“حماس” ومنظمة التحرير بين التنافس والتعاون

“حماس” ومنظمة التحرير بين التنافس والتعاون
Spread the love

بقلم: د.عقل صلاح* — لقد اتخذت جامعة الدول العربية عام 1963 قرارًا بتعيين أحمد الشقيري مندوبًا لفلسطين لدى الجامعة العربية، وتكليفه بزيارة الدول العربية لبحث أوضاع القضية الفلسطينية والاتصال بالتجمعات الفلسطينية من أجل عقد المؤتمر الذي حضره أربعمائة وعشرة أعضاء والذي عقد في القدس في الثامن والعشرين من أيار/مايو 1964، والذي تم فيه الإعلان عن تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة الشقيري. ومن ثم بدأت المنظمة بتولي العمل السياسي والإعلامي وتشكيل جيش التحرير الفلسطيني، فقد تمكن الشقيري من إنشاء المنظمة على أرض الواقع مستفيدًا من الدعم المصري (1). وفي مؤتمر القمة العربية الثاني الذي عقد في الإسكندرية في نفس العام حصلت المنظمة على الشرعية العربية (2).
لقد تباينت مواقف القوى السياسية الفلسطينية من تشكيل منظمة التحرير، فقد أعلنت حركة فتح عن إصرارها أن يكون الكيان ثوريًا ومرتكزًا على الثورة المسلحة وليس بديلًا عنها، وتحفظت على فكرة إجراء إنتخابات عامة لعقد المؤتمر الوطني التأسيسي، مبررة بأن الإنتخابات ستنبش الأحقاد والتحزب الأعمى وستنحي العناصر الثورية الأصلية لأنها لا تملك وسائل التأثير المادية. أما موقف الإخوان فكان الخوف والتوجس من المنظمة التي دعمها الرئيس عبد الناصر، وربما رأى الإخوان في المنظمة منافسًا لهم يملك الإمكانيات والمؤسسات والدعم الرسمي العربي والدولي إضافة إلى الميزانية الكبيرة التي أتيحت للمنظمة، فلم يشارك الإخوان في مسيرة المنظمة منذ إنشائها (3).
ومن ثم جاءت هزيمة 1967 والتي احتلت على إثرها إسرائيل ما تبقى من أرض فلسطين، فاعتبرت جماعة الإخوان أن هذه الهزيمة “انتقامًا إلهيًا لما حدث لجماعتهم ولتعذيبهم في السجون، من قبل الرئيس الراحل عبد الناصر، واعتبروا بعد الدولة عن الإيمان وعدم تطبيق الشرع الإلهي السبب الأول للهزيمة” (4).
وخلال هذه المرحلة لم تستهدف إسرائيل للحركة وإنما انشغلت باستهداف فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، فلم يعارض الاحتلال أي نشاط للإخوان، وهناك عدة تفسيرات لذلك؛ أولها عدم تبني الإخوان في تلك الفترة للمقاومة والجهاد ضد الاحتلال على خلاف منظمة التحرير الفلسطينية، واستخدام إسرائيل للفتاوى الدينية ولأيديولوجية الإخوان ضد فصائل منظمة التحرير وبالأخص قوى اليسار، فكانت علاقة إسرائيل بالإخوان مرهونة بموقفهم من منظمة التحرير، فقد غضت النظر عن أنشطتهم عندما كانوا على عداء مع المنظمة، ولاحقتهم عندما خفت حدة العداء(5) أن عدم مشاركة الحركة قبل انطلاقتها في الجهاد ضد الاحتلال كان خوفًا من أن يقوم الاحتلال باستهداف مؤسسات الحركة كرد فعل على المقاومة التي تؤمن جزءًا كبيرًا من الدعم الشعبي للحركة.
