نفوذ اللوبي الصهيوني في القرارات الدولية

نفوذ اللوبي الصهيوني في القرارات الدولية
Spread the love

بقلم. حاتم الطائي*/

◄ قوة اللوبي الصهيوني مكّنت إسرائيل من انتهاك القانون الدولي والإفلات من العقاب

◄ اللوبيات اليهودية مُتغلغلة في المجتمع والمؤسسات الأمريكية والغربية

◄ حاجة ماسّة لتشكيل “لوبي عربي” للدفاع عن قضايانا العادلة

في تاريخ الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي ومحاولات قراءة المشهد على نحو صحيح، دائمًا ما يكون “اللوبي الصهيوني” في دائرة التفكير والعمل خلف الكواليس؛ لأنه بلا شك يمثل الأداة الرئيسية الفاعلة في الهيمنة على القرارات الدولية ومنع أي تحرك دولي أو أممي أو أمريكي- بطبيعة الحال- ضد إسرائيل، ومن هنا نسأل: كيف تمكنت جماعات الضغط الصهيونية من تحقيق العديد من أهدافها على مر العقود الماضية، بدءًا من مرحلة الهجرات اليهودية الأولى لفلسطين، مرورًا بمرحلة إعلان قيام ما يُسمى بـ”إسرائيل”، وحتى “طوفان الأقصى”؟!

في البداية لا بُد من تأكيد حجم النفوذ الكبير لجماعات الضغط الصهيونية، حتى وإن كانت هذه الجماعات تُروِّج مُتعمِّدةً لهذا النفوذ من أجل تضخيم قوتها، لأنَّ الشواهد ماثلة أمامنا على مر التاريخ؛ إذ بلغ نفوذ اللوبي الصهيوني بجماعاته المختلفة، حدًا لا يُصدّق؛ سواءً فيما يتعلق بالسياسات الأمريكية أو الأوروبية أو حتى الآسيوية والأفريقية، كما إن قوة اللوبي الصهيوني مكّنت إسرائيل من تجاوز القانون الدولي، واللامبالاة الكريهة مع نداءات المجتمع الدولي لوقف العدوان ومنع المجاعة في غزة.

وهيمنة اللوبي الصهيوني اعتمدت على اختراق مؤسسات بعينها لتحقيق مآربها الدنيئة، ويُمكن تقسيم هذه المؤسسات إلى: مؤسسات سياسية واقتصادية، ومؤسسات إعلامية وفنية، مؤسسات تعليمية وثقافية. وعملية الاختراق لهذا الثالوث المؤسسي منحت اللوبي الصهيوني نفوذًا هائلًا. وهنا يجب التوضيح بأن جماعات الضغط الصهيونية تستخدم كل وسائل الضغط والمساومة المشروعة وغير المشروعة، فهي جماعات تعتمد في المقام الأول على قوة المال (سواء عن طريق الاستثمارات أو الرِشَا)، ثم على المصالح المشتركة (وأهمها زعزعة الاستقرار العالمي لضمان مبيعات السلاح)، والابتزاز (وخاصة الابتزاز الأخلاقي)، وتجنيد العملاء والجواسيس (وما أكثرهم حول العالم)، والسرقة (المادية والمعنوية)، وحتى القتل (بالسم أو الرصاص أو إلقاء الناس من الشرفات العُليا).

نفوذ اللوبي الصهيوني مكّن إسرائيل من تدمير غزة وإبادة شعبها بلا محاسبة (2).jpg

هذه اللوبيات استطاعت أن تتغلغل في أعماق المجتمع الأمريكي وفي مختلف دوائر الحكم في أوروبا، والكثير من الدول حول العالم، حتى في دولنا العربية! وقد نجح اللوبي الصهيوني في بناء جدار سميك من الوعي الزائف وترسيخ الأكذوبة الصهيونية الكبرى التي تُمثِّل الأساس للكيان الإسرائيلي، وهي “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، وأكذوبة “الجيش الذي لا يُقهر” وأكذوبة “القدس العاصمة الأبدية لإسرائيل”، وغيرها الكثير من الأكاذيب والافتراءات التي لا أساس لها، سوى جماعات الضغط الصهيونية المنتشرة حول العالم.

واللوبي الصهيوني- بدءًا من “منظمة ميثاق أبراهام” التي تأسست عام 1843، وحتى اللجنة الأمريكية للشؤون العامة الإسرائيلية “أيباك” التي تأسست في 1953- بات اليوم يُهيمن على مفاصل صناعة القرار، بعدما نجح في تنفيذ استراتيجيات وخطط ومؤامرات أسهمت في منحه قوة لا تُضاهى بين جماعات الضغط الأخرى، من خلال التغلغل في مؤسسات الدولة والمجتمع، ففي الولايات المتحدة يتمتع اللوبي الصهيوني بنفوذ غير عادي في الكونجرس وداخل البيت الأبيض، وفي الحزبين الكبيرين: الديمقراطي والجمهوري، وكذلك في وسائل الإعلام الكبرى، وهذه الأخيرة استطاع اللوبي الصهيوني أن يمتلك الكثير منها، أو على أقل تقدير يملك أسهمًا فيها بما يخوِّله للتدخل في عملية صناعة القرار، سواء بتمرير إجراءات بعينها مثل مُعاقبة كُتاب وصحفيين على آرائهم المناهضة لإسرائيل، أو بإطلاق حملات تضليل وتشويه لما يجري، وخير مثال على ذلك الانحياز السافر للإعلام الغربي والأمريكي على وجه الخصوص للرواية الإسرائيلية منذ اندلاع طوفان الأقصى، وتقديم إسرائيل على أنها “تدافع عن نفسها” ضد مجموعة من “الإرهابيين”، وليس جماعات مقاومة وطنية لها الحق- حتى بموجب القانون الدولي- في مقاومة الاحتلال وصد عدوانه واعتداءاته المتكررة وانتهاكاته للقانون الدولي الإنساني والمواثيق الدولية وقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، وغيرها.

