التدخل الدولي الإنساني وتأثيره على السيادة الوطنية: العراق أنموذجا

التدخل الدولي الإنساني وتأثيره على السيادة الوطنية: العراق أنموذجا
Spread the love

خاص شؤون آسيوية –

بقلم د. ميس إسماعيل*/

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ونشأة منظمة الأمم المتحدة عام 1945 والتي حددت جملة من المبادئ والأهداف تسعى إليها وعلى رأسها تعزيز مسألة حقوق الانسان وتجنيب العالم ويلات الحروب، صار مبدأ السيادة أقل اطلاقاً وأكثر تحديداً بالنظر إلى جملة المواثيق والاتفاقات ذات الصلة بحقوق الانسان، والتي شهدت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية تطوراً سريعاً ومتلاحقاً للقانون الدولي وتجسيد فكرة الأهداف المشتركة للمجتمع الدولي ككل، وخصوصاً احترام مبدأ سيادة الدول، فالنظام العالمي الجديد ظاهرة تجاوزت المبدأ المعترف به في نطاق القانون الدولي وهو تحريم التهديد بالقوة أو استخدامها ضد سلامة أراضي أي دولة واستقلالها السياسي ومن الأمثلة على هذا منح الكونغرس الأمريكي رئيس الولايات المتحدة الأمريكية قرار صلاحية استخدام القوة العسكرية ضد العراق في العام 2003 وشنت الولايات المتحدة الأمريكية عدوانها المباشر على العراق بضرب أهدافه العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والحضارية.
ومن الملاحظ أنه في الآونة الأخيرة، اعتمد مبدأ استخدام القوة في العلاقات الدولية، إذ أن ذلك يتعارض مع التقدم القانوني للقانون الدولي ويعد تحدياً كبيراً للشرعية الدولية ولمجلس الأمن بالخصوص، فأصبح يتحرك للقيام بمهامه المخولة له في الميثاق كما أرادت الأطراف المتحكمة في الأمم المتحدة، والحقيقة أن تشابك العلاقات الدولية جعل من هذه الصورة إحدى الطرق الناجحة لدى الجهة المتدخلة لتحقيق أهدافها سواء أكانت مشروعة أم غير مشروعة، وأصبحت الجهة التي تحرك مجلس الأمن تتذرع بحجة الشرعية الدولية، وغدا التدخل أو عدم التدخل لحل المنازعات الدولية رهناً بمشيئة المجلس الخاصة متجاوزاً مبدأ السيادة الوطنية الذي أصبح في طريقه للزوال تحت تأثيرات المتغيرات الدولية :
1- مفهوم التحولات الدولية وأهدافها.
2- الآليات السياسية وفق التحولات الدولية.
3- الآليات الاقتصادية العسكرية في ضوء التحولات الدولية.
1- مفهوم التحولات الدولية وأهدافها:
إن النظام العالمي الجديد مصطلح بدأ استعماله بشكل واسع في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينات من القرن العشرين المنصرم وهو غطاء نظري لممارسة الولايات المتحدة الأمريكية الهيمنة العالمية كقطب أحادي يقود العالم حسب توجهاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية و إن الأهداف الحقيقية لهذا النظام هي غير الأهداف المعلنة، أنها تناقضها تماماً، فالأهداف المعلنة هي المحافظة على الاستقرار العالمي من خلال تطبيق قواعد الشرعية الدولية وإيجاد عالم تسوده الديمقراطية وتحترم فيه حقوق الانسان، خالٍ من النزاعات الايديولوجية وتحقيق التقدم والازدهار لجميع الشعوب والدول عن طريق عولمة الاقتصاد، بينما الأهداف الخفية هي فرض الولايات المتحدة الأمريكية الهيمنة على الأمم المتحدة لتكون أداة طيعة تمرر من خلالها القرارات التي تناسبها، تحويل الصراع الذي كان بين الشرق والغرب إلى صراع بين عالم الجنوب وعالم الشمال واحتواء المعسكر الشيوعي ودعم الدول الحليفة، تقرير المصير الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للدول الضعيفة بإلغاء مفهوم سيادة الدولة وهويتها القومية والتدخل في شؤون الدول الداخلية بحجة احلال السلم والأمن والديمقراطية.
2- الآليات السياسية وفق التحولات الدولية:
تتميز أدوات وآليات التدخل السياسي للنظام العالمي بالأدوات الناعمة وغير العنيفة، حيث تكتسب أهمية خاصة، فهي إما أن تكون مواكبة للحرب والعنف، وإما بديلاً عنها، وخاصة عندما تعجز الجيوش عن تحقيق الأهداف، كما هو حاصل في العراق وأفغانستان.
ويتمثل التدخل السياسي في حق التدخل لتغيير طبيعة النظم السياسية الاستبدادية التي تمارس سياسة مضادة للمصالح الاستراتيجية للنظام العالمي الجديد، إضافة إلى فرض الديمقراطية بالقوة. وقد تجسد ذلك في محاولة يائسة من بعض خبراء السياسة الأمريكية لوضع نظرية متكاملة عن تغيير النظم السياسية من خلال إضفاء الشرعية على هذه العملية باعتمادهم منهجاً انتقائياً لقواعد القانون الدولي، وكأنها دفاع عن النفس كما ينص على ذلك القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