فالرؤية الإسرائيلية تفسر بأن حركة الإخوان بدأت بالتجهيز للعمل العسكري المقاوم، بناءً على حرب لبنان عام 1982 التي تم على إثرها طرد قيادات منظمة التحرير وإخلاء مقراتهم من لبنان مما عزز بدوره لدى الإخوان أن المنظمة اقتربت من النهاية بسبب إفلاسها العسكري والأيديولوجي، فبدأ الإخوان بالتحرك من أجل إعداد أنفسهم بديلًا للمنظمة (6). وتجدر الإشارة هنا إلى أن حركة الإخوان لم تشارك في العمل العسكري المقاوم من بعد نكبة 48 ونكسة 67 وحتى بدأ الإنتفاضة عام1987، وإنما كانت منشغلة بالأمور الدعوية وبتوسيع نشاطاتها الإجتماعية والثقافية والخدماتية، التي تهدف بشكل أساسي إلى الحشد والتعبئة الشعبية.
وبعد شهر واحد من اندلاع الإنتفاضة، شكلت قوى منظمة التحرير الفلسطينية ما عرف بالقيادة الوطنية الموحدة المكونة من كل من حركة فتح، والجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، والحزب الشيوعي سابقًا (7). فقد استطاعت القيادة الموحدة أن تفرض نفسها ضمن أحداث الإنتفاضة فكونت قيادات فرعية في كل المحافظات، وأحاطت نفسها بمجموعة واسعة من اللجان والمؤسسات مما مكنها من تطبيق شعاراتها ونداءاتها على أرض الواقع، وحرصت القيادة الموحدة في بياناتها على التزامها بالمنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، إلا أن حركتي حماس والجهاد الإسلامي رفضتا الانضمام إلى القيادة الموحدة (8). فحماس فضلت العمل لوحدها وعدم الانطواء تحت راية القيادة الوطنية الموحدة فاستمرت بالعمل وحدها دون التنسيق مع القيادة من أجل أن تثبت نفسها كقوة رئيسة موازية أو بديلة للقيادة (9).
لقد تعرضت حماس للنقد قبل تشكيل القيادة الموحدة فاتهمت من قبل حركة فتح بأن إسرائيل هي التي مهدت لإنشائها من أجل انقسام الإنتفاضة، وإضعاف منظمة التحرير الفلسطينية، إضافة لإنتقادها بعدم ممارستها للعمل الوطني. وازدادت وتيرة الإنتقادات بعد تشكيل القيادة الموحدة، بسبب منافسة حماس للقيادة من خلال طرح برامج وتحديد أيام إضراب تتناقض مع ما تطرحه القيادة الموحدة في محاولة منها لفرض سيطرتها على الشارع الفلسطيني (10)
خلال هذه المرحلة بدأت حركة حماس وبشكل واضح بمنافسة الأطر المنطوية تحت لواء منظمة التحرير، إذ لم يكن رفضها المشاركة بالقيادة الموحدة رفضًا قائمًا على الأيديولوجيا لأنها في الوقت نفسه لم تتعاون مع الجهاد الإسلامي التي تشترك معها بنفس الأيديولوجيا، وهذا يبين رغبة الحركة بشق طريقها وإثبات نفسها بشكل منفرد حتى تطرح نفسها بديلًا عن منظمة التحرير.
وبعد ثمانية أشهر على تأسيس حركة حماس أي في آب/أغسطس 1988، قامت الحركة بإصدار ميثاقها الذي يستمد مبادئه من فكر الإخوان المسلمين، إلا أنه كان على غرار الميثاق الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير ولكن برؤية دينية. ومن هنا نجد أن نجم حماس بدأ بالصعود بقوة، مستفيدة من تغير هيكل الفرص لصالحها، باتخاذها موقفًا رافضًا من اتفاق أوسلو وإصرارها على نهج المقاومة كطريق وحيد لتحرير فلسطين على عكس منظمة التحرير التي رأت في المفاوضات طريقًا لإقامة الدولة الفلسطينية على أجزاء من فلسطين التاريخية.
إن إصدار حماس لميثاقها الخاص جاء بسبب رفضها للانضمام لأي أطر أو هياكل تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، لأن الحركة لم تعترف بالمنظمة كممثلًا شرعيًا ووحيدًا للشعب الفلسطيني، وباءت كل محاولات انضمامها للمنظمة بالفشل. فمعوقات انضمام الحركة للمنظمة – من وجهة نظرها – تقوم على ثلاثة ركائز، الأولى نهج المنظمة العلماني وعدم التزامها بالنهج الإسلامي، والثانية برنامجها السياسي المتعلق بالتسوية مع الاحتلال (11)، والثالثة نسبة تمثيلها بالمنظمة، فقد اشترطت الحركة أن تمثل بنسبة تتراوح بين أربعين وخمسين بالمائة (12).
