسكري، والامني لحزب ب ي د والذي لم يرق للمعارضة السورية التي غاب عنها أي خطاب مطمأن للاقليات رافقه صعود سياسي، فعمل ب ي د على تطوير شبكاته الاعلامية، المحلية وتوسيع علاقاته الدبلوماسية في الدول الاوربية وبدأ مصطلح غرب كردستان يأخذ مكانه في الاعلام والتداول حتى أن الفصائل العربية المتآلفة التي اعلنت حصار كوباني بدءا من حزيران 2013 ادرجت بند / منع تداول مصطلح غربي كردستان/ في بنود الاتفاق العشرة لوقف الحصار، حينها شاركت جبهة النصرة، وتنظيم الدولة الإسلامية ايضا في المفاوضات.

لاحقا بدأ قادة ب ي د يتحدوثون عن البدأ باعداد دستور لتنظيم الحياة في المنطقة الكردية حتى جاءت معركة سري كاني الاولى، والثانية لتشكل بداية تأزم العلاقات بشكل عميق بين المعارضة السورية وحزب ب ي د، وخاصة وانها انتهت بانتصار عسكري كبير لوحدات الحماية على جبهة النصرة واشقائها بعد معارك استمرت شهرا، ولتمتد الاحداث الى تل ابيض، حيث قامت الفصائل التي كانت تحكمها حينها وابرزها/ جبهة النصرة، الدولة الإسلامية، احرار الشام / بعملية تطهير عرقية للكرد من المدينة، واعتقلت المئات من الشباب وهجرت عوائلهم الى الحدود التركية وبدأت بشن هجمات على قرى ريف كوباني الشرقي، والغربي، وعفرين، مع تطبيق سياسة فرض الحصار على المدنيين، وهو السلاح الذي يستخدمه النظام ضد المدنيين ايضا.

الجيش الحر، ثم جبهة النصرة، ولاحقا الدولة الإسلامية تناوبوا على الحرب وفرض حصار المنطقة الكردية والذي شمل الغذاء والدواء وحليب الاطفال وحركة المدنيين الذي اعتقل المئات منهم وما يزال مصير العشرات منهم مجهولا حتى اليوم.

مشروع الادارة الذاتية:
تم طرح مشروع “الإدارة الذاتية الديمقراطية” في صيف عام 2013 من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي وعرض على الأحزاب والحركات السياسية والشبابية والنسائية وعلى مستوى غالب المكونات من كرد وعرب وسريان وآشور وأرمن وشيشان وغيرهم وبعد العديد من النقاشات تم الإعلان عن الإدارة الذاتية في اواخر كانون الاول 2013، بالتزامن مع استئناف الجولة الثانية من مفاوضات جنيف بين النظام ومعارضيه، الاعلان جاء ضمن كم هائل من التحديات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والخدمية في ظل غياب شبه كامل لمؤسسات رسمية فعالة على مستوى المنطقة، حيث تم التنظيم الاداري باختيار مجلس تشريعي، ومجلس تنفيذي، وتم إنشاء الهيئات والمؤسسات التابعة لها بما يملأ شتى جوانب وقطاعات الحياة بإمكانات متواضعة بدأت بالتمدد تدريجياً وحسب احتياجات المجتمع، الذي كان يعاني تهديداُ مباشراً من الجماعات المتطرفة على كامل حدود المنطقة الكردية فتم ايلاء الناحيتين العسكرية والأمنية الاهتمام الأكبر، ونجحت الادارة في سن قوانين، وتشريعات تنفيذية وفي إجراء الانتخابات البلدية وادخال المناهج التعليمية الكُردية إلى المدارس وتنظيم قطاع التعليم.
المعارضة السورية رفضت مشروع الادارة الذاتية واعتبرته يهدف لاقتطاع جزء من الاراضي السورية وخطوة نحو التقسيم وتناغم موقفها مع موقف النظام، فيما ب ي د ظل يصر انه يقدم مشروع حل ينهي الازمة السورية، تتضمن انتقالا ديمقراطيا، وشدد مسؤولوه مرارا أنهم يسعون إلى ترسيخ سورية ديمقراطية موحدة ومتنوعة في آن، ويعملون لتعميم نموذجهم لسورية المستقبل وفق قاعدة الجمهورية الديمقراطية والإدارة الذاتية المجتمعية.
شكلت الحرب على كوباني اولى أهم تحديات هذه الادارة، ولا سيما وأن تنظيم الدولة الإسلامية خطط لها بدعم دول اقليمية لافشال هذا المشروع، ليشكل انتصارها بدعم الولايات المتحدة واقليم كردستان انتصارا للمشروع الكردي في سوريا، وهو الانتصار الذي بدأ من حدود كوباني، ووصلها بالجزيرة بتحرير تل ابيض والتي شكلت اولى ركائز بناء الاقليم الكردي في سوريا، ثم التخطيط لربطه بعفرين من خلال معارك غربي الفرات وخاصة بعد تحرير مدينة منبج.
وترافق صعود دور الكرد في سوريا بارتفاع حدة شوفينية الاعلام الثوري، ومواقف نخب المعارضة السورية، التي كانت تتصاعد مع خبر تحرير اي مدينة سورية وتخليص اهلها من الدولة الإسلامية، باتهامات التطهير العرقي والاعتقالات والحرق والنهب.