3-الآليات الاقتصادية العسكرية في ضوء التحولات الدولية:
يهدف النظام العالمي إلى عبور الحدود الجغرافية دون اعتبار للسيادة، ويعمل على تحويل أسواق العالم المتعددة إلى سوق عالمية واحدة، تسيطر عليها الشركات والمؤسسات الكبرى متعددة الجنسيات، كما سعى إلى تقنين جميع الأوضاع الاقتصادية من خلال تقييد الدولة عن التدخل في الاقتصاد وإطلاق العنان لحرية السوق. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، تم إنشاء ثلاث منظمات دولية كبرى تقوم بإرساء قواعد هيكل النظام الاقتصادي العالمي، وتشرف على تكوين البنية التحتية الأساسية لها، وهي:
3/1- منظمة التجارة العالمية:تم انشاء منظمة التجارة العالمية (wto) عام 1995 بعد تبني اتفاقية الجات (gatt) وتطويرها من خلال إضافة أحكام وبروتوكولات جديدة. وهي تعد من أخطر المؤسسات المتعلقة بالنظام الاقتصادي العالمي نظراً للدور الذي تلعبه في إضفاء قيود على السيادة الوطنية، وقد أنيطت بها صلاحيات واسعة في مجال مراقبة النظم التجارية، وفرض الانضباط على النشاطات التجارية.
3/2-صندوق النقد الدولي والبنك الدولي:
إن صندوق النقد الدولي يطغى على سيادة باقي الدول فيعمل على فرض سياسات اقتصادية تحد من سيادتها، وذلك من خلال تدخله في عمليات الخصخصة وإعادة هيكلة الاقتصاديات والحد من تدخل الدولة في العديد من الشؤون الاقتصادية، وإلا تعرضت للانهيار والخراب الاقتصادي من خلال منع القروض .
دراسة حالة التدخل الإنساني في العراق عام 1991:
في بداية التسعينيات طرأ تحول كبير على مسألة التدخل الإنساني، مما دفع منظمة الأمم المتحدة إلى الدفاع عن مبادئها الأساسية المتمثلة بحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، حرصاً منها على حفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادتهما إلى نصابهما، فكان العراق من بين أهم القضايا التي تدخلت بها الأمم المتحدة عن طريق مجلس الأمن لوقف الاضطهاد والقمع الموجهين ضد المدنيين العراقيين. فعقب انتهاء حرب الخليج الثانية عام 1991 انتفض الشيعة والأكراد العراقيون على السلطات العراقية المركزية، وجاء رد السلطات العراقية بالقمع والفتك بالمواطنين، مما أدى إلى نزوح مئات الآلاف من المدنيين في جنوب العراق وشماله إلى داخل الأراضي الايرانية والتركية في ظروف مأساوية، نتيجة لنقص في الأغذية والأدوية والمياه الصحية، فضلاً عن المعاملة القاسية اتجاههم.
وبناء على ما تقدم، قدمت فرنسا في مطلع نيسان عام 1991 مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي تطلب فيه إدانة القمع العراقي للسكان المدنيين، فصدر القرار رقم 688 من مجلس الأمن يوم 5 نيسان 1991 يطالب العراق بالكف عن ملاحقة المدنيين الأكراد واحترام حقوق الإنسان العراقي وحث هيئات الإغاثة الدولية على التجاوب مع احتياجات اللاجئين الأكراد المتواجدين في إيران وتركيا، كما حث العراق على السماح للهيئات الإنسانية بالحرية الكاملة في توصيل المساعدة إلى أي عراقي في حاجة إليها. وقد اعتمد القرار 688 من مجلس الأمن بأكثرية عشرة أصوات ضد ثلاثة وامتناع إثنين عن التصويت. وعليه تقتضي دراسة حالة التدخل الإنساني في العراق من خلال محورين أساسيين وهما :
(عرض وتقييم مبررات التدخل الإنساني في العراق، وقرار مجلس الأمن رقم 688 وسيادة ا العراق).
عرض وتقييم مبررات التدخل الإنساني في العراق :
إثر انتهاء حرب الخليج الثانية وانهيار القدرة العسكرية للجيش العراقي، هزيمته في حرب تحرير الكويت، سنحت الفرصة أمام الشعب العراقي كي ينتفض ضد نظام الحكم الديكتاتور، وذلك بسبب القسوة والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان والحريات العامة وتغييب الديمقراطية في الحياة السياسية، مع وجود التسلط القمعي والحكم الشمولية من قبل الحكومة العراقية على جميع مجالات الحياة في المجتمع ،نتيجة هذا الوضع، جاء رد السلطات العراقية بالقمع والفتك بالمدنيين، فعبر ستمائة ألف نازح الحدود الدولية إلى تركيا، ونزح أكثر من مليون إنسان إلى إيران في ظروف صحية مأساوية. على هذا الأساس حدث التدخل الدولي الإنساني في العراق، مما دفع بمجلس الأمن للتدخل استناداً إلى مطالب واقتراح فرنسا وتركيا وإيران.
وبناء على ما تقدم سوف نتحدث هنا بالتفصيل الظروف المحيطة بالتدخل الإنساني في العراق ،و الدافع الإنساني أساساً للتدخل الإنساني في العراق وتقييم مبررات التدخل الإنساني في العراق.

*أستاذة جامعية وباحثة سورية