أما فيما يتعلق بعلاقة الحركة بمنظمة التحرير من الناحية النظرية وفقًا للميثاق، فيطمئن الميثاق السابق في بداية مادته السابعة والعشرون بأن الحركة ترى في منظمة التحرير الأب أو الأخ أو القريب أو الصديق، ولكن تعود الحركة في نفس المادة وتبين بأنها لا يمكن لها أن تستبدل إسلامية فلسطين الحالية والمستقبلية لتتبنى الفكرة العلمانية. وهذا ما يؤكده تصريح الشهيد الشيخ ياسين بأنه” لا يمكن القبول بمنظمة التحرير ممثلًا للشعب الفلسطيني إلا إذا أصبحت إسلامية”. لكن الشيخ غير موقفه تجاه المنظمة في تصريح له مع صحيفة الشعب في أيلول/سبتمبر 1988 بأن ” المنظمة تمثل الشعب الفلسطيني لكن مع بعض التحفظات على خطها السياسي”(13)
وفي عام 1991 قامت حماس بالتحالف مع الفصائل الوطنية واليسارية مشكلين جبهة العشرة رفضاً لقرار المجلس الوطني الفلسطيني بالمشاركة في مؤتمرالسلام (14). فربما استمدت حماس نهج التحالف مع الحركات غير الإسلامية من التوجهات البراغماتية للشيخ البنا الذي أجاز المشاركة والتحالف مع غير الإسلاميين لاستغلال قدراتهم الكامنة من أجل التقدم لمصلحة الحركات الإسلامية (15). بعد دخولها حماس ميدان المقاومة، بدأت تغير نظرتها تجاه الحركات الأخرى، محولة جهودها من استهداف اليسار إلى استهداف الاحتلال الإسرائيلي. مما دفعها لإصدار المذكرة التعريفية عام 1993 – التي تعتبر نصًا سياسيًا مقارنة بالميثاق الذي يعتبر نصًا فكريًا – هي ملحق سياسي يناقض بعض بنود الميثاق، لتوضيح موقفها من قضايا مختلفة أبرزها موقفها من القوى الوطنية الذي تغير على الصعيد العملي – مقارنة بموقفها الذي كان مشروطًا في الميثاق – بناءً على التغيرات على الساحة السياسية المتمثلة بمؤتمر مدريد واتفاق أوسلو، فكان لابد للحركة من إصدار المذكرة لتفسير هذا التغير، بدلًا من إلغاء أو تعديل بنود الميثاق.فمصلحة الحركة من تحالف العشرة ليس فقط حشد جهود كافة الفصائل من أجل وقف مشروع السلام الذي يهدف لتصفية القضية الفلسطينية الذي دعمته منظمة التحرير، وإنما أيضًا لاستثمار أخطاء منظمة التحرير لصالحها .
كما أن صبغ الميثاق بالصبغة الدينية كان لعدة اعتبارات، أولها أن الحركة هي حركة إسلامية، وثانيها -ربما لإعطاء مبرر لوجود ميثاق آخر، لمنافسة ميثاق منظمة التحرير الذي وصفته الحركة بالميثاق العلماني كون المنظمة لا تضم ضمن أطرها أي فصيل إسلامي، فربما وجدت الحركة في نفسها البديل الإسلامي للمنظمة. وثالثها وفقًا لمؤسسي الحركة هو مقارعة الأيديولوجية الصهيونية المبنية على مصطلحات ذات مرجعية دينية مماثلة (16).
