‬استقالة أهارون حليفا.. إحدى تداعيات هجوم الوعد الصادق

‬استقالة أهارون حليفا.. إحدى تداعيات هجوم الوعد الصادق
Spread the love

بقلم: د. حسين الديك*

كان لعملية الوعد الصادق تأثير كبير في منظومة العلاقات الاستراتيجية والعسكرية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط، سواء على صعيد الحضور الأميركي أو على صعيد الأمن الداخلي في كيان الاحتلال الصهيوني. فقد أسقطت تلتك العملية الكثير من المسلمات والنظريات الأمنية والعسكرية وأثرت على التحالفات الإقليمية والدولية في منطقة الشرق الأوسط. تجلى ذلك في تحرك الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا في مواجهة هجوم “الوعد الصادق” الإيراني على الكيان.
وعلى الصعيد الداخلي الإسرائيلي كانت عملية “الوعد الصادق” المفتاح الرئيسي للإعلان عن موجة الاستقالات في المؤسسة الأمنية والعسكرية في دولة الاحتلال، والتي بدأت بإعلان استقالة رئيس شعبة الاستخبارات أهارون حليفا من منصبه، وأحدث ذلك هزة قوية في الداخل الإسرائيلي كونه أحد الأركان المهمة والمؤثرة في المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية. وعندما يعلن عن تقديم استقالته، فإن هذا يعني إحداث صدى كبير في الشارع الإسرائيلي. ومن بين الردود على تلك الاستقالة تصريحات رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد الذي رحب بهذا الاستقالة وتمنى أن تكون لاستقالة القادمة لبنيامين نتنياهو. وكان لهذه الاستقالة في هذا التوقيت بعد ستة شهور من العدوان على قطاع غزة دلالات مهمة منها: هناك حالة إحباط وفشل شديدين داخل المؤسسة العسكرية في الكيان الإسرائيلي.
وقد صرّح أهارون حليفا بعد الضربة الإيرانية قائلاً إن القادم أسوأ وإننا أمام أمر أصعب في المرحلة المقبلة مما أثار حالة من الهلع والخوف والرعب داخل الرأي العام الإسرائيلي، لأنه شخصية أمنية وعسكرية مهمة. وعندما تصدر هذا التصريحات منه تؤدي الى مفاعيل كبيرة في المجتمع الإسرائيلي.
وكان حليفا قد قدم تقريراً خطياً قبل عملية استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق حول الإجابة على سؤال من المستوى السياسي الإسرائيلي: هل ترد ايران في حال تم استهداف القنصلية في دمشق؟ كان الرد بكتاب خطي وموقع من أهارون حليفا بأن ايران لن ترد، وعندما ردت إيران بعملية “الوعد الصادق” تبين أن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية يعتريها الكثير من الخلل والإخفاق ولم تعد تصيب الأهداف كما كانت في السابق، مما زاد من علامات السؤال حول كفاءة وجدارة أهارون حليفا، ودفعه الى إعلان تقديم استقالته.
وفي كتاب الاستقالة دعا حليفا إلى تشكيل لجنة تحقيق رسمية وضرورة أن يطال منطق الاستقالات المستوى السياسي، لأن الإخفاق والفشل في عملية توقع هجوم الوعد الصادق وهجوم طوفان الأقصى لا يعد فشلاً أمنياً وعسكرياً فحسب، بل هو أكبر وأعمق وأخطر وهو فشل استراتيجي بمعنى أن المستوى السياسي ورئيس الحكومة يتحملان المسؤولية عن ذلك الفشل ويجب عليهم الاستقالة أيضاً.

لقد أدت عملية طوفان الأقصى في 7/10/2023 إلى تغير كبير في معادلات القوة وتوازن القوى في منطقة الشرق الأوسط، وأسقطت الكثير من المسلمات التقليدية سواء في العقيدة الأمنية أو العسكرية الصهيونية في طبيعة المواجهة ما بين الاحتلال الإسرائيلي وقوى المقاومة في منطقة الشرق الأوسط. وهذا باعتراف العديد من الجنرالات في كيان الاحتلال وفرض هذا التغيّر الكثير من الاعتبارات وأهمها إعادة النظر في مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي والذي كان قائماً وفق المعادلة التقليدية على قواعده الأربع (الإنذار المبكر، والدفاع القوي، والردع المؤثر والحسم السريع). هذه القواعد سقطت بكل معانيها وتجلياتها في عملية طوفان الأقصى وعملية الوعد الصادق حين أخفقت المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية في التعامل مع الهجومين ولم تستطع تلك المنظومة تحقيق أي إنجاز وفق قواعد الأمن القومي التقليدية في كيان الاحتلال.
ولكن الأهم مما حصل في طوفان الأقصى هو عملية الوعد الصادق والتي حطمت الكثير من المسلمات الأمنية والعسكرية والنظريات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، إذ انه لأول مرة منذ قيام كيان الاحتلال تنطلق صواريخ مجنحة وصواريخ باليستية وطائرات مسيرة من داخل العمق الإيراني وتهاجم كيان الاحتلال، وتعجز المنظومة الدفاعية العسكرية لكيان الاحتلال عن مواجهتها وتحييدها بمفردها، إذ تجندت قوات حلف الناتو من دول الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا لمواجهة تلك الصواريخ والمسيّرات. ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً في منع وصول بعضها الى أهدافها داخل العمق الإسرائيلي.
ومن جانب آخر فشلت كل الدفاعات المحصنة في دولة الاحتلال من مقلاع داود ومنظومة حيتس والقبة الحديدية في اعتراض بعض هذه الصواريخ، وهذا كشف مدى العجز في المنظومة العسكرية في دولة الاحتلال وعدم قدراتها الدفاعية في التصدي وحدها لتلك الصورايخ والمسيرات علماً بأنها صناعة إيرانية محلية.
وقبل أن يعلن أهارون حليفا استقالته، أعلن مسؤول شعبة الأبحاث الجنرال عميت ساعار طلب إعفائه من منصبه لأسباب صحية. ومن الواضح أن ساعر سيقدم استقالته في المرحلة القادمة، ويبدو أن قائمة المرشحين للاستقالة في المؤسسة الأمنية والعسكرية لكيان الاحتلال سوف تطول، وسوف تكون هناك مغادرة لقيادات عسكرية وأمنية من الصف الأول ودخول قيادات جديدة. ومن المؤشرات على ذلك إعلان ما يعرف بقائد المنطقة الوسطى الجنرال يهودا فوكس أنه سوف يقدم استقالته مطلع الصيف المقبل. وهذا مؤشر واضح على المرحلة الجديدة من الاستقالات والناتجة عن الفشل والإخفاق في 7/10/2023م وفي 14/4/2024م. فكان هجوما طوفان الأقصى والوعد الصادق متلازمة أسقطت الكثير من المسلمات الأمنية والعسكرية في دولة الاحتلال وأدت الى إعادة التفكير داخل المنظومة بالاستراتيجية الأمنية والعسكرية القائمة منذ عشرات السنين.

*باحث وأستاذ جامعي فلسطيني مقيم في نيويورك.

Optimized by Optimole