سيطرة اللوبي الصهيوني على الإعلام الأمريكي، لا تكتفي فقط بتبني الرواية الإسرائيلية، وإنما العمل على تشويه كل ما هو فلسطيني وعربي وإسلامي، فقد ظل هذا الإعلام في كثير من مؤسساته، يرسم صورة ذهنية خاطئة عن العرب والمسلمين، حتى ظهر ما اصطُلِحَ على تسميته “الإسلاموفوبيا” أي الخوف من الإسلام والمسلمين. علاوة على تصوير المجتمعات العربية على أنها معادية للمرأة وأنها تعيش في تخلف دائم وانغلاق، والزعم بأنَّ الإسلام دين يحض على محاربة الآخر والاعتداء عليه، فضلًا عن إغفال الحديث عن حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، أو تأكيد أحقية الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه وإطلاق سراح الأسرى في سجون الاحتلال، والذين يقبعون خلف القضبان وفي الزنازين المُعتمة منذ عقود، بتهم لا أساس لها، في حين أنهم أمام القانون الدولي أسرى حرب ويتعين إطلاق سراحهم.

أما فيما يتعلق بالسيطرة على عملية صناعة القرار واتخاذه في الولايات المتحدة، فإنَّ اللوبي الصهيوني يحظى بنفوذ كبير، ويتمثل ذلك في التزام الكثير من أعضاء الكونجرس (النواب والشيوخ) بتنفيذ كل ما يخدم الكيان الإسرائيلي؛ بل وصياغة مشاريع قوانين وتمرير قرارات خصيصًا لتحقيق مصالح هذا الكيان، وتعميق نفوذه في الأوساط الأمريكية. وعلى المستوى السياسي أيضًا، نجد مستوى النفوذ الصهيوني داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي، اعتمادًا على قوة التمويل اليهودي للحملات الانتخابية للمرشحين؛ سواء في انتخابات الكونجرس أو انتخابات الرئاسة الأمريكية، وهذه الأخيرة تشهد أكبر تدخل لجماعات الضغط في العالم بأسره؛ إذ يمكن للمرشح الرئاسي أن يخسر السباق إلى البيت الأبيض، نتيجة لعدم حصوله على تأييد اللوبي الصهيوني! فيما ينجح المرشح بدعم هذا اللوبي! وهو ما يكشف مستوى وحجم النفوذ اليهودي في السياسة الأمريكية.

أيضًا نجد تأثير اللوبي الصهيوني جليًا في علاقات أمريكا بالدول العربية، لا سيما فيما يتعلق بمبيعات السلاح؛ حيث تعترض إسرائيل- من خلال هذا اللوبي- على الكثير من صفقات التسليح الأمريكية للدول العربية، كما اعترض هذا اللوبي على الاتفاق النووي الإيراني إبان حكم الرئيس الديمقراطي باراك أوباما، الذي اعترف بنفسه أنَّ اللوبي الصهيوني أنفق ما يزيد عن 20 مليون دولار لشن حملات إعلامية ونشر مقالات ومقابلات في الصحف ووسائل الإعلام الأمريكية لمعارضة هذا الاتفاق والتحذير منه!

المؤسسات الأكاديمية والفكرية الأمريكية لم تسلم من نفوذ اللوبي الصهيوني؛ فالكثير من الجامعات الأمريكية تتلقى تمويلًا من رجال الأعمال اليهود ليضمنوا نفوذهم في صناعة القرار وإعداد المناهج الأكاديمية ومنع وحظر أي بحوث أكاديمية تتعارض مع السياسات الصهيونية. ولا أدل على ذلك من الفضيحة المدوية التي وقعت أواخر ديسمبر الماضي، بعدما جرى استجواب رئيسة جامعة هارفارد الأمريكية في الكونجرس، واتهامها بـ”معاداة السامية” بل و”السرقة الأدبية”، وذلك بعدما سمحت بمظاهرات مُنددة بإسرائيل ومتعاطفة مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للإبادة منذ أكثر من 6 أشهر حتى الآن.