وفي المذكرة التعريفية السابقة للحركة التي صدرت بعد الميثاق بخمس سنوات، وضحت الحركة بأنها ترى أن ساحة العمل السياسي تتسع لكل الأطياف السياسية، وعلى جميع التنظيمات العمل على وحدة العمل الوطني، فالحركة تسعى للتعاون والتنسيق مع مختلف القوى في مواجهة العدو وتصعيد المقاومة من غير تمييز ديني أو عرقي وذلك بناءً على القاعدة التي تقول “نتعاون فيما نتفق عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما نختلف فيه”.
وبخصوص علاقتها بمنظمة التحرير، أوردت المذكرة التعريفية أن الحركة لا مانع لديها من الإنضمام للمنظمة على أساس التزامها بالعمل على تحرير فلسطين، وعدم الاعتراف بالعدو الصهيوني وإعطائه شرعية الوجود على أي جزء من فلسطين(17).
لقد تنازلت الحركة عن الجانب الأيديولوجي المتعلق بإسلامية منظمة التحرير كشرط للانضمام لأطرها، حيث بدأت الحركة في هذه المرحلة بتغليب السياسي على الأيديولوجي، ويتضح ذلك من خلال تغييرها لموقفها من القوى الوطنية الفلسطينية المبني على أسس عقائدية والموضح في الميثاق، إلى قبول الآخر متجاوزة الأيديولوجيا في النص السياسي للمذكرة التعريفية من أجل تحقيق هدف وطني يتمثل بتحرير فلسطين من الاحتلال.
ويستند الشهيد القائد جمال منصور في تحليله لموقف الحركة من التعددية والمشاركة السياسية على موقف الحركة الأم– الإخوان المسلمين – التي أقرت بوضوح أنها تقبل بالتعددية السياسية والاعتراف بالآخر، وما يترتب على ذلك من قبول لمبدأ التداول السلمي للسلطة، والذي لاقى قبولًا واسعًا عند الحركة (18). ففي حوار مع القائد أسامة حمدان حول كيفية تعامل الحركة مع الفصائل والقوى الفلسطينية بعدما فازت الحركة في الانتخابات التشريعية الثانية، بين أنه” بعد الفوز مباشرةً دعونا إلى شراكة وطنية تشارك بها كل القوى الفلسطينية، وقلنا إن ما حققته حماس من إنجاز يزيد من مسؤولياتها أكثر مما يعطيها امتيازات، والدعوة للشراكة ليست جديدة بالنسبة لنا، فقد كنا فاعلين في تشكيل لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية في فلسطين في ظل الانتفاضة الثانية. كما أننا كنا شركاء في القرار الوطني في آذار 2005 بإعادة بناء منظمة التحرير على أسس سياسية وتنظيمية وديمقراطية، حيث تشارك في ذلك كل القوى الفلسطينية (19).
وكان اعتراف حماس بالمنظمة كممثل للشعب الفلسطيني مشروطًا بعدم الاعتراف بإسرائيل، وعدم التخلي عن الكفاح من أجل التحرير. لقد رفضت حماس حق المنظمة في أن تكون ممثلة للفلسطينيين، ويتضح ذلك من تصريح الشهيد القائد عبد العزيز الرنتيسي في أيلول/سبتمبر عام 1993 “إذا ادعت منظمة التحرير أنها تمثل الشعب الفلسطيني عندما كانت تسعى لتحرير فلسطين، فبأي حق تدعي الآن أنها تمثل الشعب الفلسطيني بعد أن اعترفت بإسرائيل وأعطتها كل فلسطين”. فقضية الشرعية اكتسبت زخمًا لدى الحركة لأنها أصبحت تعبر عن رأي الكثير من الفلسطينيين الذين شاركوها موقفها بعدم الموافقة على قرارمنظمة التحرير بقبول اتفاق أوسلو، وقد أعلن المتحدثون باسم حماس عن الحاجة إلى قيادة جديدة لأن” الشعب الفلسطيني ….قد أصبح بلا قيادة…”(20).
