أخيراً… موازنة للبنان بعد 12 عاماً

أخيراً… موازنة للبنان بعد 12 عاماً
Spread the love

بقلم: د. هيثم مزاحم — وقّع رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون في 12 نيسان/أبريل الجاري، مرسوماً قضى بإحالة مشروع قانون الموازنة العامّة لعام 2017 على مجلس النوّاب، وذلك بعد موافقة مجلس الوزراء عليها في 27 آذار/مارس 2017.
قد يكون الخبر عاديّاً في دولة أخرى، لكنّه خبر استثنائيّ في لبنان، إذ يعود تاريخ آخر موازنة أقرّها مجلس النوّاب إلى عام 2005، وذلك نتيجة الخلافات السياسيّة آنذاك بين 8 و14 آذار الأمر الذي أدّى إلى تجميد الموازنات التي أعدّتها الحكومات المتعاقبة، من دون عرضها على مجلس النوّاب.

وكانت الحكومات المتعاقبة خلال الـ12 عاماً الماضية تقوم بالصرف على أساس القاعدة الإثني عشريّة، إذ ينصّ الدستور على أنّه في حال تأخّر إقرار الموازنة لفترة أشهر عدّة، تنبغي قسمة قيمة الإنفاق في آخر موازنة على رقم 12 والصرف على أساس تلك النتيجة إلى حين إقرار الموازنة الجديدة.

ومنذ العام 2009، كان التيّار الوطنيّ الحرّ يتّهم رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة الذي تولّى السلطة بين عامي 2006 و2009، وهو حاليّاً رئيس كتلة المستقبل في البرلمان، بإهدار مبلغ 11 مليار دولار، هي قيمة سلف الخزينة التي أنفقتها حكومته خارج إطار الموازنة، من دون أن يعود إلى مجلس النوّاب ومن دون الخضوع إلى مؤسّسات الرقابة. فخلال ثلاث سنوات من حكومته، صرف السنيورة، إضافة إلى الموازنات، ما قيمته 11 مليار دولار، من دون موافقة ديوان المحاسبة، إذ يتّهم بأنّه قام بتعطيل كلّ الموازنات بعد تركه رئاسة الحكومة في نهاية عام 2009، مطالباً بالمقايضة بإعطائه براءة ذمّة بالـ11 مليار دولار، في مقابل أن توافق كتلة المستقبل التي يترأّسها على الموازنات وعلى سلسلة الرتب والرواتب.

وخلال جلسة لمجلس النوّاب في 10 نيسان/أبريل الجاري، أعاد النائب عن حزب الله نوّاف الموسوي طرح هذا الموضوع، حيث أكّد إصرار حزبه على معرفة أين صرفت الـ11 مليار دولار.

وردّ السنيورة على هذه الاتّهامات بالقول: “كلّ قرش من الـ11 مليار دولار مثبت أين صرف في وزارة الماليّة، ومنذ 13 عاماً تركت وزارة الماليّة، فلماذا لم يجر الوزراء بعدي قطع حسابات”؟ داعياً إلى وقف “الشائعات والكميّة الكبيرة من الكذب” في هذا الشأن، ممّا أثار سجالاً بين النائبين داخل البرلمان.

وكانت الـ11 مليار دولار موضوع خلاف كبير بين تيّار المستقبل والتيّار الوطنيّ الحرّ، إذ أصدر الأخير في عام 2013 كتاب “الإبراء المستحيل” الذي عرض فيه “تجاوزات قانونيّة وماليّة”، يتّهم بها السنيورة خلال تولّيه وزارة الماليّة في حكومات رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري (نوفمبر 1992-ديسمبر 1998 و26 أكتوبر 2000–26 أكتوبر 2004)، وتولّيه رئاسة الحكومة بين عامي 2006 و2009.

أوضح وزير الماليّة علي حسن خليل أنّ النفقات المقدرة في مشروع الموازنة بلغت 23670 مليار ليرة، بينما بلغت الإيرادات 16384 مليار ليرة. وبذلك، بلغ العجز 7283 ملياراً، فيما ينفق على خدمة الدين العام من الموازنة 7152 مليار ليرة، وعلى الرواتب وملحقاتها 7374 ملياراً، وعلى مؤسّسة كهرباء لبنان 2100 مليار ليرة.

وإثر الاحتجاجات الشعبيّة على زيادة الضرائب بين 16 و19 آذار/مارس الماضي، عدّلت الحكومة مشروع الموازنة جزئيّاً وأحالت مسألة زيادة الضريبة على القيمة المضافة إلى مجلس النوّاب، واستبعدت الزيادات الضريبيّة على شركات الأموال والفوائد المصرفيّة والمبيعات العقاريّة وضرائب أخرى، وأضافت ضرائب على المداخيل الاستثنائيّة التي حقّقتها المصارف في عام 2016، نتيجة الهندسة الماليّة لمصرف لبنان، والبالغة 5 مليارات دولار.