وإلى جانب ذلك، نجد النفوذ الصهيوني في المؤسسات الثقافية، مثل شركات صناعة السينما ومنصات البث الترفيهي الشهيرة، ووسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها وفئاتها، وقد أسفر ذلك النفوذ عن إنتاج العديد من الأفلام السينمائية والأعمال الوثائقية التي تُمجِّد في إسرائيل وتنفي عنها أي تهمة تتعلق بالإبادة أو الاحتلال أو التدمير. فضلًا عن تضخيم هذه الأعمال الفنية لدور جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد”، وإظهاره بأنه الجهاز “الأقوى” في العالم، في حين أن هذا الجهاز لم يتوقع “طوفان الأقصى”، كما فشل في معرفة مواقع الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة. بينما وصل حجم النفوذ في تطبيقات التواصل الاجتماعي أن جميع هذه المنصات وضعت منظومة تحليلية للمحتوى، وتعمل على حذف أي محتوى مؤيد للحق الفلسطيني أو ينتقد الصهيونية أو يُندد بجرائم إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، ويصل الأمر إلى حظر حساب المستخدم بل ومصادرته نهائيًا، تمامًا كما حدث مع حساب جريدة الرؤية على “إنستاجرام” أشهر منصة لمشاركة الصور والفيديوهات.

نفوذ اللوبي الصهيوني مكّن إسرائيل من تدمير غزة وإبادة شعبها بلا محاسبة (1).jpg

ولعل النفوذ الأقوى والأكثر فاعلية- والذي يخدم أي نفوذ آخر للوبي الصهيوني- يتمثل في حجم الاستثمارات والأموال اليهودية في الاقتصاد الأمريكي والعالمي على حد سواء؛ إذ إنَّ أكبر الشركات ومؤسسات التمويل والبنوك في العالم يُسيطر عليها اليهود، أو يملكون فيها أسهمًا أو حصصًا تمنحهم حق التدخل في القرارات، وتوجيهها لصالح إسرائيل. لذلك نجد مؤسسات التمويل الدولية المعروفة تفرض شروطًا قاسية والتزامات على الدول المقترضة وبنسب فائدة مرتفعة، في حين لو أنَّ هذه الدولة ترتبط بعلاقات وثيقة مع اللوبي الصهيوني لنالت الموافقات على القروض وشتى أنواع التمويل بكل سهولة وبنسب فائدة غير مرتفعة! كما إن هذا اللوبي يُسيطر على أهم الصناعات في العالم، وأولها صناعة الأدوية، بسبب نفوذه الهائل كذلك في مجالات البحث العلمي والبحوث الدوائية وغيرها، خاصة البحوث الزراعية. والمُتتبع للاستثمارات اليهودية حول العالم، يكتشف أنها تتركز في قطاعات بعينها مثل أمن المعلومات والتكنولوجيا، والاستثمارات الزراعية، والصناعات العسكرية، والأوراق المالية.

الوقائع التاريخية تؤكد أن هذا اللوبي الصهيوني لم يكتفِ فقط بالنفوذ داخل المؤسسات الأمريكية؛ بل امتد وتغلغل في مفاصل صناعة القرار العالمي، ونجح في تجنيد عملاء في الكثير من الدول لتحقيق أهدافهم المشبوهة وضمان عدم مناهضة إسرائيل. لكن في المُقابل، أسهم “طوفان الأقصى” في تجحيم هذا اللوبي، خاصة بعدما افتضح أمر الاحتلال الإسرائيلي وانهارت روايته الكاذبة التي كانت تدعي مظلوميته، وتعرّت إسرائيل ومعها الولايات المتحدة، في ظل ما يُرتكب من جرائم إبادة جماعية وانتهاكات يومية على مدار الساعة للقانون الدولي الإنساني، وارتكاب جرائم حرب لا تُغتفر وفي مقدمتها استخدام التجويع كسلاح في الحرب، وقتل المدنيين العُزل بدم بارد، وانتهاك كرامتهم عبر تصويرهم شبه عُراة، وغيرها الكثير من الجرائم البشعة.

ويبقى القول.. إنَّ اللوبي الصهيوني العالمي يمثل خطرًا داهمًا على القيم الإنسانية المشتركة ويضر بعلاقات الولايات المتحدة مع مختلف دول العالم، ولا سيما الدول العربية، ولا يخدم هذا اللوبي سوى كيان الاحتلال الإسرائيلي ويسعى للتغطية على الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال على مدار الساعة، والواجب علينا أن نسعى لفضح جرائم إسرائيل ومواصلة دعم المقاومة الفلسطينية الباسلة والشعب الفلسطيني المُثابر والصامد في وجه أشنع جرائم الإبادة الجماعية على مر التاريخ الحديث، علاوة على أنَّ العرب مطالبون بتشكيل “لوبي عربي” فاعل لمواجهة اللوبي الصهيوني، لضمان تحقيق أهداف قضايانا العادلة. وعلينا أن نؤمن بأنَّ النصر آتٍ لا محالة، وما يجري منذ السابع من أكتوبر 2023، هو بداية النهاية للكيان الصهيوني الهش، الزائل بإذن الله وبأيدي رجال المقاومة وبحكم السيرورة التاريخية؛ إذ لا يدم أبدًا احتلال غاصب في أي أرض

المصدر: صحيفة الرؤية العمانية