وبعد نشأة السلطة الفلسطينية عام 1994 اختارت حماس عدم تحدي المنظمة لدرجة كبيرة، وركزت على الحفاظ على وحدة الصف الفلسطيني والتأكيد غير المباشر على أنها لا تطمح للحلول مكان أي أحد. إلا أن منظمة التحرير كانت تدرك جيدًا الخطر الذي تمثله حماس، فأحد الأسباب التي دفعت المنظمة للشروع في المفاوضات مع إسرائيل هو خوفها من أن يتم تجاوزها من قبل حماس، وبالتالي أملت منظمة التحرير في استعادة أهميتها من خلال المشاركة في المفاوضات(21).
وخلاصة، لقد استلزم حماس أربعة مراحل للنضوج فيما يتعلق بالتعددية والمشاركة السياسية وتقبل الآخر، فالحركة انتقلت من مرحلة الجمود الفكري وعدم الاعتراف بالآخر ومحاولة أسلمة المجتمع (الإسلام هو الحل)، والتي امتدت منذ نشأة حركة الإخوان الفلسطينية وحتى بدايات إصدار حماس للميثاق، لتدخل الحركة مرحلة الوسطية وتقبلها للآخر بشروط والتي بدأت مع ممارستها للعمل المقاوم. ومن ثم بدأت الحركة تبدي مرونة بتغليبها السياسي على الأيديولوجي وتنازلها عن الالتزام بالثوابت الإسلامية كشرط للتعاون مع غير الاسلامي، وذلك من خلال تحالف الفصائل العشرة عام 1991 والذي ضم الفصائل اليسارية، وتعزز ذلك باصدارها للوثيقة التعريفية عام 1993 التي دشنت فيها الحركة بدايات عملها كحركة سياسية متجاوزة جمودها الفكري فأصبحت تشكل المعارضة الأولى على الساحة الفلسطينية.
أما المرحلة الرابعة وهي الأهم في تاريخ الحركة التي نتج عنها إعلان وثيقتها الجديدة في الأول من أيار/مايو 2017. وفي الوثيقة الجديدة حددت حماس موقفها من العديد من القضايا أهمها اعترافها بمنظمة التحرير، وقبولها في حدود الـ67 وفك الارتباط “العلني” بجماعة الإخوان المسلمين وغيرها من القضايا التي تعبر عن تطويع الحركة لأفكارها ومجاراتها للتغيرات الإقليمية والدولية، ومتنازلة عن جميع الشروط والثوابت السابقة وأهمها عدم اعتراف المنظمة في إسرائيل وتحرير فلسطين كل فلسطين. ولكن الحركة أبقت على شرط نسبة تمثيلها في منظمة التحرير وهذا يدلل على أن حماس مايهمها هو مصالحها السياسية.
وبخصوص الموقف الجديد لحماس من منظمة التحرير الذي أوضحته الوثيقة الجديدة في البند التاسع والعشرين بأن “منظمة التحرير الفلسطينية إطار وطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يجب المحافظة عليه، مع ضرورة العمل على تطويرها وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية، تضمن مشاركة جميع مكونات وقوى الشعب الفلسطيني، وبما يحافظ على الحقوق الفلسطينية”(22).
إن هذا الموقف الجديد لحماس تجاه المنظمة يؤكد أن الفصائل الفلسطينية تعمل بمعادلة العامل الزمني فمنظمة التحرير التي كانت حماس ترفض الانضمام لها كانت في السابق ترفع شعار البندقية وترفض الاعتراف في إسرائيل. واليوم تجمد المنظمة أموال الفصائل المنطوية تحت مظلتها بناء على طلب أمريكي-إسرائيلي، وتنسق أمنيًا مع إسرائيل، وتستنكر العمل العسكري وتؤمن بأن المفاوضات هي الطريق الوحيد لاستعادة الحقوق الفلسطينية المسلوبة.
فمنمظة التحرير اليوم لم يتبقَ لها ميثاق ولا بندقية، وحتى غصن الزيتون أحرقته إسرائيل وتبقى اسمها فقط بعد إفراغها من كل محتواها القومي والوطني، وسيطر عليها الرئيس محمود عباس فهو المتحكم باجتماعاتها وأموالها وكل مكوناتها السياسية، حتى أضحت المنظمة منظمة القائد وليس الفصائل والكل الوطني. إن موافقة حماس اليوم للانضمام لمنظمة التحرير يشير إلى أنها حسمت أمرها تجاه تكيف سياساتها وتطويع أفكارها نحو الاعتدال والدخول في الحياة السياسية الفلسطينية الرسمية الكاملة، وذلك من أجل السيطرة على المنظمة بطرق سلمية وتدريجية، ومن ثم التفاوض مع إسرائيل باسم المنظمة.
