هآرتس: يجب مبادلة الإسرائيليين بالأسرى الفلسطينيين فوراً

هآرتس: يجب مبادلة الإسرائيليين بالأسرى الفلسطينيين فوراً
Spread the love

– غدعون ليفي – محلل إسرائيلي –
مَن يرغب في تحقيق الإفراج عن المخطوفين الـ210 (مَن لا يرغب في ذلك أصلاً؟) عليه أن يكافح الآن، وبكل طاقته، ضد الاجتياح البري لغزة، وفي الوقت ذاته، عليه أن يمارس كل ضغط ممكن على الحكومة من أجل التوصل إلى اتفاقية تقضي بإطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين. لا مغزى مطلقاً، من مناقشة الأخطار الحقيقية وتلك المتخيلة التي يمكن أن تنجم عن تحرير جماعي على هذا النحو، ومن دون ذلك، لا ولن يحدث أيّ إطلاق للمخطوفين، ومَن يعارض الإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين، يعارض، عملياً، إطلاق سراح المخطوفين. وستُلطَّخ يداه بدماء هؤلاء. لا شيء هنا بالمجان، ولن يكون، ومن المستحسن أن ندرك هذا الأمر منذ الآن. فمن يرغب في إطلاق سراح المخطوفين، عليه أن يقول الآن، وبصوت عالٍ وواضح: أوقفوا الاجتياح البري – لن تُعقَد صفقة في ظل الاجتياح البري – وعليه أن يدخل في مفاوضات تفضي إلى الإفراج عن الأسرى. من المؤسف أن عائلات الإسرائيليين المخطوفين لا تتبنى هذا الموقف.
قامت إسرائيل بإطلاق سراح 1027 أسيراً فلسطينياً في مقابل جلعاد شاليط. وبحسب هذا الثمن، على إسرائيل إطلاق سراح 210 آلاف من الفلسطينيين من السجون ومن ظلم الاحتلال في مقابل 210 مخطوفين. طبعاً، لا داعي للمبالغة وطرح مثل هذه الأرقام غير الواقعية، لكي ندرك أن “حماس” تملك في قبضتها أثمن ما كانت تملكه على الإطلاق. أمّا إسرائيل، التي تدّعي الحفاظ على سلامة مواطنيها من كل النواحي، وأن الدم اليهودي مقدس، في نظرها، وأن حياة مواطنيها أغلى من أيّ شيء آخر، فعليها أن تثبت ذلك الآن، وبالأفعال هذه المرة، وليس بالكلام الفارغ. حين يقع إسرائيلي في ورطة في بلاد أجنبية، عليه أن يعلم أن دولته ستقوم بكل ما في وسعها من أجل إنقاذه.
يجب أيضاً التوقف عن ترهيب الناس من خلال سرد قائمة المخاطر التي قد تنجم عن إطلاق سراح الأسرى: إذ إننا جميعاً نعلم أن التنظيمات الفلسطينية لا تفتقر إلى الأيدي العاملة. قبل الحرب، كانت إسرائيل تحتجز نحو 5000 أسير فلسطيني. أكثر من 1000 من هؤلاء معتقلون من دون محاكمة. هناك تقريباً 200 من القاصرين، وهم في معظمهم، سجناء سياسيون. يمضون أحكاماً صارمة، بموجب أحكام ناجمة عن أفضل الأساليب القضائية الكاريكاتورية التي يُطلق عليها اسم “جهاز القضاء العسكري”. وقد أُضيف إلى هؤلاء السجناء الخمسة آلاف، أكثر من ألف فلسطيني قامت إسرائيل بخطفهم في الضفة الغربية خلال الأسبوعين الماضيين فقط، وطبعاً، هناك عدد غير معروف من المسلحين من غزة، وآلاف الغزيين الآخرين، رهن الاعتقال. إن الإفراج عن معظم هؤلاء، بل جميعهم، هو أمر واجب الآن، إلّا إذا كان هناك ميل إلى التخلي عن المخطوفين الإسرائيليين، وتركهم لمصائرهم.
لقد تمكنت إسرائيل من تلقين الفلسطينيين درساً واحداً واضحاً على مدار السنوات الطويلة: منذ أوسلو، حين تم إطلاق سراح 5000 فلسطيني آنذاك، لم تعد إسرائيل مستعدة للإفراج عن الآلاف من أبناء الفلسطينيين، إلا نتيجة استخدامهم القوة. لم تفكر إسرائيل قط في إطلاق سراح أسرى بدافع منها، أي بدافع الكرم، لتغيير الأجواء وإبداء حُسن النية. إن خطف الأطفال والنساء والعجائز والمدنيين عموماً، هو جريمة، لكن يبدو أن إسرائيل لم تفلح أبداً في إدراك المكانة المهمة التي يحتلها الأسرى الفلسطينيون في الوجدان الفلسطيني. وإسرائيل، كعادتها، تؤمن بأن الفلسطينيين لا يحبون أبناءهم.
يمكن أن يكون هناك، من ضمن الأسرى، مَن سيخدم الإفراج عنه، فعلاً، المصلحة الإسرائيلية الحقيقية: مروان البرغوثي هو أبرزهم طبعاً. فهو الزعيم الفلسطيني الوحيد الذي يمكنه أن يُحدث التغيير، ربما حتى في غزة. كما أن إطلاق الأسرى العرب الحاملين الجنسية الإسرائيلية، الذين يقبعون في السجون منذ ما يزيد عن 40 عاماً، من دون أيّ منطق عقلاني يبرر ذلك، على غرار وليد دقة المريض، وطبعاً، إطلاق سراح جميع الأسرى السياسيين والمعتقلين الذين تم اعتقالهم من دون محاكمات، سيكون هو الصحيح والعادل فعلاً، لكن العدالة باتت أقل أهمية في هذه المرحلة. الأهم هنا هو إنقاذ حياة البشر. المئات من البشر.
علينا ألّا نقع في حبائل التضليل والكلام المعسول. إن حياة المخطوفين في خطر، ويجب القيام بكل ما يمكن القيام به من أجل إنقاذهم. لهذا الغرض، على عائلات المخطوفين تنظيم صفوفها ورفع صرختها أعلى كثيراً مما فعلت حتى الآن. لقد زُلزل البلد بسبب جثمان الجندي هدار غولدن، زلزلة أعلى كثيراً مما حدث له بسبب المخطوفين الـ210. لا أعرف ما إذا كانت ضمائر الناس أصيبت بالعمى، أو أن عائلات المخطوفين، لسبب ما، لم تنظم نفسها كما يجب، ولا تزال تعاني جرّاء صدمة تفوق التحمل، لكن الوقت ثمين جداً. والساعة تدق: هل تكترث إسرائيل حقاً لبناتها وبنيها؟

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole