بلدة الحضر السورية بين فكي المعارضة وإسرائيل

بلدة الحضر السورية بين فكي المعارضة وإسرائيل
Spread the love

بقلم نور سماحة – لموقع المونيتور الأميركي – حضر، هضبة الجولان – في ظلّ غياب بوادر حلّ للحرب السوريّة التي دخلت سنتها السابعة، تصارع بلدة في هضبة الجولان السوريّة للتصدّي بمفردها للهجمات التي تقودها المعارضة ومحاولات الإخضاع الإسرائيليّة على مرّ السنوات الستّ الماضية.

حضر هي بلدة درزيّة تضمّ 10 آلاف نسمة، بحسب المسؤولين المحليّين، وقصّتها قصّة فريدة من نوعها. تقع حضر في الجهة السوريّة من جبل الشيخ، وهي مواجهة مباشرة لهضبة الجولان الخاضعة للاحتلال الإسرائيليّ، حيث يفصلها “وادي الصراخ” عن قرية مجدل شمس الدرزيّة التي تحتلّها إسرائيل بمئات الأمتار فقط. وعلى قمّة جبل الشيخ تقع إحدى أكبر المحطّات الاستخباراتيّة العسكريّة في إسرائيل. وتراقب هذه المحطّة عن كثب كلّ الأنشطة في الجولان من جهة وفي مزارع شبعا اللبنانيّة وأبعد منها من جهة أخرى.

أمّا جيران حضر الآخرون فهم عبارة عن مجموعات مسلّحة تنتمي إلى كلّ من الجبهة الجنوبيّة التي يدعمها الأردن وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة والمعروفة أيضاً باسم جبهة فتح الشام. وتسيطر هاتان المجموعتان على القرى والقمم الجبليّة الأخرى المطلّة على حضر.

ولا يمكن النفاذ إلى حضر إلا عبر مسلك رمليّ صغير يلتفّ حول الجبل انطلاقاً من طريق تسيطر عليها الحكومة. وتجد السيّارات صعوبة في عبور هذه الطريق حتّى في الأيّام العاديّة. فهناك نقطة محدّدة في الرحلة الممتدّة لعشرين دقيقة والمؤدّية من الطريق الرئيسيّة إلى البلدة تجعل المتنقّلين هدفاً سهلاً لقنّاصي المعارضة المتمركزين في الجبال. ويصبح عبور المسلك مستحيلاً بسبب هجمات المعارضة وأيضاً الظروف المناخيّة القاسية، وفي السنوات الماضية وجد المدنيّون صعوبة في إدخال السلع لتمضية أشهر الشتاء القاسية.

وقد أصبحت هذه المنطقة الحسّاسة أشبه ببرميل بارود مشتعل. فبالإضافة إلى وجود الجيش الإسرائيليّ وعناصر المعارضة السوريّة، هناك أيضاً قوّات حكوميّة في الجوار تتلقّى المساعدة من الميليشيات الموالية للحكومة وحزب الله اللبنانيّ.

ويسعى الجميع إلى استغلال حضر لخدمة أجندته السياسيّة… “من [الزعيم الدرزيّ اللبنانيّ] وليد جنبلاط إلى إسرائيل والمعارضة السوريّة”، على حدّ قول أبو توفيق، وهو رجل قويّ البنية في أواخر الأربعين حمل السلاح في بداية النزاع للدفاع عن حضر ضدّ هجمات المعارضة. وتستخدم فصيلته المسلّحة المحليّة، المعروفة في حضر باسم قوّات الدفاع الوطنيّ، أسلحة شخصيّة من فترة ما قبل الحرب وأسلحة أخرى أمّنها لها الجيش السوريّ. وقال أبو توفيق لـ “المونيتور”: “لكنّنا لا نعتبر أنفسنا ميليشيا طائفيّة، بل مواطنين سوريّين”.

في السنوات الستّ الماضية، حاولت المعارضة استمالة سكّان حضر وإبعادهم عن الحكومة من خلال وعدهم بالحماية والأمن، وعندما فشلت، لجأت إلى تنفيذ هجمات ضدّ البلدة. وفي إحدى الهجمات الأخيرة للمعارضة ضدّ محافظة القنيطرة في أيلول/سبتمبر 2016، تعرّضت حضر لهجوم عنيف على يد مقاتلي المعارضة الذين وعدوا بعدم إلحاق الأذى بالسكّان، لكنّهم استمرّوا في قصف البلدة بالصواريخ متسبّبين بمقتل الكثيرين.

وقال أبو توفيق: “طلبت منّا المعارضة مرّات عدّة أن نترك الحكومة وننضمّ إليها”. وشرح وهو جالس على شرفة واسعة تطلّ على البلدة أنّ المقاتلين هناك، البالغ عددهم 800 فقط، هم الوسيلة الوحيدة لحماية حضر. ففيما يساهم الجيش السوريّ في حماية الطريق المؤدّية إلى البلدة، يجد السكّان أنفسهم وحيدين. وقال: “رفضنا [الانضمام إلى المعارضة]، فبدأت تطلق الصواريخ علينا مذّاك، بشكل شبه يوميّ”.

وتراجع إنتاج التفّاح والكرز والتين في حضر إلى الحدّ الأدنى بعد أن كانت هذه الفاكهة توزَّع بشكل كبير على كلّ أنحاء سوريا. وأشار المواطن خليل خيّال بإصبعه إلى الحقول الشاسعة والهضاب المحيطة بالبلدة، وقال: “تسيطر المعارضة على هذه الهضاب المطلّة على مزارعنا، وبالتالي يستحيل علينا الخروج وزراعة منتجاتنا. أحياناً نخرج في الليل، لكنّ ذلك ليس آمناً دائماً بسبب القنّاصين”.

وقال خيّال لـ “المونيتور”: “من شبه المستحيل مغادرة البلدة إلا في حالات الضرورة القصوى. فالوضع أشبه بالحصار”.

وما يزيد الطين بلّة هو أنّ بعض المناطق المجاورة في القرى الخاضعة لسيطرة الحكومة تنظر إلى سكّان حضر بريبة. فالخصومات التاريخيّة بين البلدات تدفعهم إلى التشكيك في سكّان حضر وفي احتمال مساعدتهم للمعارضة.

وقال أحد المقاتلين في صفوف مجموعة مسلّحة حليفة للحكومة من بلدة خان أرنبة المجاورة لـ “المونيتور”، طالباً عدم الكشف عن اسمه: “لا يمكن أن أدافع عن حضر. فالبعض منهم ساعد المعارضة عندما كانت المعارضة تستهدفنا. كانوا يؤمّنون لها الطعام والبطانيّات. لن أهاجمهم طبعاً، لكن لماذا أساعدهم؟”.

لقد استمرّت إسرائيل في إيلاء حضر اهتماماً خاصّاً، مقدّمة المساعدات والحماية إلى السكّان ومعلنة حضر خطّاً أحمر. وفي العام 2015، وعدت إسرائيل بتقديم المساعدات إلى المعارضة شريطة ألا تمسّ بحضر. وتطلب شخصيّات بارزة في الطائفة الدرزيّة الإسرائيليّة من إسرائيل التدخّل عسكريّاً لحماية دروز حضر من الحكومة السوريّة.

وقال أبو توفيق: “تحاول إسرائيل باستمرار التواصل مع سكّان بلدتنا”، مضيفاً أنّ سكّان حضر يرفضون رفضاً قاطعاً تلقّي المساعدات من إٍسرائيل أو التواصل معها.

تشكّل حضر، بالنسبة إلى إسرائيل، فوزاً استراتيجيّاً ونجاحاً في مجال العلاقات العامّة. فإسرائيل تعمل منذ مدّة على إقامة منطقة عازلة في جنوب سوريا لإنشاء مسافة بينها وبين قوّات الحكومة السوريّة وحلفائها. وقد بدأت بتوفير المساعدة العسكريّة واللوجستيّة للمجموعات المعارضة على طول الشريط الفاصل، ثمّ قدّمت المساعدة الطبيّة السريّة إلى المقاتلين. ووسّعت برنامجها اليوم ليشمل توزيع الطعام والملابس والموادّ التعليميّة والمساعدة الطبيّة على السكّان في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. ويقرّ قادة المعارضة هناك بالمساعدات، لكنّهم يزعمون أنّهم لا يملكون خياراً آخر سوى قبولها.

وفي الوقت الحاليّ، تنقل إسرائيل علناً المدنيّين والمقاتلين بالحافلات إلى إسرائيل بشكل شبه يوميّ لتلقّي الرعاية الطبيّة.

ومن خلال إدراج حضر في المنطقة العازلة، تأمل إسرائيل توسيع رقعة سيطرتها على المنطقة. فعندما يحين الوقت للتفاوض بشأن تسوية سياسيّة، ستكون السيطرة على هذه المنطقة ورقة قيّمة جداً في يد إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، تستعمل إسرائيل حضر كأداة ترويجيّة لشعبها. فعندما تُظهر إسرائيل أنّها قلقة على حضر – التي هي على مرمى حجر من مجدل شمس الخاضعة للاحتلال الإسرائيليّ – تبيّن لسكّانها أنّها قلقة أيضاً على إخوانهم السوريّين في الجهة المقابلة من الحدود، خصوصاً السكّان الدروز.

في كانون الثاني/يناير، مثلاً، داس فتى من حضر على لغم أرضيّ زرعته إسرائيل في المنطقة المحيطة بالبلدة بينما كان يرعى خرافه. وقال شهود لـ “المونيتور” إنّ جنوداً إسرائيليّين دخلوا الأراضي السوريّة لإنقاذه، فيما تدّعي البيانات الرسميّة أنّ طاقماً تابعاً للأمم المتّحدة ساعده. وتمّ نقله إلى مستشفى داخل إسرائيل من دون إبلاغ عائلته أو الحصول على إذن منها. وقد استغلّ الحادثة القادة الدروز في إسرائيل، مثل الشيخ موفق طريف، فزاروا الفتى في المستشفى وشكروا إسرائيل علناً على إنقاذ حياته.

وقال بعض سكّان حضر إنّهم لن يقعوا في فخّ إسرائيل. وقال أبو توفيق: “نعلم أنّ إسرائيل تدعم المعارضة التي تهاجمنا، وهي لا تزال تحتلّ ما تبقّى من هضبة الجولان. للمرّة الاخيرة، نفضّل جحيم [الرئيس السوريّ بشار] الأسد على جنّة إسرائيل”.

المصدر: المونيتور