حاليًا تعتبر منظمة التحرير التي تريد حماس الانضمام إليها من وجهة نظر سكانها الأصليين غير صالحة للسكن، حيث يفكر سكانها بافراغها وهدمها وإعادة بنائها على الأسس والثوابت الوطنية التي انطلقت من أجلها. فالجبهة الشعبية التي تسكن في الطابق الثاني والتي تعتبر من المؤسسين للمنظمة تم قطع مخصصاتها من قبل رئيسها فعن أي منظمة تتحدث حماس اليوم. إن المطلوب من حماس إعادة التحالف مع كل القوى الوطنية للضغط من أجل بناء المنظمة من جديد وإلغاء التحكم فيها من قبل تنظيم واحد أو قائد واحد.
ففي تصريح حديث لصلاح البردويل عضو المكتب السياسي لحركة حماس بين فيه “أن منظمة التحرير الفلسطينية تحولت إلى مشروع من مشروعات السلطة وهي تحت عباءة رئيس السلطة محمود عباس”.(23) إذن ما الفائدة من انضمام حماس للمنظمة التي يتحدث عنها البردويل
وفي نفس السياق، أكدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على لسان عضو مكتبها السياسي رباح مهنا بأن ” رئيس السلطة محمود عباس يقدم بذلك أوراق اعتماده للولايات المتحدة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي كـمحارب للإرهاب”. (24)
ففي البند الحادي والعشرون من الوثيقة الجديدة تؤكد حركة حماس على رفضها التام لاتفاقات أوسلو وملحقاتها وما ترتب عليها من التزامات تتناقض مع مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه (25). فقبول حماس الانضمام للمنظمة يناقض البند التاسع والعشرين في وثيقتها الجديدة، حيث أن منظمة التحرير هي التي وقعت اتفاق أوسلو مع إسرائيل عام1993 ومازالت ملتزمة في الاتفاق، وتفاوض منذ ذلك الوقت وحتى اليوم. فهل انضمام حماس للمنظمة لا يتعارض مع رفضها لاتفاق أوسلو، وفي حال انضمت حماس للمنظمة وحصلت انتخابات وفازت حماس برئاسة المنظمة، فهل يعني ذلك أنها ستلغي اتفاق أوسلو وتقطع العلاقات مع إسرائيل، وتسحب الاعتراف بإسرائيل، وتمنع التنسيق الأمني، أم سوف تفاوض هي باسم المنظمة وتقول نحن نفاوض باسم المنظمة ممثلة الشعب الفلسطيني وليس باسم حماس.
ويهمنا في هذا السياق أن نشير إلى أن جماعة الاخوان المسلمين في مصر كانت من أشد المعارضين لاتفاقية كامب ديفيد وطالبت بإلغائها، إلا أنها عندما وصلت سدة الحكم لم تلغ الاتفاقية وقالت إنها ملتزمة في العهود والاتفاقيات التي وقعت عليها الدولة .
لقد حاولت حماس منذ نشأتها منافسة منظمة التحرير وفرض نفسها بديلًا عنها، إلا أنها لم تنجح كون جميع الفصائل والقوى الوطنية ما عدا حركة الجهاد منطوية تحت لوائها. لذلك قررت حماس التوقف عن منافستها والانضمام لصفوفها من أجل تحقيق أهدافها السياسية المتثلة في الانخراط في الحياة السياسية الرسمية الكاملة.

*كاتب وباحث فلسطيني.
[email protected]
الهوامش:
1- كفاح حرب عودة، أحداث حزيران 2007 في قطاع غزة وتأثيرها على المشروع الوطني الفلسطيني “استراتيجيًا وتكتيكيًا، رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية: كلية الدراسات العليا، برنامج التخطيط والتنمية السياسية، 2009، صص 60-61.