ففي الصيغة الأولى لمشروع الموازنة، تمّ إغفال أكثر من 2.275 مليار ليرة من واردات ضريبة الأرباح على الهندسات الماليّة للمصارف، والواردات من ضريبة الأرباح الاستثنائيّة عليها. أمّا التعديل الذي أجرته الحكومة، فقد ضمّ هذه الإيرادات المستحقّة أصلاً للدولة. ويحذّر الخبير الاقتصادي غازي وزني من أن تجري مقايضة هذه الإيرادات المستحقّة بإلغاء الزيادات الضريبيّة على الودائع في المصارف وشركات الأموال والتسجيل العقاريّ، وبذلك تدفع هذه المصارف هذه الضريبة لمرّة واحدة ومجموعها 850 مليون دولار وتعفى من رفع معدّل الضريبة على فوائد الودائع من 5% إلى 7%.

وقال وزني في حديث خاصّ إلى “المونيتور” إنّ الموازنة المعدّلة قد سحبت من بنودها الإجراءات الضريبيّة الجديدة الموجودة في القانون رقم 10415 الذي أقرّه مجلس النوّاب في آذار/مارس الماضي، لتمويل سلسلة الرتب والرواتب، كما أقرّ القانون 10416 الذي يتعلّق برفع الحدّ الأدنى لأجور موظّفي القطاع العام ومتعاقديه، وتعديل سلاسل رواتب الملاك الإداريّ وأفراد الهيئة التعليميّة والأسلاك العسكريّة.

وأوضح وزني أنّه بعد إقرار مجلس النوّاب الموازنة، سوف تضمّ إليها سلسلة الرتب والرواتب، لكن ينبغي إقرار موارد تمويل هذه السلسلة، وهو ما يحتاج إلى قرار سياسيّ، أي توافق الكتل الأساسيّة على ذلك. ويشير إلى أنّ تقديم الموازنة يجب أن يتواكب مع تقديم قطع الحساب للصرف عن السنوات الماضية لإطلاع البرلمان عليها.

ويرى وزني أنّ هناك معيقات عدّة أمام إقرار الموازنة، أبرزها إقرار الموارد لتمويل سلسلة الرتب والرواتب، وحلّ مشكلة قطع الحساب عن الإنفاق في السنوات الماضية وإقرار ديوان المحاسبة لها، ورفع الضريبة على القيمة المضافة من 10 إلى 11% وإقرار قانون الأملاك العموميّة البحريّة والنهريّة، ورفع الضريبة على فوائد الودائع المصرفيّة.

ويشير وزني إلى وجود طريقتين لمسألة قطع الحساب، الأولى هي تقديم وزارة الماليّة مشروع قطع الحساب عن السنوات الماضية إلى ديوان المحاسبة للموافقة عليه، والثانية هي إقرار مجلس النوّاب الموازنة مع إعطاء مهلة للحكومة لإعداد مشروع قطع الحساب وعدم إسقاط حقّ ديوان المحاسبة في الرقابة عليها.

ويبدو أنّ مجلس النوّاب سيسير في الطريق الثاني، لتفادي مشكلة قطع الحساب والسلفات خارج الموازنة، وخصوصاً مبلغ الـ11 مليار دولار، فبذلك تقرّ الموازنة من دون تبرئة ذمّة الحكومات السابقة.

لكنّ إقرار الموازنة سيتأخّر إلى ما بعد إقرار قانون انتخاب جديد، حيث استخدم الرئيس عون في 13 نيسان/أبريل الجاري صلاحيّاته الدستوريّة لتأجيل اجتماع للبرلمان لمدّة شهر، حيث كان المجلس يعتزم الانعقاد للتصويت على قانون للتمديد للنوّاب خشية الفراغ التشريعيّ بعد تجاوز المهل القانونيّة لدعوة الهيئات الناخبة للإعداد للانتخابات. وسينعقد مجلس النوّاب في 15 أيّار/مايو المقبل لمناقشة قانون الانتخاب في حال التوافق عليه، والتمديد التقنيّ للنوّاب لأشهر معدودة، ريثما يتمّ إجراء الانتخابات. ولن يناقش البرلمان الموازنة إلّا بعد الانتهاء من قانون الانتخاب ولن يناقش البرلمان الموازنة إلا بعد الانتهاء من قانون الانتخاب ويخشى البعض تأجيل إقرار الموازنة إلى ما بعد الانتخابات النيابية.

المصدر: المونيتور