مجلس سوريا الديمقراطي:
تأسس مجلس سوريا الديمقراطي بعد دعوة وجهتها حركة المجتمع الديمقراطي بعقد مؤتمر لعدد من اطياف من المعارضة السورية تحت شعار “معاً نحو بناء سورية حرة وديمقراطية” في مدينة ديريك بتاريخ 2015/12/9 تأسيس المجلس تزامن مع انعقاد مؤتمر الرياض للمعارضة السورية، الذي انبثق عنه هيئة عليا للتفاوض مع النظام لاستئناف مفاوضات جنيف.
وأعلن في نهاية أعمال المؤتمر عن ولادة مجلس سوريا الديمقراطي وجاء في ورقته السياسية انه ” مشروع سياسي وطني ديمقراطي سوري يعمل على ضم كل المكونات المجتمعية والكيانات السياسية في هذه المرحلة الاستثنائية المصيرية”، المؤتمر اعتبر ايضا مظلة سياسية لقوات سورية الديمقراطية التي تشكل وحدات الحماية أكبر قوة نيران فيها وهي صاحبة أكبر نفوذ رغم أنها لا تتصدر المشهد العام.

اعلان الفدرالية:
رغم أن تصريحات قادة حزب ب ي د كانت ترفض مقترح الفدرالية ضمناً، لكن سرعان ما قامت المنسقية العامة لمناطق الإدارة الذاتية بدعوة غالب المكونات والقوى السياسية والأحزاب والفعاليات المجتمعية في هذه المناطق وفي المناطق التي تم تحريرها مؤخرا من قبل قوات سوريا الديمقراطية في (مناطق الشهباء) من أجل عقد اجتماع موسع للتباحث حول نظام إدارة مناطق روج آفا- شمال سوريا يكون بمثابة أنموذج حل للأزمة السورية مستقبلاً، وبعد مناقشات على مدار يومي 16 و17 آذار 2016 تم الاتفاق على تأسيس نظام فيدرالي ديمقراطي لروج آفا-شمال سوريا وانتخاب رئاسة المشتركة للمجلس وهيئة تنظيمية تتألف من 31 عضواً كلفت بإعداد عقد اجتماعي ورؤية قانونية سياسية شاملة لهذا النظام في مدة لا تتجاوز ستة أشهر.

واكتسبت خطة الفدرالية أهمية أكبر بعد أن حقق تحالف قوات سوريا الديمقراطية تقدما جديدا سريعا باتجاه الغرب مؤخرا باتجاه منبح ومنها لعفرين في آخر موطئ قدم لتنظيم الدولة الإسلامية على الحدود التركية.
ويقول قادة ب ي د ان الاتحاد الفيدرالي سيصون حقوق كل الجماعات العرقية الأمر الذي يسمح للتجمعات السكانية بأن تحكم نفسها وتمثل نموذجا لتسوية الحرب السورية في نهاية الأمر، ويتوقعون ان يكسب المشروع الدعم الدولي والإقليمي والداخلي، باعتبارها فدرالية مكونات.
بكلّ حالٍ لا يُبدي الكُرد في سورية قلقاً بخصوص المستقبل. فهم يؤمنون بقدرتهم على كسب التّحديات إذا ما حُلّت الأزمة السوريّة. يثق معظمهم بقدرتهم على “لعب السياسة”. وهم يجدون أن حصولهم على “الفدرالية، والادارة الذاتية” حقّ مشروع، ورغم الخلافات السياسية وعدم وجود اتفاق كردي – كردي وهو ما يعيق الاستقرار السياسي، فإن الاحزاب الكردية متفقة تماما حول حق الفدرالية، كأول خطوة نحو استحصال كامل الحق الكردي في القسم الاصغر من كردستان المحلق بسورية.

*كاتب سوري كردي