2- نعمان عبد الهادي فيصل، الانقسام الفلسطيني في عهد الانتداب البريطاني وفي ظل السلطة الوطنية الفلسطينية: دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، جامعة الأزهر: كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية، برنامج ماجستير العلوم السياسية، 2012، ص 124.
3- المرجع السابق، ص 125.
4- مجدي نجم عيسى، المشاركة السياسية لحركة حماس في النظام السياسي الفلسطيني ما بين التمسك الأيديولوجي والبراغماتية السياسية، رسالة ماجستير، جامعة بيرزيت: كلية الدراسات العليا، برنامج الدراسات العربية المعاصرة، 2007، ص18.
5- المرجع السابق، ص 26.
6- شاؤول مشعال وابرهام سيلع، وعلي بدوان (معلق)، عصر حماس، الخليل- ترجمة خاصة، دمشق: دار صفحات للدراسات والنشر،1999، ص54
7- رجب حسن البابا، جهود حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الإنتفاضة الفلسطينية: 1987-1994م، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية: كلية الآداب، قسم التاريخ والآثار، 2010، ص58.
8- ممدوح نوفل، البحث عن الدولة، رام الله: مواطن المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية، ط 1، 2000، صص 126-127.
9- مجدي نجم عيسى، المشاركة السياسية لحركة حماس في النظام السياسي الفلسطيني ما بين التمسك الأيديولوجي والبراغماتية السياسية، مرجع سبق ذكره، ص 50.
10- شاؤول مشعال وابرهام سيلع، وعلي بدوان (معلق)، عصر حماس، مرجع سبق ذكره، ص 59.
11- نهاد الشيخ خليل، موقف الشيخ أحمد ياسين من الوحدة الوطنية، مؤتمر الإمام الشيخ أحمد ياسين، غزة: الجامعة الإسلامية، 2005، صص 1258-1259.
12- رجب حسن البابا، جهود حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الإنتفاضة الفلسطينية: 1987-1994م، مرجع سبق ذكره، ص 226.
13- نهاد الشيخ خليل، موقف الشيخ أحمد ياسين من الوحدة الوطنية، مرجع سبق ذكره، صص 1258-1259.
14-رجب حسن البابا، جهود حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الإنتفاضة الفلسطينية: 1987-1994م، مرجع سبق ذكره، ص 226.
15- شاؤول مشعال وابرهام سيلع، وعلي بدوان (معلق)، عصر حماس، مرجع سبق ذكره، ص 152.
16- المرجع السابق، ص 152.
17- المرجع السابق.
18- جمال منصور، التحول الديمقراطي الفلسطيني: وجهة نظر إسلامية، أوراق في الفكر والسياسة الإسلامية الفلسطينية المعاصرة (4)، نابلس: مركز البحوث والدراسات الفلسطينية، آذار/مارس 1999،ص72.
19-مجلة تحولات، “حوار مع أسامة حمدان ممثل حركة حماس في لبنان”،مجلة تحولات، عدد 10، نيسان/أبريل 2006.
20- M F Buan, Hamas’s Resistance to the Oslo Agreement, , Master Thesis, University of Oslo: Department of Political Science, Peace and Conflict Studies, Dec. 2005, pp 63- 64.
21-Ibid, p 64
22- وثيقة حماس الجديدة وثيقة “المبادئ والسياسات العامة”، البند التاسع والعشرين، 1 أيار/مايو2017.
23- الرسالة نت، البردويل: منظمة التحرير تحولت لمشروع سلطة تحت عباءة عباس، 25نيسان /ابريل2017،http://alresalah.ps/ar/post/159504/%D8%A7
24-عبدالغني الشامي ومحمود قديح, “الشعبية”: عباس يقدم أوراق اعتماده لواشنطن بتجميد مخصصاتنا المالية، 28نيسان /ابريل2017، وكالة قدس برس إنترناشيونال للأنباء، http://qudspress.com/index.php?page=show&id=31229
25-وثيقة حماس الجديدة وثيقة “المبادئ والسياسات العامة”، 1 البند الحادي والعشرون، أيار/مايو2017.